أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سليم سوزه - النخبة العراقية .. إغتراب ما قبل النحر














المزيد.....

النخبة العراقية .. إغتراب ما قبل النحر


سليم سوزه

الحوار المتمدن-العدد: 4498 - 2014 / 6 / 30 - 08:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يعيش المثقف العراقي حالة اغتراب حادة، ليس فقط اغتراباً جغرافياً بل لغوياً ايضاً. فاللغة التي يتحدث بها اليوم لا تنسجم مع العالم العنفي الذي يغرق فيه. ثمّة خطاب عنفي رهيب هيمن اليوم على ارادة المجتمع العراقي وصارت الخيانة والعمالة والتآمر اهم مفردات ذلك الخطاب. يقف المثقف حائراً في ايجاد الوسائل لإستخدام اللغة بطريقة تحاول ترشيد ذلك العنف والتقليل من آثاره واضراره، حتى اصبح في عزلة داخل اللغة نفسها ولم يعد قادراً على التواصل مع الجمهور.

قد يشبه هذا الإغتراب الإغتراب الذي مرّ به مثقف الحداثة الطليعي قبل نحره على يد جموع الشعبوية في بلدان الغرب. لقد عملت تلك الجموع المدفوعة بحماسة الشعارات والمهووسة بجنون احزاب اليمين واليسار على محاربة فكر الطليعة بوصفها فكراً رومانسياً مترفاً لا يلبي حاجات الناس ولا ينتمي الى زمانهم. نسي هؤلاء بأن الطليعة، ذلك المصطلح الحداثوي المأخوذ من العسكر الفرنسيين والذي يُطلَق على مَن هم في مقدمة القوات دائماً، وظيفتها اساساً صناعة هوية اممها المستقبلية.
ومثل اي تشكيل عسكري اعتيادي، تتحرك النخبة الطليعية من خلال تكتيكاتها ومناوراتها باتجاه تشكيل هوية جمعية حداثوية تدفع بها مجتمعاتها الى الامام. هذا ما يسميها لينين "بالقوة التكتيكية" للنخبة والتي عرفت الشيوعية كيف توظّفها في دفع الزخم الثوري الشيوعي قبل ان تقتلها "الواقعية الاشتراكية" لمفوّضي ستالين الثقافيين.

ليست فقط الستالينية الروسية مَن حاربت الطليعة الحداثوية، بل حتى في الولايات المتحدة الامريكية حين هاجرت الحداثة اليها مثخّنةً بجراح النازيين والذين كانوا هم ايضاً يرون في فكر الحداثة مؤامرةً على العرق الالماني النبيل ومحاولةً لتجميل "الفكر المنحط" بفنه وقيمه المنحلّة. فهذا سيناتور ولاية مشيغان جورج دونديرو صاحب اشهر خطاب تاريخي أُلقِي في الكونغرس عام 1949 يُجرّم فيه الحداثة ويعتبرها سلاحاً شيوعياً روسياً لتدمير القيم الرأسمالية في المجتمع الامريكي. وياليتها انتهت بالخطابات والتصريحات، بل يؤسّس السيناتور الامريكي المتشدد جو مكارثي "لجنة الكونغرس في البحث عن الانشطة اللامريكية"، تلك اللجنة التي ضيّقت الخناق على المثقفين والفنانين الامريكيين من خلال حملاتها واتهاماتها وقراراتها التي ارهبت العديد منهم بحجة محاربة الشيوعية المتسللة عبر افكار وفنون الحداثة. صار مكارثي رمزاً للهوس وامسى مصطلح "المكارثية" شائعاً في الخطاب السياسي الامريكي والعالمي للتعبير عن حالات تقييد الحريات بسبب الاوهام فقط.

وصار المثقف الطليعي متهماً في كل بلدان العالم ولعل اطرف ما في الموضوع هو ان الوطنيين الامريكيين اعتبروا ذلك المثقف عميلاً للشيوعية الروسية، في حين اتهمه الشيوعيون بأنه اداة للرأسمالية العفنة. اما النازية الالمانية فكانت تراه نتاج اليهودية المدعومة من امريكا وروسيا كليهما. يا لها من مفارقة مضحكة ذبحت الحداثة ونخبتها الطليعية بسكين الخيانة والعمالة، لا لشيء إلاّ لأنهم تحدثوا بلغة غريبة لا يستسيغها العوام، فعاشوا في عزلة عن مجتمعهم، هم ولغتهم ونتاجهم وادبهم.
تقول الاديبة الامريكية جيرترود شتاين ان المجتمع لا يقبل الحداثة بل يقبل فقط من يستنشقون افكارهم من المتاحف و"هكذا كان جيمس جويس مقبولاً عندهم وانا لا، اتكأ هو على الماضي، اما انا فكان التجديد والاختلاف سمات جوهرية في اعمالي".*

ما اشبه اليوم بالامس، فالخطاب العقلاني الذي يتبناه المثقف العراقي غريب عن خطاب الجموع. خطاب يحاول تفكيك الازمة وتحليل اسبابها ومبرراتها لإيجاد الحلول المناسبة وانهاء حالة الانقسام والتشرذم.
كل هذا من اجل تعزيز الوحدة وتقوية حس الانتماء للوطن الواحد كهوية واحدة جامعة بعيداً عن الهويات الفرعية المتصارعة على ترسبات الماضي. وهذا ما لا يستسيغه الجمهور الآن ويرى فيه ترفاً ورومانسية لا يلبي انفعالهم وغضبهم من "مؤامرات الاعداء" وسلوكياتهم.
"هذا ليس وقت الفلسفة، نحن في معركة مصير"، تحت هذا الشعار المكارثي تحاصر الجموع نخبتهم المثقفة وتطالبهم بلبس الخاكي والانضمام الى خنادقهم ولو بالكلمات والمقالات.

جنون طاغي وخطاب عقيم من نخبة تحاول عبثاً معالجة ذلك الجنون.
نخبة تعيش إغتراباً شديداً وسط "فائض بشري" وصل اعلى مناسيبه وصار الموت وحده سبيلاً لمعالجته.

* كتاب الحداثة (باللغة الانكليزية) لكريس رودريغز ... ص 110



#سليم_سوزه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قناعة الأربعين
- عن المثقف العاجي والمثقف الروزخوني
- لعبة السلطة والمعارضة في العراق
- فرانكشتاين في بغداد .. مسخ على قدر الألم
- عن المرجعية الدينية وعلاقتها بالمجتمع الشيعي الجديد
- زعيمنا
- ما بعد الطائفية
- لحظة التغيير
- العراق ميريتوقراطية مشوّهة
- الرجل القوي
- عن المجتمع الروحي والمجتمع المادي
- قصة شعبنا المنهار ... الجزء 2
- قصة شعبنا المنهار
- السعودية تحتضر
- كسبنا البزّاز وكسبتم القاعدة
- الحرب على داعش
- عن المسيرة الحسينية وزيارات المشي المليونية
- ماذا يريد رجل -السُنّة- في العراق؟
- اما السيد المالكي او الفوضى والتقسيم
- رئيسنا حي


المزيد.....




- الحرائق الكارثية أتلفت أكثر من 30 مليون هكتار من غابات البرا ...
- إسرائيل وافقت على وقف إطلاق النار مع إيران.. هل تكون غزة الت ...
- سوريا.. انفجار دمشق يثير التساؤلات وسط فوضى أمنية وإعلامية م ...
- بزشكيان: إيران لا تسعى للسلاح النووي وسنحمي حقوقنا المشروعة ...
- قادمة من مخيم الهول.. الداخلية تكشف عن خلية -داعش- المتورطة ...
- سلطة في الظل.. هل حلّ -الشيخ- مكان الدولة في سوريا؟
- حدث أمني -حساس- في خان يونس.. مقتل وإصابة ما يزيد على 20 جند ...
- الحرب على إيران تعيد الليكود إلى الصدارة.. نتنياهو: العالم ش ...
- مساندة الجزائر لإيران: -مجازفة دبلوماسية- مع الولايات المتحد ...
- الخارجية الليبية تستدعي سفير اليونان للاحتجاج


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سليم سوزه - النخبة العراقية .. إغتراب ما قبل النحر