أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فواد الكنجي - مواقف و تأملات في فن الحداثة الشعرية















المزيد.....



مواقف و تأملات في فن الحداثة الشعرية


فواد الكنجي

الحوار المتمدن-العدد: 4594 - 2014 / 10 / 5 - 20:46
المحور: الادب والفن
    


المحتويات
* أفاق القصيدة العربية
* الحداثة في شكل القصيدة
* الشعر والصفحات الإلكترونية
* مستقبل القصيدة الحديثة
* الحداثة والقصيدة القصيرة
* الشعر والثورة
* الشعر والنقد
* تأثير القصيدة على المتلقي
* القصيدة ومنابر الإلقاء
* تأثير الشاعر بواقع الأمة
* الشعر و قضايا المجتمع


أفاق القصيدة العربية
ان أفاق تطور أساليب الكتابة في القصيدة العربية أتى من خلال المحاولات المستمرة من قبل الشعراء في كتابة الشعر، الأمر الذي أدى بإنتاجهم أن تخطو خطوات سليمة وناجحة سواء على صعيد القصيدة التي يعتمد في بنائها على التفعيلة او القصيد المتحررة من التفعيلة، لتثبت الأخيرة بأنها امتداد حقيقي واستمرار متجدد لروح القصيدة العربية العمودية شكلا ومضمونا، وذلك لكون القصيدة الحديثة وإن تخلت عن الأوزان التقليدية المتعارف عليها والمعروفة بأوزان البحور الخليلية إلا أنها احتفظت بالإيقاع الموسيقي للتفعيلة الشعرية وبالكثير من تقنيات القصيدة العمودية وجمالياتها ومحسناتها من الكناية والتشبيه والتورية و من المحسنات البديعية الأخرى، مع استحداث صور وتراكيب شعرية جديدة ومعاصرة تتناسب مع حركة التطور الثقافي والاجتماعي في العالم العربي، فأروع القصائد الحديثة وأكثرها قبولا وتذوقا عند القارئ العربي هي تلك القصائد التي انطلقت من هذه الحيثيات مع اختلاف لغة كل شاعر وأسلوبه وإمكانياته وقدرته على المزج بين الأصيل الثابت والجديد المتغير وهو ما نجده عند رواد هذه التجربة الحديثة في الشعر العربي، وهنالك نقطة أخرى لتأكيد هوية القصيدة الحديثة باعتبارها امتداد طبيعينا للقصيدة العربية بشكلها الكلاسيكي في الشعر العربي هو أن أي شاعر حينما يكتب القصيدة الحديثة مهما كان لا يستطيع ان يجيد كتابتها ويصل بتجربته فيها إلى مرحلة النضج والتميز إلا من خلال مروره على القصيدة العمودية باعتبارها القاعدة الأساسية لانطلاقة أي شاعر، لأن الشعر في مجمله ليس ابتكارا محضا أو تجربة مستحدثة ، انما هو تجربة فكرية ثقافية إنسانية متواصلة ومستمرة بصورة تراكمية كما أنه فنا كسائر الفنون الأخرى له قواعد وأسس ومعايير وأدوات يجب أخذها بعين الاعتبار الى جانب الإمكانيات الخاصة للشاعر، والشاعر الأكثر وعيا من كتاب القصيدة الحديثة هو الذي يدرك أن مهمته في كتابة ألقصيدة الحديثة هي إعادة صياغة الشكل الخارجي للقصيدة العمودية وبنائها وفق ما يتطلبه التطوير المناسب للحياة الفكرية والثقافية المعاصرة مع الحفاظ على روح القصيدة العمودية كنقطة ارتكازي للشعر العربي لا يمكن إلقاؤه خلف الظهر أو في طي النسيان مهما كان الواقع الحداثة للكتابة الشعرية المعاصرة متطلبا للتطوير بدليل استمرارية القصيدة العمودية التي مازالت الأحب والأقرب إلى نفسية القارئ لشعر وذوقه وبدليل أنها مازالت وستظل حيةً في تجربة الكتابة الشعرية عند الشعراء المعاصرين والمتزامنة مع كتابة القصيدة الحديثة عند أغلب الشعراء.
نعم ان القصيدة الحديثة بنوعيها التفعيلة والنثرية في بداياتها واجهت بالرفض والاستهجان من قبل الكثير من الأدباء والنقاد الذين رأوا في ظهورها خروجا عن المألوف وظاهرة من شأنها هدم الموروث الشعري العربي القائم على الوزن والقافية الموحدة وحكموا عليها بالفشل ولكن تجربة الشعراء المحدثين ابتداء ببدر شاكر السياب ومرورا بتجربة نزار القباني ومحمود درويش و ادونيس و ماغوط وغيرهم من الشعراء العرب المعاصرين والمتبنيين لتجربة الحديثة في القصيدة الشعرية والذي استطاعوا فعلاً ان يضيفوا شيئا جديدا الى الشعر العربي بتجربتهم المتميزة كشعراء محدثين تميزوا بالتزامهم والتجديد والوصول بتجربتهم الى مرحلة النضج الأكثر روعة والتزاما بأسلوب فريد ولغة أكثر تعبيرا بلغت حد التناهي في رقتها وعذوبتها بما منحت قصائدهم من صور شعرية رائعة تتميز بشفافيتها وتناغم الإيحاءات اللفظية وانسيابيتها بأسلوب سهل يمنح ذهن القارئ القدرة السريعة على الربط المنطقي بين الدلالة اللفظية أو الصورة الشعرية من جانب و بين الانفعال الوجداني عند الشاعر وروعة توظيف الصورة الشعرية لتجسيد المعنى من جانب آخر، فتحدث الاستجابة السريعة عند القارئ ويتولد لديه الانفعال وتطرب نفسه وهو يجد أمامه صور شعرية راقصه مفعمة بالشعور والفن الشعري واذكر هنا على سبيل المثال وليس الحصر قصيدة ( سامبا ) للشاعر نزار القباني فالقصيدة بتفعيلة ولكن بلغة حديثة فالذي يقرئها وكأنه يقرأ نصا من نصوص الشعر العربي الأندلسي الذي عرف عنه ببلاغته وتناهي رقته وعذوبته وإطرابه للنفوس، مما يعني أن الشاعر الحديث الملتزم أستطاع أن ينقل تقنيات الصورة الشعرية بما تتمتع به من جمال وقوة وشفافية وبلاغة تطرب نفس القارئ في القصيدة العمودية الكلاسيكية الى القصيدة الحديثة وبأسلوب قد يكون أكثر روعةً وجمالا مؤكدا بذلك ان القصيدة الحديثة، إنما هي استمرارية للقصيدة العمودية وتطوير لها وليست انفلات عنها وتحطيما لها كما اعتقد البعض ممن يرفض هذا النوع من الكتابة الشعرية .

الحداثة في شكل القصيدة

لما كانت المفردة الشعرية تتحكم في بناء القصيدة، القصيدة القديمة او الحديثة، إلا أنها تخضع في كل عصر للقوانين البنيوية لذلك العصر، ويبدو أن وجود المفردة الشعرية الحديثة ، هو وجود يخضع لتطور ولتغيير أكثر مما كان الأمر في القصيدة القديمة، فقد تكون صيغة السرد مهيمنة في حقبة تاريخية معينة أو مذهب أدبي معين، ولكنها لا تلبث أن تفقد هذه الهيمنة في الحقبة التالية لتفسح الطريق لصيغة أخرى.
ومن الأمور المعروفة عن الحداثة وهو وجود ( السردي) في القصيدة مع ظهور الشعر الحر و المنثور، وقد اقترن هذا النزوع إلى السرد في القصيدة الحديثة بتغليب الأسلوب النثري في الشعر وبلغة دارجة، وهو أمر لم يقتصر على الشعر المنثور ، بل هو اتجاه ميز الشعر الحديث.
ومن هذه الحقيقة لم يكن ممكناً حيال الهزات العنيفة التي تعرض له الوجدان العربي في اصطدامه بجدار الحداثة وطموحه إلى الانزواء والبقاء في منأى عن هذه التغير الذي هب على المجتمع الكوني برمته، فالحداثة هو امتدادا طبيعيا لروح العصر بكونه رؤية فلسفية وثقافية جديدة للعالم.
الحداثة اذا حالة من الوعي للواقع و نقده.. و من دون تقديس لأي نص، وعلى هذا الصعيد فثمة إرهاصات كثيرة تجمعت في أفق الشِعر هو الذي مهد لدخول الى الحداثة وفي هذا السياق كانت محاولات (بدر شاكر السياب) رائدة في هذا الميدان، وقد تجلت هذه النزعة فيما سمي بالشِعر المرسل الحر ، وكان المقصود بذلك التحرر من القافية تماما مع التقيد بالوزن العروضي وقد عبر الكثير من الشعراء عن ضيقهم من الأوزان و القوافي فدعوا إلى كسر قيودها ، بينما ذهب جيل أخر من الشعراء الى ابعد من ذلك في كتابة الشِعر المطلق وهي تجربة محدودة لم تنتشر ويقصدون به الشعر الملتزم بالوزن والقافية ولكن مع التنويع بين البحور والقوافي في النص الواحد، وفي أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات حين ظهر في العراق نماذج جديدة للقصيدة العربية الحديثة نلاحظها في قصائد السياب ونازك والبياتي وآخرين ، وأثبتت قصائد الشعراء الرواد في العراق أنها الاستجابة لمتطلبات التجديد في نظام الإيقاعي الخاصة بالقصيدة العربية الجديدة ، بعكس ما كان الشعر التقليدي الذي كان خاضع للقوالب وزنيه ثابتة تتحكم بالشاعر وتجعله يقف بحدودها قبل أفكاره .
لما كانت القصيدة بشكل عام قائمة على الشكل والموضوع فإننا نجد بان الشكل في القصيدة العربية الحديثة قد طرأ علية الكثير من التغير فهو- أي الشكل - يتجدد في كل عصر ويأخذ ملامحه مما يستحدث في العالم من تطورات هائلة ، فحينما ظهر الشعر الحر احدث تغير هائلة في شكل القصيدة التقليدية القديمة وحينما ظهر الشعر المنثور أيضا احدث تغير هائلا في الشكل القصيدة عن الشعر الحر ، ولا شك بان دخول ألتكنولوجيا والكتابة الرقمية وظهور كتاب الشعر في هذا الميدان سيغير من شكل القصيدة لا محال، فالقصيدة الرقمية أن جاز لنا التعبير عن هذا نوع من الكتابة ما هو ألا اتجاه نحو السريالية او الرمزية إلى حد ما، وذلك من خلال شكل القصيدة وما يتجه الشعراء من خلال كتابتهم بهذا الأسلوب، وفيما يكتب عبر المواقع والصفحات الإلكترونية، وفي تصوري ان هذا الاتجاه و عبر هذه الظاهرة، يوضح لنا بأن الشاعر لم يعد مهتما بإيصال الفكرة، أو المضمون ، بقدر ما يشير إلى بحثه عن بعد غرائبي في الكتابة، إلا أن هذا النموذج الشكلي في الكتابة أوقعت القصيدة في العديد من الإشكاليات التي يأتي في مقدمتها الاختزال، أو الاتجاه إلى البناء التشكيلي او مجرد تصميم شكل كشكل تظهر فيه القصيدة، والذي يأخذ شكل لوحة تقوم على توزيع الكلمات بعيدا عن الاهتمام بمعاني تلك الألفاظ ، فيكون العمل تصنيع (الشكل ) في تلك النصوص بعيدا عن الاهتمام بالمضامين ، ربما تكون الغاية من هذا الاتجاه هو ابتعاد الشعر الفصيح عن المتلقين، مما جعله يوغل في استخدام ما يمكن وصفه بالأيقونات الرمزية، مما جعل من بعض أولئك الشعراء ان يتجه بقصيدة إلى البناء الذي يرى فيه شعورا نخبويا، أو بعيدا عن الوضوح والمباشر في مضامين ما يكتب، والابتعاد عن المألوف، الأمر الذي يخالف ما كان متعارفا عليه في المشهد الشعري قبل سنوات من الميل إلى الوضوح والمألوف، ومهما كان موقفنا فان لهذا نوع من الشعر مكانته لدى شريحة واسعة من القراء، بكونه مدرسة حديثة قد يكون لها أبعاد أكثر مما يتصوره البعض كأي ظاهرة في مرحلتها الأولى تواجه نقدا وصعوبة في التقبل والفهم كما كان حال الشعر الحر في كتابات السياب الأولى.
ومن هنا فان التجديد في الشعر عمل صير وري دائم بكونها تدعو إلى إعادة النظر في كثير من الأشياء، والتحرر من كل القيود.. بكون الحداثة ثورة على كل ما هو تقليدي وقديم في المجتمع.. الحداثة عملية تقدمية، حتى لو كان المخاض عسيرا، فهي تنشد عصرا جديدا يقترن بالتطور والتقدم وتحرر الإنسان .
الشعر والصفحات الإلكترونية

أدت ثورة الأنصال وتقنياتها المتلاحقة إلى انفتاح أفاق الإبداع أمام المبدعين، وفي كل المجالات، ليتواصلوا مع الأخريين متطلعين على التجارب الإبداعية والثقافية في مختلف أرجاء المعمورة دون حواجز أو موانع ، رغم ان (الإبداع) هي صفة ملازمة لنفس المبدعة التي تتسم بغريزتها الذاتية نحو تطوير مكونات الذات بما هو نابع من الداخل اتجاه المواضيع الإنسانية . فالمبدع هو مبدع أكان في الفيس بوك والصفحات الرقمية والإلكترونية أم في الصفحات الورقية....الخ، فالإبداع ينطلق- كما يقال - بسحب قلم أو بضغطة زر، والآلة تقدمه فقط ، رغم ان تطور التكنولوجيا أعطت للمبدع فرصة أضافية للاستفادة منها أكثر في تطوير نصوصه وكتاباته وانفتاحه على عوالم جديدة.
فإذا كان الجميع يسارع نحو التحول إلى الرقمية في كافة مجالات الحياة، مع القدرة التي تتمتع بها ( لغتنا العربية ) في التهيؤ للتجاوب مع تحولات العصور، فلا يحق لنا أن نتخلف عن الركب، فقد صار من الضروري استخدام التقنيات الحديثة في البحث الأدبي حتى يتسنى لنا التواصل مع الآخر والاطلاع على كل جديد في حينه، وخصوصًا إذا عرفنا أن الافتقار إلى سبل الاتصال الصحيحة والمتطورة للمعلومات سبب في تخلف كثير من المجتمعات، وأن طريق المعلومات السريع إلى جانب اختزاله للوقت، فإنه يوسع من نطاق الالتقاء الفكري والثقافي بين الشعراء والأدباء العالم بأسره، إذ يستطيع الشاعر او الباحث الرجوع إلى أحدث القصائد او المصادر في أي مكان في العالم وفي أي وقت شاء، وربما مكنه عن هذا الطريق من التواصل المباشر مع الشعراء عبر الحدود الإقليمية والدولية ، فمنذ ظهورها على مسرح الحياة تغيرت علاقاتنا بالمعلومات، فبالإضافة إلى تأثيرها في بنية ذات القارئ، فإنها تركت أثرا كبيرا في واقعنا الثقافي المعاصر.
فقد ساعدت على اتساع مدارك مستخدميها نتيجة لعملية التبادل الثقافي الواسع بينهم، فقد جاءت الشبكة الانترنيت بفضاء.. قراءتها لتؤكد تربع القارئ على عرش منظومة القراءة لا ينازعه فيه كاتب أو نص، هو وحده صاحب القرار النهائي في انتقاء شظايا النصوص، وهذا توجه يتسق مع التوجه العام لمحاور المتلقي، الذي رسخته تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجالات التواصل .
إن التقدم العلمي، وتوسع مجال الرؤية واختلاف موقعها، له قدرة على تطوير المنهج والرقي بالعقل، مما يتطلب إعادة التنسيق من أجل مواكبة هذه التغيرات، كما أن هذا الوسيط الإلكتروني الهام سيجعلنا أكثر قدرة على التعامل مع الواقع، والتخلص من التزمت الفكري كي نواجه التطور، ونستطيع القول بان الشاعر او الأديب او الفنان والناقد استفاد إلى حد كبيرمن وسائل التواصل الاجتماعي الحديث لا سيما مع تغييب الصحافة الورقية والإعلام التقليدي لقلمه و لاعتبارات رقابية و سياسية أحيانا أو بطريقة التضييق على المبدعين وحرمانهم من النشر ، نعم إن تقنية المعلومات أخذت بيد المثقف العربي وأخرجته من سجن العزلة إلى فضاء التواصل وأنها أطلقت الحرية لإنتاجه الأدبي بعد ان أطبقت الرقابة وقيود السلطات الدكتاتورية عن المبدعين بعد حقبة طويلة من التهميش وإملاء عليهم، لهذا أعتقد أن ثورة المعلوماتية قاربت بين الثقافات وكسرت حواجز الرقابة والسلطة و حدود الزمان والمكان وأسست للمشهد الثقافي بوابة جديدة و رائعة ، فثورة الاتصالات المتمثلة بمواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها قد اخترقت حواجز و حدود البلدان، فلم يعد الأدب مقيد بالبعد الزمان او المكان ، واجتازت، صعوبة الوصول والحضور والمشاركة، وعملت على إمكانية المشاركة الفاعلة للنصوص الأدبية الشعرية والقصصية، وذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي الالكترونية، والحضور وتبادل الآراء والخبرات والاستفادة من النقد الهادف عبر الأربطة الأدبية ، والمنتديات ، والمجموعات الإبداعية ، سيما المشاركات الخارجية والتي يتعذر على المبدع أو الأديب شاعرا كان أم قصصيا أو روائيا او ناقدا ، حضورها نظرا لعدة عوائق سياسية او اقتصادية ، وقد استطاع الشاعر والأديب من خلال التواصل الاجتماعي الالكترونية التعرف على مواهبه و قدراته بشكل أكبر و استطاع أن يجد لنفسه مكانه في المشهد الثقافي بتواصله مع جمهوره و نخب المثقفين و أقرانه المبدعين في الداخل و الخارج وكذلك استفاد من التنوع الفني و الشكلي لكل فن من الفنون الكتابية و البصرية لكي يتفنن هو بدوره في مجاله الإبداعي و يطور تجاربه من خلال الاطلاع و تذوق تجارب الآخرين و تقبل أفكارهم و أساليبهم الفنية و الخروج ببصمة و نكهة خاصة به في مجال إبداعه، و استفادته من تقييم القراء و المتذوقين و المثقفين و المبدعين و النقاد لأعماله يخلق بداخله الدوافع النفسية التي بها تجدد إبداعه و تتجلى تجربته و يستمر في انطلاقاته المضيئة و توهجه الأنيق .
فقد عملت مواقع التواصل الاجتماعي على تسهيل عملية التخاطب في قالب أدبي أنيق وراقي بين أبناء المجتمع الواحد والمجتمعات الأخرى، وعملت على تطوير أنتاج المبدع الأدبي وإثراء جوانبه وصقل مواهبه.
لذا تعد ثورة الاتصالات متنفسا منح الكثير من المعوزين فرصة الإلمام بإبداع الآخر وبأقرانه أيضا حتى يملك تقنيته الخاصة التي تمنحه التميز عمن سواه ، فما من شك أن المثقف و المبدع قد استفاد من ثورة الاتصالات التي بلغت ذروتها في أيامنا هذه ، وذلك من خلال تنوع وسائل المعرفة وسهولة تداولها ، حيث أصبح بإمكان المثقف أن يطّلع على آخر الإصدارات الثقافية و الأدبية بأقل جهد وفي زمن قياسي ، واستطاع دون عناء أن يتواصل مع أقرانه من المثقفين و المبدعين سواء كانوا في الداخل أو في الخارج لتبادل الآراء والاستفادة من تجارب غيره من أولئك النخبة لصقل إبداعاته ، فكان ذلك رافدا لكل مثقف يسعى لتطوير نتاجه الأدبي ويتطلع لمواكبة الإبداع أينما حطت رحاله.

مستقبل القصيدة الحديثة
يحتل الشعر الحديث مكاناً بارزاً في الإنتاج الأدبي، فاليوم لا تخلو مجلة أدبية أو غير أدبية وصحيفة يومية من إنتاج يوصف بأنه شعر حديث، تقدم أسماء معروفة وغير معروفة، ولقد تطورت هذه الظاهرة في السنوات العشر الأخيرة وأخذت أبعادا واسعة وأصبح لها ممثلوها وبدأت تطرح نفسها على أنها البديل للشعر التقليدي الكلاسيكي الذي يتراجع يوما بعد الأخر، على الرغم من أن وراءه تراثاً يرجع إلى أكثر من أربعة عشر قرنا.
فالشعر الحديث يثبت نفسه لا كظاهرة أصيلة فحسب وإنما كشعر عربي معاصر، وان كان معظم النقَاد يجمعون على أن المعركة بين الشعر العربي التقليدي الكلاسيكي وبين الشعر الحديث دخلت مرحلة التصفية لصالح هذا الأخير، إلا أن التساؤلات حول هذا الشعر ما زالت قائمة، فلم تعد المسألة أن يكون هذا الشعر العربي الحديث أو لا يكون.. فقد أصبح حقيقة حاضرة في حياتنا الأدبية.

الحداثة و القصيدة القصيرة

القصيدة قصيرة جداً في عدة سطور أو بضع كلمات، هي قصيدة لا تقل أهميتها من القصيدة الطويلة ان لم نقل قد تأتي القصيدة القصيرة جدا من أهمية قد تفوق قريناتها من القصائد الطويلة ، إذ أن القصيدة القصيرة جدا تقوم على مفارقة بسيطة مدهشة تصل أسرع لمتلقيها من دون أن تضحي بجماليات الشعرية، فهي بمثابة قطرة ماء ان أسقطناها في بحيرة كبيره ، فان هذه القطرة الصغيرة ستفتح حلقات تكبر وتتسع تدريجيا لتشمل كل مساحة البحيرة ، هكذا هي حال القصيدة القصيرة جدا، اذ ما أمعنا النظر في الكلمات القليلة التي جاءت بها القصيدة وحللناها تحليلا فلسفيا ونفسيا وتعمقنا في المفردة ورموزها فإننا سنصل الى قيمتها الفنية و الإبداعية من خلال ما تعطينا المفردة من معاني.
والقصيدة القصيرة جدا لم تكن وليدة القصيدة الحديثة وإنما كتبها الشعراء منذ العصر الجاهلي، فهناك الكثير مما كتب في الشعر الجاهلي وفيما بعد، حيث القصيدة مقتصرة على بيت شعري واحد ، صدر وعجز ، فقط واعتبرت من روائع ما قيل في الشعر.

الشعر والثورة
على مر العصور كان الشعر العربي يثري الثورات والحركات التحررية وكان الشعر يلهب الحماس في الجماهير ويحثهم على مواجهة العدو فيثيرهم في حمل السلاح والقتال والاستشهاد في سبيل الحرية ، فمع اندلاع أية ثورة يندلع الشعر، بكل مواقفه، ضده او معه ، وفي الأدب العربي قصائد ونماذج في غاية الأهمية والروعة كتبت في هذا المجال و بما عرف آنذاك بالشعر( الحماسي) وفي العصور الحديثة كتب الشعر الثوري وعن الشهداء والأبطال ، فمع اندلاع الثورة، يواكب الشعر والشعراء أحداثها فيطرح مواقفه وآراءه وأفكاره كفعل مصاحب للثورة ، ومن هنا فان شعراء يقدمون نصوصا هي أقرب إلى التظاهرات الجماهيرية والشعارات الحماسية القائمة على مواكبة الحدث، ومن هنا فان بعض من قصائد التي ترافق وتواكب الثورة ولظروف نفسية انفعالية طارئة تدفع الشاعر لمواكبة أحداث والكتابة المباشرة وهذا ما يسبب – من دون قصد – فقدان القصيدة لبعض قواعد الشعر ، من أجل الوفاء بواجب المشاركة حتى وان كان عبر القصيدة، وفي سبيل أداء واجبا وطنيا وقوفا مع محنة شعبه، ولكن أهميتها تكون اكبر لكون المفردة المستخدمة تنبع من صميم الحدث فهي ستلقي تأثيرا اكبر عند الجماهير بكونها تعايش الحدث .
فهناك من الشعراء من كتب عن الأحداث التي تصاحب الثورة دون انتظار ما سيحدث في المستقبل نجاحا او أخفاقا بقدر ما يهتم بيوميات المصاحبة للثورة وتوثيقها ، بكون الثورة تاريخ فاصل، ومن هذه النقطة بالذات نجد بعض الشعراء تأنوا في الكتابة عن الثورة بسبب تلاحق الأحداث والقرارات السياسية وهذا ما أدى بهم الى الوقوف عن الكتابة لفترة ما لإلمام بكل جوانب الثورة حتى لا تخرج قصائدهم دون مستوى الحدث ،باعتقادهم بان الثورة تحتاج إلى شعر يستوعب مفردات الثورة ذات علاقة بالحدث ،ولكن في اعتقادي إن الشعر الحقيقي المجسد لثورات تجسيداً حقيقيا، هو ذلك الذي يواكب الرصاص وغضب الجماهير ، حيث المعايشة الطارئة فتاتي المفردات بطابع الثورة تلامس الوجدان فتكون القصيدة أقوى تأثيرا من قصائد تكتب فيما بعد، بكون حمى الانفعال يطفأ فتبرد المشاعر.
فظاهرة الشعر والثورة هو فعل لتغير الثوري ونشاط معرفي انقلابي تمردي يهدف إلى نقد ونفض الأوضاع الجامدة، وكسر الأنماط الثابتة الرتيبة وهو سعي دائب لتجديد الحياة، و إصلاح الواقع ، وفي هذا المنظور فان الشعر في أحداث لثورة يثور، لذلك فهو يتجه نحو التجديد في قوالب اللغة أو الشكل، وفي النص الشعري نفسه، وبذلك يتطور صياغاته الجمالية، فيغدو في ذاته صناعة ثورية من حيث كونها وعاء للأفكار ورؤى للثورة واقعة، والحق أن عدداً من الشعراء العرب، في الثورات العربية الراهنة، تمكنوا من صنع هذه الموازنة في قصائدهم المعبرة عن هذه لمرحلة التي تمر عليها البلدان العربية .


الشعر و النقد

تشكل العلاقة بين الشـاعر والناقد في مجال القصيدة دورا كبيرا في نوعية النقد المطروح تجاه شاعرية الشاعر وأسلوبه وقد يكون لوجهة نظر الناقد أيضا دور هام ولكن إذا كان هناك ناقد ينقد بمزاج ولأغراض غير أكاديمية لا يخدم الشاعر ولا يخدم الساحة بصفة عامة فإن هذا النقد يعــتبر سلبيا، وان أكثر المتــأثرين به هو الشاعر وغالبا ما يكون (نقد القصيدة) أو الرأي شخصيا تسيطر عليه نوعية العلاقـــــة البعيدة كل البعد عن النقد الأدبي الذي يقوم على دراسة شاملة في كيفية استخدام المفردات وتراكيب اللغوية والبنيوية وأسلوب الشاعر وكيفية الربط بين الشكل والمضمون في القصيدة، ولكن للأسف أصبح كثير من دراسات النقدية غير مجدية بسبب بعدها عن الدراسة الأكاديمية والمنهج العلمي التحليلي المبني على أسس وقواعد صحيحة نزيهة، و أصبح النقد سلاحا يوجهه الناشر أو القــائم عليها نحو من يريد، ولابد للناقد الذي يريد التميز ألا يصبح وسيلة أو أداة تسيرها العلاقات الشخصية للقائمين على المطبوعات بقدر ما يتطلب منه في تقديم طرح يستفاد منها القارئ قبل الشاعر في بناء دراسة موضوعية في طريقة الشاعر في بناء التراكيب البنيوية للقصيدة وكيفية تناول الموضوع واستخدامه للمفردات ، فلابد لناقد أن يعي أن لكل شاعر جمهوره وللساحة أيضا جمهورها الذي لن يعطي مجالا لناقد المأجور لأغراض أو علاقات شخصية، بل سيجد الناقد الصادق الأكاديمي مكانا في قلوبهم ويجد مساحة عن الوقت عندهم لقراءة ما يكتبه عندما يعد الحقيقة ويحلل وينقد بطريقة واضحة وحيادية تخدم الشعر وساحة الشعر، ومع كل ذلك فأننا لا ننكر بان هناك دراسات نقدية في غاية الأهمية وربما جاءت بعض من تلك الدراسات من الأهمية أكثر من النص الشعري المنتقد بكون الدراسة قائمة على المنهج العلمي التحليلي في بيان تراكيب القصيدة وأبعادها النفسية وتأثيرها لدى المتلقي لها وان غالبية هذه الدراسات النقدية تكون قائمة عن دراسة القصيدة من ناحية التراكيب البنيوية وليس كل نقد يتناوله الناقد لقصيدة ما هو نقد موجه يوحي لنا بان هناك قصور في التراكيب البنيوية للقصيدة او قصور من ناحية الشاعر في بناء قصيدته ، وان كان النقد يتناول هذه الجوانب ولكن اغلب النقد القائم بهذا الاتجاه يكون نقدا في تحليل التراكيب البنيوية للقصيدة وتوضيحها وهذا النقد هو بذاته يوضح ما يتناوله الشاعر في كيفية استخدامه المفردات وطرحه للموضوع و يترك لنا رسالة بكون الشاعر أجاد او اخفق.

تأثير القصيدة على المتلقي
الشعر في النفوس ما زال له سحره وخاصيته وقدرته على توفير فرصة المراجعة والقراءة وما زال قادرا على مجارات ومواكبة التطور واستمالة القراء مهما ظهرت من التقنيات الحديثة من الصحافة والإذاعة وتلفزه والانترنيت، وكما لهذه التقنيات جماهير فان أيضا للشعر جماهيره وقراءه وهو كغيره من التقنيات الحديثة يشهد تطورات نوعية وداخلية تؤكد ميله إلى الحداثة ، فلو تأملنا أية قصيدة منشورة و في جميع البلدان العربية فسنجد بان القصيدة (احمد الزعتر ) لشاعر محمود درويش على سبيل المثال وليس الحصر و الخاصة بمجزرة الفلسطينيين في تل الزعتر افترشت المساحة الأكبر من تأثير على المتلقي خبر هذه المجزرة من الصحافة والإعلام والفضائيات التي غطت هذا الخبر او هذه الجريمة ، وأصبحت كلمات القصيدة شيئاً غير اعتيادي يشرح مضمون الجريمة في تل الزعتر التي تميزت بقوة التعبير وبلاغة الشعر وسحر التأثير.. هذا مؤشر بسيط لاستجابة القارئ للقصيدة الحديثة، ناهيك عن تطورات القصيدة الحديثة التي يقدمها و يعرضها أهل الشعر أنفسهم بما يتعلق بالأحداث و المعلومات الإخبارية وأساليب الشعرية لتغطية الأحداث وكتابة القصائد الثورية ومن مواقع الأحداث التي لها تأثير مباشر على نفسية الإنسان العربي، ومع ما تحدثه القصيدة من تأثير على المتلقي وخاصة تلك القصائد التي تلحن و تغنى فيتلقاها الفرد بإعجاب وسرعان ما يحفظها ويبقى بين حين وأخر يرددها مع نفسه بذوق وإحساس وهذا الفعل غير وارد في وسائل الإعلان الأخرى، إذ ليس هناك من مقال او خبر يعرض او يكتب في الصحف ما يجعل المتلقي يحفظه ، نعم نحن ندرك بأننا نعيش في عالم متحرك يسير بسرعة الضوء بعد ان أصبح العالم متجسداً كله على شاشة موبايل اصغر من الكف، ونتوقع وبسبب اشتداد الصراع بين الوسائل سيدفع كل وسيلة لرفع الكفاءة لأقصى حد ، ولكن أننا اذ أخذنا هذا في الجانب الثقافي فإننا نجد ان الجمهور في الأغلب ينظر إلى التقنيات الحديثة بكونها وسائل ترفيه في حين ينظر إلى القصيدة باعتبارها وسيلة تثقيف فضلاً عن كونها وسيلة لرفاهية النفس وعلاجا للروح، إضافة الى ذلك ان قراء القصيدة او الشعر هم أناس بلغوا مستوى معيناً من الثقافة في حين ان جمهور الوسائل المرئية والمسموعة يشتمل على نسبة غير قليلة ممن لم يبلغ بعد إلى مستوى القراء ، وكذلك فان القصيدة او الشعر بصورة عامة يصل إليها المتلقي من خلال القراءة والتأمل، وزمنيا هي ليست وسيلة اتصال لحظية بل من الممكن ان يحتفظ بها القارئ ويعيد قراءتها لأكثر من مره وهذه سمة لا تتوفر في الوسائل المسموعة والمرئية لأنها وسائل اتصال أنية تنتهي قيمتها بنهاية الحدث وان كان هناك تسجيل لها ، ومع هذا وذاك نقول ان لكل وسيلة خصائصها ومميزاتها .

القصيدة و منابر الإلقاء

هناك دائماً شعراء يقودون ، وآخرون .. يُقادون- كما يقال - فالشاعر المبدع الصادق مع ذاته حينما يشرع بكتابة قصيدته لا يفكر مطلقا بالمنبر ألذي سيلقاها ، بقدر ما يفكر في كيفية التعبير عما يشعر ويحس في عمق وجدانه وضميره وما يجوب في مكنوناته النفسية ، واذ ما راجعنا قاموس القصائد الشعر العربي بكمه الهائل، سنجد ان ما تم من القصائد ألمقاه لا تتجاوز بذلك الكم الذي يجعلنا نقف عنده ، وهذا مؤشر بكون القصيدة كتبت لتعبير عن أحساس وعن مواقف وليست من اجل ألقائها على المنابر، فالمنابر لا تثري العالم الشعر ، لا تقدم و لا تأخر من شئ ، بكون دورها و أهميتها يقتصر على كشف عن أسماء جديدة في خارطة الشعر المعاصر ، وفرصة للاطلاع على طيف واسع من التجارب الشعرية ، وعلى عوالم ثقافية مختلفة وعن تشجيع التواصل بين الشعراء والمهتمين بالشعر العربي وتوثيق الروابط بينهم ليس ألا ...


تأثير الشاعر بواقع الأمة
الواقع العربي وما تشهده الساحة العربية من اختناقات سياسية هو واقع يلقي بظلاله على الإنسان العربي بصورة عامه والشاعر هو من هذا النسيج فلا يمكن إخراجه خارج هذا الواقع تأثيرا وانفعالا ، فرغم من ان واقعنا الحالي، و في عموم منطقتنا العربية، يشهد ارتباك لا مثيل له ، فهذا ينطبق على واقع الشعر العربي أيضاً، حيث يعاني ما يعانيه ، وأمام هذا الواقع فإن لا محال شعراء جيل جديد سيرسمون خارطة الشعر مختلِف وفقاً لتجاربهم التي عاشوها ويعيشونها أو التي يحلمون بها، وربما يكون هذا لخير الأدب وخير الشعر وخير للوطن، ربما...! ولكن ما يخشى منه هو أن يأتي الجيل الجديد من الشعراء بقيمٍ لا تُشبه الشعر بقيمه ونقائه، حيث يبحث كل شاعر عما يشبهه من الشعراء لا في إبداعه وسمو عطائه بل من خلال ما يؤمن به من أيديولوجيات مشوهة رسخها المخربون الغرباء في أرواحهم، ولاشك في أن في عالمنا العربي الكثير من الشعراء الجدد يتصدون بشعرهم ومواقفهم لكل الهجمات الشرسة التي تحاول إرجاع الأمة الى الوراء بأفكار رجعية متخلفة تحاول ان تستثمر عقول السذج من الشباب العربي للانصياع لمخططاته كأدواتِ تحطيم الذات وقتل كل مقومات وجودنا كعرب نملك حضارة عريقة وثقافات متنوعة وديانات سماوية سمحا، فالشاعر هو السفير والناطق الإعلامي والرسمي، وهو لسان حال قومه وأمته، ومن هنا يأتي دور وأهمية الشعر لأن الشاعر المتميز هو بمنزلة المعلم والمرشد بما يقول وينشد من الشعر ، وانطلاقاً من هذه القيمة الحضارية العالية لشعر ، تأتي أهميته من حيث الحضور في واقع الشعر العربي ودوره أمام ما يواجهه العراق والعالم العربي من تحديات صعبة، ولكن إرادة الشاعر والمبدع العربي ستكون أقوى ، لأن صوت الحق والحقيقة هو الذي سينتصر بالنهاية.

الشعر و قضايا المجتمع
لما كان الوطن هو المكان الذي يرتبط به الإنسان، بكونه روحا وجسدا و حبا وحنينا وهياما له، ولما كان الشعر ينبع من الإحساس والشعور والانفعال اتجاه الأخر، فالأخر له هو الوطن، الحبيبة وألام والناس المحيطين حوله، ومن هذه الحقيقة يكتب الشاعر قصائده هياما بأراض الوطن والحبيبة والشعب . يكتب بكل شئ يحتضن وجوده ، من هذه الحقيقة يرتبط حبه بهذا الوطن فينشده بأرق وأنبل العواطف و المشاعر ، فالشعر ليس مجرد كلمات ، وإنما يتجاوز ذلك إلى غرس الوعي الوطني في الجماهير لدفاع عنه، إن ارتباط الشاعر بحب الأرض يأتي من ارتباط حياته بذات المكان، حيث أسرته وجيرانه، وأصدقاءه، وذكريات طفولته وهو دليل إخلاص، لأن ذلك يمثل الانتماء إلى الأسرة، والانتماء إلى المجتمع الذي يعيش فيه، حيث يرتبط الجميع بالوطن ويتآلفون ويتعارفون ومن هذه الحقيقة ينطلق الشعر وتأتي أهميته بكونه يخاطب الإنسان بما يقدمه من الوعي ليقظة الضمير .
فالشاعر الحقيقي هو الذي يفهم معنى الثقافة بمنطقها الشامل، وعدم حصره في اتجاه محدد، فالشاعر هو كتلة من الأحاسيس، فكيف لا يتأثر بحدث يصيب مجتمعه او مجتمع ما ، وفي مكان ما من على هذه الكوكب ، وكيف لا يقف مع المظلومين أينما كانوا وفي أية بقعة في العالم..!
فالشاعر هو إنسان مفعم بالمشاعر والأحاسيس وما يكتبه يكتبه بما يليق بدوره في المجتمع في بناء الوعي و الثقافة و في بناء المجتمع وتنمية أجياله، فالشعر كغيره من الفنون الأدبية الأخرى، يتبادل التأثر والتأثير مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإيديولوجيات السائدة ، وفي ظل هذه الأجواء يترعرع الشاعر فيرتوي من مشاربها المتنوعة ، لذا تظهر بصمة العصر بين سطوره ولا غرو في أن الشعر موضوعات متنوعة ، ومواقف و مشاعر وآمال وغايات و أهداف و ألام وأحاسيس و آراء ، وإن كان الشاعر يعبر عن مشاعره الخاصة كتنفيس عما يحس بع وما يعانيه ، ومع ذلك فهو لن يعدِم إحداث صداه في نفس الأخر ، فهو في ذات الوقت وبصورة غير مباشرة يعبر عن الأخر ، ويصبح كما يقال " لسان لمن لا لسان له ، وصوتا لمن لا صوت له" ، فيكرس حياته دفاعا عن الملايين الناس الغارقين في محن الحياة وآلامها .
ومن هنا ظهر الشعر الملتزم بحجم ما يواجه الإنسان من مشاكل وتفاقم الصراعات والنزاعات السياسية والإيديولوجيات المتطرفة فهو يكتب في هذه المحن ليس بعرضها فحسب ، بل بتحليلها وتفسيرها، والوقوف على أسبابها ، وشجب المواقف السلبية ، والقمع والاضطهاد والعنصرية ، والشعارات الكاذبة حتى يستوعبها الآخر ، فيستجيب للبحث عن الحلول ، مع تحمل تبعات رأيه الصارم ، بكل ما تحمله الكلمة من مسؤولية بطبيعة الحال .
فهذا النوع من الشعر ليس وليد اليوم ، فقد وجد مع وجود الشعر وظل ملازما للإنسان عبر العصور ، كوثيقة تاريخية تؤدي دوره الإنساني ، وفي عصرنا الحديث ، انتقل الشعر إلى خدمة المجتمع فاعتبر سجلا للأحداث الكبرى ، واستقراء للحياة بمواكبة مجريات الأمور ، متخذا الإنسان ومحيطه وما يحدث له مواضيع لها ، حيث كان الشاعر يرفض الهيمنة على الحقوق ، ويشجب بقوة الإيديولوجيات الشوفينية ، فالشعر عالم ، يمتلئ بأسرار ، فهو يسط الضوء على الزوايا المظلمة ، ليبقى شاهدة على عصره، فالشاعر رجل الخيال لكنه أكثر حقيقة و وعي، وأكثر استبصارا ، وأصدق قولا ، وأصفى ضميرا ، وهذا ما يدفع الشاعر إلى الكتابة من اجل تحقيق الخير والسلام الدائم للأمم والشعوب الأرض.



#فواد_الكنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هنا دمشق
- مخاطر تجنيد النساء في المنظمات الارهابية
- شعبي .. شعب العراق
- سوق السبايا في العراق
- النهر الثالث
- حب لا يسمح طبعه في العراق
- بغداد
- اليسار، ما له وما عليه
- داعش تزحف نحو القرى الأشورية وهم يناشدون الأمم المتحدة
- ليطلع داعش ومن لف لفهم على وثيقة الرسول محمد (ص) للنصارى، وع ...
- تنظيم داعش الارهابي يطارد اشوريو نينوى و يخلي المدينة من وجو ...
- اه يا عراق... الدماء فيك صار نهر ثالث...!
- الخندق الانتحاري في العراق
- يا وطن متعب انا بشرقيتي
- اين وطني من هذا الوطن.....!
- انا العراق
- في الذكرى المئوية لحرب العالمية الاولى وعدم الاكتراث بمصير ا ...
- تاملات في مائة عام من العزلة
- فواد الكنجي ، دراسات ومختارات شعرية
- الجحيم هو الاخرون.. سارتر و الفلسفة الوجودي


المزيد.....




- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فواد الكنجي - مواقف و تأملات في فن الحداثة الشعرية