بن جبار محمد
الحوار المتمدن-العدد: 4558 - 2014 / 8 / 29 - 13:01
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
ثقافـة الموت و أشياء أخــرى
1
كتب أحد الإسلاميين لمتابعيه في التويتـر مايلي : سـاعـة الموت آتيـة لامفـر منهـا حيث لا تنفع دكتوراه و لا علـم و لا تكنولوجيـة و لا علم الفضـاء . أنتهت تغريدة . ما نلاحظه في هـذه التغريدة أن صـاحبنـا يـضع نصب عينيه أن الموت هـو الحقيقـة الكبرى التي لا منـاص منهـا و يتهـكم على العلم و التقدم و التكنولـوجيـة و علم الفضاء و كل هـراءات الأرض ، صاحبنـا كأي إسلامي موبوء بثقـافـة الموت ، يرى أن الحياة عبث و كذبـة غير جديرة أن نحيـاهـا ! ثقـافـة الموت التي تجنـي و تحصـد ملايين الأشخــاص في العـالم الإسلامـي هـي محصلـة هـذه النظـرة البئيسـة ، يرى صـاحبنـا أنـه لا فـائدة في هـذه الأرض رغـم أنـه يستفيد من خيرات العلـم و برامج العلم و الإعـلام الآلي و النت و شبـكـة التواصل الإجتمـاعي مع متابعيـه التعسـاء في العالـم و رغـم ذلك يتنـكـر أو يكذب على نفسـه ، هـؤلاء هـم من يقعـون في التناقض الشديد مع أنفسـهم و ذواتهـم ، لمــاذا تتشدقـون بالحضــارة الإسلاميـة و تعــتزون بهـا ، الحضـارات لا تعترف بالموت بل تتحداهـا لـولا الحضـارات ما كان للإنسان موقـع على وجـه الأرض ، الحضــارة هـي إضـافات للإنسانيـة ، الحضارات لا تعترف بالمـوت إلا إذا أنتشرت فيهـا ثقـافـة الموت ، هـؤلاء الخـراوات من بني جلدتنا يعتبرون العلم و المعرفـة و الألقاب العلميـة ديـكـور و نياشين و شهـادات فخـريـة تعلق على الصدور لكـن الأمم المتحضـرة و المتمدنـــة ينظرون لهـا على أنهـا خدمــات للإنسانيـة من أجــل سمـو بالإنسان و رقيـه ، مـا أتعسكـم يا شاربي بول البعير
2
كتّاب الدرجـة الثالثـة ، هـم العـوالم السفليـة بإمتياز ، يكتبـون لمغنيين مغمـورين يظهـرون في موسـم الحصــاد و يقتـرن وجــودهـم ببيـع المزيـد من الخمــر الرخيص ، أوّل مـرة أجــد عـلاقـة إقتصـاديـة بين الكتّاب المبتذلين حسب تصنيف أدباء الصالونات و بيـع المزيد من الخمـر و منسـوب الفـرح و البهـجـة التي تنتشـر بين جموع المغبونين و المسحـوقين ، يمتطي المغنـي (و هـو من نفس طبقـة كاتب الكلمــات) عـربـة جرار أو شاحنـة مهترئـة أو منصـة حجـريـة (يحمّل الثيران عليهـا أو تفريغ بضائع الفلاحين) ، فـيواجــه الجمـوع الغفيرة من المتعطشين للحريـة و متعطشين للتــرف الذي لا يدوم إلا لسويعــات قليلـة ، يبدأ المغنـي فيشتعـل الحضـور و تدبّ العاصفـة في أرجــاء الحفـل و تتطاير سدادات الزجــاجات إيذانـا بالحفـلـة لا تنكـر فيهـا ولا تحفـظ ، ترتفـع الحنـاجر ، يردّدون أغنيـة شراب الحصيدة و نطبعـو المــايدة ...
3
أكـون صريحا معـكم ، ما الذي جذبنـي إلى هـذا الفضـاء ؟ مثل كل شاب عربي أمازيغي مسلـم ، أخبرونـي أنه يمكنـك الحديث مع العربيـات الأمـازيغيات المسلمات الفرنسيـات مستثنيا باقي العالـم لأنني لا أحسن الإنجليزيـة ، مثل كل الشبـاب المذكورين أعـلاه ، فتحت حساب على الفايسبـووك و بدأت أبحث عن فتيات جميلات من هنـا وهنـاك و قد جمعت "كوليكسيون" لا بأس فيهـا أستأنس بهـا ليلا نهـارا ، ثم بدأت أعيد تصنيفهـن حسب معـرفتي لهـن التي توطدت في بعض جــوانبهـا ، نساء من أقصى اليمين إلى نساء إلى أقصى اليسار ، هنـاك العاطفيات ، الحساسات ، المرهفات ، المتفجـرات ، الناسكات ، العاشقات ، اللاعوبات ، الحرات ، المتحررات ، ذات اليمين ، ذات الشمال ، الكارهـات ، المقيتـات ، المتنصلات ، المشاكسات ، الحذرات ، الساخطات ، الباهضات ، الرخيصات ، النافرات ، المقبلات ، ثقيلات ، مدبرات ، الناشزات ، الفارحـات و الحزينـات ، اكتفي بالحديث مع إحداهـن و أغلق النت . لـم أدخـل النت بسبب تبادل الآراء و الخبرات و المنـاقشـة و الجدال ، الأفكـار التي ورثتهـا من الحي الشعبي تكفينـي أن أستمـر بهـا/فيها لعشرات السنيـن أخــرى ، وجدت من خــلال تجـوالي الأول على النت مثل الغريب الذي يطأ شـوارع لا يعـرف إتجاهها و لا أسمائها و لا مرتديهـا ، كل يـوم أتلقـى ضـربـة على قفـاي من إحدى الفتيات و تغـلق الباب دوني نهـائيـا ، أصبحت مثل أحد أبطال الروايات العربيـة في باريس لا يملـك سـوى ذكــورتـه ، لـم أفهـم أن هـذا الفضـاء خـُلق لغـايـة أخـرى أكثر من ممارسـة الحب و تفريغ الكبت و البصبصـة على عــالمهـم الخــاص ، إلى أن رأيت كيف ينــاقشن بطريقـة التي نراهـا في التلفزيـون و يجادلـن بصـوت مرتفـع و يستطعـن حتى أن يتجـرأن على ..قـول كلام بذيء و العيـاد بالله . فهمت أن هــذا النت هـو العالـم الواسع الشاسـع أكبر من الحي الشعبي الذي أسكنـه ، فبدأت أتعلم من هنــا و من هنـاك حتى أبدو متحضـرا و لأول مرة طلبت صداقـة الرجــال حتى أجدهـم إلى جانبي عندما يتعلق الأمـر ب"مدابزة " فايسبوكيـة ، أصبحت انـاقش في كل شيء ، تعلمت أنـاقش في كل شيء ، بدايـة من الالوهيات و الثيولـوجيـة إلى مباديء الفـوتوشـوب . سنوات أصبحت محتـرمــا و أجمع لايكــات كثيرة رغـم ذلـك لـم يمنعــني أن أطــرح سـؤال البدايـة لمــاذا أنـا ع الفايسبوك ؟
4
قررت أن أكـون كـاتبا فايسبوكيا من الدرجـة الثالثـة ، لأن الدرجـة الأولـى محـجـوزة لكـتـاب السلطـة و هـم الذين يحــرّرون خطـابات السلطـة و يعـلنـون إنهـاء المهـام قبل أن يمضي الرئيس على المراسيم و القرارات و الثانيـة لكبـار معطـوبي السياسـة و المصـالح و دور النشـر ، أنـا من الكتـاب الذين يخطئـون دوما في تمييز و تقدير الأشيـاء أو يتعـاملـون معهـا بغبـاء ،فقـط أعـرف بعض الحيـل كتلـك التي تطبق على أحمـرة التهـريب كدهن مؤخـرة الحمار بالزيت حتى لا يستطيع النهيق و لا يفضحهـم ، أو أن أرتكب بعض الحماقات نهارا كـأن نتكــلم مع صديق صعـلـوك على موضــوع محدّد لساعـات طويلـة حول مـؤخـرة كيم كارداشيـان و تأثيرهـا عـلى المنــاخ العـربي و التصحــر و إنتقـام السمــاء على البنــات اللواتي يضخمن مؤخرتهـن و يسببن لنـا الأذى المعنـوي و الأدبي ، قبـل الذهـاب إلى سريري البـارد أستغفـر لنفسـه و لأصدقــائي ، من مزايـا كتاب الدرجـة الثالثـة أن لا أحـد يأبـه بهـم ، يكتبـون عـن كل شيء و لا ينتسبـون إلى إتحاد الكتـاب لأنـه بطبيعـة الحــال لا يضم سـوى كتاب الدرجـة الأولـى الذين يأتون مع صديقاتهم و يتقاسمـون غـرفـة واحدة أمـا كتـاب الدرجـة الثانيـة أغلبهـم يأتوا متأخرين بعـد نسوا أنفسـهم في إحدى البارات الرخيصـة ، كتّاب الدرجـة الثالثة يكتبون في الفايسبـوك و لا ينظرون إلى هـذا الهــراء ، فهـو يسكـر في بيته و أمـام شاشـة الكمبيوتر وغـالبا ماتسكره بنت شقــراء على النت و هـو لا يستطيع أن يلبي دعـوتهـا بأن يلحق بها قبل إنبلاج الصبح ، الشيء الوحيـد الذي يجعـلـه سعيدا أنـه لا يدعـي مثلما يدعـون ، لايشتكي من أي شيء ، حتى الرقــابـة لن تطالـه لأنـه من الدرجـة الثالثة و صـوته غير مسمــوع لا يسمعـه إلا مواطني الدرجـة الثالثـة و سكان العالم السفــلي ، نسيت أن أقـول لكم أنـا سعيد بالدرجـة هـذه .
5
إذا حدثك عربي على النصـر لا تصدقـه ، فقـد ضحـى بالآلاف من بني جلدتـه إلا لكي يجمـع الصداقـات و الآلاف المتبقيـة مشروع نصـرا آخــر و في كل الحالات هـو في منأى عن المصائب و الحروب ، يتـابع شعبـه عبر التلفزيون من داخـل إقامات الأجنبيـة و يعطي أوامـره لأن تتقـدم في وجـه الأعـداء ، لا يهمـه القتـلى و لا الدمـار ، لا يهمـه الأطفال الذين دفنـوا تحت أنقاض العمــارات و الآباء الذين يصـرخـون و قد فقـدوا ما تبقى لـهـم في هـذه الحياة ، تهمـه هـذه الصـور لتسويق تعـاسـة الفلسطينيين و صـرفهـا بالدولارات ، القضيـة لـم تكن يومـا رابحـة و لكنهـا مربحة إلى .... النصـر .
6
في عــالم النحــل ، الملـكة العذراء التي تستعـد للتلقيح تطير لمسافـات بعيدة و يلحق بهـا سرب مكــون من أكثر 10000 نحــلة من الذكــور ، تتلاعب بهـم ، تدريهـم الريـاح ، ينهـكم التعب ،أغلبهـم يموتون متأثرين بضعـفهـم وقلـة الحيلـة ، ذكــر واحـد فقـط من يلقـح الملكـة و يحصـل على شرف النوم في السرير الملكي ، لكـن ما أن ينتهـي يسقـط جثـة هــامدة ! البقيـة لا يستطيعـون العـودة إلى الخليـة ، لأن الإناث بالمرصــاد بسبب عـدم نجــاعتهـم و وجــودهـم مجرد عـائل على الخليـة فيتـم طردهـم من الخليـة و يتحــولـون إلى sdf بمعنـى الكلمـة ، تخيّلـوا لـو أن هـذا النظـام يطبق على النظـام البشري !
#بن_جبار_محمد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟