أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد عبدول - قضية الشيعة والسنة















المزيد.....



قضية الشيعة والسنة


احمد عبدول

الحوار المتمدن-العدد: 4266 - 2013 / 11 / 5 - 08:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بينما تلج الأمم والشعوب عوالم كانت قبل عقود قليلة من الزمن اقرب إلى الخيال منها إلى الواقع حيث حرب النجوم وغزو الفضاء والبحث عن الحياة فوق ظهر المريخ تعود امتنا العربية إدراجها إلى عصور الانحطاط والجهل والتخلف والرجعية حيث تبزغ شمس المذهبية وترفع رايات الطائفية وتنمو وتتكاثر مفاهيم التخوين والتهوين والتكفير والتنفير كما تنمو وتتكاثر الخلايا الأميبية . ولا شك ان مسألة الطائفية السياسية سوف تكون الحلقة الأخيرة في مسلسل نهاية عمر هذه الأمة المنحوسة والمبتلاة بإمراض وعلل لا يرجى برئها ولا يتوقع الإفلات من مصائدها ومقاتلها . لا شك ان مسألة الطائفية السياسية سوف تكون أخر مسمار يدق في نعش هذه الأمة وأمد هذه الملة إذا لم تواجه من قبل العقلاء والفضلاء والنابهين من أبناء هذه الأمة بكل جد وقوة ومسؤولية . لقد عادت صفحة الطائفية بقوة إلى المشهد الاجتماعي العربي اليوم حتى باتت تتصدر سائر هموم وابتلاءات الأمة العربية المتشعبة منذ زمن بعيد وقد كنا يوما من الأيام الخوالي نأمل ان تطوى مثل تلك الصفحة البغيضة في ظل مفاهيم العولمة والانصهار داخل بودقة التحضر والمدنية والتقدم العلمي والتكنولوجي والمعرفي إلا ان الطائفية اليوم عادت مكشرة منفرة مقطعة لأوصال الجسد العربي المقطع مسبقا والمجزأ انفا ليضرب بعضنا رقاب بعض ويكفر بعضنا بعضا ويشتم بعضنا بعضا ويقلب بعضنا كتب ومصادر وعقائد ومتبنيات البعض الأخر من فوق المنابر وشاشات الفضائيات التي تبث على امتداد الوقت وكل ذلك يجري باسم الدين ويقوم على أساس حفظ المذهب حيث يحضر الدين والطائفة كلافتة تتجمع عندها عصبية تتوهم حربا عقائدية كما يقول ( مهدي عامل ) في الدولة الطائفية . بينما تعزز بلدان العالم بما فيها بلدان العالم الثالث قيم واعتبارات الحكم المدني الذي يبعد بدوره الأديان والعقائد والطوائف عن الاقتراب من محيط السياسة وإدارة شؤون العباد والبلاد تعود امتنا إلى رفع شعار ( لا حكم إلا لله ) أو ( الإسلام هو الحل ) في الوقت الذي أصبحت فيه كل تلك الاطاريح غير قابلة للاستخدام المجتمعي بل إنها أصبحت مدعاة للفرقة وسببا من أسباب التنافر والتخاصم والتقاتل بسبب فضفاضيتها وعدم الاتفاق على مجمل تفاصيلها وتطبيقاتها .في الوقت الذي تيمم فيه شعوب الأرض قبلتها نحو العلم والمعرفة تعود امتنا إلى عهد الخلافة وعصر الإمامة وتحكيم السيف في رقاب العباد وتقطيع أيديهم وارجلهم من خلاف .
ان ما نشهده اليوم من حروب لم تشهدها حتى عصور الجاهلية الاولى والتي كانت حروبها اقرب إلى الغزوات المحدودة التي تنشب لأسباب اقتصادية تتعلق بشحة الماء والكلأ أي إنها حروب لها ما يبررها في مستوً من المستويات أما حروب امتنا اليوم فهي حروب تندلع على أساس طائفي مسيس ولا يخفى على احد ان هكذا نوع من الحروب يعد أخطرها وأشدها وأقساها حيث يدخل المقدس على المدنس كما يقال .ان استثمار ملف الشيعة والسنة من قبل القادة السياسيين وعلى امتداد القرون المنصرمة أدى بنا إلى تلك النهاية المأساوية ,وليت شعري فأي منا قد اختار لنفسه ان يكون شيعيا أم سنيا حيث يولد كل منا على الفطرة فيأتي أبواه ليهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه أو يشيعانه أو يسنانه ,من منا كان مخيرا في انتقاء دينه أو طائفته أو معتقده فكلنا جئنا إلى هذه الدنيا مقسورين مأسورين غير مخيرين في الانتماء والاعتقاد والولاء لهذا الدين أو ذاك لهذا المذهب أو لسواه لقد فرضت علينا معتقداتنا ومتبنياتنا الفكرية والعقائدية كما فرضت علينا مقاسات أجسادنا من طول وقصر وكما فرضت علينا سائر السمات والخصائص والمزايا النفسية والجسدية وإذا كان هذا حالنا فلمَ كل هذا التعصب والتنافر والتباعد والخلاف والاختلاف ؟ حول أمور وجدنا عليها إباءنا فسرنا على أثارهم وهرعنا نتبع خطاهم (إلا ما رحم ربي) لماذا كل ذلك التعصب الأعمى الذي بات يفرق بين الأخ وأخيه والمرء وبنيه لماذا كل ذلك التعصب الذي اخذ يقطع أوصال أوطاننا المقطعة أصلا بمشرطه الخبيث وأدواته السامة الجرثومية وهنا يحضرني قول العبد الصالح علي بن أبي طالب (عليه السلام ) والذي استشهد به مرارا كلما شحن صدري غيضا وامتلأ قلبي قيحا (فلو ان امرأ مات بعد هذا آسفا لما كان عندي به ملوما بل كان به عندي جديرا ) لماذا نصر على امتلاك الحقيقة المطلقة في أمور أكل الدهر عليها وشرب بينما نتصور غيرنا لا يمتلك من الحقيقة شيئا معلوما ونصيبا مقسوما لماذا يصر كل منا ان ينظر إلى أخيه شزرا وان يرمق صاحبه محتقرا بسبب مواقف ورموز صاروا في ذمة الخلود فمضوا إلى بارئهم وارتحلوا بإعمالهم وكل نفس بما كسبت رهينة لماذا يظن كل منا إذا ما تكلم فأنه قد حاز الصواب ونطق بالكتاب واحكم الجواب بينما ما يراه هو قد لا يراه الآخرون حيث لا توجد حقائق مطلقة فالحقائق نسبية على ضوء العلوم والمعطيات المعاصرة .لماذا يرفع كل منا شعار الغيرة على الدين والمذهب بينما الغيرة على دم الإنسان ومصيره أولى من الغيرة على الدين ومصير المذهب والطائفة وفي ذلك الصدد يقول محيي الدين (أعلم ان الشفقة على عباد الله أحق بالرعاية من الغيرة على الله .أراد داوود بنيان بيت المقدس فبناه مرارا ,فكلما فرغ منه تهدم فشكا الى الله ,فأوحى الله إليه :ان بيتي هذا لا يقوم على أيدي من سفك الدماء ,فقال داوود :يأرب الم يكن ذلك في سبيلك ؟فقال بلى ,ولكنهم أليسوا عبادي ؟ )توضح مثل تلك الحكاية وبما لا يدع مجالا للشك والغموض ان الغيرة على الإنسان أولى من الغيرة على الله ودينه وان دماء الإنسان وان سفكت على أيدي أنبياء الله ورسله فإنها تبقى عزيزة على السماء ثمينة على الإلهة لأنها من صنع يديها حيث نفخت في جسد ادم من روحها فتمثل بشرا سويا فكيف إذن إذا سفكت تلك الدماء في سبيل أهواء سياسية مضطربة تتزيا بثياب عقائدية تروج لها أجندة بغيضة لها محركاتها الإقليمية والدولية التي لا تريد للعراق خيرا ولا للمنطقة تقدما واستقرارا .إننا جميعا مسيرون حسب قوانين مركوزة في طبائع الكون وسنن الطبيعة فإذا كان هذا حالنا فلمََ كل هذا الدوران في حلقات النقاش المذهبي والجدل الطائفي الذي يحتدم دون جدوى وينشب بدون مبرر ناهض يعود على أبناء الأمة بما ينفعها في دينها ودنياها لماذا نصر طوال كل تلك القرون على الاستمرار في عملية نبش الماضي الغابر بذريعة الوصول الى الحقيقة المغيبة بينما غيبنا نحن كأمة عن مسرح الوجود السياسي والاجتماعي والاقتصادي لماذا نرفع عقيرتنا ونحن نتبجح بالقول إننا نتبع الأساليب العلمية في اعتماد أدلة العقل والنقل فيما نخوض فيه من مناظرات ومقابلات طائفية والحقيقة إننا بذلك الادعاء إنما نسعى لتوسيع الهوة وتهوين الإخوة فيما بيننا فمن المعروف ان المسائل الضاربة جذورها في عمق التاريخ والتي تداخلت في بلورتها أسباب عدة وعوامل شتى حتى صارت جزءا من نسيج الإفراد والجماعات مثل هكذا مسائل لا تحل بالمحاججة والملاججة بل ان مثل تلك الأساليب قد تزيدها تعقيدا فتمدها بأسباب التصلب والتشنج وهو ما انتهينا إليه اليوم حيث أخذت السياسة استثمار جانب التصلب الفكري بين طرفي السنة والشيعة ليكون سلاحها الفعال في معاركها للاستيلاء على مقدرات العباد والبلاد باسم المذهب وتحت عناوين الطائفة .أما كان الأولى والأجدر والاصوب والأكمل والأنبل بمن يرفعون شعارات الجهاد اليوم ان يدخروا قواهم ويعدوا أنفسهم ويوحدوا صفوفهم لبناء أوطانهم التي أصبحت نهبا وغدت خرابا بدل ان يزيدوا الطين بلة بتكفيرهم أبناء جلدتهم في الدين والإنسانية أما كان الأولى بمن كفر الملة وخون الجماعة ان يوجه اهتمامه لمن يريد بأمته شرا وبأهله ضرا فينتظر به العواقب الوخيمة والمصارع الجسيمة .لقد آن الأوان ان نقف وقفة شجاعة مسؤولة إمام أنفسنا وإمام التاريخ كل حسب طاقته واجتهاده في المشاركة والمساهمة في تقليل ما يمكن تقليله من خسائر بسبب ذلك الخلاف السني الشيعي الذي واظبت على إنتاجه الماكنة السياسية الرسمية على امتداد عقود من الزمن وهو خلاف سياسي بامتياز .لقد آن الأوان ان ندفع باتجاه التهدئة ولم الشمل وان نقدم نقاط التقابل والالتقاء مفعلين إياها مقدمين عناوينها على سائر العناوين الأخرى .لقد كتب الكثيرون حول قضية السنة والشيعة إلا ان الأعم الأغلب من هؤلاء الكتاب والمفكرين كان قد اخفق في ردم ما يمكن ردمه بين كلا الطائفتين والسبب في ذلك ان جميع هؤلاء كانوا يكتبون بروح الدفاع عما يعتقدونه حقا ويؤمنون به صدقا ولا شك ان هكذا أساليب لا تتماشى مع طبيعة المادة المراد بحثها وتقريب وجهات النظر حولها حيث تبقى مثل تلك الأساليب عاجزة عن ا الإتيان بما يفيدنا ويعود علينا بالمنفعة العامة . يمكن القول ان الراحل الدكتور (علي الوردي )في كتابه ذائع الصيت (وعاظ السلاطين ) كان قد اقترب كثيرا من ذلك الطرح الذي يقرب بين كلا الطائفتين بشكل من الإشكال ومستوى من المستويات وذلك في الفصل ما قبل الأخير من كتابه والذي يحمل عنوان (قضية الشيعة والسنة ) لقد ضم ذلك الفصل بين طياته طرحا اخر ونفسا مغايرا لما ألفناه من مؤلفات العلماء ومصنفات المشايخ .لذلك ارتأينا ان نسلط عليه شيئا من الأضواء لما تضمنه من طرح موضوعي رصين وان كان طرحه بمجمله لا يخلو من ملاحظات هنا وهناك شانه في ذلك شان أي جهد فكري بشري إلا إننا نحرص على التذكير بما جاء فيه وذلك لغرض تعميم الفائدة وزيادة مساحة الوعي إزاء مسالة ذلك الخلاف السياسي المحتدم بين السنة والشيعة والذي سيبقى كذلك ما دامت الأدوات المتبعة في تناوله هي أدوات تقليدية لا تسمن ولا تغني من جوع لقد نظر العلامة الراحل الوردي إلى تلك المسالة الأزلية وهو يذكر على ان السنة والشيعة كانا في وقت من الأوقات يمثلان حزبين سياسيين معارضين للحكومات الجائرة والسلطات الغاشمة إلا ان سياسة الحكام قد فرقت بينهما تفريقا حتى صار كل منهما طرائق قددا وذلك جراء ما أنتجته الماكنة السياسية الرسمية الحاكمة ليسهل عليها ضرب خصومها من الطائفتين على حد سواء . لقد استخدمت الحكومات المتسلطة الدين كغطاء لممارسة اكبر قدر ممكن من تفريق الصفوف وزرع مشاعر التباعد والتنافر والتباغض ولقد نجحت في مسعاها هذا أيما نجاح وذلك عبر اربع حكومات طائفية مقيتة (حكم بني العباس وبني أمية وحكم بني عثمان وأخيرا حكومات الدولة القومية التي استأثر البعث بتسلم مقاليد الأمور فيها لقد أشار الوردي في نهاية كتابة (وعاظ السلاطين )إلى ان كل من السنة والشيعة كانا يؤلفان حزبا واحدا وكتلة متجانسة فبينما كان الشيعة يقاومون السلطان الظالم بسيوفهم كان أهل الحديث (أهل السنة والجماعة )يقاومون السلطان الجائر بالأحاديث النبوية الشريفة التي كانت تقض مضاجع الحكام وتبين مقدار فسادهم وتلاعبهم بمقدرات العباد والبلاد لقد دأب أهل الحديث آنذاك على التذكير بما نادى به علي بن أبي طالب من مبادئ اجتماعية عادلة كان قد جسدها خلال سني حكمه خير تجسيد .ويخلص الوردي إلى ان الأئمة الكبار الذين عاشوا في أواخر العهد الأموي وأوائل العهد العباسي كانوا بمجملهم قد تشيعوا لعلي ولمبادئه التي كان يبثها داخل المجتمع الإسلامي فأبو حنيفة النعمان كان علوي الهوى وقد كان يفتي سرا بوجوب نصرة الإمام (زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب )والخروج معه كما انه بايع ( محمد بن عبدا لله الحسني )حينما ثار في المدينة ضد المنصور ومما يذكر في ذلك الصدد ان وفاة أبو حنيفة كانت بسبب فتاواه بالخروج مع (إبراهيم بن عبد الله الحسني ) لحرب المنصور كما يؤيد ذلك الخطيب البغدادي ,أما الشافعي فهو كسلفه بالتشيع لعلي وأهل بيته حتى انه اتهم وقتها بأنه رافضي ,وأما الإمام (مالك بن انس )إمام المدينة وهو ابرز تلامذة الإمام جعفر بن محمد الصادق فقد قام بمساعدة (محمد الحسني ) في ثورته على المنصور كذلك ليشهد اشد العقوبات وأقساها في سجونه ,وأما الإمام الرابع عند أهل السنة والجماعة (احمد بن حنبل ) فهذا هو مسنده يفيض بفضائل علي بن أبي طالب وهو القائل (ما جاء لأحد من الصحابة من الفضائل ما جاء لعلي ). ويذكر الوردي في فصله القيم كلا الطائفتين من السنة والشيعة بضرورة الرجوع الى شعارهم الموحد الذين كانوا يرفعونه أيام زيد وأبو حنيفة وهو شعار الثورة على الظلم والجور والاستبداد ولعل من المفارقات الكبرى هي ان أبا حنيفة قد عارض المنصور كما عارض الإمام موسى بن جعفر حفيده الرشيد وقد استشهد الاثنان في سجون هاذين الطاغيتين.
لا شك ان الخلاف التاريخي الذي نشب بين علي والخلفاء الذين سبقوه كان مرتبطا بالجانب السياسي أكثر من ارتباطه بجوانب أخرى لها ما لها من القوة والتأثير ولهذا السبب اخذ البعد السياسي يطغى ويتسع حتى يومنا هذا .وإلا فكيف نفسر ان الفرس على سبيل المثال كانوا من أهل السنة فحملهم الصفويون بالإكراه على التشيع بينما كان المصريون من الشيعة فحملهم الأيوبيون على التسنن وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على ان السياسة والتسييس قد لعبا دورا هاما وكبيرا في صيرورة ملف الشيعة والسنة وتقديمه بصيغته الحالية .لا يوجد أمام السنة والشيعة ان هما أرادا ان يأكلا من فوقهم ومن تحت ارجلهم كما يقال سوى العودة إلى مربع الوحدة والتوحد ولا شك ان الأمر ليس سهلا والحمل ليس هينا بعد ما تعاقبت حكومات طائفية على حكم العراق وغيره مرسخة بين مكوناته الاجتماعية والمذهبية عوامل الفرقة والتعصب إلا ان السعي والمحاولة الجادة في ذلك المضمار تبقى واجبة على كل ذي بصر ودين وضمير وإنسانية . لقد لعب الأمويون إبان عقود حكمهم على وتر انقسام المسلمين وجعلهم أحزابا وشيعا لكيما يسهل عليهم ضربهم واستبعاد خطرهم على مستقبل تجربتهم السياسية لا سيما في عهد (معاوية بن أبي سفيان ) الذي يعتبر احد أهم واخطر من أسهم في انشطار المسلمين إلى سنة وشيعة.أما حكومات بني العباس فهي الأخرى كانت قد قامت على أساس ديني طائفي ضيق يلوي عنق النصوص والأحاديث لغرض تدعيم أركان حكم سياسي يقوم على البطش والظلم والتنكيل ليأتي دور العثمانيين الذين شهدت الطائفية السياسية في عقودهم العجاف ما لم يشهده حكم أخر عندما جعلوا منها مذهبا معلنا . تسير بموجبه الكتب والوثائق الرسمية.
ان طريق التقاء السنة بإخوتهم الشيعة لا يكون عبر ولوجهم باب االمناظرة والتقابل والتنابز والاختلاف والذي نشهده اليوم من على شاشات الفضائيات المختلفة , فطريق التقاء السنة بالشيعة إنما يأتي عبر الرجوع الى الجوهر الأصلي لكل منهما حيث يشتركان بذات المفاهيم ويلتقيان حول ذات الأهداف والغايات والمرامي والمتمثلة بالوقوف بوجه كل الأنظمة الفاسدة والحاكمة على غير ما أراد الله والضمير والإنسانية .طريق العودة لا ولن يأتي عبر تحدي شيوخ السنة لعلماء الشيعة والعكس كذلك حول موارد تاريخية مثقلة برؤى سياسية كثيفة لكن طريق الوحدة إنما يأتي بالبحث عن خيوط الالتقاء والتشابه وطرح ما سواها من خطوط التقاطع والتنافر هذا من جهة ومن جهة أخرى يبقى أمر تحييد الدين وتجنب المذهب والطائفة عن كل ما يدخل محيط السياسة أمر في غاية الأهمية فبدون تحقق مثل ذلك الشرط سوف لن يستطيع كل منهما ان يلتقيا وان اجتهدا في ذلك المسعى إذ ان عدم التصدي لظاهرة تلبس الدين بالسياسة سيبقي الامور على سيرتها الاولى حيث يعتبر مثل ذلك التلبس أس المشكلة وجذر المعضلة التي تعاني منها بلداننا العربية عموما وعراقنا الجريح على وجه الخصوص لذلك ندعو وبقوة إلى بلورة رؤية مشتركة لدى كل من أبناء الشيعة والسنة تقوم على إبعاد كل ما هو ديني عن ما هو دنيوي لكي يتسنى للجميع ان يعيش بود وسلام وطمأنينة.
لقد خاض العراقيون تجربة قاسية تعد في أهم جوانبها بسبب عدم فك الارتباط بين ما ديني ووضعي لذلك كان من السهل على كل صاحب مشروع استبدادي خبيث ان يرفع شعار الدين ويشهر مقولات الإسلام كذبا وزورا وتجنيا وهو يبعث البعوث ويجند الجنود من الشباب العربي المغرر به لتفجير أنفسهم وتفخيخ أجسادهم وسط إخوانهم في الدين والخلقة والعقيدة من الشيعة خصوصا ومن السنة إذا اقتضت إستراتيجياتهم ذلك الأمر . في كل بلدان العالم تعد شريحة الشباب المحرك الأساسي الأول لتقدم ورفاهية المجتمع وتصدره في عوالم التصنيع والإنتاج والتقدم العلمي والتكنولوجي أما في عالمنا العربي اليوم فأننا نجد ان جزءا كبيرا من تلك الشريحة الهامة والحيوية أخذت تنصهر في بودقة الطائفية السياسية ليكفر الصديق صديقه ويقتل الخليل خليله كما في العراق وسوريا ومصر واليمن وما كل ذلك إلا بسبب عدم الفصل بين ما هو ديني ووضعي وبالتالي استغلال مثل ذلك الاختلاط من قبل الأنظمة السياسية التي لا تستطيع البقاء على دست الحكم إلا عن طريق اللعب على الوتر الطائفي البغيض والذي خلف وما يزال يخلف طوابير من القتلى والمجزرين والمقطعين والمعاقين والمكلومين بالإضافة الى جيوش من الأيتام والأرامل والثكالى .

بينما تلج الأمم والشعوب عوالم كانت قبل عقود قليلة من الزمن اقرب إلى الخيال منها إلى الواقع حيث حرب النجوم وغزو الفضاء والبحث عن الحياة فوق ظهر المريخ تعود امتنا العربية إدراجها إلى عصور الانحطاط والجهل والتخلف والرجعية حيث تبزغ شمس المذهبية وترفع رايات الطائفية وتنمو وتتكاثر مفاهيم التخوين والتهوين والتكفير والتنفير كما تنمو وتتكاثر الخلايا الأميبية . ولا شك ان مسألة الطائفية السياسية سوف تكون الحلقة الأخيرة في مسلسل نهاية عمر هذه الأمة المنحوسة والمبتلاة بإمراض وعلل لا يرجى برئها ولا يتوقع الإفلات من مصائدها ومقاتلها . لا شك ان مسألة الطائفية السياسية سوف تكون أخر مسمار يدق في نعش هذه الأمة وأمد هذه الملة إذا لم تواجه من قبل العقلاء والفضلاء والنابهين من أبناء هذه الأمة بكل جد وقوة ومسؤولية . لقد عادت صفحة الطائفية بقوة إلى المشهد الاجتماعي العربي اليوم حتى باتت تتصدر سائر هموم وابتلاءات الأمة العربية المتشعبة منذ زمن بعيد وقد كنا يوما من الأيام الخوالي نأمل ان تطوى مثل تلك الصفحة البغيضة في ظل مفاهيم العولمة والانصهار داخل بودقة التحضر والمدنية والتقدم العلمي والتكنولوجي والمعرفي إلا ان الطائفية اليوم عادت مكشرة منفرة مقطعة لأوصال الجسد العربي المقطع مسبقا والمجزأ انفا ليضرب بعضنا رقاب بعض ويكفر بعضنا بعضا ويشتم بعضنا بعضا ويقلب بعضنا كتب ومصادر وعقائد ومتبنيات البعض الأخر من فوق المنابر وشاشات الفضائيات التي تبث على امتداد الوقت وكل ذلك يجري باسم الدين ويقوم على أساس حفظ المذهب حيث يحضر الدين والطائفة كلافتة تتجمع عندها عصبية تتوهم حربا عقائدية كما يقول ( مهدي عامل ) في الدولة الطائفية . بينما تعزز بلدان العالم بما فيها بلدان العالم الثالث قيم واعتبارات الحكم المدني الذي يبعد بدوره الأديان والعقائد والطوائف عن الاقتراب من محيط السياسة وإدارة شؤون العباد والبلاد تعود امتنا إلى رفع شعار ( لا حكم إلا لله ) أو ( الإسلام هو الحل ) في الوقت الذي أصبحت فيه كل تلك الاطاريح غير قابلة للاستخدام المجتمعي بل إنها أصبحت مدعاة للفرقة وسببا من أسباب التنافر والتخاصم والتقاتل بسبب فضفاضيتها وعدم الاتفاق على مجمل تفاصيلها وتطبيقاتها .في الوقت الذي تيمم فيه شعوب الأرض قبلتها نحو العلم والمعرفة تعود امتنا إلى عهد الخلافة وعصر الإمامة وتحكيم السيف في رقاب العباد وتقطيع أيديهم وارجلهم من خلاف .
ان ما نشهده اليوم من حروب لم تشهدها حتى عصور الجاهلية الاولى والتي كانت حروبها اقرب إلى الغزوات المحدودة التي تنشب لأسباب اقتصادية تتعلق بشحة الماء والكلأ أي إنها حروب لها ما يبررها في مستوً من المستويات أما حروب امتنا اليوم فهي حروب تندلع على أساس طائفي مسيس ولا يخفى على احد ان هكذا نوع من الحروب يعد أخطرها وأشدها وأقساها حيث يدخل المقدس على المدنس كما يقال .ان استثمار ملف الشيعة والسنة من قبل القادة السياسيين وعلى امتداد القرون المنصرمة أدى بنا إلى تلك النهاية المأساوية ,وليت شعري فأي منا قد اختار لنفسه ان يكون شيعيا أم سنيا حيث يولد كل منا على الفطرة فيأتي أبواه ليهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه أو يشيعانه أو يسنانه ,من منا كان مخيرا في انتقاء دينه أو طائفته أو معتقده فكلنا جئنا إلى هذه الدنيا مقسورين مأسورين غير مخيرين في الانتماء والاعتقاد والولاء لهذا الدين أو ذاك لهذا المذهب أو لسواه لقد فرضت علينا معتقداتنا ومتبنياتنا الفكرية والعقائدية كما فرضت علينا مقاسات أجسادنا من طول وقصر وكما فرضت علينا سائر السمات والخصائص والمزايا النفسية والجسدية وإذا كان هذا حالنا فلمَ كل هذا التعصب والتنافر والتباعد والخلاف والاختلاف ؟ حول أمور وجدنا عليها إباءنا فسرنا على أثارهم وهرعنا نتبع خطاهم (إلا ما رحم ربي) لماذا كل ذلك التعصب الأعمى الذي بات يفرق بين الأخ وأخيه والمرء وبنيه لماذا كل ذلك التعصب الذي اخذ يقطع أوصال أوطاننا المقطعة أصلا بمشرطه الخبيث وأدواته السامة الجرثومية وهنا يحضرني قول العبد الصالح علي بن أبي طالب (عليه السلام ) والذي استشهد به مرارا كلما شحن صدري غيضا وامتلأ قلبي قيحا (فلو ان امرأ مات بعد هذا آسفا لما كان عندي به ملوما بل كان به عندي جديرا ) لماذا نصر على امتلاك الحقيقة المطلقة في أمور أكل الدهر عليها وشرب بينما نتصور غيرنا لا يمتلك من الحقيقة شيئا معلوما ونصيبا مقسوما لماذا يصر كل منا ان ينظر إلى أخيه شزرا وان يرمق صاحبه محتقرا بسبب مواقف ورموز صاروا في ذمة الخلود فمضوا إلى بارئهم وارتحلوا بإعمالهم وكل نفس بما كسبت رهينة لماذا يظن كل منا إذا ما تكلم فأنه قد حاز الصواب ونطق بالكتاب واحكم الجواب بينما ما يراه هو قد لا يراه الآخرون حيث لا توجد حقائق مطلقة فالحقائق نسبية على ضوء العلوم والمعطيات المعاصرة .لماذا يرفع كل منا شعار الغيرة على الدين والمذهب بينما الغيرة على دم الإنسان ومصيره أولى من الغيرة على الدين ومصير المذهب والطائفة وفي ذلك الصدد يقول محيي الدين (أعلم ان الشفقة على عباد الله أحق بالرعاية من الغيرة على الله .أراد داوود بنيان بيت المقدس فبناه مرارا ,فكلما فرغ منه تهدم فشكا الى الله ,فأوحى الله إليه :ان بيتي هذا لا يقوم على أيدي من سفك الدماء ,فقال داوود :يأرب الم يكن ذلك في سبيلك ؟فقال بلى ,ولكنهم أليسوا عبادي ؟ )توضح مثل تلك الحكاية وبما لا يدع مجالا للشك والغموض ان الغيرة على الإنسان أولى من الغيرة على الله ودينه وان دماء الإنسان وان سفكت على أيدي أنبياء الله ورسله فإنها تبقى عزيزة على السماء ثمينة على الإلهة لأنها من صنع يديها حيث نفخت في جسد ادم من روحها فتمثل بشرا سويا فكيف إذن إذا سفكت تلك الدماء في سبيل أهواء سياسية مضطربة تتزيا بثياب عقائدية تروج لها أجندة بغيضة لها محركاتها الإقليمية والدولية التي لا تريد للعراق خيرا ولا للمنطقة تقدما واستقرارا .إننا جميعا مسيرون حسب قوانين مركوزة في طبائع الكون وسنن الطبيعة فإذا كان هذا حالنا فلمََ كل هذا الدوران في حلقات النقاش المذهبي والجدل الطائفي الذي يحتدم دون جدوى وينشب بدون مبرر ناهض يعود على أبناء الأمة بما ينفعها في دينها ودنياها لماذا نصر طوال كل تلك القرون على الاستمرار في عملية نبش الماضي الغابر بذريعة الوصول الى الحقيقة المغيبة بينما غيبنا نحن كأمة عن مسرح الوجود السياسي والاجتماعي والاقتصادي لماذا نرفع عقيرتنا ونحن نتبجح بالقول إننا نتبع الأساليب العلمية في اعتماد أدلة العقل والنقل فيما نخوض فيه من مناظرات ومقابلات طائفية والحقيقة إننا بذلك الادعاء إنما نسعى لتوسيع الهوة وتهوين الإخوة فيما بيننا فمن المعروف ان المسائل الضاربة جذورها في عمق التاريخ والتي تداخلت في بلورتها أسباب عدة وعوامل شتى حتى صارت جزءا من نسيج الإفراد والجماعات مثل هكذا مسائل لا تحل بالمحاججة والملاججة بل ان مثل تلك الأساليب قد تزيدها تعقيدا فتمدها بأسباب التصلب والتشنج وهو ما انتهينا إليه اليوم حيث أخذت السياسة استثمار جانب التصلب الفكري بين طرفي السنة والشيعة ليكون سلاحها الفعال في معاركها للاستيلاء على مقدرات العباد والبلاد باسم المذهب وتحت عناوين الطائفة .أما كان الأولى والأجدر والاصوب والأكمل والأنبل بمن يرفعون شعارات الجهاد اليوم ان يدخروا قواهم ويعدوا أنفسهم ويوحدوا صفوفهم لبناء أوطانهم التي أصبحت نهبا وغدت خرابا بدل ان يزيدوا الطين بلة بتكفيرهم أبناء جلدتهم في الدين والإنسانية أما كان الأولى بمن كفر الملة وخون الجماعة ان يوجه اهتمامه لمن يريد بأمته شرا وبأهله ضرا فينتظر به العواقب الوخيمة والمصارع الجسيمة .لقد آن الأوان ان نقف وقفة شجاعة مسؤولة إمام أنفسنا وإمام التاريخ كل حسب طاقته واجتهاده في المشاركة والمساهمة في تقليل ما يمكن تقليله من خسائر بسبب ذلك الخلاف السني الشيعي الذي واظبت على إنتاجه الماكنة السياسية الرسمية على امتداد عقود من الزمن وهو خلاف سياسي بامتياز .لقد آن الأوان ان ندفع باتجاه التهدئة ولم الشمل وان نقدم نقاط التقابل والالتقاء مفعلين إياها مقدمين عناوينها على سائر العناوين الأخرى .لقد كتب الكثيرون حول قضية السنة والشيعة إلا ان الأعم الأغلب من هؤلاء الكتاب والمفكرين كان قد اخفق في ردم ما يمكن ردمه بين كلا الطائفتين والسبب في ذلك ان جميع هؤلاء كانوا يكتبون بروح الدفاع عما يعتقدونه حقا ويؤمنون به صدقا ولا شك ان هكذا أساليب لا تتماشى مع طبيعة المادة المراد بحثها وتقريب وجهات النظر حولها حيث تبقى مثل تلك الأساليب عاجزة عن ا الإتيان بما يفيدنا ويعود علينا بالمنفعة العامة . يمكن القول ان الراحل الدكتور (علي الوردي )في كتابه ذائع الصيت (وعاظ السلاطين ) كان قد اقترب كثيرا من ذلك الطرح الذي يقرب بين كلا الطائفتين بشكل من الإشكال ومستوى من المستويات وذلك في الفصل ما قبل الأخير من كتابه والذي يحمل عنوان (قضية الشيعة والسنة ) لقد ضم ذلك الفصل بين طياته طرحا اخر ونفسا مغايرا لما ألفناه من مؤلفات العلماء ومصنفات المشايخ .لذلك ارتأينا ان نسلط عليه شيئا من الأضواء لما تضمنه من طرح موضوعي رصين وان كان طرحه بمجمله لا يخلو من ملاحظات هنا وهناك شانه في ذلك شان أي جهد فكري بشري إلا إننا نحرص على التذكير بما جاء فيه وذلك لغرض تعميم الفائدة وزيادة مساحة الوعي إزاء مسالة ذلك الخلاف السياسي المحتدم بين السنة والشيعة والذي سيبقى كذلك ما دامت الأدوات المتبعة في تناوله هي أدوات تقليدية لا تسمن ولا تغني من جوع لقد نظر العلامة الراحل الوردي إلى تلك المسالة الأزلية وهو يذكر على ان السنة والشيعة كانا في وقت من الأوقات يمثلان حزبين سياسيين معارضين للحكومات الجائرة والسلطات الغاشمة إلا ان سياسة الحكام قد فرقت بينهما تفريقا حتى صار كل منهما طرائق قددا وذلك جراء ما أنتجته الماكنة السياسية الرسمية الحاكمة ليسهل عليها ضرب خصومها من الطائفتين على حد سواء . لقد استخدمت الحكومات المتسلطة الدين كغطاء لممارسة اكبر قدر ممكن من تفريق الصفوف وزرع مشاعر التباعد والتنافر والتباغض ولقد نجحت في مسعاها هذا أيما نجاح وذلك عبر اربع حكومات طائفية مقيتة (حكم بني العباس وبني أمية وحكم بني عثمان وأخيرا حكومات الدولة القومية التي استأثر البعث بتسلم مقاليد الأمور فيها لقد أشار الوردي في نهاية كتابة (وعاظ السلاطين )إلى ان كل من السنة والشيعة كانا يؤلفان حزبا واحدا وكتلة متجانسة فبينما كان الشيعة يقاومون السلطان الظالم بسيوفهم كان أهل الحديث (أهل السنة والجماعة )يقاومون السلطان الجائر بالأحاديث النبوية الشريفة التي كانت تقض مضاجع الحكام وتبين مقدار فسادهم وتلاعبهم بمقدرات العباد والبلاد لقد دأب أهل الحديث آنذاك على التذكير بما نادى به علي بن أبي طالب من مبادئ اجتماعية عادلة كان قد جسدها خلال سني حكمه خير تجسيد .ويخلص الوردي إلى ان الأئمة الكبار الذين عاشوا في أواخر العهد الأموي وأوائل العهد العباسي كانوا بمجملهم قد تشيعوا لعلي ولمبادئه التي كان يبثها داخل المجتمع الإسلامي فأبو حنيفة النعمان كان علوي الهوى وقد كان يفتي سرا بوجوب نصرة الإمام (زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب )والخروج معه كما انه بايع ( محمد بن عبدا لله الحسني )حينما ثار في المدينة ضد المنصور ومما يذكر في ذلك الصدد ان وفاة أبو حنيفة كانت بسبب فتاواه بالخروج مع (إبراهيم بن عبد الله الحسني ) لحرب المنصور كما يؤيد ذلك الخطيب البغدادي ,أما الشافعي فهو كسلفه بالتشيع لعلي وأهل بيته حتى انه اتهم وقتها بأنه رافضي ,وأما الإمام (مالك بن انس )إمام المدينة وهو ابرز تلامذة الإمام جعفر بن محمد الصادق فقد قام بمساعدة (محمد الحسني ) في ثورته على المنصور كذلك ليشهد اشد العقوبات وأقساها في سجونه ,وأما الإمام الرابع عند أهل السنة والجماعة (احمد بن حنبل ) فهذا هو مسنده يفيض بفضائل علي بن أبي طالب وهو القائل (ما جاء لأحد من الصحابة من الفضائل ما جاء لعلي ). ويذكر الوردي في فصله القيم كلا الطائفتين من السنة والشيعة بضرورة الرجوع الى شعارهم الموحد الذين كانوا يرفعونه أيام زيد وأبو حنيفة وهو شعار الثورة على الظلم والجور والاستبداد ولعل من المفارقات الكبرى هي ان أبا حنيفة قد عارض المنصور كما عارض الإمام موسى بن جعفر حفيده الرشيد وقد استشهد الاثنان في سجون هاذين الطاغيتين.
لا شك ان الخلاف التاريخي الذي نشب بين علي والخلفاء الذين سبقوه كان مرتبطا بالجانب السياسي أكثر من ارتباطه بجوانب أخرى لها ما لها من القوة والتأثير ولهذا السبب اخذ البعد السياسي يطغى ويتسع حتى يومنا هذا .وإلا فكيف نفسر ان الفرس على سبيل المثال كانوا من أهل السنة فحملهم الصفويون بالإكراه على التشيع بينما كان المصريون من الشيعة فحملهم الأيوبيون على التسنن وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على ان السياسة والتسييس قد لعبا دورا هاما وكبيرا في صيرورة ملف الشيعة والسنة وتقديمه بصيغته الحالية .لا يوجد أمام السنة والشيعة ان هما أرادا ان يأكلا من فوقهم ومن تحت ارجلهم كما يقال سوى العودة إلى مربع الوحدة والتوحد ولا شك ان الأمر ليس سهلا والحمل ليس هينا بعد ما تعاقبت حكومات طائفية على حكم العراق وغيره مرسخة بين مكوناته الاجتماعية والمذهبية عوامل الفرقة والتعصب إلا ان السعي والمحاولة الجادة في ذلك المضمار تبقى واجبة على كل ذي بصر ودين وضمير وإنسانية . لقد لعب الأمويون إبان عقود حكمهم على وتر انقسام المسلمين وجعلهم أحزابا وشيعا لكيما يسهل عليهم ضربهم واستبعاد خطرهم على مستقبل تجربتهم السياسية لا سيما في عهد (معاوية بن أبي سفيان ) الذي يعتبر احد أهم واخطر من أسهم في انشطار المسلمين إلى سنة وشيعة.أما حكومات بني العباس فهي الأخرى كانت قد قامت على أساس ديني طائفي ضيق يلوي عنق النصوص والأحاديث لغرض تدعيم أركان حكم سياسي يقوم على البطش والظلم والتنكيل ليأتي دور العثمانيين الذين شهدت الطائفية السياسية في عقودهم العجاف ما لم يشهده حكم أخر عندما جعلوا منها مذهبا معلنا . تسير بموجبه الكتب والوثائق الرسمية.
ان طريق التقاء السنة بإخوتهم الشيعة لا يكون عبر ولوجهم باب االمناظرة والتقابل والتنابز والاختلاف والذي نشهده اليوم من على شاشات الفضائيات المختلفة , فطريق التقاء السنة بالشيعة إنما يأتي عبر الرجوع الى الجوهر الأصلي لكل منهما حيث يشتركان بذات المفاهيم ويلتقيان حول ذات الأهداف والغايات والمرامي والمتمثلة بالوقوف بوجه كل الأنظمة الفاسدة والحاكمة على غير ما أراد الله والضمير والإنسانية .طريق العودة لا ولن يأتي عبر تحدي شيوخ السنة لعلماء الشيعة والعكس كذلك حول موارد تاريخية مثقلة برؤى سياسية كثيفة لكن طريق الوحدة إنما يأتي بالبحث عن خيوط الالتقاء والتشابه وطرح ما سواها من خطوط التقاطع والتنافر هذا من جهة ومن جهة أخرى يبقى أمر تحييد الدين وتجنب المذهب والطائفة عن كل ما يدخل محيط السياسة أمر في غاية الأهمية فبدون تحقق مثل ذلك الشرط سوف لن يستطيع كل منهما ان يلتقيا وان اجتهدا في ذلك المسعى إذ ان عدم التصدي لظاهرة تلبس الدين بالسياسة سيبقي الامور على سيرتها الاولى حيث يعتبر مثل ذلك التلبس أس المشكلة وجذر المعضلة التي تعاني منها بلداننا العربية عموما وعراقنا الجريح على وجه الخصوص لذلك ندعو وبقوة إلى بلورة رؤية مشتركة لدى كل من أبناء الشيعة والسنة تقوم على إبعاد كل ما هو ديني عن ما هو دنيوي لكي يتسنى للجميع ان يعيش بود وسلام وطمأنينة.
لقد خاض العراقيون تجربة قاسية تعد في أهم جوانبها بسبب عدم فك الارتباط بين ما ديني ووضعي لذلك كان من السهل على كل صاحب مشروع استبدادي خبيث ان يرفع شعار الدين ويشهر مقولات الإسلام كذبا وزورا وتجنيا وهو يبعث البعوث ويجند الجنود من الشباب العربي المغرر به لتفجير أنفسهم وتفخيخ أجسادهم وسط إخوانهم في الدين والخلقة والعقيدة من الشيعة خصوصا ومن السنة إذا اقتضت إستراتيجياتهم ذلك الأمر . في كل بلدان العالم تعد شريحة الشباب المحرك الأساسي الأول لتقدم ورفاهية المجتمع وتصدره في عوالم التصنيع والإنتاج والتقدم العلمي والتكنولوجي أما في عالمنا العربي اليوم فأننا نجد ان جزءا كبيرا من تلك الشريحة الهامة والحيوية أخذت تنصهر في بودقة الطائفية السياسية ليكفر الصديق صديقه ويقتل الخليل خليله كما في العراق وسوريا ومصر واليمن وما كل ذلك إلا بسبب عدم الفصل بين ما هو ديني ووضعي وبالتالي استغلال مثل ذلك الاختلاط من قبل الأنظمة السياسية التي لا تستطيع البقاء على دست الحكم إلا عن طريق اللعب على الوتر الطائفي البغيض والذي خلف وما يزال يخلف طوابير من القتلى والمجزرين والمقطعين والمعاقين والمكلومين بالإضافة الى جيوش من الأيتام والأرامل والثكالى .

بينما تلج الأمم والشعوب عوالم كانت قبل عقود قليلة من الزمن اقرب إلى الخيال منها إلى الواقع حيث حرب النجوم وغزو الفضاء والبحث عن الحياة فوق ظهر المريخ تعود امتنا العربية إدراجها إلى عصور الانحطاط والجهل والتخلف والرجعية حيث تبزغ شمس المذهبية وترفع رايات الطائفية وتنمو وتتكاثر مفاهيم التخوين والتهوين والتكفير والتنفير كما تنمو وتتكاثر الخلايا الأميبية . ولا شك ان مسألة الطائفية السياسية سوف تكون الحلقة الأخيرة في مسلسل نهاية عمر هذه الأمة المنحوسة والمبتلاة بإمراض وعلل لا يرجى برئها ولا يتوقع الإفلات من مصائدها ومقاتلها . لا شك ان مسألة الطائفية السياسية سوف تكون أخر مسمار يدق في نعش هذه الأمة وأمد هذه الملة إذا لم تواجه من قبل العقلاء والفضلاء والنابهين من أبناء هذه الأمة بكل جد وقوة ومسؤولية . لقد عادت صفحة الطائفية بقوة إلى المشهد الاجتماعي العربي اليوم حتى باتت تتصدر سائر هموم وابتلاءات الأمة العربية المتشعبة منذ زمن بعيد وقد كنا يوما من الأيام الخوالي نأمل ان تطوى مثل تلك الصفحة البغيضة في ظل مفاهيم العولمة والانصهار داخل بودقة التحضر والمدنية والتقدم العلمي والتكنولوجي والمعرفي إلا ان الطائفية اليوم عادت مكشرة منفرة مقطعة لأوصال الجسد العربي المقطع مسبقا والمجزأ انفا ليضرب بعضنا رقاب بعض ويكفر بعضنا بعضا ويشتم بعضنا بعضا ويقلب بعضنا كتب ومصادر وعقائد ومتبنيات البعض الأخر من فوق المنابر وشاشات الفضائيات التي تبث على امتداد الوقت وكل ذلك يجري باسم الدين ويقوم على أساس حفظ المذهب حيث يحضر الدين والطائفة كلافتة تتجمع عندها عصبية تتوهم حربا عقائدية كما يقول ( مهدي عامل ) في الدولة الطائفية . بينما تعزز بلدان العالم بما فيها بلدان العالم الثالث قيم واعتبارات الحكم المدني الذي يبعد بدوره الأديان والعقائد والطوائف عن الاقتراب من محيط السياسة وإدارة شؤون العباد والبلاد تعود امتنا إلى رفع شعار ( لا حكم إلا لله ) أو ( الإسلام هو الحل ) في الوقت الذي أصبحت فيه كل تلك الاطاريح غير قابلة للاستخدام المجتمعي بل إنها أصبحت مدعاة للفرقة وسببا من أسباب التنافر والتخاصم والتقاتل بسبب فضفاضيتها وعدم الاتفاق على مجمل تفاصيلها وتطبيقاتها .في الوقت الذي تيمم فيه شعوب الأرض قبلتها نحو العلم والمعرفة تعود امتنا إلى عهد الخلافة وعصر الإمامة وتحكيم السيف في رقاب العباد وتقطيع أيديهم وارجلهم من خلاف .
ان ما نشهده اليوم من حروب لم تشهدها حتى عصور الجاهلية الاولى والتي كانت حروبها اقرب إلى الغزوات المحدودة التي تنشب لأسباب اقتصادية تتعلق بشحة الماء والكلأ أي إنها حروب لها ما يبررها في مستوً من المستويات أما حروب امتنا اليوم فهي حروب تندلع على أساس طائفي مسيس ولا يخفى على احد ان هكذا نوع من الحروب يعد أخطرها وأشدها وأقساها حيث يدخل المقدس على المدنس كما يقال .ان استثمار ملف الشيعة والسنة من قبل القادة السياسيين وعلى امتداد القرون المنصرمة أدى بنا إلى تلك النهاية المأساوية ,وليت شعري فأي منا قد اختار لنفسه ان يكون شيعيا أم سنيا حيث يولد كل منا على الفطرة فيأتي أبواه ليهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه أو يشيعانه أو يسنانه ,من منا كان مخيرا في انتقاء دينه أو طائفته أو معتقده فكلنا جئنا إلى هذه الدنيا مقسورين مأسورين غير مخيرين في الانتماء والاعتقاد والولاء لهذا الدين أو ذاك لهذا المذهب أو لسواه لقد فرضت علينا معتقداتنا ومتبنياتنا الفكرية والعقائدية كما فرضت علينا مقاسات أجسادنا من طول وقصر وكما فرضت علينا سائر السمات والخصائص والمزايا النفسية والجسدية وإذا كان هذا حالنا فلمَ كل هذا التعصب والتنافر والتباعد والخلاف والاختلاف ؟ حول أمور وجدنا عليها إباءنا فسرنا على أثارهم وهرعنا نتبع خطاهم (إلا ما رحم ربي) لماذا كل ذلك التعصب الأعمى الذي بات يفرق بين الأخ وأخيه والمرء وبنيه لماذا كل ذلك التعصب الذي اخذ يقطع أوصال أوطاننا المقطعة أصلا بمشرطه الخبيث وأدواته السامة الجرثومية وهنا يحضرني قول العبد الصالح علي بن أبي طالب (عليه السلام ) والذي استشهد به مرارا كلما شحن صدري غيضا وامتلأ قلبي قيحا (فلو ان امرأ مات بعد هذا آسفا لما كان عندي به ملوما بل كان به عندي جديرا ) لماذا نصر على امتلاك الحقيقة المطلقة في أمور أكل الدهر عليها وشرب بينما نتصور غيرنا لا يمتلك من الحقيقة شيئا معلوما ونصيبا مقسوما لماذا يصر كل منا ان ينظر إلى أخيه شزرا وان يرمق صاحبه محتقرا بسبب مواقف ورموز صاروا في ذمة الخلود فمضوا إلى بارئهم وارتحلوا بإعمالهم وكل نفس بما كسبت رهينة لماذا يظن كل منا إذا ما تكلم فأنه قد حاز الصواب ونطق بالكتاب واحكم الجواب بينما ما يراه هو قد لا يراه الآخرون حيث لا توجد حقائق مطلقة فالحقائق نسبية على ضوء العلوم والمعطيات المعاصرة .لماذا يرفع كل منا شعار الغيرة على الدين والمذهب بينما الغيرة على دم الإنسان ومصيره أولى من الغيرة على الدين ومصير المذهب والطائفة وفي ذلك الصدد يقول محيي الدين (أعلم ان الشفقة على عباد الله أحق بالرعاية من الغيرة على الله .أراد داوود بنيان بيت المقدس فبناه مرارا ,فكلما فرغ منه تهدم فشكا الى الله ,فأوحى الله إليه :ان بيتي هذا لا يقوم على أيدي من سفك الدماء ,فقال داوود :يأرب الم يكن ذلك في سبيلك ؟فقال بلى ,ولكنهم أليسوا عبادي ؟ )توضح مثل تلك الحكاية وبما لا يدع مجالا للشك والغموض ان الغيرة على الإنسان أولى من الغيرة على الله ودينه وان دماء الإنسان وان سفكت على أيدي أنبياء الله ورسله فإنها تبقى عزيزة على السماء ثمينة على الإلهة لأنها من صنع يديها حيث نفخت في جسد ادم من روحها فتمثل بشرا سويا فكيف إذن إذا سفكت تلك الدماء في سبيل أهواء سياسية مضطربة تتزيا بثياب عقائدية تروج لها أجندة بغيضة لها محركاتها الإقليمية والدولية التي لا تريد للعراق خيرا ولا للمنطقة تقدما واستقرارا .إننا جميعا مسيرون حسب قوانين مركوزة في طبائع الكون وسنن الطبيعة فإذا كان هذا حالنا فلمََ كل هذا الدوران في حلقات النقاش المذهبي والجدل الطائفي الذي يحتدم دون جدوى وينشب بدون مبرر ناهض يعود على أبناء الأمة بما ينفعها في دينها ودنياها لماذا نصر طوال كل تلك القرون على الاستمرار في عملية نبش الماضي الغابر بذريعة الوصول الى الحقيقة المغيبة بينما غيبنا نحن كأمة عن مسرح الوجود السياسي والاجتماعي والاقتصادي لماذا نرفع عقيرتنا ونحن نتبجح بالقول إننا نتبع الأساليب العلمية في اعتماد أدلة العقل والنقل فيما نخوض فيه من مناظرات ومقابلات طائفية والحقيقة إننا بذلك الادعاء إنما نسعى لتوسيع الهوة وتهوين الإخوة فيما بيننا فمن المعروف ان المسائل الضاربة جذورها في عمق التاريخ والتي تداخلت في بلورتها أسباب عدة وعوامل شتى حتى صارت جزءا من نسيج الإفراد والجماعات مثل هكذا مسائل لا تحل بالمحاججة والملاججة بل ان مثل تلك الأساليب قد تزيدها تعقيدا فتمدها بأسباب التصلب والتشنج وهو ما انتهينا إليه اليوم حيث أخذت السياسة استثمار جانب التصلب الفكري بين طرفي السنة والشيعة ليكون سلاحها الفعال في معاركها للاستيلاء على مقدرات العباد والبلاد باسم المذهب وتحت عناوين الطائفة .أما كان الأولى والأجدر والاصوب والأكمل والأنبل بمن يرفعون شعارات الجهاد اليوم ان يدخروا قواهم ويعدوا أنفسهم ويوحدوا صفوفهم لبناء أوطانهم التي أصبحت نهبا وغدت خرابا بدل ان يزيدوا الطين بلة بتكفيرهم أبناء جلدتهم في الدين والإنسانية أما كان الأولى بمن كفر الملة وخون الجماعة ان يوجه اهتمامه لمن يريد بأمته شرا وبأهله ضرا فينتظر به العواقب الوخيمة والمصارع الجسيمة .لقد آن الأوان ان نقف وقفة شجاعة مسؤولة إمام أنفسنا وإمام التاريخ كل حسب طاقته واجتهاده في المشاركة والمساهمة في تقليل ما يمكن تقليله من خسائر بسبب ذلك الخلاف السني الشيعي الذي واظبت على إنتاجه الماكنة السياسية الرسمية على امتداد عقود من الزمن وهو خلاف سياسي بامتياز .لقد آن الأوان ان ندفع باتجاه التهدئة ولم الشمل وان نقدم نقاط التقابل والالتقاء مفعلين إياها مقدمين عناوينها على سائر العناوين الأخرى .لقد كتب الكثيرون حول قضية السنة والشيعة إلا ان الأعم الأغلب من هؤلاء الكتاب والمفكرين كان قد اخفق في ردم ما يمكن ردمه بين كلا الطائفتين والسبب في ذلك ان جميع هؤلاء كانوا يكتبون بروح الدفاع عما يعتقدونه حقا ويؤمنون به صدقا ولا شك ان هكذا أساليب لا تتماشى مع طبيعة المادة المراد بحثها وتقريب وجهات النظر حولها حيث تبقى مثل تلك الأساليب عاجزة عن ا الإتيان بما يفيدنا ويعود علينا بالمنفعة العامة . يمكن القول ان الراحل الدكتور (علي الوردي )في كتابه ذائع الصيت (وعاظ السلاطين ) كان قد اقترب كثيرا من ذلك الطرح الذي يقرب بين كلا الطائفتين بشكل من الإشكال ومستوى من المستويات وذلك في الفصل ما قبل الأخير من كتابه والذي يحمل عنوان (قضية الشيعة والسنة ) لقد ضم ذلك الفصل بين طياته طرحا اخر ونفسا مغايرا لما ألفناه من مؤلفات العلماء ومصنفات المشايخ .لذلك ارتأينا ان نسلط عليه شيئا من الأضواء لما تضمنه من طرح موضوعي رصين وان كان طرحه بمجمله لا يخلو من ملاحظات هنا وهناك شانه في ذلك شان أي جهد فكري بشري إلا إننا نحرص على التذكير بما جاء فيه وذلك لغرض تعميم الفائدة وزيادة مساحة الوعي إزاء مسالة ذلك الخلاف السياسي المحتدم بين السنة والشيعة والذي سيبقى كذلك ما دامت الأدوات المتبعة في تناوله هي أدوات تقليدية لا تسمن ولا تغني من جوع لقد نظر العلامة الراحل الوردي إلى تلك المسالة الأزلية وهو يذكر على ان السنة والشيعة كانا في وقت من الأوقات يمثلان حزبين سياسيين معارضين للحكومات الجائرة والسلطات الغاشمة إلا ان سياسة الحكام قد فرقت بينهما تفريقا حتى صار كل منهما طرائق قددا وذلك جراء ما أنتجته الماكنة السياسية الرسمية الحاكمة ليسهل عليها ضرب خصومها من الطائفتين على حد سواء . لقد استخدمت الحكومات المتسلطة الدين كغطاء لممارسة اكبر قدر ممكن من تفريق الصفوف وزرع مشاعر التباعد والتنافر والتباغض ولقد نجحت في مسعاها هذا أيما نجاح وذلك عبر اربع حكومات طائفية مقيتة (حكم بني العباس وبني أمية وحكم بني عثمان وأخيرا حكومات الدولة القومية التي استأثر البعث بتسلم مقاليد الأمور فيها لقد أشار الوردي في نهاية كتابة (وعاظ السلاطين )إلى ان كل من السنة والشيعة كانا يؤلفان حزبا واحدا وكتلة متجانسة فبينما كان الشيعة يقاومون السلطان الظالم بسيوفهم كان أهل الحديث (أهل السنة والجماعة )يقاومون السلطان الجائر بالأحاديث النبوية الشريفة التي كانت تقض مضاجع الحكام وتبين مقدار فسادهم وتلاعبهم بمقدرات العباد والبلاد لقد دأب أهل الحديث آنذاك على التذكير بما نادى به علي بن أبي طالب من مبادئ اجتماعية عادلة كان قد جسدها خلال سني حكمه خير تجسيد .ويخلص الوردي إلى ان الأئمة الكبار الذين عاشوا في أواخر العهد الأموي وأوائل العهد العباسي كانوا بمجملهم قد تشيعوا لعلي ولمبادئه التي كان يبثها داخل المجتمع الإسلامي فأبو حنيفة النعمان كان علوي الهوى وقد كان يفتي سرا بوجوب نصرة الإمام (زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب )والخروج معه كما انه بايع ( محمد بن عبدا لله الحسني )حينما ثار في المدينة ضد المنصور ومما يذكر في ذلك الصدد ان وفاة أبو حنيفة كانت بسبب فتاواه بالخروج مع (إبراهيم بن عبد الله الحسني ) لحرب المنصور كما يؤيد ذلك الخطيب البغدادي ,أما الشافعي فهو كسلفه بالتشيع لعلي وأهل بيته حتى انه اتهم وقتها بأنه رافضي ,وأما الإمام (مالك بن انس )إمام المدينة وهو ابرز تلامذة الإمام جعفر بن محمد الصادق فقد قام بمساعدة (محمد الحسني ) في ثورته على المنصور كذلك ليشهد اشد العقوبات وأقساها في سجونه ,وأما الإمام الرابع عند أهل السنة والجماعة (احمد بن حنبل ) فهذا هو مسنده يفيض بفضائل علي بن أبي طالب وهو القائل (ما جاء لأحد من الصحابة من الفضائل ما جاء لعلي ). ويذكر الوردي في فصله القيم كلا الطائفتين من السنة والشيعة بضرورة الرجوع الى شعارهم الموحد الذين كانوا يرفعونه أيام زيد وأبو حنيفة وهو شعار الثورة على الظلم والجور والاستبداد ولعل من المفارقات الكبرى هي ان أبا حنيفة قد عارض المنصور كما عارض الإمام موسى بن جعفر حفيده الرشيد وقد استشهد الاثنان في سجون هاذين الطاغيتين.
لا شك ان الخلاف التاريخي الذي نشب بين علي والخلفاء الذين سبقوه كان مرتبطا بالجانب السياسي أكثر من ارتباطه بجوانب أخرى لها ما لها من القوة والتأثير ولهذا السبب اخذ البعد السياسي يطغى ويتسع حتى يومنا هذا .وإلا فكيف نفسر ان الفرس على سبيل المثال كانوا من أهل السنة فحملهم الصفويون بالإكراه على التشيع بينما كان المصريون من الشيعة فحملهم الأيوبيون على التسنن وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على ان السياسة والتسييس قد لعبا دورا هاما وكبيرا في صيرورة ملف الشيعة والسنة وتقديمه بصيغته الحالية .لا يوجد أمام السنة والشيعة ان هما أرادا ان يأكلا من فوقهم ومن تحت ارجلهم كما يقال سوى العودة إلى مربع الوحدة والتوحد ولا شك ان الأمر ليس سهلا والحمل ليس هينا بعد ما تعاقبت حكومات طائفية على حكم العراق وغيره مرسخة بين مكوناته الاجتماعية والمذهبية عوامل الفرقة والتعصب إلا ان السعي والمحاولة الجادة في ذلك المضمار تبقى واجبة على كل ذي بصر ودين وضمير وإنسانية . لقد لعب الأمويون إبان عقود حكمهم على وتر انقسام المسلمين وجعلهم أحزابا وشيعا لكيما يسهل عليهم ضربهم واستبعاد خطرهم على مستقبل تجربتهم السياسية لا سيما في عهد (معاوية بن أبي سفيان ) الذي يعتبر احد أهم واخطر من أسهم في انشطار المسلمين إلى سنة وشيعة.أما حكومات بني العباس فهي الأخرى كانت قد قامت على أساس ديني طائفي ضيق يلوي عنق النصوص والأحاديث لغرض تدعيم أركان حكم سياسي يقوم على البطش والظلم والتنكيل ليأتي دور العثمانيين الذين شهدت الطائفية السياسية في عقودهم العجاف ما لم يشهده حكم أخر عندما جعلوا منها مذهبا معلنا . تسير بموجبه الكتب والوثائق الرسمية.
ان طريق التقاء السنة بإخوتهم الشيعة لا يكون عبر ولوجهم باب االمناظرة والتقابل والتنابز والاختلاف والذي نشهده اليوم من على شاشات الفضائيات المختلفة , فطريق التقاء السنة بالشيعة إنما يأتي عبر الرجوع الى الجوهر الأصلي لكل منهما حيث يشتركان بذات المفاهيم ويلتقيان حول ذات الأهداف والغايات والمرامي والمتمثلة بالوقوف بوجه كل الأنظمة الفاسدة والحاكمة على غير ما أراد الله والضمير والإنسانية .طريق العودة لا ولن يأتي عبر تحدي شيوخ السنة لعلماء الشيعة والعكس كذلك حول موارد تاريخية مثقلة برؤى سياسية كثيفة لكن طريق الوحدة إنما يأتي بالبحث عن خيوط الالتقاء والتشابه وطرح ما سواها من خطوط التقاطع والتنافر هذا من جهة ومن جهة أخرى يبقى أمر تحييد الدين وتجنب المذهب والطائفة عن كل ما يدخل محيط السياسة أمر في غاية الأهمية فبدون تحقق مثل ذلك الشرط سوف لن يستطيع كل منهما ان يلتقيا وان اجتهدا في ذلك المسعى إذ ان عدم التصدي لظاهرة تلبس الدين بالسياسة سيبقي الامور على سيرتها الاولى حيث يعتبر مثل ذلك التلبس أس المشكلة وجذر المعضلة التي تعاني منها بلداننا العربية عموما وعراقنا الجريح على وجه الخصوص لذلك ندعو وبقوة إلى بلورة رؤية مشتركة لدى كل من أبناء الشيعة والسنة تقوم على إبعاد كل ما هو ديني عن ما هو دنيوي لكي يتسنى للجميع ان يعيش بود وسلام وطمأنينة.
لقد خاض العراقيون تجربة قاسية تعد في أهم جوانبها بسبب عدم فك الارتباط بين ما ديني ووضعي لذلك كان من السهل على كل صاحب مشروع استبدادي خبيث ان يرفع شعار الدين ويشهر مقولات الإسلام كذبا وزورا وتجنيا وهو يبعث البعوث ويجند الجنود من الشباب العربي المغرر به لتفجير أنفسهم وتفخيخ أجسادهم وسط إخوانهم في الدين والخلقة والعقيدة من الشيعة خصوصا ومن السنة إذا اقتضت إستراتيجياتهم ذلك الأمر . في كل بلدان العالم تعد شريحة الشباب المحرك الأساسي الأول لتقدم ورفاهية المجتمع وتصدره في عوالم التصنيع والإنتاج والتقدم العلمي والتكنولوجي أما في عالمنا العربي اليوم فأننا نجد ان جزءا كبيرا من تلك الشريحة الهامة والحيوية أخذت تنصهر في بودقة الطائفية السياسية ليكفر الصديق صديقه ويقتل الخليل خليله كما في العراق وسوريا ومصر واليمن وما كل ذلك إلا بسبب عدم الفصل بين ما هو ديني ووضعي وبالتالي استغلال مثل ذلك الاختلاط من قبل الأنظمة السياسية التي لا تستطيع البقاء على دست الحكم إلا عن طريق اللعب على الوتر الطائفي البغيض والذي خلف وما يزال يخلف طوابير من القتلى والمجزرين والمقطعين والمعاقين والمكلومين بالإضافة الى جيوش من الأيتام والأرامل والثكالى .



#احمد_عبدول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية من سالف العصر والزمان
- ثنائية الثورة والانقلاب
- الله ليس رغيفا
- المترحمون على الطغاة
- عقدة الهلال
- رسالة عاجلة الى السيد رئيس الوزراء
- شيوخ الظل
- حديقة الدار
- دماء العراقيين هل تحتاج إلى فتوى لتحريمها ؟
- رجل دين ، رجل سياسة
- هل تقف امريكا وراء تقسيم العراق؟
- هل من معجزة؟
- وماذا عن المرجعية ؟
- ما الذي يجري في العراق واقعا ؟
- هل تعيد المصافحة للعراقيين قتلاهم؟
- مزامير الاغنياء
- الصحابة في ميزان علي ( عليه السلام )
- الشعوب ليست قطيعا
- البعث مرة اخرى
- شعب الله الثرثار


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد عبدول - قضية الشيعة والسنة