أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوتيار تمر - اقسم بانها طفلة















المزيد.....


اقسم بانها طفلة


جوتيار تمر
كاتب وباحث

(Jotyar Tamur Sedeeq)


الحوار المتمدن-العدد: 4498 - 2014 / 6 / 30 - 22:37
المحور: الادب والفن
    


اقسم بانها طفلة
جوتيار تمر
عندما يغسل الربيع يديه من الشوارع في المدن المنغمسة في شهوتها البدائية ويلبسها اشعة الشمس الحارقة بالاخص في اوقات الظهيرة رداء الصمت جراء نزوح الارواح الى اوكارها لتقي نفسها وتأخذ قسطاً من الراحة قبل ان تعود الى حرفتها وتنزل الى الشوارع مرة اخرى، حينها تتشكل معالم عوالم خفية غير التي ترصدها الاعين بشكل مباشر وتعيها لانها تمس عمقها من جهة وتسايرها في كل الاتجاهات من جهة اخرى.
جرت العادة في المدينة ان يزدحم الناس طوابير امام ابواب المحلات لاسيما تلك التي تبيع الحاجيات اليومية كمحلات بيع الحليب الطازج المحلي غير المعلب، والالبان، وكذلك افران الخبازة والصمون، وفي العادة اثناء الازمات محطات البنزين ايضاً.. لهذا لجأت بعض العقول التجارية الى استغلال المساحات غير الفعالة داخل بيوتهم لتحويلها الى افران الخبز على الاغلب، لأن الخبز في جميع الاماكن يعد ركيزة اساسية في وجبات الاكل لدى مجتمعاتنا، وفي هذا الحي الواقع في منتصف المدينة حيث المعيشة فيها تُقدر بين عادية وبسيطة ومتوسطة احياناً حول احد رجال الحي مخزنه الى فرن خبز.. وحين سأله احد الجيران عن السبب رد عليه تعلم باني لست محتاجاً الى هذه الدرجة، لكني عندما اجد حفيدي يبقى في طابور الخبز لساعة ويتأخر علينا اشعر بالقلق عليه كثيراً، وكذلك لان صديق لي وصى باحد النازحين الى مدينتنا كي اجد له عمل، وبذلك يمكنني ان أُئمن له عملاً واساعد ابناء الحي ايضاً.. ابتسم الجار له وقال هكذا عرفتك دائما انساناً تحب الخير وتقدمه للجميع.
اتى العمال للحي وبدأوا بتجهيز المخبز واعداده وبعد اسبوعين من العمل انتهى العمال منه، تنوران من الطين مع مخزن لاكياس الطحين وعاملين احدهم من اقرباء صاحب البيت والاخر النازح الذي سبق وان تحدثنا عنه..صاحب البيت ويكنى ب" الحاج ابو بهزاد " رجل في الستين من عمره طويل القامة صاحب بشرة بيضاء ولحية بيضاء تظهر لمن يلتقي بانه يهتم بها وبمظهره بصورة عامة، التقى بقريبه سرمد وهو شاب في الثلاثين من عمره متوسط الطول يميل الى السمنة قليلا بشرته بيضاء تميل الى الاحمرار، مهذب في تعامله وخجول بحيث يحمر وجهه عندما يتكلم مع عم والده الحاج ابو بهزاد وهذا الاخير اثناء اللقاء طلب منه ان يهتم بشؤون المخبز وان لايدع الناس يشتكون من شيء وان يبقي عينه على الشاب الاخر أيضاً، كما طلب منه ان يقوم بتوزيع الخبر في اول يوم مجاناً وهذه عادة عندنا حيث اغلب الاشخاص يقومون بافتتاح محلاتهم بدعوة الشخصيات والعامة ويوزعون الصمون او الخبز مجانا كفأل خير يبدأون به عملهم.
سرمد استمع لعمه ثم قال له بخجل إنشاء الله ستكون راضياً عنا وعن العمل، لكن استوقفه كلام عمه حين طلب منه ان يبقي عينه على الشاب النازح وهذا الاخير اسمه جهاد شاب في الرابعة والعشرين من عمره ،نحيف وطويل قياساً بنحافته، بشرته سمراء جدا ولديه عينان بارزتان من يراها يشعر بانها تخرجان من وجهه اكثر مما هما ملتصقين به، وبالفعل منذ الايام الاولى شعر سرمد بان جهاد لديه حركات قد لاتعجب عمه، لكنه كان يصبر عليه ويقول في نفسه بانه غريب ربما لم يتعود طبائعنا بعد.
كان سرمد يتكفل بامر الحسابات فضلاً عن كونه الخباز، اما جهاد فقد كان عمله ينصب على البيع واخراج الخبز من التنور، الافران هذه تعمل على النفط لذا هي مجهزة بانابيب تأتي من السقف الى اسفل كل تنور حيث من خلال فتحة تحفر اسفل التنور يدخل رأس الانبوب المجهز بايصال النفط للمكان الذي من خلاله يتم توزيع الحرارة على كل اجزاء التنور، لذا لم يكن العمل يحتاج الى جهد اضافي في كيفية اشعال النار، فقط كانا يتعاونان في مرحلة العجن وتحويل العجين قطع جاهزة، وبعدها يقوم سرمد باخذ كل قطعة ومن خلال عملية اشبه بالتصفيق يقوم بتحويل تلك القطعة الثخينة الى خبز سميك لايحتاج الا ان يدخل الى التنور ليصبح جاهزاً.. شعر الاثنان في يومهم الاول بفرحة كبيرة عندما وجدوا الناس تقف بطوابير منظمة امام باب المخبز لاستلام حصتها والتي كانت (خمس) قطع فقط حتى يتم توزيعه على اكبر عدد من ابناء المحلة،وبعد الانتهاء من توزيع الخبز كله قاما بتظيف المخبز وبعدها ودع سرمد زميله في العمل وخرج وقام جهاد باغلاق المخبز من الداخل، وبقي هو داخل المحل حيث كان الحاج ابو بهزاد قد طلب من العمال ان يجهزوا في المخزن مكانا خاصاً لاستراحة عمال المخبز كما انه طلب من جهاد ان يبيت فيه لانه لايملك اصلا مكان للمبيت، وجهاد فرح بالامر حيث يمكنه توفير ثمن اماكن المبيت، لذا قام باعداد سرير لنفسه حيث وضع ما تبقى من الطابوق بشكل منظم في احدى زوايا المخزن، وجمع قطع الخشب الزائدة والتي جلبت لوضع اكياس الطحين عليه ليترفع عن الارضية حوفاً من الرطوبة ومن الحشرات وكذلك من الفئران، فقام برصفها على الطابوق المعد مسبقاً بحيث بعد فرشه ظهر وكأنه سرير عادي وليس سرير معد من الطابوق والخشب.
نام جهاد في تلك الليلة مبكراً جراء تعبه من العمل ومن اهتمامه باعداد مكان لينام فيه، وفي صباح اليوم الثاني سمع صوت سرمد وهو يقول له افتح الباب فقام جهاد بفتح وغسل يديه وبدءا بعملها، وفي ساعات مبكرة وجدوا بعض الرجال والنساء يأتون لشراء الخبز وكذلك وظهر على وجوه الجميع الارتياح لان المخبز قريب لبيوتهم وليس فيه ازدحام كما اعتادوه في المخابز الاخرى، وفي الساعة التاسعة صباحاً كان عملهما قد انتهى حيث ذهب سرمد لاخذ قسط من الراحة بينما بقي جهاد يبيع ما تبقى من الخبز القليل، واثناء ذلك اتى شاب في مقتبل العمر وتكلم مع جهاد عن الخبز لماذا ليس بحار فقال له جهاد بان المخبز يفتح من ساعة مبكرة ولم يطل الحديث بينهما حيث اخذ الشاب الخبز ورحل.. وفي الظهيرة تكررت العملية حيث بدءا بالعجن والخبز الى ان انتهى خبزهم في ذلك اليوم، فخرج سرمد لبيته وبقي جهاد في المخزن.
مضت الايام بسرعة ولم يكن شيء يتغير الا الوجوه التي كانت تتكرر في احيان كثيرة لكنها في الوقت نفسه كانت تجذب وجوهاً جديدة، وخلال فترة التحولات تلك كان سرمد يلاحظ ان سلوك جهاد تجاه البعض لطيف ولكنه مع البعض الاخر بالاخص النساء ليس بسلوك جيد لانه يحاول التودد اليهن، وهذا ما اتضح بشكل جلي عندما وجد سرمد بان جهاد يحاول اسقاط ما يضعه بعض النساء او الفتيات من مال ليقمن بالانحناء فيسرق نظرة الى صدورهن، في البداية ظن سرمد بان الامر طبيعي لكنه عندما وجد بانه يتكرر شعر بضيق شديد، وقبل ان يخرج الى البيت قال له انتبه الى نفسك فان بعض النساء اذا عرفن انك تتعمد ذلك لن يقبلن منك، فابتسم جهاد وقال له عن ماذا تتحدث.
كما سبق وان ذكرنا بان جهاد شاب ووحيد ونازح يعني بعيد عن اهله وفوق كله هذا بيئة عمله تؤثر على نفسيته التي اصلا كانت ميالة الى تلك الافعال وهذا ما اتضح لسرمد عندما ابلغ عمه الحاج ابو بهزاد عن تلك التصرفات فقال له عمه لهذا طلبت منك ان تبقي عينيك عليه، لاني تحريت عنه فوجدت عنده تلك الميول ولأن الانسان يتأثر بالحرارة ايضاً في مثل تلك الامور خشيت بان يوقعنا في مشكلة مع ابناء المحلة.
تحدث سرمد مع جهاد وقال له بان عمه اذا علم بالامر سيفصله عن العمل وهذا باب رزق بالنسبه وليس شيء اخر، فرد جهاد بانه لن يفعل ذلك مرة اخرى ووعده بانه سيحاول الاهتمام فقط بعمله، ومع ان سرمد ما كان ليصدق بكلامه الا انه كان مؤمنا باعطاء فرصة اخرى له، وبالفعل جهاد امتنع عن تلك الافعال امام عين سرمد، الا انه بعد انتهاء العمل كان احيانا يخرج كرسي اشتراه سرمد ليصعد عليه لانزال بعض اكياس الطحين المتكسدة، وهو كرسي خشبي جراء الحمولة الثقلية احيانا انكسرت احدى ارجله فقام جهاد بترميمه من خلال شده باكثر من مسمار، فكان يجلس عليه ويراقب بعض النوافذ التي تطل منها النساء لنشر الغسيل او للتنفس بالاخص في العصريات حيث درجات الحرارة كانت تقل احياناً.. ولطاما جذب انتباهه امرأة ثلاثينية جميلة كانت تسكن في بيت يفصله عن المخبز شارع لايتعدى العشر امتار، وبامتار قليلة اسفل واجهة المخبز في الطرف الاخر، تلك المرأة كانت من النوع التي تعيش رفاهية خاصة حيث تمتلك بيت بطابقين في كل غرفة بالكونة خاصة ولديها طفلة لم تتجاوز بعد ربيعها السادس، وزوجها كان رجل اعمال يخرج احيانا من الصباح الباكر ولايرجع الا ليلاً وفي احيان اخرى كان يحضر على الغداء، تلك المرأة كان الجيران ينادونها بام روندك، وفي كل مرة يحضر زوجها على الغداء كانت تخرج بنفسها لشراء الخبز وكان جهاد ينتشي برؤيتها بملامحها البيضاء وجسدها الممتلئ، ولااعلم كيف عرف سرمد بامره ذاك" هذا ماردده عندما سأله احدهم من كان يعرف بامر متابعتك لها..؟"، ذات يوم تعمد سرمد بان يبقي بعض اغراضه في المخبز بعد انتهاء العمل، وظن جهاد بان سرمد خرج كعادته ولن يعود، لكنه تفاجأ وهو جالس يسرق النظر الى النوافذ ويتابع تلك السيدة التي كانت تنشر غسيلها في احدى بالكونات البيت ومعها ابنتها روندك، فاصفر وجهه ويدأ يخلق الاعذار ويتلكأ في الكلام، فتجاهل سرمد الامر وقال بانه نسي اغراضه فعاد ليأخدها.. وبعدها مباشرة ذهب الى عمه ليخبره بالامر فقال عمه بانه سيفصله بعد ان يجد عاملاً اخراً وعن قريب جداً.
عجلة الوقت لم تكن تنتظر احد، والاقدار لم تكن لتتجاهل ما هو مكتوب فيها وكأنها تعمدت اسراع وتيرة الاحداث على الصعيد النفسي لجهاد، وعلى صعيد الفرص التي ينتظرها.. استعرت النيران في نفس جهاد، وتحركت غرائزه بشكل متصاعد وبوتيرة سريعة، فقرر ان يستغل اية فرصة تتيح له، وفي يوم قبل ان يبلغه الحاج ابو بهزاد بانه لن يحتاج الى خدماته بعدما وجد عاملاً اخراً، كان جهاد قد انغمس في فعلته..
كانت الساعة قد اقتربت من الثانية بعد منتصف الظهر، وسرمد بعد ان انتهى عمله ولم يبق الا القليل من الخبز غير المبيع قال لجهاد بانه سيقوم بانزال ما يحتاجونه غداً من اكياس الطحين.. وقتها كان امرأة عجوز واقفة امام باب المخبز تريد الخبز فاعطاها جهاد ما تريده.. انهى سرمد عمله وقال لجهاد ساخرج وانتبه للمخبز، بينما هو يخرج لمح احد الجيران وهو يتجه نحو المخبز فسلم عليه وذهب لحال سبيله، وهذا الشخص الذي توجه نحو المخبز هو رجل ستيني لكنه مازال نشطاً، بيته على نفس طرف المخبز ويقابل بيت ام روندك، وصل للمخبز واشترى ما يحتاجه من خبز،ولم يبق لجهاد سوى قطعتين او ثلاث فاراد ان يقفل المخبز لكنه لمح باب ام روندك يفتح، واظن بان الرجل عند عودته لبيته لمح روندك في طريقه وهي تأتي باتجاه المخبز حيث وقتها قد لمح جهاد الطفلة وهي تخرج من الباب وظل عاكفاً في مكانه ينتظر اذا كانت ستأتي الى المخبز ام لا.. كان الحر في اشده، وبعد ان اقفل الرجل ذاك بابه ،لم يبق على الشارع احد وهذا ما اكده جهاد فيما بعد، خرج جهاد من المخبز ونظر الى طرفي الشارع والى نوافذ البيوت التي كان يراقبها من قبل، فلم يجد حركة فيها ولا على الشارع، وصلت روندك الطفلة وهي مبتسمة فقالت عمو نريد الخبز فمدت يده لتعطيه المال، فابتسم جهاد وقال لها ادخلي الى هنا وخذي الخبز كما تريدين بان يدي ملطخة بالطحين، دخلت الصغير وبينما هي تنحني لتأخذ الخبز انقض عليها وامسك بفمها وجرها للمخزن حتى اغمي عليها، وعاد راكضا للشارع ينظر اليه اذا ما كان هناك احد ام لا، وحين اطمئن بان لااحد قد رأه اغلق باب المخبز من الداخل وذهب الى الطفلة وبدأ يداعبها ويحاول ان يوقظها قليلاً لكن الصغيرةمن الصدمة لم تستفيق، ومع ذلك عندما قام جهاد بنزع ملابسها ، كانت تلبس فستان وردي يصل لركبتيها، وبدأ يحاول اغتصابها وكأن صراع قابيل وهابيل الاول الذي دار حول الشهوة ذاتها قد عاد في صورة جهاد فاغتصب الطفلة التي استفاقت وهي ملطخة بالدماء وقد ذهب عنها صوتها وكل شيء، اطلقت بصرخة فامسك بفمها وفي حالة من الهستريا والنشوة نشوة قابيل برؤية الدم خنقها، وبدأ بطريقة او اخرى خائفاً وكأنه لم يعد يعرف ماذا يفعل الان، لكنه ادرك بانها نهايته ان لم يتصرف وبسرعة، فنظر من حوله، وفتح باب نافذة صغيرة كان قد فتحها فوق رأسه حيث ينام فلمح حركة في الشارع واصوات ناس عابرين، حينها تيقن بانه لن يستطيع اخراج جثتها، فقرر ان يدفنها داخل المخبز، فبدأ برفع اكياس الطحين المتكدسة داخل المخزن ورمى بجثتها تحتها ووضع عليها اكياس كثيرة، ثم بدأ يلملم اغراضه فحمل ما وقع تحت يديه وكأنه يريد ان يمحي اثاره، وفتح باب المخبز وخرج بخطى خائفة وما ان عبر الشارع حتى بدأ يركض الى ان وصل للشارع الرئيسي فاخذ سيارة اجرة وتوجه الى احدى القرى باطراف المدينة ينتظر الفرصة كي يخرج من البلد.
كانت شرمين ام روندك وقتها في المطبخ وقد انهت طبخها ولم يبقى لها سوى ان ترجع روندك لتجهز السفرة وتنادي زوجها العائد في ذلك اليوم على الغداء، تأخرت روندك اصابها القلق خرجت الى الباب نظرت في كل الارجاء ونظرت الى المخبز وهو مغلق تصاعدت انفاسها تكدست دموعها، ركضت هنا وهناك، صرخت ، صرخت، صرخت، وقعت، نهضت، صرخت، استندت على سور احد البيوت، لم تحملاها قدماها، وقعت، لمحها الرجل الستيني اسرع اليها، ثم اسرع لبيتها ودق الجرس لاكثر من مرة فخرج ابو روندك فقال له دون سلام زوجتك، فلم رأها ركض اليها كانت شرمين قد فقدت قابلية النطق ظلت تتمتم ولم يفهم منها شيء الا ان نطقت باسم روندك، فنظر الزوج ولم يجدها، اخذ زوجته للبيت وخرج هو يبحث عنها مع الرجل الستيني وحينها كان ابناء المحلة كلهم قد خرجوا بعد سماع صراخ شرمين، وبدأ الجميع يبحث حينها قال الرجل الستيني بانه لمحها تتجه نحو المخبز قبل نصف ساعة تقريبا، ونظر الجميع للمخبز وهو يظهر وكانه مغلق، اتصل ابو روندك بالشرطة الذين لم يتأخروا كثيرا ووصلوا الى المحلة، كما ان الحاج ابو بهزاد ايضا كان قد حضر، وبدأت الشرطة تحقق مع الجميع..وحين دخلوا البيت وسألوا شرمين التي كانت قد استعادت بعض وعيها، فقالت بان الطفلة عندما علمت بان والدها قد رجع وسيكون معنا على الغداء قالت الطفلة بانها ستذهب لتجلب الخبز الحار لان والدها تحبه كثيرا.. ولاني كنت مشغولة باعداد الطعام قلت لها اذهبي ابنتي لكن لاتتاخري وعودي بسرعة، وحين وصلت لباب المطبخ قلت لها تخرجين ولاتقبلين والدتك فرجعت وقبلتني وقلت لها انتبهي ابنتي لنفسك، وانشغلت انا بالطبخ لكني عندما انتهيت شعرت بغيابها فخرجت فلم اجدها على الشارع فدب الرعب في كل جسدي ولم اشعر بنفسي.
وحين سألت الشرطة عن اخر من رأها قال الرجل الستيني بانه لمحها تتجه نحو المخبز، فقال ابو بهزاد لكن المخبز مقفل، رد عليه بان وقتها كان لم يزل مفتوحاً، فاتصل الحاج بسرمد وطلب منه ان ياتي فورا، وما هي الا ربع ساعة الا وسرمد عندهم، وبعد توجيه بعض الاسئلة اليه قال اخشى بان النذل فعلها، سكت الجميع، فقال للشرطة الباب يفتح من الداخل سأكسر مكان القفل لعلنا نستطيع الدخول، وعندما اراد ان يكسره وجده مفتوحا ولم يكن مغلقاً فدخلوا المخزن ومكان نوم جهاد لم يجدوا شيئا لكن سرمد انتبه لامر فقال بان اغراضه الشخصية غير موجودة وكأنه اخذها، فبدأت الشرطة باخذ المعلومات عنه ومواصفاته وقتها لمح ابو بهزاد صورة له مع بعض اصدقائه على مرآة صغيرة فوق مغسلة هي الاخرى صغيرة موجودة داخل المخبز، وبلاشك نسيها جهاد من خوفه ومحاولته الخروج باسرع وقت، بحثت الشرطة في ارجاء المخبز حتى داخل التنورين، لكنهم لم يجدواً شيئاً، وعندما ارادت الشرطة ان تخرج لمح الضابط بعض قطرات الدم على كيس طحين داخل المخزن، فامر الشرطة بان يقوموا بالبحث تحت اكياس الطحين فاسرع سرمد لمساعدتهم كما بدأ الشباب من ابناء المحلة بمساعدة الشرطة في رفع تلك الاكياس حينها وصلوا الى مبتغاهم، فامر الضابط باخراج الجميع، واتصل بالمركز ليأتي من يعاين الفتاة ويأخذونها للطب العدلي، وطلب من والد روندك بان يدخل لوحده ليتعرف عليها، فما ان وقعت عيناه عليها حتى نظر الى سقف المخبز انها طفلة، طفلة. وبدأ ينهار شيئا فشيئا.. كان الخبر قد وصل لاقاربه حيث وصل احد اخوته في الحال بينما الاخرين وصلوا بعد ان ذهبوا الى الطب العدلي.
جهاد اصبح مطلوباً من الشرطة وزعت صوره على المراكز وبدأت الشرطة تبحث عنه حتى انها القت القبض على ذلك الرجل الذي اتصل بالحاج ابو بهزاد من اجل ان يوظفه، فقال الرجل بانه لايعرفه لكنه ذات يوم وجده امام باب محله يرجوه بان يوظفه عنده ولان محله لايحتاج الى موظفين باعتبار ان لديه اثنين قال له بانه سيتصل بصديق، فاتصلت وقتها بالحاج ابو بهزاد.. لكنه قال معلومة افادت الشرطة منها بان جهاد ذكر له بانه يعرف شخص في قرية قريبة من المدينة، حينها توجهت الشرطة على الفور الى تلك القرية، لكن جهاد كان غادرها فقال صاحب البيت الذي كان قد مكث فيها بانه اراد بعض المال حتى يعبر به الى البلد المجاور ولأني لا املك شيئا فقد قرر المغادرة بسرعة.
توسعت عملية البحث عنه وشملت حرس الحدود الجميع تربص به، لان مثل هذه الجرائم تخلد لا لأنها بشعة ووحشية فحسب انما لانها وصمة عار على جبين الانسانية، في اليوم الثاني تناولت الصحف الموضوع وبرزت العناوين كل شخص يفسر ويحلل الامر على طريقته فمن قال بان السبب امها كيف ترسلها بتلك الملابس القصيرة، وهناك من ارجع السبب للحاج ابو بهزاد الذي وظف ذلك الهمجي دون ان يبحث عن خلفيته، والبعض ارجعها الى مسألة القضاء والقدر، وفي هذه المواقف والحوادث يكثر الحديث وتكثر الاراء.
طلب الحاج ابو بهزاد من سرمد ان يقوم باخراج تلك الاكياس وحرقها ومن ثم اغلاق المخبز نهائياً، كما انه عرض دراه للبيع لانه كان يشعر بالذنب دون ان يذكر شيئا عن ما كان ينوي فعله بطرده من العمل.. واثناء ذلك كانت الشرطة تبحث عن جهاد، وقد وصلت اخبارية الى احدى مراكز الشرطة الحدودية بان حرس الحدود لمحوا شخصاً يحاول عبور الحدود بصورة غير قانوينة وعندما لاحقوه وطلبوا منه التوقف ظل يركض دون ان يبالي باوامرهم، فاضطروا الى رمي الرصاص من فوق رأسه لعله يتوقف، لكنه لم يتوقف، انما ظل يركص حتى وقع في حقل الغام وانفجرت احداها به فبترت ساقيه وحين زحف وقع على اخرى فحولته الى اشلاء مبعثرة، ولم يسلم منه الا رأسه، وبعد ان وصلت الشرطة الى مكان الحادث تأكدت بانه جهاد.
اجتمع اهالي المحلة امام باب بيت ابو روندك، ينتظرون اخذ جثمان الطفلة الى المقبرة، وبينما الجميع ينتظر، سُمع صراخا في البالكونة التي تواجه الباب واذا ببعض النساء يمسكن بشرمين التي ظلت تصرخ اقسم بانها طفلة اقسم بانها طفلة وهي تحاول ان ترمي بنفسها من البالكونة، حينها ركض الجميع الى تلك البالكونة وامسكوها واعادوها للداخل، وبعد أن هدأت طلب ابو روندك من احدى اخواته ان تهتم بشرمين ولاتدعها تغيب عن نظرها لحظة، اما هو فقد خرج يحمل جثمان روندك في موكب يتكرر امام انظار السماء.. موكب يتجه نحو المقبرة واصوات ابناء المحلة خافتة والدموع تنسكب بغزارة .
كوردستان العراق
6/6/2009



#جوتيار_تمر (هاشتاغ)       Jotyar_Tamur_Sedeeq#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في نص- عباءة جدتي القديمة- للشاعرة أملي القضماني/ جوتي ...
- قراءة في نص- مرثية طفل للرؤية- للشاعرة المميزة نهى الموسوي/ ...
- جوليانا/ قصة
- هل نجوت ...؟
- لماذا اعيش / الانفال
- كوجين في موكب الموت
- صور من ذاكرة شاب/ الانفال
- أُم ايبو / الهجرة المليونية
- دلبرين في شهرزاد / عامودا
- الحكومة الاعلامية
- فوضى الاعلام تمتزج بفوضى الاحزاب
- قراءة نقدية في نص- عبودية- للشاعرة ايلينا المدني / جوتيار تم ...
- قراءة في نص- عذراً منك- للشاعرة ريم هاني
- الوعي السالب للبناء في كوردستان
- قراءة في احدى نصوص الشاعرة رنا اسعد/ جوتيا رتمر
- دمشقيات
- قصص قصيرة جدا
- قراءة في نص - مطر من الارض- للشاعر شكري اسماعيل/ جوتيار تمر
- رسالة البابا الى الحكام
- قراءة في نص - وقفة - للشاعر هلكورد قهار / جوتيار تمر


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوتيار تمر - اقسم بانها طفلة