أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - -غربة الأوتاد- المتنية صرخة من أجل تعرية الفضيحة (الجزء الأخير)















المزيد.....

-غربة الأوتاد- المتنية صرخة من أجل تعرية الفضيحة (الجزء الأخير)


محمد هالي

الحوار المتمدن-العدد: 4519 - 2014 / 7 / 21 - 22:06
المحور: الادب والفن
    


عندما يجتاحك الطوفان، فاهرب بغربتك، لأن من الموت يظهر المفر، و عندما تجتاحك الغربة، فانغمس في فقرك، لأن في الغربة تبدع أناقتك من خلال غرابتك، لم تعد سيد نفسك، اغتراب ذاتك أمام ذاتك، و اغتراب أناقتك أمام الآخرين، ما دام في غربتك الفقر الذي يعد "نكهة الأنسولين" ،لا تعادي الموت، و لا تعادي الغربة، فهما معادلتان أصبحتا ضمن القضية العربية.
" في شارع الحمرا
للفقر نكهة الانسولين
نحن حفاة الأرض
نفتح صدورنا لبذور الحياة
لكل العابرين"
الغريب - الفقير خاضع لسلطة الآخر، محرك لعجلته، إنه "بذور حياة العابرين"، يستنشق وجوده منهم، و يصبح أوكسجين الغير الذي يعتمد عليه كليا، أهو عبد تجلى، ليصبح خاضعا لسلطة الآخر في بلد الغربة، أم أن الحضور في الغربة يفرض نوعية الأناقة في نوعية الحضور؟ اذهب حيث أنت في زمانك الجديد، لا وقت لك في الذوبان في العشق الجديد، سلعة جنسية عابرة تنبع من غصن شجرة أثمر، و أصبح جاهزا للقطف" يتساءل الغريب من حرقته:
" كيف أعاشر امرأة ترى في الغريب قيلولة بعد الظهر؟"
و تستمر يوميات حياة المقهور، في جلب ملذات الحياة من طعم مر، يباح في طعم الغريزة ، و طعم البقاء ، و يباح في طعم الديكور الذي تشتهيه جرأة الحياة المنسية في شارع الحمراء الراقي، بهذا المشهد تبدو القصيدة و هي تلامس حياة السوريين الجدد، أو بالأحرى الغرباء الجدد، تلامس الغريب من خلال سيرة الذات شعرا، سألت المتني، فأجابني، فلم يبق من الجواب سوى حكم، ظلت تراودني من حين لآخر:
قال: يقول عبد الله ونوس: .. محكومون بالأمل
قلت: و الآمل حياة تخرج من الموت

تتحد الحياة بالأمل، و تستمر، تزهو في عشقها لبعلبك الخصب و الإنجاب، تستمر في فوضى لبنان الجديد، الطبيعة فطرة، و الإنسان منها يلبي غريزة البقاء، يبحث عن لذته من أجل قتل وحدة الغربة القاتلة:

"وحدها سميرة ابنة بعلبك
غمست خبز فقرها بماء وحدتي
كانت صلاتي
وكأس خمري"
سألني: " ماذا تعني بالأرض،؟"
قلت: "الأرض لها جاذبية قوية لم تسمح لأي شيء يبتعد عنها حتى الصواريخ تسقط في الأرض و قد تصيب من فيها"
في هذه الأرض يتنطع الإنسان، يعلو منحنيا بعدما كان شامخا، فوقها الشاعر و النادل يتماثلان، إنهما وجه لعملة واحدة، النادل الذات و النادل الغير، ضمن معادلة واحدة، من خلال جواز السفر، و طبيعة العمل، و طبيعة الذات: الحزن و الضعف، و الخضوع، و الانكسار(كرجلي عصفور دوري
فقد شجرة ).
يختصر المتني هذا المشهد بقوله:
"قراءتي قليلة جدا
لكنني اقرأ ذاتي بعمق"
قلت:
" لكنك مبدع كثيرا"
لتعرج القصيدة بمشهدها المريب:
"أهرب لمقهى قريب
النادل مثلي يحمل جواز سفر في جيبه الخلفي
يُهلّل لي
من ذؤابة حزنه لأخمص قدميه النحيلتين
نسرق ابتسامة خجولة وبعض الشعوذة
ننكسر سويا
كرجلي عصفور دوري
فقد شجرة "

الواقع السوري في المنفى، كالواقع السوري في زمن الحرب، يدخلان في عوالم النسيان، عوالم التشرد، و الإقصاء، لكن الشاعر عيونه الحرف، بصيرته، سلاحه الوحيد، يرى العالم برؤى الخاصة، و يراه العالم بأشيائه المتناقضة، لم تستوقفه في شارع الحمرا، الصور الراقية، و الأضواء الزاهية، و الحانات، و ألوان الأزهار، و اخضرار الأشجار التي تزين الشارع، و النسوة، و المعروضات السلعية التي تجلب الزبائن للاقتناء، كل ما يجلبه فئة من عامة الناس(تكثر الحثالة) ، فتقحم الذات المتسمة بالفقر في صلب الموضوع، يرى السلبي بالإيجابي، و الهامشي بالأساسي، و العرضي بالجوهري، إنه الفقر علاج للحياة،و أساس استمراريتها.
بهذا المشهد تكتمل الصورة، و الدلالة:
"في المقاهي
كما في فناجين القهوة
تكثر الحثالة
أراقبهم من خلف دخان سيجارتي ومعاركي القديمة
يُصفّفون أخبار الصحف بأمشاط البنادق
يلفّون قصائدهم بجرائد بالية كوجبات سريعة
يرسمون الطاولات والكراسي بألوان باهتة لا تشبه بيروت
ينزفون ضحكات خفيفة
يُتقنون جمع اللغات في جملة مفيدة
هم مثلي
بائسون
حين يلمسون ذيل الرصيف
يبصقون على خيباتهم
كالأفاعي السامة
يرحلون"
- ها هو التقرير بدأ يكتمل شعرا،
- ماذا تقصد عادل؟
- أجاب: قلت لك: أنا أعمي
سارعت بالرد : "الأعمى حياة و ليس موتا"
يصنع المقرر بالهمس و اللمس، فيحضر الحياة في الموت، و يحضر سوريا في الغياب، و يحضر الجبل الأصل، و تحضر بعلبك الأنثى في الأصل، يحضر المقهى في الحمرا، و يحضر النادل السوري فيها، و مابين الحضور و الغياب يميل الحب للجبل، و بعلبك، ينبع التحذير في الحيطة، و يكثر الهمس في المقهى داخل بيروت الوجع هناك،لتبحث عن ظل وجه مخفي هناك، و بين الهمس و اللمس يشقى اسم الإشارة، و يتعب بين بيروت و سوريا:
أقفُ
أهمّ بالرحيل
أدُسّ القليل من الحب في يد النادل
يهمس في أذني مباغتا
لا تجالس المقاهي
وجع بيروت هناك ووجهها الحقيقي
هناك هناك
تنتهي لبنان ككل أمام الحنين لسوريا، صرخة الأرض السورية تزيل الحدود في صخرة لبنان ، يحضر الوجدان في عطر الأرض الغائبة، تخضر سوريا في زمن العالم العربي الجديد،الذي تحول فيه ربيعه إلى خريف قاتل ، يفر المرء من الحرب، و من الأصل، من المسكن و المأوى، فيفتقد الصديق القريب، و العائلة، فتغيب أمكنة الاحتضان المختلفة، لينغمس في عالم النسيان و اللامبالاة، بهذا المعنى يظهر الحنين، إلى سوريا، لأنها المنشأ و المصدر، يذكر المتني هذا التعاطف و هذا الود للبلد، بتركيب صورة تظهر من خلال هذا المقطع،
"الأرصفة تأخذني إليك
تضعني على مقعد حجري
قرب صخرة نبتت من ماء
يحضر عطركِ
ولا تحضرين"
يتبين لنا أن لبنان الحضارة و الطبيعة، تتحول إلى سوريا، أمكنة ترتبط في الواقع باستمرارية الأرض الأصل، ما هو طبيعي و حضاري الممتدان ليستا سوى أنهما جزء من الأرض السورية، و ضمن هذا العطر المتجسد في واقع لبنان تظهر سوريا لكنها تبدو بعيدة، بعيدة.. فبعدها عن الفرح و اقترابها من الأمل،يحضر الإنسان.في الغربة، نتيجة الحروب التي يتبعها الخراب، و الدمار الذي يلحق الأرض و البشر، فما من حل للبقاء سوى النجاة في عوالم الغربة برسائل تحاول أن تكسر هذا الصمت، الرهيب،
"يقولون في رسائلهم الموجزة
طال الغياب
عُد
الوطن شاخ منذ رحَلت
أرُدّ :
كيف لا تشيخ الأوطان
أن يغادرها الشباب ؟"
تدخل الهوية السورية في الذات، إنها الهوية الأصل، سواء من حيث العمل أو من حيث التكوين، إنها سوريا التي تحرك الذات في أرض الغربة، أو الضفة الأخرى:
"أعلم أني
دخلتُ بيروت من باب فندق في شارع الحمرا
كعامل سوري
وخرجتُ من باب معهد الفنون الجميلة في الروشة
كعامل سوري"
من هنا يصعد الأمل في الحلم و ذلك بزف العروس(سوريا) بفستان جميل يليق بمقام الحلم ليسقط العريس(الغريب) في جوفها الحنون، وسط كفن يتلاءم مع هوية المهاجر الجديدة:
"وأحلم
بشراء فستان عرس لك
ولي
كفناً
يليق
بمهاجر"
تحمل القصيدة ككل مشاهد كثيرة، توحي بكونها لامست الواقع العربي الجديد، فالهوية المتنية هنا، هي مجرد هوية تمثل معاناة كل من فرضت عليه الغربة، سواء في الزمن القديم، كغربة الفلسطيني، و العراقي بعد الغزو الامبريالي بمباركة الأنظمة العربية، و غربة السوري الحالي، الذي أصبح يتخبط في مشاكل لا حصر لها، هذه الغربة التي فرضتها طبيعة الحروب المشتعلة في المنطقة، في أغلب الدول العربية، نتيجة الصراعات المشتعلة بأسماء و ألوان مختلفة، و التي تتحرك في كل جزء من التراب العربي، فهي حروب تقبر كل مطمح للحرية، و العدالة، و الديمقراطية، و تشعل الفوضى الخلاقة البوشية بدلها، و ما علينا سوى أن نختصر المشهد ككل من خلال تعليقات أحد الفلسطينيين من داخل غزة المستهدفة حاليا من طرف الكيان الصهيوني وهو" مجدي ساماك" بقوله:
"عند كل الشعوب عزرائيل يختار الميت الميتة المناسبة، إلا نحن يفرض علينا عزرائيل طريقة واحدة للموت، و مع هذا نموت كالأشجار واقفين"



#محمد_هالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -غربة الأوتاد- المتنية صرخة من أجل تعرية الفضيحة (الجزء الثا ...
- -غربة الأوتاد- المثنية صرخة من أجل تعرية الفضيحة
- كيف حولت الزعري امرأة الهزيمة إلى امرأة النصر؟
- المرايا، و حقيقة العالم العربي، كما ابتدعتها الزعري
- حميد المصباحي و سنفونية -عفا الله عما سلف-
- الواقع بلغة الشعر تحبكه -أمينة الزعري
- في زمن تحول الموت إلى فرجة ممتعة
- غدا ستحل ذكرى 25 يناير
- يجب ألا تستمر الحكمة:-أكلت كما أكل الثور الأبيض-
- في عهد تحطيم المسلمات (2)
- في عهد تحطيم المسلمات
- حبكة الصراخ بلغة الكف في شاعرية الزعري
- محنة السؤال بين الفهم و الجنون
- نصائح مغفل لمغفل حتى تنتهي الغفلة بتاتا
- عالمكم و عالمنا ؟ !
- حمان و المسألة التعليمية
- الدولة و الثورة من وجهة نظر عربية (2)
- بوح امرأة (7)
- الدولة و الثورة من وجهة نظر عربية
- بوح امرأة (6)


المزيد.....




- المهرجان الدولي للشعر الرضوي باللغة العربية يختتم أعماله
- -مقصلة رقمية-.. حملة عالمية لحظر المشاهير على المنصات الاجتم ...
- معرض الدوحة للكتاب.. أروقة مليئة بالكتب وباقة واسعة من الفعا ...
- -الحياة والحب والإيمان-.. رواية جديدة للكاتب الروسي أوليغ رو ...
- مصر.. أزمة تضرب الوسط الفني بسبب روجينا
- “شو سار عند الدكتور يا لولو”.. استقبل الان تردد قناة وناسة ا ...
- حل لغز مكان رسم دافنشي للموناليزا
- مهرجان كان السينمائي يطلق نسخته الـ77 -في عالم هش يشهد الفن ...
- مترجمة باللغة العربية… مسلسل صلاح الدين الحلقة 24 Selahaddin ...
- بعد الحكم عليه بالجلد والسجن.. المخرج الإيراني محمد رسولوف ي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - -غربة الأوتاد- المتنية صرخة من أجل تعرية الفضيحة (الجزء الأخير)