أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - -غربة الأوتاد- المثنية صرخة من أجل تعرية الفضيحة















المزيد.....

-غربة الأوتاد- المثنية صرخة من أجل تعرية الفضيحة


محمد هالي

الحوار المتمدن-العدد: 4496 - 2014 / 6 / 28 - 11:24
المحور: الادب والفن
    


فمن خلال العنوان " أوتاد الغربة" يسمح لنا عادل المثني في البداية بأن نسبح معه في الغربة التي أرادها بأن تكون مرتبطة بالأوتاد، لا بالفندق، أو المنتزع السياحي، علما بأن الوتد يرتبط بالخيمة، كما يرتبط برباط البهيمة لكي تستقر في مكان ما حتى لا تزعج الراعي بتحركاتها المختلفة في الحقل ، بلغة العنوان تعني الاستقرار، و التوقف في مكان ما، إن الوتد يبين بالملموس أن الغريب في القصيدة هو الإنسان المقهور، يبحث في غربته عن العيش البسيط، و الاستقرار البسيط ، لكي يهرب من الوطن الذي فرض عليه الهروب منه، إن غربة الوتد، لم تكن غربة الاسمنت، و الشوارع الفسيحة، إنها غربه المخيم و غربة اللاجئ، و غربة الضياع، لهذا يكون الوتد هنا بدون النبش في سرد القصيدة المطولة هي: الفقر ، التشرد، الإقصاء... إنها أزقة الوتد المليئة بالروائح النتنة، المترتبة عن التبول الوتدي الصدئ، "الأوتاد و الغربة" معادلة للفقر المدقع، و التهميش الغير المعترف به، من طرف أولئك الذين دفعوا لصنع الوتد المنغرس في أضلع أطفال لم يعودوا يشعروا بانغراسه داخل أضلعهم و هم نيام، و نظرا لطول القصيدة و بوحها التلقائي لما تسرده من أحداث، و ووقائع يصعب الإلمام بها أثناء التحليل، سأحاول أن أسرد بتأويلاتي الخاصة اعتمادا على ما ذكره الشاعر المقتدر عادل المثني و ذلك بتتبع خطوات القصيدة مقطع بمقطع، لما يحمله كل مقطع من وصف دقيق لمعاناة الإنسان العربي منذ ظهور الصهيونية إلى حدود الحروب المصطنعة الحالية، يستهل المثني قصيدته المطولة بمدخل يلخص في البداية طبيعة الغربة:
"نسافر بعيدا
لنجني ما يكفي من ذل
لشراء تذكرة العودة"

الغريب مضطر للسفر، فهو مرغم عليه، رغم أنه مقتنع بأنه سيصطاد "الذل" و يجني من ثماره الهوان، فهو لا يتوخى جاها، و لا نعمة راقية، انه يتوخى فقط توفير تذكرة العودة من القهر الذي سيمارس عليه أثناء غربته الطويلة، فهذا بالنسبة إليه ربح للاستمرار في الحياة، الغربة هنا هي التشبث بالبقاء، و الاستمرار في الوجود، بهذا المدخل الرائع الذي يصف أسباب الغربة و دوافعها التي تبحث عن مطلب بسيط في آخر المطاف، و هو "شراء تذكرة العودة" لعد ذلك يدخل بنا الشاعر إلى لب الموضوع، و يبدأ قي شرح مفهوم الغربة و تداعياتها المختلفة، لهذا فعندما نلج عالمها يفسرها كما يلي:
"في الغربة يغتالك اسمكَ
وجلدك
وأشباه المرايا
وجواز السفر"
إن التنبه و الوعي بظلم الغربة، و التوجه إليها يعني أنك تقهر ذاتك، تتصارع في عالم متصارع من أجل البقاء، انك في عالم "حالة الطبيعة الهوبزية " الإنسان ذئب لأخيه الإنسان "، لم تتحرك من أجل الرفاه، بل تتحرك من أجل الغريزة، إن حالة الطبيعة هذه هي التي تفرض عليك الغربة، تفرض عليك أن تتوجه مكرها إليها، لأنك تعرف مسبقا أنها الذل وتتجه إليه، لم تعد لك هوية، فأنت تقاس ببشرتك، ولونك ، و حتى حاجاتك لم تعترف بك(اشباه المرايا) ،جواز السفر)، انك في التيه، تتنكر لما أنت فيه، تواجه الآخر بجواز سفرك الذي أصبح هو هويتك الحقيقية الجديدة ، بهذه الهوية فأنت مرغم بأن تجتاز الحواجز، و يصف المثني هذا بطريقة مفارقة:(تحسس الخصيتين/ المطارات الفارهة)
"بعد أن يتحسسوا خصيتيك الفارغة
في المطارات الفارهة
يأذنون لك بالمرور"
إن الهوية الجديدة (جواز السفر) لا تفارقك، تتماثل معك، لكنها لا تعفيك من التفتيش و التنقيب في بؤر التوتر المختلفة، ليقذف بك بعد السماح بالمرور:
"في غرفة من الصفيح
تشبه قن الدجاج في بيتنا القروي
أستقر طويلا"
ضمن هذا المقت التاريخي المستعصي عن الحل، وسط هذا الجو المفعم بالقحط في أمكنة الإهمال يعيش غريب الأوتاد في غرفة من الصفيح، لا تختلف عن إنسان الغاب، كما وصفها المثني تشبه (قن الدجاج أو خم الدجاج )، و أن هذا الغريب يقتنع في بظروفه الجديدة هذه، بأنه سيمكث طويلا، ليحدد في آخر المطاف طبيعة المكان الجديد الذي يقتحمه غريب الأوتاد،

"أعود لذاكرتي الرطبة
هذا الكهف المطلي بالكلس الأبيض
أنصب خيمة فيه
وداخل الخيمة خيمة
وخيمة
وخيمة
أغدو مخيم لاجئين"
ليس هناك من إجحاف في حق الغريب ، إنه يقصى في مكان مقذوف فيه، في سلة المهملات، يغادر مكان الألفة القديم ليعانق مكان الذل الجديد، لكن غريزة البقاء تلك تفرض عليك ذلك، تنقلك من عالم التعاقد، عالم الثقافة، إلى عالم الانحطاط، و الضعف، و الهوان، باختصار عالم النسيان، المثني يصف هذا االتشييد الخيمي البئيس وصفا دقيقا :
"أنصب خيمة فيه
وداخل الخيمة خيمة
وخيمة
وخيمة
أغدو مخيم لاجئين".
يقتلك السؤال في "مخيم اللاجئين" يدفعك في متاهة الجواب ، يسبح بك في فوضى المخيمات المشتتة تنتظر في غربتها عون الغرباء، هناك من يتعاطف و هناك من يتفرج في هذا الذل الذي قصده الغريب بوعي و روية ، قرار الغربة لا مناص من أن يسبقه عنف الألفة، و صوت البارود المتدافع في الهواء، يصيب يقسم البشر إلى أشلاء، وخوفا من الإعاقة، و خوفا من الموت و الحصار، يضطر الغريب أن يتجه إلى مصب الذل ، ذل البقاء أفضل من ذل الموت، عقدة البقاء للأقوى تفرض عليك أن تنفلت من حرب"الكل ضد الكل" الهوبزية، في هذا الواقع الجديد المليء بالمتناقضات تدفعك المخيلة إلى السؤال:
"وماذا بعد ؟"
الجواب :
"ظلٌ في مهب الريح" إنها روح المخيم ، بين شقاء الطبيعة، و شقاء البشر، تسير الحياة لتبحث عن الاستقامة، و عن الهدوء، و رغم كل هذا :
"لا تقبل الغربة القسمة على اثنين
الوحدة ثم الوحدة فالوحدة من جديد"
انك تعيش انفرادك، لا لشيء سوى أنك غريب عن ذاتك، عن البشر، عن التربة ، و عن المكان، و عن مؤسسة الزواج، و العائلة، إنك باختصار في "ظل في مهب الريح" لا تنعم بالاستقرار الأبدي، في أية لحظة تطرد، تقصى من تربتك الجديدة، لا لشيء سوى كونك غريب، غربتك تذهب بك حيث أنت، وحدك، تنخر ذاتك تراها منعزلة، و مقهورة، إنك في الذل الذي يغريك ب"تذكرة العودة" إنها حلم الرجوع إلى الأصل، المنطلق، لكن المثني في غمرة اللاهدف، و اللامعقول يطمئن لغرفته الصفيحية لأنها محطة للاستقرار الطويل:
"في غرفة من الصفيح
تشبه قن الدجاج في بيتنا القروي
أستقر طويلا"
هذا الإيمان الجديد بفن ما هو ممكن فعله، تسبح بك الذاكرة حيث أنت، وحدك في الازدحام المعدوم، وحدك وسط البشر، ذاكرتك متفردة، تخرجك من عالمك الجديد عالم الأوتاد و المخيم و الذل و الهوان...تسبح بك في عوالم أخرى تذوب في ذاتك لتخرج من ذاتك، تحيى من موت أنت فيه، تتجلى في جحرك كفأر جريح تطارده القطط، و أنت كذلك في هذا الفضاء الجديد، تتنطع للأفضل، للآتي الأحسن
"هنا
خارج البلاد
نبحث عن بلاد"
فقط ذهنك يريد أن يخلص جسدك، يخلص نفسه من القهر، ينقب
"عن موطئ قدم لظهر مكسور"
ذهنك المتفرد بإنسانيته يطير في علوه شامخا، بعيدا عن الذل الذي أنت فيه، يبتسم، و يريد أن يخلص جسدك من نفاياته يبحث:

"عن مبولة , لا تأخذ عينة من حمضنا"
يستقر في مستقر الطمأنينة و الهدوء لا يعبأ بما يوجد من حوله، إنها السكينة المفقودة، و المتوفرة في الإنسان: إن الإنسان هو الذهن، و الإنسان هو التفكير ألم يقل ديكارت يوما بأن الإنسان كائن عاقل؟ ، التفكير محدد للوجود: "أنا أفكر، أنا موجود"، الذهن يجد ضالته في رفض الضجيج، و مشاكل اللجوء، ينط من فوهة الهروب، تاركا الجسد المتعلق به يكتشف هدوءه في مكانه الجديد:
"لفروع الأمن
عن جدران لا تخون
مقطوعة الآذان"
لأنه هو المخلص الوحيد من هذا العذاب المختار بعناية، لأنه اختيار الذل القسري، فهو له إمامه الخاص، غير مرتبط بالمخيم، عن إمام في بلاد الأصل لا:
"عن إمام
لا يقف أمامنا
لنبحث عن الله
في بلاد الكافرين"
في علو الذات و ترفعها القوي ، و الخروج من غفوتها المتفردة تستعين بأداة اللجوء الوحيدة المتبقية لها، للخروج من التيه، و الذوبان، إنها أداة التخيل، ألم يكن السجين يهرب من تعذيب سجانه عن طريق العقل، و هذا ما يستعين به اللاجئ في المخيم، بهذه المقاربة الشاقة و المتعبة يظهر البوح العلني لفضح آلام المخيمات و اللاجئين، بهذه الصرخة التي تصف الألم الذي يحطم الأحلام و الذكريات يذكرنا عادل المثني بأسلوب أدبي راق، مستمدا مقومات الوصف من الواقع المر الذي أصبحت فيه معاناة الشعوب العربية التي تئن من وطأة الحروب المفتعلة من طرف الأنظمة الفاشية الحاكمة و من طرف الامبريالية العالية إنها صرخة لمعاناة المقهورين الذين فرضت عليهم بالقوة أسوأ الظروف، و أحلكها نتيجة مطالب بسيطة أرادوها أن تكون: إنها مطالب تتمثل في الحرية، و العدالة الاجتماعية، و الديمقراطية ... و نتيجة لهذه المطالب انقلبت المفاهيم السابقة إلى الفاشية و الديكتاتورية و القهر و اللجوء و المخيمات و القتل الجماعي...صرخة عادل من أجل العدل، صرخة من أجل فضح معاناة أمكنة اللجوء المقصية من التاريخ، و من الرأفة، و من نكهة العاطفة التي وصفها المثني بدقة في هذا المقطع الجميل:
"نبحث عن امرأة تغفو قربنا
تُنَكّهُ الصباح بعطرها الساخن
وابتسامة ساخنة
وجسدا يقارب لغة الشعر
دون مواربة
وحياء"



#محمد_هالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف حولت الزعري امرأة الهزيمة إلى امرأة النصر؟
- المرايا، و حقيقة العالم العربي، كما ابتدعتها الزعري
- حميد المصباحي و سنفونية -عفا الله عما سلف-
- الواقع بلغة الشعر تحبكه -أمينة الزعري
- في زمن تحول الموت إلى فرجة ممتعة
- غدا ستحل ذكرى 25 يناير
- يجب ألا تستمر الحكمة:-أكلت كما أكل الثور الأبيض-
- في عهد تحطيم المسلمات (2)
- في عهد تحطيم المسلمات
- حبكة الصراخ بلغة الكف في شاعرية الزعري
- محنة السؤال بين الفهم و الجنون
- نصائح مغفل لمغفل حتى تنتهي الغفلة بتاتا
- عالمكم و عالمنا ؟ !
- حمان و المسألة التعليمية
- الدولة و الثورة من وجهة نظر عربية (2)
- بوح امرأة (7)
- الدولة و الثورة من وجهة نظر عربية
- بوح امرأة (6)
- بوح امرأة (5)
- بوح امرأة (4)


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - -غربة الأوتاد- المثنية صرخة من أجل تعرية الفضيحة