احمد عبدول
الحوار المتمدن-العدد: 4496 - 2014 / 6 / 28 - 15:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ليلة الاثنين على الثلاثاء المصادف 10/حزيران 2014 سقطت مدينة الموصل (450 كم شمال العاصمة بغداد ) تحت سيطرة مسلحي ما يسمى بدولة العراق والشام باستثناء المناطق الشمالية والتي تقع تحت حماية قوات البيشمركة وقضاء تلعفر ذو الغالبية الشيعية والذي تتمركز فيه قوة عسكرية صغيرة .
في العاشر من حزيران سقطت الموصل على يد القوات المهاجمة التي تقدر إعدادها من (500 الى 2000 مقاتل ) دخلوا الموصل من عدة محاور , حيث تم الاستيلاء على معظم المقرات الأمنية بالإضافة الى مطار المدينة ومركز المحافظة , وقد أطلق المهاجمون سراح معظم المودعين داخل السجون وأكثرهم من المحكومين بالمادة (4 إرهاب ) وتقدر اعدادهم من (1000 الى 2500 سجين ) بعد ان تمت تصفية أكثر من 300 سجين على أساس طائفي كونهم من الشيعة حسب ما أكده عدد من الفارين من تلك السجون والذين ألقت القوات الأمنية القبض عليهم فيما بعد لا سيما في محافظة البصرة .
سقطت الموصل بيد تنظيم ما يسمى بدولة العراق الإسلامية في العراق وبلاد الشام , والتي كان عدد عناصرها لا يمثل بالنسبة للقوات الحكومية المتواجدة على ارض الموصل سوى نسبة (1الى 50 ) حيث كانت هنالك ثلاث فرق عسكرية مدججة بكافة الأسلحة والمعدات الثقيلة والمتوسطة ,ولا يخفى على احد ان الفرقة الواحدة تتكون من أربعة ألوية وكل لواء يتكون من أربعة أفواج وكل فوج من أربعة سرايا ليصل تعداد الفرقة الواحدة الى (14000 مقاتل )باستثناء مقر الفرقة , هذا فضلا عن عناصر الشرطة المحلية , والتي تقدر بأكثر من (25000 شرطي ) كانوا بإمرة محافظ الموصل (اثيل النجيفي )الذي حرصت التنظيمات المسلحة على تدبير عمليات تصفيته واستهداف حماياته على مدار السنوات المنصرمة إلا انه ومع سقوط الموصل تبخر بمعية الآلاف من شرطته على مشارفها في مدينة النمرود وهي مدينة ذات أغلبية مسيحية وليستقر في اقليم كردستان .
من نافلة القول ان مدينة مثل الموصل لا يمكن ان تسقط على أيدي عصابات لا تمتلك سوى أسلحة الكلاشنكوف والمدافع الرشاشة المثبتة على سيارات البيكب ,هكذا مدينة لا يمكن بحال من الأحوال ان تسقط أمام عصابات غير نظامية إلا إذا كانت هناك جملة من الأسباب والملابسات, التي ترقى الى مستوى عال من التواطؤ المسبق بين قيادات فعالة داخل المنظومة الأمنية والعسكرية ,التي تمتلك زمام الأمور داخل مدينة الموصل .
يمكن القول ان ما حدث في الموصل يعد نكسة حزيرانية عراقية بامتياز, ولا شك ان مثل هكذا انتكاسة انما كانت تقف وراءها أسباب متعددة اجتمعت لتصب باتجاه سقوط الموصل على أيدي مغول العصر والمتعاطفين معهم من تنظيمات وكتل وأحزاب وحركات تختلف في البرامج لكنها تتفق على الإطاحة بالعملية السياسية القائمة منذ التاسع من نيسان 2003 .
لقد نشر الكاتب (زهير الدجيلي ) يوم الاثنين المصادف 16/6/2014 في جريدة ( الصباح تايمز ) مقالا استعرض من خلاله ثلاث فرضيات لسقوط مدينة الموصل بهذا الشكل الدراماتيكي المذهل والفرضيات الثلاث هي كما يلي .
الفرضية الاولى :ان ما حدث في الموصل هو تدبير جهات محسوبة على المالكي لغرض حلحلة الوضع السياسي بغية ترجيح كفة المالكي في الحصول على ولاية ثالثة .
الفرضية الثانية :حصول عملية اختراق لموجة الاتصالات التي تستخدمها القيادة العسكرية في الموصل وقد تمثل ذلك الخرق بإعطاء أوامر الانسحاب للقطعات العسكرية من الموصل من جهات عليا .
الفرضية الثالثة : حصول عملية تواطؤ بين قادة القطعات العسكرية غير الرئيسين وبين قيادات من حزب البعث المقبور .
وإذا ما أتينا الى تلك الفرضيات الثلاث, وجدنا ان الفرضية الاولى بعيدة عن الواقع السياسي العملي وذلك لعدة أسباب لعل أبرزها ان الموصل تكاد تخلو من تلك الجهات المؤثرة التي تحسب على المالكي لا سيما إذا ما علمنا ان غالبية القيادات العسكرية التي تتواجد داخل الموصل هي قيادات سنية وكردية أضف الى ذلك ان أمر الولاية الثالثة إنما تحدده وتحسمه استحقاقات وحسابات تطرحها الكتل والأحزاب السياسية التي فازت بالماراثون الانتخابي وليس شيئا أخر ,والجميع يعلم ان حظوظ المالكي غير قليلة على ضوء ما أفرزته صناديق الاقتراع أولا وعلى ضوء اقترابه من رسم ملامح تشكيل سياسي مؤهل لحكومة الأغلبية السياسية والتي أصر عليها المالكي ,أما الفرضية الثانية والتي تشير الى حصول اختراق لموجة الاتصالات التي تعتمدها القيادة العسكرية فهو أمر غير مستبعد لا سيما وان القيادات العسكرية لطالما تتعرض لهكذا نوع من الاختراقات التي تعجل بالانهيارات العسكرية والأمنية ,ولعل هذا ما يذكرنا بذلك التحذير الذي قام بتوجيهه (صدام حسين ) ابان حرب خليج الثانية عندما حذر من توجيه خطاب بصوته ينص على الانسحاب من الكويت بعد احتلالها ,الا ان تلك الفرضية وعلى ضوء محاكمة اكثر من (59 ضابط اغلبهم من القيادات الموصلية والكردية باتت ضعيفة للغاية ولو كان أمر الخرق المعلوماتي قد حصل لكان اولئك الضباط قد بينوا مثل هكذا خرق ولكان الإعلام قد سرب مثل هكذا طرح بشكل واخر ولكان المالكي هو المقصر مرة اخرى .الفرضية الثالثة وتذهب الى حصول تواطؤ بين القيادات غير الرئيسية وبين قيادات من البعث , ولا شك ان مثل تلك الفرضية تحظى بمقدار كبير من الموضوعية ,ا ذ ان حصول عملية تواطؤ بين قيادات وأمراء الألوية والأفواج مع الجهات المهاجمة سواء كانت عصابات داعش او فلول البعث متمثلا برجال الحركة النقشبندية التي يقودها عزت الدوري هو أمر مفروغ منه في كل الأحوال .
ان حصول تواطؤ بين هكذا تنظيمات يعد امرا واردا لا سيما اذا علمنا ان أغلبية تلك القيادات كانت عبارة عن ضباط موصليين واخرين من الكرد ,ولعل أهم وأدل تلك المؤشرات التي تدعم ما نحن بصدده من فرضية يتمثل في إحكام التنظيمات البعثية على الموصل قبالة بسط نفوذ قوات البيشمركة على مجمل الأراضي المتنازع عليها وسط عمليات سلب ونهب منظم لمعدات واليات الجيش العراقي التي تركها دون ان يطلق رصاصة واحدة ,ولعل تصرحات مسعود البارزاني الأخيرة بخصوص تطبيق المادة 140 بمجرد دخول قوات البيشمركة الى كركوك يعد خير دليل على وجود صفقة تكون بموجبها الموصل من حصة التنظيمات البعثية بينما تكون كركوك من حصة الاكراد .
عندما نأتي الى تاريخ الموصل العسكري والسياسي نجد ان تلك المدينة كان لها الأثر الواضح على مجمل تاريخ المنطقة والعراق بوجه خاص ,فقد سقطت الموصل اثر انقلاب العقيد ( عبد الوهاب الشواف ) في شهر آذار عام 1959 , وقد اعتمد الشواف على قوات الجيش التي رفعت شعار تصحيح مسار انقلاب 1958 آنذاك .وكان ان أحكمت قوات الجيش سيطرتها على المدينة بشكل كامل وقد تم تعيين كافة القادة الميدانيين لتسيير امور المدينة , لتسير الأمور كما يريد الانقلابيون حتى دخلت قوات الجيش العراقي بمعية عناصر الحزب الشيوعي لتتم عملية تحرير الموصل بالكامل .
ان طبيعة الشخصية الموصلية ذات النزعة القومية الحادة والتي لا تجد ذاتها الا وسط أجواء الانضباط العسكري ، تشكل عاملا أساسيا لما تشهده تلك المدينة من أحداث وتداعيات ,حيث تمثل الموصل حصنا محكما لكتل بشرية مشبعة بالمنعة والأنفة التي تفتقر الى المناطق الوسطى التي يمكن ان تشكل مع الآخرين جسورا للتواصل والتلاقي ,ولعل هذا ما يفسر عدم سقوطها او اختراقها الا من داخلها كما حصل إبان حكم الزعيم قاسم او ما حصل في العاشر من حزيران عام 2014 ,حيث يعيد التاريخ نفسه لتسقط الموصل اثر مؤامرة داخلية محكمة كما حصل في انقلاب الشواف .
لذلك علينا ان لا نسطح الأمور وان لا نقلل من أهمية القوات العسكرية التي كانت ترابط داخل الموصل, وان نصور الخطب على انه هزيمة نكراء لحقت بالجيش العراقي .
ان ما حدث في الموصل لم يكن سوى التفاف لفصائل وكتل وجهات سياسية محلية وإقليمية بغية خروج الموصل عن سكة العراق الفدرالي الاتحادي وانتقالها الى دولة العراق الإسلامية التي تقيم شرع الله بحد السيف وحز الرقاب وجدع الأنوف وسمل العيون وسط صيحات الله اكبر .
هنالك عدة قراءات تخوض في حقيقة ما حدث داخل الموصل إلا ان أهم وابرز تلك القراءات يتلخص في ان ما حدث لم يكن سوى مؤامرة عالية التنسيق , اشتركت فيها دوائر استخباراتية لدول مجاورة لغرض الضغط العسكري المباشر على مرشح دولة القانون والعدول عن فكرة تبني خيار حكومة الأغلبية السياسية التي كان المالكي قاب قوسين أو أدنى من تشكيلها .
أخيرا هناك من اخذ يعزف مجددا على وتر الإقصاء والتهميش الذي تعرض له أهلنا في الموصل وغيرها في المناطق الغربية , ومع ضعف وركاكة من هكذا اسطوانة مشروخة الا ان السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة , هل يكون تنظيم داعش الإرهابي هو البديل عن ما تعرض إليه أهالي الموصل من ظلم وتهميش على افتراض صحته ؟هل يكون البديل بإزالة النصب التاريخية والمعالم الثقافية والاثارية في الموصل على يد شرار خلقه من شذاذ وافاكين ؟هل يكون البديل بإقامة دولة السيف والنطع ودفع الجزية من المسيحيين عن يد وهم صاغرون ؟هل يكون البديل بتغيير ديموغرافيا مدينة الموصل على أسس دينية وطائفية ضيقة .هل يكون البديل بضياع كركوك الذي سوف يمهد لتقسم العراق الى دويلات متناحرة على أسس دينية ومذهبية وعرقية .
#احمد_عبدول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟