أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - أرانب وثعالب














المزيد.....

أرانب وثعالب


عبدالجليل الكناني

الحوار المتمدن-العدد: 4536 - 2014 / 8 / 7 - 16:17
المحور: الادب والفن
    


شعرت بحركة دائبة ونشاط وهمة وعزيمة وغرائز متوقدة مما يبعث في قرارة نفسي ايحاءات الفتوة والعنفوان حتى اذا طالعت في الجدار امامي انبجس من خلاله ارنب تقدم به السن يتلوى بالم مَن تصلبت مفاصلة وجفت حناياه وتهتك جلده . تطلب مني حسن ادراكي دقائق كي يبلغني اليقين بان الارنب الذي يطالعني ليس سواي ، وان المرآة امامي راحت تسعى لبث اليأس في قلبي والذي راح بدوره يصارع مسعاها بضربات تتصعد في صدري فتحبس انفاسي وتخفق مختنقة في بلعومي ، حيث احتشدت احشائي بهروب جماعي رافض لتلك الآلة العنيدة التي تسحق بتروسها الماسيَّة هشاشة الحياة , انها آلة الزمن الذي يمر مخادعا مداهنا يتلوى بغنج حسناء عاهر تسقيك خمر ألآلهة المترع بوهم الابدية حتى اذا افقتَ وجدتَ باب العالم السفلي يفتح مصراعية بهيئة فمٍ لأفعى جبارة نهمة .
لست سوى ارنب من ارانب كثيرة ، غير انها تخالف الارانب الوديعة الهادئة كونها تجيد الثرثرة والتذمر. و الارانب لا تأكل الارانب ، وان لم تأكلها الثعالب ، فهي خير ما ترشو بها الذئاب . المصيبة الكبرى في غابتنا هي الثعالب ، ففي حين ان الذئاب مكشوفة لنا كونها تكشر عن انيايها الضارية ابدا ، وبامكاننا الهرب منها لما نملك من قدرة على الجري والاختباء ، فان الثعالب هي التي تقوم بخداعنا وتسليمنا لقمة سهلة تزجنا بيسر في افواهها النهمة . تلك هي الحقيقة المأساة التي اكتشفتها اخيرا وانا اطالع وجهي المتغضن ومن خلفه ابتسامة ماكرة لشبح الثعلب الذي خدعني والذي دفع ببنات آوى كي يتقن لعبته .
وفي حياتنا ، التي تخالف الطبيعة في سرعة تطورها وطفراتها الوراثية ، فان العديد من بنات آوى تخفي دواخلها ثعالب ماكرة ، تلك التي تنموا نموا سريعا لتبلغ مبلغ الذئاب , غير ان مِن الثعالب من تبقى ، حتى انفاسها الاخيرة ، ثعالب ، من اجل فتات الغنيمة أو من اجل ان تبقى ذات حضوة لدى اسيادها من الذئاب ، التي لا تتوانى باستبدال ثعلب ، يشيخ او تكشَّفت حيله ، بثعلب اكثر فتوة واكبر حيلة ودهاء . والثعالب في غابتنا الشاذة قد تقتل عجائزها او اغبياءها ، الا ان الذئاب تحمي الذئاب وتتقاسم معها الغنائم .
وبخبرة الارنب العجوز طالعت بنات آوى اللائي حاصرنني فرأيت في بعضها ثعلبا ، يختبئ تحت جلد ابن آوى ، وفي احشائه ذئبا كامنا ، فادركت ان بعض الثعالب ، انما تتنكر في لباس ابن آوى وهي مشاريع ذئاب ، وان تلك التي هي في طبيعتها ثعالب ، لا اكثر ، تمتاز بموهبة الغباء ، وهي ربما ذات بصيرة عمياء ، وهي حصان طروادة التي تقتحم بها الذئاب حصن الارانب . ومهما كان دهاء تلك الثعالب ، فانها اضعف منا نحن الارانب ، اذا ما رأت التماع الشر المستطير في اعين الذئاب ، يصيبها الهلع مدمرة ، في هياجها ، كل ما حولها بحركات هوجاء رعناء لا تحسب حسابها حتى تاتي ببراهين الولاء والطاعة لاسيادها . وتنال رضاهم غير مدركة ان الذئب اذا شبع اليوم سيزداد ، غدا ، نهما وشراسة ، وسيطلب من الطعام ما لا تستطيع الايتاء به عجائز الثعالب .
وأنا الارنب العجوز ، تمكنت من الهرب لا بسبب قدرتي على الجري او وفرة حيلتي ، فانا في الواقع ساذج وهرم ، الا ان الثعالب رسمت لي طريق الهرب ، فسادتها الذئاب لن يمتعها لحم ارنب عجوز . وان حَفَر وكره ليختبئ في ذات المكان ، فقد تُخرج الارض رائحة عطنة تزكم الانوف .
تاملت صورتي ، كم أنا بائس ، وكم اصبحث ضعيفا مكسورا ثرثارا ، وكم شعرت بالخجل من شيخوختي المراهقة . وكم احسست بالخذلان حين تصابيت وتقدمت بارادتي المسلوبة لادخل قفص الثعالب وتراقصت وطربت وتفننت وأضحكت ، ضانا مني مبدعا يقدم فنا خالصا لأرباب الذوق والفن . لاكتشف انما ،هم ، كانوا يضحكون مني ، لا لفني ، وهم يتصارخون سخرية من سذاجتي ، لا انبهارا بعبقريتي ، فانا محض ارنب يتقافز في قفصه لينال الجزرة ويتلذذ باوهام قدراته . وحين تعبت اُخرِجت من القفص ومُنِحت حرية الهرب ، وسط تصفيق الجمهور الذي تشوهت صورته فبدا مزيجا من زحام ولغط ، واكوام من لحم تصدر ضجيجا بلغات منقرضة . لم افهم شيئا حتى وقفت الليلة امام المرآة فتساقطت الاوهام من راسي ذاب الجلد الذي يغطي جسدي فما انا بالإنسان الذي سعيت لأكونه ، انما محض أرنب بائس ، لم ترض به الذئاب ولا الثعالب .
ولعلني سأرى ، يوما ، ابن آوى ينزع جلده عن ثعلب ماكر ، يتربع على كرسي سيده ، العجوز ، وهو يتحسس أحشاءه ..... حيث الذئب الذي يبدأ بالهياج .



#عبدالجليل_الكناني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من قتل من ؟
- رسائل من أجل العدالة والانصاف
- هجرتك
- الطائفية سلاح فتاك ومصيدة للمغفلين
- نداء إلى ثوار مصر إني أحذركم فاسمعوا
- هذا لطمهم ، وإحنا لطمنا زنجيل
- عبدالكريم صديقي
- مولانا أخطبوطي بركاتك
- أزمة الكهرباء والتعقيدات
- أزمة الكهرباء اسألة تحمل في طياتها الجواب
- بين النور والظلام زاوية ضيقة للنظر
- بعضها وقع وبعضها واقعي - علاقة نت
- لا تحتار يا صديقي
- متى أكون أنا أنت؟؟
- بغداد أم عيناك
- علاقة المرأة والرجل وعدم الإقرار بالواقع
- الحوار المتمدن . استبصار للتحضر
- طيب وساذج وما بينهما (5)
- طيب وساذج وما بينهما ( 4 )
- طيب وساذج وما بينهما (3)


المزيد.....




- بعد توقف قلبه أكثر من مرة.. وفاة الفنان المصري طارق الأمير ع ...
- نجوم يدعمون الممثل الأميركي تايلور تشيس بعد انتشار مقاطع فيد ...
- إقبال متزايد على تعلم اللغة التركية بموريتانيا يعكس متانة ال ...
- غزة غراد للجزيرة الوثائقية يفوز بجائزة أفضل فيلم حقوقي
- ترميم أقدم مركب في تاريخ البشرية أمام جمهور المتحف المصري ال ...
- بمشاركة 57 دولة.. بغداد تحتضن مؤتمر وزراء الثقافة في العالم ...
- الموت يغيب الفنان المصري طارق الأمير
- نبأ الجميلي تناقش أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامع ...
- عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم
- العربية في اختبار الذكاء الاصطناعي.. من الترجمة العلمية إلى ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - أرانب وثعالب