صور الله

احمد عبدول

الحوار المتمدن-العدد: 4405 - 2014 / 3 / 26 - 22:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

أبنتي (روان ) ذات السابعة من العمر والتي تواظب هذه الأيام على مزاولة الألعاب الالكترونية من على شاشة الحاسوب أكثر مما تواظب على تحضير موادها الدراسية, فقد باتت ومنذ اشهر تدس رأسها وسط شاشة الحاسوب على امتداد الوقت لكنها مع كل ذلك تحصل على أعلى الدرجات في شتى مواد الصف الأول الابتدائي.
حدث قبل أسبوعين وقد كانت (روان ) تجلس بمفردها أمام جهاز الحاسوب إنها قد دخلت الى ( الغوغل ) وقد كتبت عبارة استوقفتنا كثيرا, فقد كتبت على الغوغل تلك المفردتين الآتيتين ( صور الله ) عندها تسمرنا أنا ووالدتها وكأن على رؤسنا الطير , ونحن نقف على هكذا مستوى رفيع من الذكاء المبكر الذي أهل (روان ) لطرح هكذا تساؤل غاية في الخطورة والأهمية , فما كان مني إلا ان أضمها الي واقبلها كعادتي لكن هذه المرة كان لقبلاتي بعد اخر ومغزى اخر .
يبدو ان ( روان ) قد بدأت مشوار البحث الحسي المجرد بوقت مبكر للغاية وهو ما يؤشر الى إنها إذا ما وفقت للمضي قدما في ذلك المشوار فيما بعد , دون خوف أو تلكأ , فإنها سوف تخرج بنتائج جديدة ومتقدمة , تصب ضمن خانة الإيمان ذاته , حيث يبقى الإيمان الذي يقوم على معرفة الحقائق وطلب القرائن والدلائل في طريق البحث عن الله أمرا عضويا في تحصيل أيمان راسخ ومتين , وهو على العكس من ذلك الإيمان الذي يقوم على التسليم الأعمى والانقياد الجامح دونما طرح أي تساؤل أو استفهام مسبق .
(صور الله ) تلك المفردتين اللتين لخصت بهما ( روان ) ضمأها الروحي والنفسي المبكر ,الى معرفة حقيقة من تقوم له جدتها المرأة العجوز كما هو حال والدتها في اليوم خمسا, هو حق طبيعي من حقوق ابنتي التي يجب ان تحصل عليها بكل سلاسة وحرية .
والحق ان جميعنا قد يمر بما مرت به صغيرتي من عملية توق وبحث وضمأ اتجاه خالق الأكوان ومبدعها ,فكلنا قد شعر يوما ما ,بضرورة رؤية الرب وملاقته بشكل مباشر , لكننا عندما عجزنا عن ذلك الأمر أخذنا نبرر عجزنا بشتى الحجج والبراهين التي تقوم في الأعم الأغلب منها على تتبع أثار الأقدمين في طرق التدبر والتفكر والمكاشفة , حتى باتت تلك الحجج والبراهين تقف حاجزا منيعا بطريق معرفتنا بحقيقة الله والاطلاع على خصائصه وسماته وخصاله ومزاياه الحقة ,ولتتوقف عملية معرفة الله عند حدود تجربتنا الشخصية والذاتية والتي قدمت لنا الله على انه ,يحب كما نحب ويكره كما نكره وينتقم كما ننتقم ويغضب كما نغضب ويأسف كما نأسف ويقتل كما نقتل , ويمتلك كما يمتلك الطغاة والجبابرة من الطوامير المظلمة والسجون المعتمة التي تغص بشتى آلات التعذيب ومختلف أدوات الترهيب وهي صور مخيفة ومقززة قد اقحمت داخل النص الديني لإغراض تربوية وتأهيلية وبما يتلاءم مع مفهوم التربية والتأهيل آنذاك .
لا شك إننا لو تركنا (روان ) ومن على شاكلتها , تبحث بنفسها عن صور الله دون أدنى تدخل منا عبر أملاءات ومقررات وأساطير, لكانت ,قد وفقت للاقتراب من حقيقية صورة الله كما هي , والتي هي ابعد ما تكون عما رسمناه له من صور تقليدية تتنافى وتتناقض في الكثير من مقاطعها ومضامينها ,مع ما يجب ان يكون عليه الله محض الخير والرحمة والمحبة والسلام ,إلا اننا وللأسف الشديد سوف نتدخل وبقوة في عملية البحث التي بدأتها (روان )بكتابة مفردتي (صور الله ) وبذلك نكون قد أجهضنا عملية بحث عفوية تلقائية خالية من أي مقدمات وتصورات تقوم على التسليم المبرمج والمقرر سلفا.
أخيرا يبدو ان عامل البحث عن صور الله ووجوده أمر مركوز في الطبيعة البشرية وان ما حدا بنبي الله موسى قبل عدة قرون وهو ينشد رؤية الله جهرة هو نفس الشعور الذي حدا بابنتي ان تكتب على الغوغل (صور الله ) ولا شك اننا جميعا وفي مرحلة من المراحل كنا قد خبرنا مثل ذلك الشعور الإنساني النبيل الذي سوف يقدم لنا صورا أكثر وضوحا لحقيقة الرب ووجوده .

#احمد_عبدول (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات