بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4333 - 2014 / 1 / 13 - 12:31
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
كان واضحاً منذ بداية عسكرة المعارضة ، وتدفق المسلحين الإرهابيين الأجانب للمشاركة في الحرب الدموية الشرسة ، أن حرب أمراء الحرب هي قادمة لامحالة . وذلك عندما يـأتي وقت يبدأ فيه السلاح ، كوسيلة وحيدة للوصول إلى الأهداف ، بالانزياح ، بسبب عدم معرفة أجل محدد للاستغناء عنه ، ولتكلفته وغموض أفقه ، ويبدأ أيضاً التفكير العقلاني ، المصلحي الوطني والدولي بوسيلة أخرى ، وصولاً إلى حل سياسي ، يحقق قواسم مشتركة داخلياً ودولياً .
وهي لامحالة قادمة من طرف آخر ، لأن معظم ، إن لم يكن جميع المسلحين ، لايحملون قضية عادلة تنتمي إلى البيئة التي يقاتلون فيها ، التي عادة يتوقف استخدام السلاح من أجلها عندما تتحقق . فمعظمهم يحاربون من أجل الارتزاق من غنائم الحرب في الدنيا ، والارتزاق كما يتوهمون عند الله في الآخرة . وما يحملونه من بديل يبشرون به " دولة الخلافة " هو بديل مفوت ، لايتطابق مع الواقع المعاصر ، ولا مع مطالب وطموحات الشعب السوري . ولذلك فإن غياب أو ضبابية البديل ، والفشل المنظور من خلال عدم وضوح انتصارهم في الحرب ، يدفعهم إلى إعادة الاستقطاب نحو الأكثر تطرفاً ، وإلى التشرذم ، واحتراف الحرب كأفق وحيد أمامهم .
أخيراً ، إن حرب أمراء الحرب قد اندلعت ، وتوسعت ، والخسائر المادية والبشرية زادت وكثرت . وساد الغموض حول الأطراف المتحاربة والأهداف المحددة لها . لسبب رئيس هو ، أن الأطراف المتحاربة جاء بها إلى الداخل السوري مصدر واحد ، وهي تدعم بكل احتياجات مواصلة حربها من نفس المصدر . إعلام المسلحين يشير إلى سقوط ( 700 ) قتيل في صفوفهم في اشتباكاتهم في الأيام الماضية ، لكنه لم يذكر عدد الجرحى ، ولم يذكر ما طالته هذه الحرب من أرواح المدنيين الأبرياء ، وكذلك ما أحدثته من دمار في مواقع الاشتباكات " الجهادية " البينية . مصادر إعلامية كثيرة تناولت هذه الحرب . لكنها لم تذكر سوى الأسباب الشكلية لاندلاعها ، وتعزوها إلى نزعات الاستحواذ على قيادة شاملة للمسلحين في الحرب السورية ، لصالح مؤتمر جنيف2 أو لتخريبه . وتجنبت الدلالة الواضحة ، على أن الحرب السورية قد دخلت مرحلة موازين قوى جديدة ، مرحلة فتحت الطريق لإنهائها في غير صالح الجماعات المسلحة .
قليل من المراقبين ، من أمسك بالسبب الأهم لانلاع هذه الحرب ، وهو فشل فكرة عسكرة المعارضة ، وانفضاح كذبة ، أو وهم " الجهاد .. والتحرير " ومن ثم تأتي أسباب أخرى لاتقل أهمية ، التي تتضمنها الأسئلة المحقة في هذا السياق وهي :
" هل هناك تمرد حول الغنائم والنفوذ .. وتمرد على التمرد ، في العلاقة بين المصدر والمسلحين .. أو قسم من المسلحين ؟ .. أم أنه تنافس بين كتل المسلحين لكسب أولوية الاعتبار والدعم من المصدر ؟ .. هل تعمقت التباينات بين خلفيات تيارات المسلحين ( إسلامية ـ مدنية ) تعكس خيارات المستقبل لدرجة الصدام المسلح ؟ .. هل فشل مشروع " الجهاد الدولي " لإعادة " دولة الخلافة " بعد سقوط محمد مرسي في مصر ، وتوالي التداعيات الميدانية في سوريا ، قد سرع في التصفيات الجسدية لتصفية غنائم الحرب ، قبل فوات الأوان ؟ .. هل هذه الحرب هي انعكاس لانقسام في المصدر الأساس في القيادة والدعم ، المتمثل بتبديل بعضه استراتيجيته في الحرب السورية وصراعات الإقليم ، استجابة لمتغيرات دولية ، وبعضه الآخر يحاول تغيير موازين القوى الميدانية ، بدل أن يبدل شيئاً ؟ .. "
كل هذه الأسئلة المترادفة مشروعة ، ويكاد بعضها يجيب على بعض . وهي تدل على أن حرب أمراء الحرب ، حرب متكاملة تحت عناوبن متباينة في التعامل مع الحرب السورية ، وفي قضايا الشرق الأوسط الساخنة الأخرى ، وأهمها ، الصراع العربي الإسرائيلي ، ومصادر الطاقة ، والمشروع النووي الإيراني .
غير أن ما يعقد المشهد ، هو أن الحلقة الوسطى في تراتب قيادة الحرب السورية ، وهي الدول الإقليمية .. المملكة السعودية .. قطر .. تركيا ، تبدو ، وخاصة السعودية ، من خلال استمرار قيادتها ودعمها للمجموعات المسلحة المتنابذة ، وكأنها ، رغم علاقتها العضوية بدول الحلقة الأولى .. الأمريكية ـ الغربية ، تسير عكس التيار الستراتيجي الجديد . فالمملكة السعودية تعمل بثنائية سافرة . إنها تدعم " داعش " في العراق وتحاربها في سوريا .. تدعم الأخوان المسلمين في سوريا وتحاربهم في مصر . والمملكة وقطر وتركيا جميعها تعمل وكأنها تتواطأ مع أطراف من المسلحين ضد قيادات " الإئتلاف " المدنية الخانعة " على عماها " للطلبات الأمريكية .
لكن لايخفى على المراقب ، أن يعرف ، من خلال معرفته العلاقة العضوية بين دول الحلقة الأولى ودول الحلقة الوسطى ، أن معظم ما يلاحظ من تناقضات في حرب أمراء الحرب ، بين المملكة وتركيا وقطر وبين أمريكا والغرب ، حول المسار العسكري والسياسي للأزمة السورية ، لايمكن أن تصل إلى درجة القطيعة أو الصدام ، وفي النهاية لابد أن يتم الانسجام بين الطرفين ، إذا جاز التعبير ، لتحسين أوراقهم مجتمعين في عملية المخرج السياسي ، تحت ضغط الإرهاب ، لصالحهم ، ولصالح السوريين التابعين لهم .
وفي حرب أمراء الحرب تبرز مسألتان لايمكن التغافل عنهما ، الأولى وهي دور ومصير " الجهاديين " الذين التحقوا بالحرب في سوريا ، متوهمين أنهم سيكسبون برفقة المسلحين السوريين " الجنتين " جنة الأرض المتمثلة بالغنائم وجهاد النكاح ، وجنة السماء المتمثلة بنعيم السكون الرومنسي ومعاشرة الحور العين . والثانية هي التطبيع المطلوب من المسلحين ، الذين اعتادوا الشدة والإفراط في السطوة على من يقع تحت سيطرتهم من الناس ، مع الحالة الجديدة المطروحة ، التي سميت بالاعتدال ، واكتساب صفة معارضة مسلحة معتدلة ، لأداء دور مزدوج .. مسلح .. وسياسي .. حسب الطلب .. وحسب المراحل المتوقعة في مسار الأزمة السورية .
الواضح أن من يرسم خرائط الحرب السورية وتحولاتها ، يتجاوز الكثير من التفاصيل الهامة ، وأبرزها ، أن الأكثرية الساحقة من المسلحين جاؤوا من أوساط اجتماعية عشوائية سياسياً وثقافياً ، وعلى خلفيات ثأرية ، وارتزاقية ، أو عقائدية مفوتة . وقد أعاد حملهم للسلاح بناء ذواتهم وفق متطلبات هيستيريا " الحرب اللاإنسانية واللاأخلاقية " من قتل .. وتدمير .. وخطف .. وذبح .. وحرق .. ألخ ..
ولذا لايمكن بجرة قلم ، أن ينقل هؤلاء ، من خانة التطرف إلى خانة الاعتدال . والأسوأ من هذا أن يجري التفكير بالتصفيات الجسدية ، لمن يتعذر تطبيعهم مع " الاعتدال " ، إذا كانت فكرة الاعتدال المنافقة سائرة فعلاً نحو التنفيذ ، الأمر الذي يدفع الكثير من المسلحين " غريزياً " للتفكير بمصيرهم . ولعل أقرب الحلول إليهم ، هو التمترس في تنظيمات متمردة متموضعة في أماكن محصنة ، ومتابعة حرب الارتزاق ، بوسائل الغزو والكر والفر التي أتقنوها في السنوات الماضية .
ما يعني أن حرب أمراء الحرب ، المنفلتة من أي مسؤولية عقلانية وأخلاقية ، سوف تلحق أضراراً بالغة السوء بسوريا لايمكن الآن تقدير أحجامها وآلامها . وسوف تمتد لفترة ليست بالقليلة . ومهما حوصرت وحجمت ، ستشكل ظاهرة معوقة للاستقرار وللانتاج وللاقتصاد وللأمان ، حتى يتم التخلص منها .
ولذلك فإن ما يعد من تسويات متعلقة بالجيوش الإرهابية الارتزاقية ، لتحويلها إلى فعاليات مسلحة " معتدلة " أي وضعها كلياً تحت السيطرة ، هو إجراء فاشل ، ومنافق ، ولن يوصل إلى الحل الصحيح .
إن من مصلحة سوريا .. ومصلحة أمنها واستقرارها .. وإمكانية إعادة بنائها ، ومصلحة الإقليم والعالم ، أن تسمى الأمور بأسمائها .. وتوصف كما هي دون مخادعة . الإرهاب هو الإرهاب وهو يقوم على القتل والتدمير والمغنم " السلب " والسبي . فهل في مثل هذه الأفعال البشعة اعتدال ولا اعتدال .
وهذا يتطلب العمل .. بوطنية عالية .. ومسؤولية دولية جادة ، في أي حوار وطني .. وفي أي قرار دولي .. العمل من أجل تحرير سوريا .. بكل ما تعنيه كلمة تحرير من معنى .. من الإرهاب ، وخاصة " الجهادي " الوافد . وفي هذا العمل فقط تكمن مصداقية أي حوار .. وأي حل سياسي .. يكتب له النجاح . وهو البداية الصح ، لتطبيق خريطة إعادة بناء سوريا .. موحدة .. علمانية .. ديمقراطية .. على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .. و تتمتع بأفق قومي تحرري متكامل .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟