أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - بوح امرأة (6)














المزيد.....

بوح امرأة (6)


محمد هالي

الحوار المتمدن-العدد: 3888 - 2012 / 10 / 22 - 01:43
المحور: الادب والفن
    


لم أعد أذهب إلى البيت، بعدما اكتريت شقة صغيرة، و نظمتها بالطريقة التي تلائمني، انقطعت العلاقة مع إخوتي نهائيا، لا هم يسألون عني، و لا أنا أريد لقاءهم، لما وصلت إليه من مجون، و تمرد على القيم، و الأعراف، و التقاليد، يظهر هذا بشكل واضح، في طريقة الملبس، و الماكياج المستعمل، كما أني لم أقطع صلتي بأختي فاطمة، كنت أزورها كلما سمحت لي الظروف بالقرب من الثانوية،أ و في كل زيارة أقول لها:
- أنت الأمل، فكري في دراستك فقط، و هاتفي أختك، كلما احتجت إلى أي شيء،
فكانت تخبرني بما جد عن إخوتي، كنت آخذ المعطيات، و أنسحب.
إنسانة أخرى، أصطاد الضحايا بعناية فائقة، و نصائح معلمتي البارعة أمينة، لا تفارقني:
- كل شيء له ثمنه، من يدفع أكثر، فهو لك، الحياة صراع، القوي يغلب الضعيف، ليس هناك حب، و لا زواج، المصالح تحرك الإنسان، سواء كانت عبارة عن رغبات جنسية أو مادية .
و بينما كنت ألبي رغبات أحد المعتوهين الجنسية في شقتي الجديدة، مقابل أجر معين مسبقا، رن هاتفي المحمول، ضغطت على زر الرد، تفوهت:
- ألو، من؟
- ألو، أنا فاطمة، لقد نجحت في مدرسة تكوين المعلمات، و المعلمين، و سألتحق هذا الأسبوع بالمركز.
و بدون شعور دفعت الشخص البدين من فوقي، قبل أن يفرغ قيحه في أحشائي، و أنا أردد:
- مبروك، مبروك...
انقطع الصوت، لأول مرة، كدت أن أطير من الفرح، سكبت جرعتين كبيرتين من ماء البيرة في جوفي، و قلت للزبون:
- مع السلامة، غير مستعدة بأن تبقى هنا
دندن بصوت غير مسموع، و بدا شخصية مفزوعة لم يعرف ما حدث له، ارتدى ملابسه بسرعة، و هرول خارجا بدون أن يلتفت.
لأول مرة عرفت قيمة السرور، و تساءلت مع نفسي:
- هل السعادة تأتي نتيجة الخبر الجميل؟
نظمت حجراتي بسرعة، و غيرت مظهري ككل، و ارتديت سترة غطت شعري، و جانب كبير من صدري، و توجهت مباشرة إلى البيت، اختلط الفرح بالحزن، و أنا أتذكر الحدث الجديد الممجوج بتاريخ العائلة المشئوم، لم أجد أحدا، اتكأت في ركن من الحي، أنتظر قدوم أحد الأفراد من العائلة، صادفت نساء الحي، هناك من تؤدي التحية، و هناك من لم تعرني أي اهتمام، و شيئا فشيئا، تراءى لي أخي مصطفى من بعيد، في حالة يرثى لها، لم يعجبني منظره، ثيابه رثة، و وجهه شاحب، و شعره أشعت، و متسخ، و ريق فمه يتساقط، على الأرض، يحمل قنينة صغيرة، أدركت أنها تحوي الكحول، اتجهت صوبه و الدموع ملأت مقلتا عيناي:
- مصطفى، مصطفى، لماذا أنت هكذا؟ أنت تنتحر بهذا الشكل، تعالى أجلس هنا. حاولت ان اساعده على الجلوس على قطعة حجر متسخة بالقرب مني، ناولته ما قيمته 10 دراهم، و أنا أقول:
- ارتح هنا، انتظر معي فاطمة، و عمر، ألقي بهذا هناك. و أنا أشير إلى القنينة التي كانت في يده المرتعشة، و المزبلة التي كانت توجد بالقرب منا.
لم يفعل أي شيء، ظل متمسكا بكحوله، و فر هاربا مني، و كأنه لم يعرفني قط، أدركت أن اللحاق به لم يعد يجدي نفعا، فتسمرت في مكاني، و أنا يقتلني الانتظار، لا أريد أن أناقش مع فاطمة ما شاهدته الليلة، لا أريدها أن تحزن، كفاها غما، و ألما، يكفيها ما عانته مع إخوتها، تبدو لي الآن نموذج للمقاومة و التضحية، مكافحة بما تعني الكلمة من معنى، بسيطة و صبورة، و صلبة بدت لي شامخة، و هي قادمة اتجاهي، تبتسم ابتسامة اللقاء، تحاول أن تتغلب على الحزن، الذي علق بها طيلة حياتها، لم أتمالك نفسي، عانقتها بحرارة، بكيت، لا أعرف هل هو بكاء الفرح أم الندم، رددت عبارة الهاتف:
- مبروك، مبروك
قبلت كل وجهها تقريبا، لا أعرف ما أفعل، انفتح الباب، ارتمينا فوق أريكة مكسرة، من كل الاتجاهات، تمايلنا، كدنا أن نسقط، لكن تمالكنا أنفسنا، و خلقنا نوع من التوازن، أثناء جلوسنا، لكي تبقى الأريكة حاملة لهذه القطع البئيسة، و الحزينة، و في نفس الوقت سعيدة، بما حققته فاطمة من معجزات.
تناقشنا بما فيه الكفاية، استفسرت عن عمر، بعدما تعرفت على مصير مصطفى من قبله، أخبرتني بأنه يتاجر في مخدرات الشيرة و السجائر بالتقسيط، و أنه دائم الشجار، و كل مرة ينجو من ضربة سكين، أو خنجر، من طرف أقرانه في الحي، تأكدت أنه هو الآخر، سينقرض في أية لحظة، قدمت لها قدرا مهما من المال، لتدبر أمورها في العمل الجديد، لكن بقدر ما فرحت لأختي، بقدر ما ألمني مآل إخوتي، ودعتها، و انصرفت.



#محمد_هالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوح امرأة (5)
- بوح امرأة (4)
- عمق الإبهامات لكي لا تكون ألغازا
- إبهامات لفقرات متقطعة (10)
- بوح امرأة (3)
- ابهامات لفقرات متقطعة (9)
- بوح امرأة (2)
- إبهامات لفقرات متقطعة (8)
- بوح امرأة (1)
- إبهامات لفقرات متقطعة (7)
- إبهامات لفقرات متقطعة (6)
- إبهامات لفقرات متقطعة (5)
- إبهامات لفقرات متقطعة (4)
- إبهامات لفقرات متقطعة (3)
- ابهامات لفقرات متقطعة (2)
- إبهامات لفقرات متقطعة (1)
- صور من واقع مضى ! الصورة : 10
- اشتراكية العالم العربي أم ليبراليته؟
- صور من واقع مضى ! الصورة : 9
- صور من واقع مضى ! الصورة : 8


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - بوح امرأة (6)