بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4464 - 2014 / 5 / 26 - 13:26
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
قبل أن تنفجر أحداث وحروب " الربيع العربي " ، لم تستخدم في الخلافات الدولية ، عبارات يطلقها رئيس دولة ، أو مسؤول كبير في دولة ، تتسم بالتخل الوقح ، في الشؤون الداخلية لبلدان ذات سيادة وعضوة في الأمم المتحدة ، مثل عبارة " ينبغي على الرئيس .. فلان . أن يتنحى " و " أن الرئيس .. فلان .. قد فقد الشرعية وعليه أن يرحل عن السلطة وعن البلاد " .
لم نسمع مثلاً ، أن رؤساء مثل " روزفلت .. وأيزنهاور .. وجون كيندي .. أو غيرهم " وجهوا مثل هذه العباران إلى " ستالين " أو يوسف بروز تيتو أو جواهر لال نهرو ، أو جمال عبد الناصر " رغم التحدي الدائر بين دولهم تحت سقف الحرب الباردة .
كما لم نسمع في وقتنا الراهن ، أن زعماء دول ، مازال يقال أنها عظمى ، مثل أميركا وفرنسا وبريطانيا ، وزعماء دول هواة الزعامة العظمى ، مثل تركيا وقطر والمملكة السعودية ، قد وجه هذه العبارات إلى " بوتين " أو إلى رؤساء دول مثل الصين والهند وجنوب أفريقيا وفنزويلا وإيران ، مع أن رؤساء هذه الدول ليسوا على وئام .. بل إن بعضهم على صدام .. مع السياسات الأميركية والغربية ، ومع سياسات هواة العظمة الإقليميين ، بل وهناك حرب ضروس ، معلنة وسرية ، سياسية واقتصادية ومخابراتية ، على المستويين الإقليمي والدولي ، تهدد جدياً بإنهاء القطبية الأميركية الأحادية الدولية للعالم ، وبتحجيم الدول الدول الأخرى " الأّماّرة " للغير بالتنحي ، إلى مستوى أصغر ، وربما تصفيرها في السياسات الإقليمية والدولية .
بيد أن مع انفجارات " الربيع " الحربية " ظهرت تدخلات سياسية وإعلامية وعسكرية ، في شؤون عدد من الدول العربية ، بطريقة فظة ، تم توزيع الأدوار والمسؤوليات فيها ، على مسرح يمتد من شمال أفريقيا إلى المشرق العربي . وقد سما الإعلام الفضائي والالكتروني المشارك في الحرب ما يحدث " ثورة " وبعض السياسيين المخضرمين سموه "انتفاضة " وبعض آخر سماه " حراكاً .
وفي كل تجليات أحداث " الربيع " السلمية والمسلحة ، كانت إملاءات التنحي ، الموجهة لرؤساء الدول العربية المستهدفة ، تتكرر وتتصاعد ، من واشنطن وباريس واستنبول والدوحة والرياض والقاهرة وأنقرة .
أولى إملاءات التنحي ، وجهت إلى رئيس تونس ، وكانت أمراً فهمه " زين العابدين بن علي " جيداً . وكان هروبه من مسؤولية ضحايا التظاهرات وفساد عهده تنحياً ناجزاً . واستقر به الحال في منفاه الطوعي الآمن بحماية المملكة السعودية .
ثم وجهت هذه الاملاءات إلى رئيس ليبيا " معمر القذافي " ، لكنه لم يستجب وقاوم . وكان قتله تنفيذاً للتنحي .
ثم وجهت إلى رئيس مصر " حسني مبارك " ، فامتثل للاملاءات .. وتنحى .. وذهب إلى السجن خانعاً ، ليمثل دور الرئيس المهزوم في " محاكمة العصر " .
ولما وجهت إلى رئيس اليمن " علي عبد الله صالح " ، ماطل وسوف . فأطلقوا عيه الصواريخ ، لتنحيه هي عن الرئاسة .. وعن الحياة . لكنها لم تكن حسنة التصويب . وغادر إلى المملكة السعودية للعلاج . ثم عاد .. وتنحى .. وانزوى .
* * *
في الأزمة السورية ، استخدمت عبارات التنحي وفقدان الشرعية بكثافة واستفزازية متميزة ، تتناسب طرداً مع الرد السوري ، ومع تصاعد إحساس مطلقيها بالعجز عن إلزام الجانب السوري بما يأمرون .. ولإدراكهم أنهم يواجهون في سوريا حالة مختلفة عن ليبيا وتونس ومصر واليمن ، التي حققوا فيها انتصارات سريعة ، وأنهم في حسابات معركة التنحي في سوريا ، رغم كل ما بذلوه من جهود وأنشطة كانوا غير مطابقين للواقع السوري .
وعندما نعود إلى بدايات معركة التنحي في سوريا 2011 ، نجد كيف انبرى عدد من المسؤولين في دول الجوار السوري ، وعلى المستوى الدولي ، إلى الإعلان المتواتر ، أن الرئيس " قد فقد الشرعية .. وعليه أن يتنحى عن السلطة " لفريق معارض موال لهم دون غيره . وأكثر هؤلاء بروزاً هم " أوباما وساركوزي وبعده هولاند وأردوغان وكاميرون وحمد آل ثاني وعبد الله آل سعود " ووزراء خارجيتهم " هيلاري كلينتون وأحمد أوغلو وسعود الفيصل وآلان جوبير وبعده فابيوس وحمد بن جاسم آل ثلني "
وقد توازت ، وتصاعدت هذه الاملاءات أكثر، مع تصاعد المواجهات المسلحة بين الجماعات المسلحة ومصدري الشرعية الدولية ، وبين قوات الحكومة السورية . وزادت دموية وتدميراً مع حشد وإدخال الجماعات الإرهابية الدولية المسلحة ، كطرف رئيس في هذه المواجهات . كما توازت معها عملية التهجير الممنهج ، في الداخل ، وإلى الخارج ، لتركيع الشعب السوري ، وإضعاف مقاومته لظروف الحرب ، ولأفغنة سوريا ، وتوظيف عنصر الهجرة والتهجير في زيادة مصادر تجنيد المسلحين ، ولتوظيف ذلك في دعم شرعية مخربي شرعية الشعب ، والسيادة الوطنية .
* * *
مع انتقال تطبيقات معارك التنحي وفقدان الشرعية ، في البلدان المستهدفة ، من التظاهر الاحتجاجي ، إلى حرب مدن ، وخنادق ، وأنفاق . ومع اتضاح أن " التنحي " المطلوب ، لايعني فقط زعم إزاحة رؤساء دول من السلطة ، لأسباب ، الترهل ، والفساد ، والقمع ، أو مغضوب عليهم لخلافات استراتيجية . وإنما يعني بالأساس تدمير دول قائمة ، وتمزيقها ، والسيطرة على ثرواتها ، واستخدام جغرافيتها السياسية ، ويعني تجسيد واضح لمخطط " الفوضى الخلاقة " التي بشر بها طاقم " الرئيس بوش " في بداية القرن الحالي ، وتحدثت عنها وزيرة الخارجية الأميركي السابقة " كوزاليزا رايس " مرات عدة ، لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط والعالم .
يبرهن على ذلك نوعية وارتباطات وتخلف ، من أوتي بهم للحكم بعد إزاحة رؤساء تونس ومصر وليبيبا واليمن .
ومع هذا التوالي الجلي ، تلاشت كل التسميات " لما يحث " بإدارة وأوامر الخارج . وانتشر توصيف آخر . عبر عنه قولان متعارضان . قول أداة التنحي المسلحين وداعميهم " إنه ثورة .. جهاد " وقول أصحاب الحق والمسؤولين عن حماية الوطن " إنه إرهاب .. وعدوان دولي " . ما أدى إلى تحول حاسم في مضامين ما يحدث ، من صراع سياسي وخلافات داخلية ، إلى معركة وطنية . وإلى تبدل الاصطفافات السياسية . كما أدى إلى صراع حول مفاهيم الشرعية . بين شرعية مستحدثة تمنحها منظومة دولية تتجاوز الحدود ، ودستور البلاد ، وصوت الشعب ، وبين شرعية دستورية وطنية تصنعها إرادة الشعب .
ومع هذه التحولات ، يصبح الدفاع عن الشرعية ليس دفاعاً عن شرعية رئيس ، وإنما عن شرعية شعب .. وشرعية دولة تمثل كل الشعب .
* * *
الآن يستخدم بشكل مبرمج ، وبوسائل شتى ، التهجير والهجرة ، للدلالة على عدم شرعية الدولة ، وعدم شرعية الانتخابات الرئاسية . وذلك امتداداً لمعركة " التنحي .. وفقدان الشرعية " المفتوحة على سوريا . من ذلك ، استقبال الرئيس الفرنسي رئيس الائتلاف السوري المعارض بوصفه ممثلاً للشعب السوري ، وهو يعرف أن " الجربا " لايحمل أية شرعية دستورية أو انتخابية عامة ، ومن ذلك أيضاً ، تصريحات الرئيس الفرنسي ، عدم شرعية الانتخابات الرئاسية السورية ، لأن هناك ، حسب زعمه ، عشرة ملايين سوري مهاجر خارج الوطن .
اللافت أولاً ، أن الرئيس الفرنسي ، قد بالغ كثيراً في عدد المهاجرين السوريين إذا كان يقصد المهاجرين في ظروف الحرب ، فهم أقل من ذلك بكثير ، ومعظمهم مهاجرون إلى أماكن آمنة داخل سوريا .
واللافت ثانياً ، أن الرئيس الفرنسي ، لايعرف ، أو يتجاهل ، عدد السوريين المهاجرين في بلدان العالم ، منذ أواخر العهد العثماني إلى الآن .
ومساهمة منا في تزويد من يعرف ، وتذكير من يتجاهل ، نقول ، حسب الكثير من الإحصائيات الهيئوية ، والبحثية ، والشخصية ، أن عدد السوريين في العالم يبلغ ( 73 ملين ) منهم ( 35 مليون ) يتمتعون بالجنسية السورية ( 24 مليون في الداخل ) والبقية يعيشون في الخارج . و ( 38 مليون ) تجنسوا حيث يقيمون ، لكنهم يكنون كل الحب لوطنهم الأم سوريا .
وقد أضيف إلى أعداد السوريين في الخارج المتمتعين بالجنسية السورية ، عدد من المهاجرين الجدد تحت ضغط الحرب . وأكثرية هؤلاء الساحقة ليست تحت سقف دول ذات مآرب تدميرية في سوريا ، ويستطعيون أن يمارسوا حقهم الانتخابي . ومقارنة أعداد المهاجرين الممنوعين من الانتخابات ، في دول تعسفت إزاء حقوقهم الانتخابية الجارية في بلادهم ، مع الكم الهائل من الذين لايطالهم هذا التعسف ، تنفي ذريعة الرئيس الفرنسي وغيره المتسارعة باستخدام أعداد المهاجرين كمعيار لشرعية الانتخابات في سوريا الآن .
ولايمكن تفسير هذا التعسف إلاّ متابعة للهجوم على شرعية الدولة السورية ، ومتابعة للحرب التدميرية التي تشترك فيها فرنسا بفعالية سافرة . وتبرير كل الجرائم التي أرتكبت وسترتكب باسم إعادة الشرعية للدولة السورية . كما تنفي مزاعم الدمقراطية في حركة ما يسمى " أصدقاء سوريا " . وتظهر الخوف من ممارسة الشعب السوري لحقوقه الديمقراطية الأساسية . ما يتطلب الدفاع عن شرعية الشعب ، وكافة التعبيرات الديمقراطية المتاحة ، على مستوى الدولة والأفراد والمجتمع .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟