أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن جبار محمد - أزقة الكتابة















المزيد.....



أزقة الكتابة


بن جبار محمد

الحوار المتمدن-العدد: 4463 - 2014 / 5 / 25 - 06:27
المحور: كتابات ساخرة
    


أزقــة الكتابــة

سـأخـرج الآن مثل كل النـاس إلى خارج البيت ، أجتـاز الشـوارع و الطرق المتـربـة و أظهــر للبعض و أسأل عنـهـم و أتفقـد أحــوالهـم ، رغـم أنـه ليست لي رغـبـة في ذلــك ، لا أكــن أي حب خاص لهـذه المدينـة التي أصبحت شاحبـة بعـد افتقدنا أعــز الأصدقـاء ، تحولت إلى مدينـة الغربــاء بذوق غريب ، حتى تــلــك الفضاءات التي كنــا نلتقي فيها و نتظلـل تحتها أصبحت فضاءات لا تنتمي إلينــا و لا ننتمي إليهـا بحكـم التحولات القاسيـة و المفاجئـة و الجذريـة ، سأسير في الشارع الرئيسي و أرتكن إلى مقهــى أو أتسـوق أو أدخـل إحدى الزقــاق لكن دون طعــم خاص ، حتى الذكريات أضحت باهتـة و لا تفي بغرض الذكـرى ، الأشياء الجميلـة ولّــت و الرفقــاء رحـلـوا بآخــر الابتسامات و تركوا فــراغـات في قلــوبنا .
2

لمـاذا التعليم مفيد للمــرأة ؟ و يحـاول الظلاميون صدهـا بكلّ قـوة وحــزم . هنـاك عشرات الأمثلـة و المشاهـد قديما وحديثا لعـزل المــرأة عن المعـرفـة و الوعـي ، يريدونها خادمـة بيت ، جسد للمتعـة و حاضنـة أطفال و هـامشيـة من وراء الحجاب ، لاتتكلم بسبب عـورتهـا اللاصقـة بهـا ، يدجنونهـا بعقليتهـم الفجــة و لا يريدون لهـا دورا يذكــر ، أو يقرنونهـا بالرقص و بيع الجسـد و الدعــارة . المــرأة تلك الهبـة الإلهيـة الربانيـة هي فعـلا نصف المجتمع إذا ما تعلمت و درست و عـرفت ، ستكتشف حــقــا أنـها المخلوق أكثر ظلمــا في المجتمع و التاريخ و ستنتفض عليهـم جميعـا لتنتزع حقــوقهــا إنتزاعـا من المتخلفين المتحجرين الجهــلــة . المــرأة ليست مجرد جسـد ، مرأة روح و أرض و وطن .
3
يا صديقي عــواد ، تلك الصــورة لعزرائيل و هــو يحمــل مديتـه الضخمــة المعدنيــة و هــو يقف عند مدخــل القبور لم تفارق ذهنـي ، يتفقـد الجثث حديثـة العـهـد بالموت واحدا واحدا و أيضـا أولئـك الذين لـم يكونـوا في قــوائمــه و هـم عـادة من قتـلى الحوادث المروريـة ، وإنفجارات غاز البوتان و الفيضانات ، يقترب من الموتى ، يفتح ورقــة الأسئلــة و يمــلي على مضيفيـه مجمـوعـة الأسئلـة و أي خطــأ أو تماطل فيصيبـك بمديتـه الضخمــة و يغيّبـه في مجاهــل الأرض ، ثم يعيده إلى قبره مــرة أخــرى ، ما أن ينتهـي من أحدهـم يمضي ورقـة ويرسلها إلى ربّ الرحمــة ، تـمّ إنجــاز المهــمـة بنجاح !
4
أرجـو من الأصدقــاء ، الأحبــة ، الرفقــاء أن لا يسمونني أو يطلقـوا عليّ أستـاذ ، لست أستاذا في شيء ، لا تروق لي هـذه الألقـاب ، انـا إنسان بسيط ، موظف "مقــوّدة عــليـه "، أنـا أعــلم أن جنــازتي لا يحضــر فيهــا إلا القليل من النـاس ، يأتون بخجل و ينصـرفـون متسلّلين بســرعــة و لا تحدث أي جلبـة كتــلـك أخبار النعـي التي يندهـش فيه الناس و يُصدمـون من المفاجــأة ! و يتحدثــون أيام و أسابيع و يطلع في نشـرة الأخبار و يعزيه الرئيس و تنصـب له الخيام و يعـلن عنــه الحداد ثلاثا ، لا أحب الألقاب التي تجتـر من ورائهــا الخزي و العار و تجعـل الناس يتصيدون أخطائك و هـفـواتـك و يضحكــون عليـك ، أنـا إبن الشعب ، أمارس حريّتي و أمـارس هــوايـة استنشاق الهــواء ما استطعت إليـه سبيـلا ، فلا رقيب و لا حسيب و لا أتيكيت و بودي قارد و لا بابارازي و لافضائح ، أنـا أرتكب المعاصي كل يوم الظاهـرة منهـا و المستترة و لا أريد أن تكون في ميزان سيئات الناس ، يقتاتون منهـا عند اجتماع عــامـة النـاس و خــاصــتهـم ، أنـا على سجيّتي و لا أريد أن ينتبـه لي أحــد و لا أريد أن أكــون قدوة أحــد ، أحب دائما أن أكـون في درج النسيــان ، مطمئن بال ، مرتاح الخـاطــر ، لا يعرفني المــارة و عندما أركن دراجتي لا يتعـرف إليّ حارس الباركينغ فيطمع في الكرم البقشيشي ، أعـرف أن الأصدقـاء يحبونني و أبادلهـم الحبّ و ليس لي عـليهـم فضل و هـم أيضـا ، ليس لهـم عـليّ فضـل و من يقل ذلـك يتقدم بالدليل أو أطرده من محبتي . أشكركم على تفهــمكم .
5

لا تصلـح الروايـة إلا لفضــاءات المدينـة و أزقتها و حاراتها و حاناتها وعــاهـراتها و كواليس أقبيتها ومــلح شــواطئيها وفنـادق و شخوصها من القوادين و الإنتهازيين و السافلين و المعقدين و العرّاّبين و ذوي النوايا السيئـة و اللوطيين و المثليين و المرضى النفسيين ، أمـا إذا أتخذت الروايـة فضـاءا آخــر ، ستكون فيه الحياة رتيبة رتابـة الثور الذي يجـرّ المحراث ، مملّلة مــلل السيدة العجــوز التي تــكرّر نفس الحكــايــة على مدى سبعين سنــة ، قصـة زواجهـا ، إنجابها ، و الأمطــار التي حبست ذات مــرة أو تشبـه زوجــهــا بفارس الفانتزايـا ، شخوصها طيبين ، ممتلئين بالإيمان إلى حــد الشبع ، تتكلــم بنفس الإيقاع الواطئ . أنـا أحب الروايـة المدينيـة ، لأن هـذه الروايـة خرجت من رحم زخــم الحياة و تعقّد العلاقــات و من المستويات المتعددة المتشابكــة للرؤى و المصالح .
6

عندما نقـرأ قصص الجدات و الأمهـات عن تضحيـة النسـاء و الرجال و بذل النفس و النفيس لأجل مبادئ معينــة و قيـم مؤسساتية مجتمعيـة ، ثم فجــأة نجـد أن تــلـك الأفكــار و القيـم ذهبت إلى غير رجعـة و استخلفتها أفكــار كتلـك الأفكار التي نجدهـا عند المرتزقـة ، فعـلى الدنيــا السلام !
7

ذهبت اليوم لشراء التوابل و البهارات كما أوصتني زوجتـي ، لأنني لا أطيق أن أتغذى غذاء خال من التوابـل ، أحب نكهتهــا إلى درجــة أصبحت مدمنــا عليها ، التقيت بفتيات يافعات يبحثن عن خلطـة أعشاب سحــريــة لأجل تنميــة الأرداف و المؤخــرات ، بعد انصراف الفتيات قــال لي صاحب الدكــان : أنهــا موضــة صديقي ، هنـاك في الغرب اشتعلت بين كيم كــاردشيان و جينفر لــوبز حرب شرســة ، حرب المؤخــرات ، إحداهــن أمنت مؤخــرتهـا بحوالي عشرين مليون دولار ،! تبادر لذهني أننا نعيش إرتدادات هـذه الحروب بسلبيـة ذات تأثير فاحش .
8

العشق تجربــة لا تتكرر، تجربـة يكون فيها إشكال الزمن و المكان و الوجــود معقــدة ! لايمكن فيها الحديث عنها بسهــولــة ، لنعطي مثالا : عندما تسافر مع حبيبتـك هـل تشعر بالمسافات ، هــل تشعـر بالمكان، وجودك لـه مفهـوم آخــر
9

مرحبا بك صديقي الجديد ، أعـرف أنـك كنت تتلهـف على معـرفتي و تريد إشباع فضــولك العلمي و الأدبي و قد صــدّع الأصدقـائك رأسـك بالحديث عنــي و قد بلغني أنك تريد أن تعريف المزيد عنـي و دحض نظريتهـم وصنع صـورة غير مشرفـة عنـي ، صديقي لـن تجد شيئا ذا قيمـة سوى الكلام عن الحب و كثير من الإطناب عن الحريـة و الديانات ، نمضي وقتنا مثل كل البشــر إلى أن يفرقنا الحب أو الموت ، ليست لي فكرة محددة عن الحياة ، عن الله ، عن الدين ، فلسفتي أن أكـون صادقـا وأحيى يومي ، عندما أخلد إلى النوم أكـون قد استهلكت آخر الرصاصات و لا فــكرة لي عن يوم غــد . صديقي الجديد ، لـن تجد عندي نظريات ما يكفي لنهـمك العلمي و حاجاتك المتزايدة التي تتزامن مع نموك العقلي و أنت في أوج عمر الزهـور ، ليست لي سلعـة من النوع الذي تريده على غرار ناسيونال جيوغرافيك أو أكاديميات البحث في التغير المنــاخي ، لاشيء من هــذا أو ذاك سـوى الركــون إلى صديقي مول النخــالـة و حكاياتــه غير المنتهيــة عن عشيقتــه رحمــة .
10

من خلال معرفتي المحدودة بالكتاب ،عـرفت كتـّاب ببدلـة عسكـريـة ينهـض فجــرا ، متأهب لكـل المفاجآت صـارم في كتاباته ، حياتـه مجمــوعـة معـارك من هنـا و هنــاك و آخــر ببدلـة رجل أعمال يدافـع عن مؤسسته بإستمــرار يراقب مؤشره الشخصي في سـوق البورصـة ، لا يتوانى في التقـرب إلى الإعــلام و الإفصـاح عن ميزانيـة المؤسسـة و مشاريعـه و الصفقات المحتملـة ، و آخــر ميكانيكي لا هـمّ لديـه سـوى إصـلاح لغتـه و تجريب هــذا أو ذاك ، يعمـل على قطــع غيار الكلمــات ، يستبدل هـذا بذاك ، يشحــّــم عباراتــه ، يختبرهــا و يعيدهــا إلى التداول وآخــر مصمّم أزياء ، شخـوصـه من الدمى البشريـة الجميلة بمقاييس مضبوطــة ، لا يعاشر سوى الصالونات ولا مشاكل عنده سـوى تسويق منتجاتــه ماركاتـه لنخبة مجتمع ، و آخــر وأنـا أفضلـه مثل الفــلاح ملتصق بأرضــه ،بترابــه ، يتفقد الجــو و ينظر إلى السمــاء ، يترجى الله أن ينهـي الموسـم على أفضل حال ، يحرث ، يبذر ، يعتني و يحصـد ، عند نهـايـة الحصـاد يقيم الولائم و يشكــر الله على كــرمــه .
11

من أكثر الأفــلام رسـوخــا في ذهنــي ، هـو أن بطـل الفيلم ، أراد أن يتزوج فذهـب إلى البار ، طلب كــأس ويسكي و بقي يرتشفــه و يراقب الفتيات الغضـات لمدة زمنـيـة لا تتعدى عــدة ســاعـات ، كان يبحث عن إحداهـن لـم تـكن لــه فــكرة محددة عن شكل العروس ، إلى أن جاءت إحداهـن و ركنت إلى جانبـه ، تفـرّس فيها جــيدا ، كانت إمــرأة عــاديــة معتدلـة القـوام ، جمال عــادي ، مقبولـة الشكل ، خاطبها بشكل سريع و مفاجيء ، هــل تتزوجين منـي ؟ ، رفعت نظرها بتــؤدة و ببطئ شديد ، نظرت إليـه جيدا ثم قالت نـعم أوافقك في السراء و الضــراء ، قالت لـه أنتظرني نصف ســاعـة ! ذهبت إلى غــرفتها ، أعــدت حقيبتها و خرجت للقائـه !
أنـا عندما قــررت الزواج ، أنتظرت أكثر من خمس سنوات ، ألــملم أغــراضي ،بنيت غــرفـة لنفسي ، تعاقدت مع الصائغ ، مع بائع المفروشات ، مع محل الأثاث ، مع بائع مواد البنـاء ، توفير ثمن المهــر و العامـة و مصاريف العرس ، التجهيز ، الكبش ، أمــا العروس لـم تكن جاهــزة فأمهلتهـا ستــة أشهــر ، حتى تصبح جاهـزة ! الخروطي أكثر مما يحتملــه العقــل .
12

الأمــر عـادي جدا مـا أن يخيم الظـلام حتى تبدأ القـوى الظلاميـة تنشـط ، تتحــرك ،تتجسـد في كل شيء ،تتآمــر مع الأشيـاء ، حتى تــلـك الشجـرة الطيبـة في حديقـة البيت التي لـم تبخل علينا بثمارهـا تتحــول إلى كائن غريب تستفزنا بحركاتها و هيئتهـا الشبحيـة ، تضرب بأوراقهـا حائط البيت و تسكنهـا الأرواح ، الأبواب المغلقـة تسمع لها حشرجـة طـويلـة ، وقـع الأقدام ، تطأ سلالم الدور العليا ، حنفيات المطبخ تفتح و تغلق ، شيء ما يعبث بالمطبخ الأرضي ، ضحكات تأتي تباعــا ، تجــد حريتها في هـدأة الليـل ، في ساحة الدار ، أشباح تزور مكتبتي ، تتفـرس في عنــاوين الكتب ، في أوراقي ، في أشيائي ، في وجــوهنـا ونحن نيام ، تتجــول في البهـو لوحدهـا ، تتعقب الأمــاكن المظلمــة . كنت أسمع حركتها و أنـا شبه مستيقظ و أفكـر ما الذي تريده هـذه المخلوقـات ، لا ذكرى عندي و لا آثار و لا موتى عندي و لا تاريخ و لا ملاحم و لا مؤامرات ، خرجت ..دخنت سيجــارة ، ألقيت عليهـم التحيـة و بقيت ألهـو معهـم إلى الصبـاح ، جميل أن هـذه المخلوقات تسكن معي ، شـرط أن يكونوا مسالمين !
13

بعـد أن أنتهيت من الواجبات الوظيفيـة التي كانت تنتظرني اليوم ، حاولت إلتقاط صـور جميلـة أضعهـا تحت تصـرف أصدقـائي ، الغريب في الأمــر أن كــل الصــور لم تروق لي ، صور تحت شجرة الرمان ، بجانب شجرة الزيتون ، تحت البرتقالـة الكبيرة ، لاشيء جميل في تلك الصـور إلا الصــورة التي ألتقطتها تحت شجــرة الصبــار الشـوكيـة و كــأني أشبههــا أقترب منهـا مظهــرا و بطنا و باطنــا .
14
الأشيـاء الجميلـة تلك التي تكـون مستحيلـة و بعيدة مثل الله.
15

صدقي ، شفـافيتي ، عشقي ليس لباسا أرتديـه كل يوم ، هـو الجوهـر أمــا جسدي و صــورتي مجــرد تفاصيل

16
أكــون إستثنائيا في حضــرتــك
17

كــان أبي يتسـوق كــل يوم خميس ، يحمل القفــة و أنـا صغيرا ملتصقا به تارة و ملتصق بعـراوي القفـة تارة أخــرى ، كان يجوب السـوق ، سوق زنقـة الركـابـة ،سوق القرابـة ، سوق سي عبد القادر ، يملؤهــا ، يسير أكثر من 10 كيلومترات و العرق يتصبب منـه ، يمـرّ على إحدى الحارات و هـو مزهـو بنفســه و أنـا أتعثر في سيري بخطـواتي الصغيرة ، و قلبي يلهـف لحلوة السـوق أو قطعـة جبن و أخشى أن لا تكون القسمـة عـادلـة ، يمــرّ على الجيران ، الجارات يتلصصن على قفـة أبي العظيمــة و يعجبن بهـا أو هكــذا أبي يتخيـل بجدواه ، يدخــل للبيت ينـادي على أمــي ! بحمـاسـة زائدة ، تبدأ في سبـر غـور القفـة و مشتمـلاتهـا ، ترصف ، تنظم ، تضع بعض الأشياء على حدا و أنـا أطالب بحق أكبـر لأنني شريك أبي في الفتـوحــات السوقيـة . يمسـح أبي عـرقـه و ينـاقش أمــي في الحــاجات غير المتيسرة ، يناقشهـا على بعض الأسعـار كما يوصيهـا على التبذير أو الإسراف . أنتهت مهـمـة تقريبا ، يبتهـج و نحن نتغذى باللحم و الفـواكـه . في بعـد أن تزوجت و أسست أسرة ، أصبحت حمل القفـة هـو الإشمـئزاز نفسه رغـم أنـه لا مفـر منـهـا. الفرق بيني و بين أبي أن لا أعطيهــا تلك الطقــوس التي تستحقهــا حتى في أيام رمضان التي تصبح القفـة عبادة قائمـة بأركانهـــا
18

الحالــة الجزائريــة : في السبعينيات كانت المساجد وحدهــا تخرج المتدينين في مقابل المتنورين من الجامعــات ، حيث كان هنــاك توازن بين طلبة العلم و طلبـة الدين ، بعـد دورة عمريـة كاملـة أصبحت المساجد تخرج المتدينين و الجامعــة أيضــا فأختّل التوازن و غــرقت بنا الباخرة .
19

أنتهــى عــصــر الديانــات ، أنتهــى دور الدين في أروبا مع عصــر التنوير و ظهـور المفكرين المتنورين و عـادت الديانات من جديد مع عصـر الظلمات الأخير و ظهــور الإنسان الأحمق
20

الذي يدافــع عن الدين بالسب و الشتـم و التهديد و الترهيب هــو جزء من هــذه المنــظومــة
21

الضعفــاء يرتكنــون للدين ، لأنـهم يخافــون من أن الله ينتقــم منــهم ، أمــا الأقــوياء فهمــوا اللعبــة بل مارسـوا دور الإلــه في الإنتقــام .
22

مــا اعــرفــه عن الدين أنــه مجمــوعــة مواعظ و قصص و أمثال و حكــم و أساطير الأولين ، ما يصلح لزمــن لا يمكن أن يصــلح لزمن آخــر ، بل هــو ذاتـه يتحــوّل إلى أسطــورة ، أول عقبــة يصطدم بهـا هـو العقــل ، المنطق ، العلم ، التقنيــة ، من هنــا فطـن الأوائل لهــذا الأمــر فاستعملوا كل الوسائل لتسييج الدين و فقهــاءه و كــفّروا الفكــر المخــالف و أعــدّوا لــه نــار جهنــم في حياة الدنيا.
23

المزيد من الخطاب الديني ، المزيد من العبوديــة ، المزيد من تسكين آلام ملايين الفقــراء الذين لا يطالبون الحكــومــات عن حقــهــم في العيش الكــريم ، لأن الأمــر قضــاء وقــدر .
24

كل الأنظمــة السيــاسيــة الفاسدة تحابي الدين و تتحالف معهــا لأنــه يحقق أهــدافـهـا و مطالبهــا و لأن الدين يقتــل في الإنسان إنسانيتــه و يكرســه للعبوديــة و الخنوع و الخضـوع و الإذلال .
25

أن تقــرأ روايــة لكـاتب مبتديء ، يخربش و يتعـلم الخطـو أو يحبـو خير من كــل كتب الفقـه أجمعين .
26

أحـد المشايخ في مهــلكـة الوهـابيـة طلب حجب الفايسبوك ! أتدرون لمــاذا ؟ لأنــه خطــر عــلى الدين ، يعني أن هــذا الفضــاء سيكشف لهـم سوءاتهــم و يعريهـم من خزعبلاتهـم و يميز خبيثهـم و يظهــر طالحهـم و يكشف ستــر مؤخراتهــم.
27

تختــلف الديانات عن الميثـولوجيـة الإغــريقيـة (أبطالها الآلهــة) ، الميثولوجيـة الإغـريقيـة أنتجت الفلسفـة و أعطت السيــادة للعقــل أمــا الديانات أنتجت اللافلسفــة و غيبت العقــل
28

لمـاذا لا يحتـج المسلمين على الذين شـوّهـوا دينــهم ، و زوروه لأجــل مصالح دنــيويـة وفــوائد مــاديـة و إمتيازات سلطــويــة ،لمــاذا يقفــون الآن في وضــع الهـجـوم على كــل رأي يدعــو للحقيقــة و النظـر فيها ، أم أنه رســخ في ذهنـهم أن كــل ما وصلهـم من السلف هــو صالح و مقدس ، بئس قــوم تحجـروا ولم ينهـضــوا ليصحّحــوا الدين من الخزعبــلات و الترهــات و التفاهــات ، الإصــلاح الدينــي أصبح واجبا على كل ضمير حي ، و وضعـه في مكــانــه الذي يستحقــه . أصبح تقـدم المسلمين مــرهــونــا بالإصلاح الديني و إصــلاح العقليات التي يعشّش فيــها الخــراب.
29
معنــى اُغْزُوا تَبُوك تَغْنَمُوا بَنَات الْأَصْفَر وَنِسَاء الرُّوم ، النكاح في سبيل الله

30

كل مــرة عند تعبئـة جيوش المسلمين و أغلبهــم من الصعاليك ، من الرســول إلى خلفائه كــان يخاطبهـم في نفس الإتجاه ،الأموال ، الفيء ، التركات ، الغنائم و النكاح
31

لــو وضعت أصدقـاء الإعتــراض و المعترضين نصب عيني ما كتبت حــرفـا ، أنـا أمارس عـفــويتي ، حريتـي ، أتصيـد من هنــا و هنــاك نسمــات الحب و الإعجــاب ، أخــرج ما في قلبي من فرح و ســرور و أنشــره .
الباقي لا يهــمنــي
32

يجـد إبني الصغير سعــادتـه في تكسير ألعــابـه ، يفصــل أجــزاءهــا إلى قطـع لا يمكــن إصــلاحـهـا ، يضحك بقـوة ، أمـام هـذه الوضعيــة أغضب منـه كثيرا و أؤنبــه ، لأنني أرى كل تحطيم للعبـة هـو تمزيق لعـدة أوراق نقديـة دفعـة واحـدة ، أمتنعت و هـددت أن لا أشتري لــه لعب جديدة ، ما عــلى إبني الصغير إلا تغيير إستراتيجيتـه و تمزيق كتـاب أشتريتــه و غـزو مكتبتي و تقطيع كل ما يقـع بين يديه ، كان عــليّ أن نحتــاط للأمــر ، نراقبــه ، نراقب تحــركــاتــه ، أصبح مرعبا و إرهــابيا و نخشى أن يحدث ما لا يحمد عقباه ، اليوم أشتريت لـه لعب جديدة حتى يصرف النظر عن أشيائي .
33

يمكن للشخص أن يجد لنفســه بدائل أخرى ، أن يغيّر من نفس المشاهـد ، أن يستبدل ما يستطيع استبداله ، عندمــا أشعــر بالملل ، أذهب إلى شاطئ البحــر ، أذهب لسهــرة لست مدعـوا فيهـا ، أقــل قطــارا في اتجاها مجهــولا ، أغــازل إمــرأة لا أحبهــا ، أعــاقر نــوعـا جديدا من البيرة ،تظهــر في الفواصل الإشهــاريـة لقنوات ألمانيــة ، أقــرأ كتاب لكانط رغــم أنني لم أفهـم شيئا منـه ، ألتقط صــور سيلفي لوضعيات متعددة ، نائم ، آكــل ، أبحث عن شيء ما غامض ، أو أضحــك لأوهــم نفسي أنني بخير و على خير ، أتخيــل لمواقف ما بعــد التقاعــد ، أجلس لمول النخالـة ليحدثني عن رحمــة و كثير من الأشيــاء ، فقــط لأنتصــر على الروتين .
34

أردت أن أكون سعيدا مرتاح البال ، لـم أجـد طريقـة مثلى ســوى البحث عنــها في الكتب التي تهتـم بالموضـوع ، كيف تكون مرتاح البال و سعيدا ، الخطــوات السبع للسعــادة ، الوصفـة السحــريـة للسعــادة ، كن سعيــدا ، إبحث عن السعــادة في داخلــك ، عشرات الكتب التي تظهــر عــلى أغـلفتهـا نساء و رجال وسيمين ضاحكين مبتهجين بالحياة ، قرأت البعض منــهـا ، البعض يبحث عن تأثيرات الأفــلاك و الآخــر يبحث عن الحكـم الصينيـة القديمـة و الآخــر يربطهـا بالإنجازات الشخصيـة و المهنــيــة و مــا أثار إنتباهــي أن احــدهـم كتب عن عــلاقــة التدين بالسعــادة ، فــعــلا أقتنعـت و لا يمكن منـاقشتـه و بدلا من أن أكــون سعيدا معــه أصبحت أكثر شقاءا و تعاســة و كــآبــة ! قال : أبحثوا عن السعــادة الأخــرويــة و لا يهـم شقاءكــم في الحياة .
35

أنقرضت تلك المخلوقـات الثقـافيـة في مدينتي و لـم يعـد لهـا صيتا أو تأثيرا يذكــر ، كانت في مدينتي قـاعات سينيما و مسرح ودار ثقــافـة و مقار الجمعيات التي تنشـط على مدار السنـة ، من أبرز هــذه الجمعيات الثقـافيـة ، مسرح الظهــرة الذين حمل على عاتقه هـّم التحوّل الإجتماعي و الثقـافي للبـلد ، جمعيـة المسرح التي حضـرت الكثير من عــروضهــا تحاول أن تبدع ، أن تقدم الأصيل ، الجديد ، رؤى مختلفـة بأدوات ووسائل بدائيـة ، كنـا نشاهـد العروض و قد أخذت من التاريخ و المجتمع و خصــوصياته مادة الخام لنصوصهـم المسرحيـة ، كنا نتعـلم منــهم و نناقش و نتأثر ، و نصفق لهـم وقـوفا و نشجعهـم و هـم ينحنون لنـا بفــرح و يعدنـا بالجديد و تدارك بعض النقائص ، كان الممثلون من مختلف شرائح العمــر ، صغارا شبابا وكهــولا و شيوخــا ، كانت حماستهم منقطعــة النظير ، كنا نشجع فيهـم جرأتهـم و شجاعتهم للتصدي و البوح الممنـوع ، مــرتّ فتــرة التسعينيـات ، أختفـى كــل شيء ، هنــاك زي أســود الإسلاموي و زي أخضــر عسكــري ، أفــراد المجتمــع عليهــم الإختيار بين هــذا و ذاك ، أصبحت البندقيـة هي سيــدة الموقف ، لـم نــعد نسمع سـوى بالجنائز ، أنتهت تلك الفترات الجميــلـة ، أنتظرنــا طويلا أن يعـاد فتح دور الثقــافــة و المسارح الهــاويـة و المحتـرفــة بدل من ذلـك ظهــرت فئــة جديدة : أنهــم المقــاولون ، الطرابنديست ، المهـربون، المضاربون ، الطراطقيـة ، المرقـون ، أصبحت الثقافـة من الأمور العبثيــة ، لأنـها لا يمكنـهــا أن تضمن لـك عشاء ليلـة ، تبعت الناس الموجــة الجديدة ، الشاب الذي يريد أن يعيش حياة الرفاهيـة ، يجب أن يبتعـد عن كل مظـاهـر الثقافـة . فطوبى للمثقفين
36

منذ صغـري ، أحـلـم بإرتداء بيري أســود مثل أحـد الملحدين في مدينتي ، يسير في وقت محدّد من اليوم في إحدى شـوارع المدينـة ، يسير مـرفـوع الرأس و نظـره مستقيم إلى الأمــام في إتجاه نهـايـة الشارع ، لا يشعـر بوجـود مخـلوقات بجانبـه ، يعـرج على مكتبـة بوردو ، يدفـع ثمن كتاب أو جريدة ، يتأبطهـا و يكمل سيـره في أنـاقـة على الرصيف الأسفلتي بإستقامـة ظاهـرة ، كنت تلميذا في متوسطـة فيكتور هيجو ، كنت أراقبـه و معجب بشخصيتـه بوجهـه المكتنز و شاربـه الضخـم وقد أصفـر جزءا منـه بفعـل الغليـون الفاخـر الذي يضعـه على فمـه ، لم أر غيره بهـذه الأنـاقـة إلا في الأفـلام الأجنبيـة ، كنت أربـط بين هـذا الشخص في مدينتي بمظهـره المتميّز و ثقافتـه الفرنكوفونيـة المتميـزة ، رأيتـه ذات يتكلـم مثل المثقفين رغـم أنني لـم أفهــم شيئا مما يقـول ، إلا أنني كنت أقارن بينـه و بين ســائر الخلق الذين لا يرتدون البيري و لا يضعـون الغليون على افواههم ، غــالبا هــؤلاء تجدهـم يلهثون من وراء الإدارات ، البريد ، يحملون القفف في السـوق ، يتجمعـون في إحدى ساحات المدينـة ، يتسببون غـالبا في تضييق المرور و يعاكسون النساء من خــلال مرورهـن من القرب منهـم . قررت أن أرتدي البيري و التميز ، لكـن جاءت فترة العشريـة السوداء ،فعدلت عن ذلــك ، إلى أن أنقضت الفتـرة و أصبحت رجلا كهــلا ، فكـرت أن أشتري بيري و أضعـه على رأسي و قـد كفرت بالمجتمــع ، لكـن ما رأيت أحدهـم يرتديهــا و هــو من أخمج خلق الله حتى عدلت عنهـا ، خشيت أن يقـارنوا الناس بيني و بينــه .
37

من الذي لـه الحق ؟ أي حق تقصــد سيدي ؟ أقصـد الذي لهـم حق الأسبقيـة في كل شيء ، كبار معطوبي الحرب ، كبار معطوبي الدين ، كبار معطوبي السياسـة و أنت لمــن تنتمي ؟ أنـا من كبار معطــوبي الوطن !
38

محام يدافع عن موكله متورط في قضية استغلال نفــوذ ,يقــول لهيئة القضــاة : لو كــان لهذا ( موكله) نفوذا مــا وقف أمــامكم لحظــة!!!
اندهشت و أنــا أسمع كــلام كهذا..اتهام خطير لمرفق القضاء و طـعن في مصداقيته, خـاصة و أن الكلام صــادر من أحد المحامين و من أحد أصحــاب المشوي و العلاقــات المشبوهــة ...
39
جبـة عشــاء لم أتفرغ لها سوى لأربــع دقائق ! يعني زمن كتابـة هــذه الجمــلـة أطول منها بقليل ، يا حسرتاه على مأدبـة العشاء الرسميــة التي تعلن في نشرة الأخبــار التي تتحــول إلى حدث بالكاميرات و ضيوف الشرف و المؤتمرات الصحفيـة و باقات الورود الفاتحـة للشهيــة و أخذ اللقطـات كتذكارات لا تتكرر ، و حجز الأماكن مع السيدات الجميلات ، ممثلات المجتمع اللواتي لا يأتي الباطل بينهن و الإتيكيت في تقديم فنون الطبخ و الذوق و تنـاول السكاكين و الشوكــات بجودة و دقـة و ألق ، يتذوقــن من هنـا وهنــاك ، يأكلون و أفــواهــهـم مغلقــة و الخدم يحــرسون على خدمتـهـم و راحتـهـم و تقديم ما طاب و ألذ ، يا حسرتـاه على صحن الكسكسى الذي يتبعني كاللعنــة أينمــا وليّت وجهــي و أينما حللت .

40

كتب أحدهـم إن لقلمي خطوط حمراء لا يتجاوزهـا ، تــبـا لقـلم لن يحرّرك و لن يأخذ بـك بعيدا ، يأخــذك إلى الشواطئ الذهبيـة ، يسندك إلى صخـرة عظيمــة يبكي تحتها العشـاق و تحتمي بهـا الأسماك ، تبـا لقــلم لا يتتبع آهــاتـك ، يسجل هــواجسـك و لايفضحهــا ، تبـا لقــلـم لا يتنفس حريــة ، لا يتلمس البهجـة و الفـرحـة و الحب و شساعـة الحياة و المغــامرة ، إذا كان قلمك نقيض هــذا و ذاك ، هـو مجرد قلم أمــوات .

41

بحكـم صدقتي مع أحــد أصحاب المحــلات لبيع الأفــلام و الأشرطــة و أعمــال الفيديو ، أن الناس من طبقــة معينــة يختالون بــه للحصــول على أفــلام الإثارة و البرنو من تحت الطــاولــة ، هــذه الطبقــة يظهــر عــليهــا الوقــار و التدين و مرتادين للباس التقــوى ، شخصيات اجتماعية وحزبيـة و إداريـة و بيداغــوجيــة ، تراهـم يوم الجمعــة أمــام بوابــة المسجــد الرئيسي لأداء فريضــة الجمعــة بعباءتهــم البيضـاء الملائكيــة و يشاركون صــلاة الاستسقاء و يدخــلون القــرعــة لأداء مناسك الحج . يا جماعــة ، أنــا أعيش يوميات العــالم السفــلي و لست معتكفــا ، زاهــدا عن الدنيا ، أنــا أعــرف ربّهــم واحدا واحدا فلا مجال للمواراة و الكذب .
42


من عـادتي أن أندفــع في حديثي غير آبـه للمشاعـر و الأحاسيس و العقليات النمطيـة و الحدود الفردانيـة و الخطوط الحمراء التي يضعـهـا الأشخاص أو الهـالات المقدســة الموضـعوعـة في القلوب أو على الرؤوس ، أتحدث بحريــة إلى أن تسقـط آخـر ورقــة التوت التي تغطي سوءتنا ،حديثي ، أكثر جرأة ، أكثر شفافيــة ، أبتغي فيها الصدق ، عندها تنهار تلك الجدران المصطنعة بـدوي هائل يتردد أصداءها في أرجاء الروح.
كانت لي صديقة جميلـة ، متخندقـة في قـوقعتها كحلزون عنيد لا تطلّ إلا متحفظـة ، متحسسة للأنواء ، مثقلـة برواسب الماضي و الحاضـر و التاريخ ، رواسب التربية و التنشئـة الإجتماعية ، الحديث معها ، لا يأخذ إلا مسارات مستقيمة مسطحة بإيقاع الرتابـة يتخلله فواصل ، إشارات ، علامات الوقف ، لا تأخــذ إلا الطرق المعبدة التي يعتادهـا الناس حتى تشعـر بالآمــان ، كنت على نقيضهـا ، كطائر حر ، لا تعترضــه الإشارات و المحاذير ، آخــذ بيديها في الدروب الضيقــة ، طبوغـرافيا الوجود ، جغرافية الجسد ، المدن الموغــلــة في سـوء السمعـة infamie ، قمم الحديث ، الغابات الماطرة ، صحاري التعريـة ، لا جدران لي و لا قــلاع و لا دروع ســوى البوح ، ممارسـة حريتي و توطئـة فضاءات لم تطأهـا أقدامي ، لأجــل فقــط أن لا أكــرر ما يكرره غيري فيبتذل حديثي .
43

منذ صغــري و أنــا أحــلم بغــرفـة مستقــلة لوحدي ، لــم يتيسر الأمــر لي ، إلى أن أنجبت الأولاد بعدد الغرف ، الغــرفــة التي أردت حجزهــا لنفسي ، طــردتني منــهـا زوجتي ، قالت لي لا يحق أن تكون لــك خصــوصيــة و غــرفــة منفــردة ! قلت لهــا حلمت أن تكون لي غــرفــة و قد جاهدت للحصــول عــليها ، قالت لي لم تــعد صغيرا ، نريدك أنت أن تكون غرفتنا جميعا ، أن تكون مأوانا جميعــا ، لا تتهــرب !

44

أنـا البكــر في عـائلـة متكونـة من عشــر ذكــور و إناث ، كانت أمــي بحكم قربها من إخوتها و بنات عمومتها و نساء إخوتها ، كن يتنافسن على الحمــل ، كل واحـدة منهـن تبرهــن على خصــوبتها ، على أنــوثتها ، لاشيء يوقفهـن على الحمــل ، أمي دخــلت في اللعبـة رغــم موارد أبي الضعيفــة ، كانت تـلد بدون إنقطــاع واحد وراء الآخــر كسلسلـة أوتوماتيكيـة في مصنـع للمشروبـات الغازيـة ، إنتــاج وفير ، لا يهـم أن تكون السلعــة مشوّهــة أو نــاقصــة أو أن هنــاك عيوب تقنيــة ، مهـم الإنتـاج ، كان عــلى أبي أن يزيد من ســاعــات العمــل لتوفير لقمــة العيش ، و إطعــام الأفــواه المفتــوحــة بإستمرار ، أن يواجـه المتطلبات المعيشيـة المتزايدة ، العــلاج ، كميـة الحليب و الخبز ، البحث عن سكن أكثر إتساعـا ، دفع تكاليف المدرسـة...الخ . عندما أنهــك ماديــا ، لأول مــرّة بدأ أبي يهتم بفكــرة تنظيم النسل و يستمع إلى الراديو الجلدي الأســود الذي يذيع توصيات طبيــة كل يوم في الأسبوع ، لكن فـات الآوان ، نــدم كثيرا و لم يعد يستمع للإمام الذي كان يحــرّم هــذا النوع من البدع الطبيـة و الإرشاديــة ، أمي أنهكتها التربيـة و لــم تــعــد قــادرة على المزيد من الســهــر و العنــاء و الولادة ، أندهــشت مرة لمــا بدأت تشــاهــد الأفــلام الإمريكيـة و الفرنسيــة و إحدى بطلات الفيــلم تفكــر بعمق و خوف شديد لمدة أشهــر لإنجاب طفل واحد ، ضعــف أبي صحيا و جسديــا و معنــويا ، الإبــن البــكــر هــو من يتولى القــاطرة ، قال لي ذات ليلــة أنت رأس القـــاطرة الذي ستقــود عربة أولاده ، و من يــومــهـا لــم أر الراحــة في حيــاتي و لـم أعش حياتي كما يجب .
45

ما معنى أن يكتب أحدنــا عن خيباتــه ، هل هــو إستجداء الشفقــة من الناس ، هل هي مواساة النفس بعدد مرات الضربات ، أم هي إعــادة تمرير القلــم على الفجوات التي أحدثتها الزلازل الخيبــوية أو الإنهيارات الروحيــة أو الإنجرافات النفسيــة ؟ أعتقـد أن إعــادة كتابـة هـذه الخيبات هـو مجــرد تلمّس الآثار المرئيــة و غير المرئيــة ، الظاهــرة و غير الظاهــرة و السير في الفجوات المظلمــة للنفس ، لإكتشاف الطبقــات السفليــة من الروح ، بقـدر عوامل الحياة بقدر شدة الدمــار . السير في دروب الخيبـة مؤلــم و ممتع في آن واحد ، ممتع أن ترى بأم عينيك أركيولوجيا الخراب تتجلى امام نظرك و أنت تخطو خطــواتك داخلها ، كدهاليز المحيط المظلمــة و تتجــول فيها بحسن الخـاطر و الذكرى ، ترى عقــلك الباطن في تلك الفجوات الغائرة في قاع المحيط تسكـتنــه كل هــوام المحيط و أسماكــه ، من المألوف و منـهـا الغريب و منـها المدهـش ، ترى أنــانيتك كسمكــة قرش ضخمــة تسبح بتــؤدة بين الأسمــاك بفـك مخيف و أسنان بشعــة تتحين الفرصــة .
المؤلــم أن تدخــل المغــارات و تلك الفجــوات ، لترى الأصفــاد التي صفدوك بها و الصلبان التي صلبوك عليها و ترى الحبال التي عــلقـوك و شنقوك عليها ، ترى خازوق الذي وضعـوك عليه ن وترى الزنزانـة التي حبسوك فيها و كل آلات التعذيب من كل صنف و لـون ، ترى كل أنواع الرعب التي أرهــبوك بها و سلطـوها عــليك ،
الكتابــة عن الخيبات هـو إعــادة ترتيب الأحداث ، أحداث العمر ، جلد الروح ، التنكيل بالنفس و هي أيضــا إعــادة إكتشـاف للذات و للحيــاة .
46

أتتبع منذ مــدة إحـدى المومســات ، لا لشيء ، إنمـا الفضــول دفعنـي أن أعــرف المزيد من حياتها الخــاصـة ، موكــا هــو إسمــهـا ، تنهـض متأخـرة قبيل منتصف النهــار ، تدخل مكبّة النفايات المرمي أمام بيتهـا منذ مرور عمــال النظافــة على الرابعـة صباحــا ، مكب النفايات غــالبا ما يحتـوي على زجــاجات من الخمــر الأبيض زهيد الثمــن ، علب الشكيولاطــة ، ياوورت ، مايونيز ، الحلويات الأروبيــة ، أغــلفــة البيتزا و البايــلا ، موكــا تعيش حياة متحــرّرة ، ماجنــة ، موسيقى الراي تبدأ بالصداح بعــد الواحـدة زوالا إلى أن تصل الرابعـة أو الخامسـة مساءا ، تغلق الستيريـو ، تغــلق الباب من ورائهـا و هــاتفهـا لا يتوقف عن الرنين ، تذهب إلى زبائنهــا لضمــان عشاء فــاخــر ، تمــرّ بجانبي و تلقي عليّ التحيــة فأردّ عليها بتحيـة أفضل منها ، تضحك و تقــول لي : راني رايح ندبّر على واحد كــافي (غبي) تضحك ضحكـة فاجرة ماكرة ، فقلت لهـا : أنــا ! فدخلت معها في مفاوضـات ، أنتهــت بفشلي الذريع لأنني لا أستطيع تأمين مصروفها الأسبوعي و بعض التكاليف باهضـة الثمن : بطاقـة شحن ، عشرة آلاف دينار ، زجاجة ويسكي ، قفة خضــر ، فــواكــه ، لحــم أو أسماك ، معلبات ، واقيات .

47

صاحب الذات المتضخمــة لا يرى الناس من حــولـه إلا أقــزام ، يجعـل نفسـه مــركــز العــالم ، يهـدر فرص حقيقيــة للإنصات للعالم ، بمرور الزمن يتحــوّل إلى مسخ حقيقي ، عالـة على نفسـه و على مقربيـه
، أنــا أكتب هــذا المنشــور و أمــامي عــدة أمثلــة حيّة

48

لا أدري ما الذي جعـلني أقـارن بين لغــة الخشب و السـتـريبـتيز ، لغـة الخشب بحــاجــة إلى سياسيين على جــانب كبير من المهــارة و التمكــن و الإحتـرافيــة و بوجود جمهــور بليد و مستحمــر و غبي ، إذْ أنــه لمدة عــدة ســاعــات متتاليـة من الخطــاب لن يقل شيئا و الجمهــور يصفق و يعتقـد أنــه أستفاد من لغــته و خطابه و برنامجه ، أمــا الستريبتيز هــو التعـــري لمدة ســاعــات طويلــة ، إسقاط قطعــة واحــدة عن الجســم يتطلب الكثير من الصبر و التجــلـد و المتعــة و جمهــوره يكــاد يتطابق مع جمهــور لغــة الخشب إلا في ما يخص الشفــافيـة فلاعبات الستريبتيز أكثر وضــوحــا و شفافيـة .
49

لا أحب أن أكــون ملحدا ،في المقــابل لا أريد أن يكــون الله هــو كل شيء في حيــاتي ، يتدخــل في كـل شيء ،لباسي ، نوع عطــري ، ماركــة حذائي ، إختيار أصحــابي ، يتدخــل في العــلاقـة مع صديقــاتي ، يتدخـل في الصدف التي تأتيني فجــأة ، في نوع الكتب التي أقتنيهــا ، أريد أن أكــون أكثر إستقــلاليـة و أكثر حــريــة في التصــرف ،أنــا لست كــافــرا لأنني أعــلق في بيتي يافطــة كبيرة مكتــوب عليها لاإلـه إلا الله ، أن لا أريد أكثر من ذلــك، أكثر من رمــز و- لا أقصــد أن يكون مرجعيتي- لأنني عــانيت من المرجعــية الدينيــة التي تجعـل ضحكتــي أكتمهـا و أنـا أتذكــر تدخــل الله في الضحكــات و القهقهــات بآيات الزجــر و النهــي ، عــانيت من أن تجتهــد و تعمــل عمــلا ، أي عمــل و الفضــل يعــود له دون أن يكون لك لي الفضــل في ذلـك ! لست كــافـرا ، و لكــن أريده أن أبقيــه معــي فقــط كضــرورة حياتيـة و فلسفيــة .
50

ما أخبرتني به أمي البارحــة ، أنني تأخرت عن النطق لأكثر من خمس سنوات حتى ظنوا أنني ولدت أبكما ، فأشارت لهم عجــوز أن تضع السكر في الرحى الحجرية (القرويشة) و في كل دورة تذوقني السكــر إلى غاية سبع دورات . تم تنفيذ تلك الوصــفة السحرية ، بيوم واحد نطقت بالفاحشــة ، أصبح كل كلامي عيب ، شتائم ،لا أتكلم إلا تحت مستوى الصــرة ، أصبحت إشكالا حقيقيا في عائلتي ، يتخلون عني عند كل زيارة إلى الأقارب أو يعزلوني عند قدوم الضيوف ، كنت أستشيط غضبا من هذه المعاملــة السيئة ، كانوا يعنفونني باستمرار ..لم أصمت و لم أسكت عن الكلام المباح إلى يومنا هذا .
51

أكــره الكلــمـات الـجاهــزة ،الأحــكام المسبقـة ، أكــره عبـادة الشخصيـة ، أمقت المناصب الرسميـة ، أكــره المتصنعين و الذين يختارون العبارات بدقــة لإيهـامنا بأهميتهم في المجتمـع ، لا أحب أصحاب التبريرات الجاهــزة ، يبررون كل شيء تقريبا ، يبررون حتى المجازر و البؤس لأجل الحفاظ على مكاسب ضيقة ، أكــره السيـر في نفس العــادات و الإعتناق بمقــولات المجتمـع و الدين ، أكــره أن أنهـض صباحا لأجـل جلب الرزق بينما أحب أن أقرأ في تلك الفتـرة كتابا أو قصــة أو أستمع للموسيقى ، لا أحب الحياة التي ترسمـهـا الزوجــات لأجــل تظهـر في محافل العائلــة على أنــهـا زوجــة رجل مهــم ، أحب أن أعيش سجيتي ، أعيش خصــوصيتي من وحي أفكــاري ، لا يهـم أن يقــولوا عــني متمـرد أو خــامل ، لأنــها فقـط حياتي و أعيشهــا حسب ذوقـي ، أعــرف الكثير ممن أصيبــوا بالجنــون و هــم يلهثــون من وراء المناصب أو من وراء إقتناء سيارات بمواصفــات مــا أو أن يظهــر لزوجتــه أنـه رجـل كثير مهـم و يحرس ببذخ زائد يؤدي بــه إلى الإفــلاس ، أعــرف نمــاذج بشريـة كثيرة سقطت في مطب الإستدانــة لأن أبنائــه أرغمــوه أن يجــهـز لهـم شاليه صيفي على إحدى الشواطيء الذهبيــة بتكلفــة عشرين ضعـف من مدخــولـه الشهــري ، أعــرف أن بعض الأصدقــاء يعيشـون الجحيـم و كل مرة أواسيهـم و أخفف من عــذابهـم و عندمـا أحذرهــم من هــذه الحماقــات يقــولون لي : المجتمع



#بن_جبار_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيس الخيبات (1)
- كلام آخر عن حرية التعبير
- النظرة الإستعلائية
- حرية التعبير بين جواد بوزيان و حمار بوزيد
- أنا و مول النخالة (2)
- هكذا تكلم مول النخالة
- رسالة لا تنطق عن الهوى
- أتركوا الجزائر لشبابها
- بإسم الدين ، لا خير في أمة أخرجت للناس
- وزارة الثقافة الجزائرية و الغزو الوهابي
- ماذا تنتظرون من الجماعات المتأسلمة ؟
- تونس بخلفية سلفية
- بين الولاء و الكفاءة
- صداع إنتخابي
- الهوية كقضية مؤجلة..
- هل نحن فعلا بحاجة لأعظم و أكبر مسجد في العالم ؟
- نيل أمسترونغ في أبعد من مرأى العين
- المدخل الصحيح للعلمانية
- فلاسفة الأنوار الوهابيين
- فرحت فرحتان


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن جبار محمد - أزقة الكتابة