|
النقابات السورية والنضال العمالي والحرب
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4608 - 2014 / 10 / 19 - 15:04
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
تنفيذاً لقانون التنظيم النقابي ، وتعبيراً عن دور الطبقة العاملة والنقابات ، في استعادة الحياة الطبيعية في البلاد ، جاءت دعوة الاتحاد العام لنقابات العمال في سوريا ، لإجراء انتخابات لدورة نقابية جديدة . وهي تبدأ قانوناً بانتخابات اللجان النقابية ، في المعامل ، والمهن الحرفية ، التي تشكل نتائجها القاعدة النقابية ، التي ينهض عليها هرم الهيكل النقابي ، من مكاتب النقابات ، واتحادات عمال المحافظات ، والاتحادات المهنية ، وصولاً إلى الاتحاد العام . ولاستثنائية هذه الدورة بالذات ، التي تجري في ظروف استثنائية ، ولكبر المطلوب من النقابات السورية في المرحلة الراهنة ، ينبغي اتخاذ موقف ، مبدئي ، نقدي ، من سيرورة نصف قرن من الحراك النقابي السوري . وذلك من أجل إحداث نقلة كفاحية نوعية في حركة النقابات السورية ، لما لدورها الوطني والاجتماعي من أهمية بالغة .
في كل الدورات النقابية السابقة ، منذ عام 1964 ، كان الموجه والمقرر ، في إجراءاتها ، وانتقاء كوادرها ، وإخراجها ، هو مكتب العمال القطري لحزب البعث الحاكم . ما كان يؤدي موضوعياً ، إلى أن تكون نتائج الانتخابات تحمل بصمات الحزب ، أكثر مما تحمل بصمات الطبقة العاملة ، وأن تحمل طلبات الحزب قبل أن تحمل مطالب العمال المشروعة . وقد تكرس هذا الواقع ، رسمياً .. وحزبياً .. ونقابياً .. عام 1975 ، تحت عنوان " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " وذلك على خلفية ، وهي واقع فعلاً ، أن القيادات النقابية ، ومدراء المعامل ، والمسؤولين في السلطة ، هم رفاق يمثلون الحزب الحاكم ، وينبغي أن يسود فيما بينهم التنسيق والعمل المشترك ، لمصلحة " الحزب " والدولة . وقد أدى التحزب ، والتسيس السلطوي للنقابات ، إلى فقدان الحركة النقابية السورية العريقة المناضلة استقلاليتها ، وإلى إلغاء دورها المشهود له في الظروف الخطيرة المتلاحقة ، التي تعصف في البلاد .
وقد لعبت هذه الهيمنة على الحركة النقابية دوراً سيئاً جداً ، في أدائها المطلوب عمالياً ، وعزلتها عن قواعدها العمالية ، وفتحت في المجال للفساد أن ينتشر ، في المؤسسات العامة والقطاع العام الإنتاجي والخدمي . إذ أن نحو 80% من كوادر التنظيم النقابي تعمل في معامل ومؤسسات الدولة ، وأن مصدر هوية هذه الكوادر السياسية هو الحزب الحاكم . ما يعني ، لو أن الحركة النقابية كانت تتمتع باستقلالية إيجابية ، تساعدها على الاندماج الكفاحي مع قواعدها العمالية ، لما بلغ الفساد حجم وفعالية ما بلغ .
وقد تكشفت هذه الحقيقة لما آلت الحركة النقابية السورية ، أكثر من أي وقت مضى ، في عهد حكومة " ناجي عطري " في العشرية الأولى من القرن الحالي ، التي انتهجت سياسة اقتصادية ، ترمي إلى تحجيم العام .. وإلغاء معظم مؤسساته ، وذلك انسجاماً مع نهج اقتصاد السوق ، الذي كان يقوده ، النائب الاقتصادي لرئيس الوزراء " عبد الله الدردري " ، والذي جاء بالمزيد من الفساد ، وارتفاع الأسعار غير المبرر ، وتوسيع قاعدة البطالة ، وانحدار حياة الملايين من المواطنين إلى ما دون خط الفقر " وبعضها إلى ما دون خط الجوع ، وخاصة في الأرياف التي أصابها القحط ، أو تلك التي تعيش في عشوائيات البؤس حول المدن الرئيسية . وكان ذلك أحد العوامل الموضوعية لحركة الاحتجاجات ، التي أقر بمشروعيتها " رئيس الدولة " في حزيران 2011 ، الذي استمد منه المتآمرون وقوداً ، لإشعال الحرب بين الأشقاء ، التي ما لبثت أن تحولت إلى حرب إرهاب دولي ، امتدت حرائقها ، لتشمل معظم البيوت والناس .
وما بين انتخابات 2010 ، وانتخابات 2014 ، جرت وتجري في سوريا أحداث كبرى ، أدت اجتماعياً وشعبياً ، إلى تفكيك ، وتغيير بنية ما كان قائماً ، من مؤسسات اجتماعية ، وسياسية ، واقتصادية ، كما أدت إلى واقع كارثي في البنية المجتمعية والجغرافية . فهناك معامل كبيرة ومتوسطة هامة في مناطق عدة قد توقفت عن العمل ، ومهن حرفية كثيرة توقفت عن الإنتاج ، وهناك كثير من العمال ، هاجروا ، أو هجروا ، وتشردوا ، وهناك من يكابد الإحساس بفقدان الوطن والمواطنة ، بفقدان فرص العمل ومصادر العيش في وطنه ، وهناك نسبة هامة من المواطنين ، إما هي خاضعة ، أو هي تحت تهديد الإخضاع لسطوة الإرهاب الدولي ومذابحه . ما أضعف إجمالاً بنية عدد لا بأس به من مؤسسات الدولة الخدمية والإنتاجية ، وبالتالي تعطلت " النقابية السياسية " العتيدة .. وجرى للحركة النقابية ما جرى للحزب الحاكم كماً ونوعاً .
إن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو ، هل حقاً أن انتخابات نقابية ، بمعناها الانتخابي الديمقراطي ، ستجري في سوريا ؟ .. وسيتأتى عن هذه الانتخابات ، ما يستوي مع ما هو مطلوب من النقابات ، في معالجة الواقع السوري ، الذي وصل إلى ما هو أسوأ من الأزمة ؟ .. وهل هناك توجه ، لإعادة بناء التنظيم النقابي ، وفق معايير جديدة ، تحقق الاستقلالية ، والحيوية ، للحركة النقابية شكلاً ومضموناً ؟ ..
نتمنى ذلك .. ونتمنى أن تستعيد الحركة النقابية استقلاليتها ، وحراكها النضالي العريق . لكننا حتى اللحظة ، لم نجد ما يدل على ولوجها هذا المسار في أنشطة الاتحاد العام ، وبياناته ، وتوجهاته الانتخابية . ما نجده الآن هو إطلاق حراك وجودي للحزب الحاكم ، ويخشى من تكراره الهيمنة السابقة المؤذية على الحركة النقابية ، عمالياً ، ونقابياً ، واقتصادياً ، وسياسياً .
هذا لا يعني إنكار .. أو تجاهل دور التنظيم النقابي ، الوطني ، وبخاصة ، أيام عدوان حزيران 1967 ، وفي حرب تشرين 1973 ، وفي مقاومة الإرهاب الدولي الآن ، بل هو مطالب به ، وبأقصى الطاقات المتوفرة لديه . لكن هذا الدور ، هو دور سياسي .. وربما عسكري . إن الدور المطلوب منه أساساً وبإلحاح الآن ، هو احتضان وقيادة قضايا الجماهير العمالية والشعبية ، وتبني مطالبها المشروعة ، التي تتزايد آلامها مع استمرار بقائها معلقة ، فيما يمكن معالجتها بعدد من الإجراءات ، لاسيما ، ارتفاع الأسعار الجنوني ، وتوسع البطالة ، ، ومواجهة ألاعيب تجار الأزمات والحرب ، الذين لا يقلون إجراماً عن إجرام الإرهاب الدولي . وهذا الدور يطمئن الطبقة العاملة والجماهير الشعبية ، بأن هناك من يتحدى ظروفهم السيئة معهم ، ويحجم إلى حد كبير من تأثير التضليل السياسي الرجعي والتكفيري الذي يرمي إلى اكتسابهم حواضن ثابتة لإرهابه وجرائمه .
إن ملايين العمال في سوريا ، وهم جبهة نضالية واسعة ، بحاجة لمن يسمع لهم ويلبي مطالبهم ، ويقود نضالاتهم ، لمساعدتهم على تأمين الرغيف .. وعلى أداء التزاماتهم الوطنية أكثر .. فأكثر .
ولذلك لا غنى عن القول في هذه الانتخابات ، إن من المطلوب أن تبلور وتطرح المطالب العمالية المعيشية والأمنية ، في برامج وبيانات ومداولات الانتخابات ، لعل ذلك يساعد الكوادر الوفية لانتمائها العمالي ، أن تقفز إلى موكب النضال النقابي الأصيل المشرف ، المرتبط بالطبقة العاملة .. برغيفها .. وشروط عملها .. وحرياتها .. وطموحاتها .. أكثر مما يرتبط بحزب حاكم .. أو غير حاكم . بل كما هو مرتبط بوجود الوطن ، والحفاظ عليه أرضاً وشعباً .. وتحريره من الإرهاب الدولي .. وإعادة بنائه كما يقرر الشعب عبر آليات ديمقراطية شفافة .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كوباني .. هذه المدينة البطلة
-
ضد الإرهاب وحرب الخديعة الجوية
-
بدر الدين شنن - كاتب يساري ونقابي عمالي سوري - في حوار مفتوح
...
-
وليمة لذئاب حرب الإرهاب
-
مع غزة .. أم مع .. تل أبيب ؟ ..
-
السؤال المستحق في اللحظة العربية الراهنة
-
متطلبات مواجهة الإرهاب الدولي
-
أنا والحرية والحوار المتمدن
-
أنا مقاوم من غزة
-
غزة تستحق الحياة والحرية
-
غزة لاتذرف الدموع .. إنها تقاتل .
-
المؤامرة والقرار التاريخي الشجاع
-
السمت .. وساعة الحقيقة
-
خديعة حرب الإرهاب بالوكالة
-
الإرهاب ودوره في السياسة الدولية
-
ما بين حرب حزيران وحرب الإرهاب
-
دفاعاً عن شرعية الشعب
-
الانتخابات وحرب التوازن والتنازل - إلى المهجرين ضحايا منجم
...
-
حلب تحت حصار الموت عطشاً
-
من أجل سوريا جديدة .. وديمقراطية جديدة
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط
...
-
وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير
...
-
“الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم
...
-
مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من
...
-
م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
-
م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في
...
-
ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
-
التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
-
شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
-
بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|