أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - القضية السورية وإشكالية صراع الشرق والغرب















المزيد.....

القضية السورية وإشكالية صراع الشرق والغرب


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 4484 - 2014 / 6 / 16 - 18:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هناك بديهيتان وجوديتان وطبيعيتان تتعايشان وتتناقضان بقدر واحد. الأولى تقول، بان الشمس تشرق دوما من الشرق وأفولها في الغرب دوما! والثانية أن وجودهما متلازم بالضرورة. فمن الناحية الشكلية تتطابق صورة صعود الشمس من الشرق وغروبها في الغرب مع الصورة التاريخية لشروق المدنية والحضارة في الشرق وتكاملها الحديث في الغرب (اي غروبها أيضا، كما توصل إليه شبنجلر في كتابه "أفول أوربا"، بوصفها عملية طبيعية لنمو الثقافة وتصلبها في حضارة). أما من الناحية الفعلية، فان صعود الشرق والغرب هو مظهر من مظاهر الصيرورة التاريخية والكينونة الثقافية للأمم من جهة، وانعكاسها الأيديولوجي من جهة أخرى. وذلك لان فكرة الشرق والغرب من حيث مقوماتها الأيديولوجية هي مجرد تحويل الأبعاد الجغرافية في رؤية ثقافية، بينما الرؤية الثقافية لفكرة الشرق والغرب، هي مجرد انعكاس أيديولوجي للفكرة السياسية. وكلما يرتقي الوعي النظري إلى مصاف الرؤية الثقافية الكونية الخالصة، كلما يقترب أكثر من معايير الرؤية الإنسانية الخالصة، اي فكرة الإنسان والعقل والحيوان الناطق.
لكن الأمر يختلف حالما تصبح فكرة الشرق والغرب علاقة، ومن خلالها تتبلور مواقف وتأويلات سياسية وثقافية. لكن هذه الحالة المثيرة التي مازالت تفعل فعلها في الصراع الدولي المعاصر، هي أيضا طور من أطوار التطور الذاتي للأمم والتاريخ العالمي. كما أنها تعكس حالة الارتقاء الذاتي للمركزيات الثقافية في موقفها من النفس والآخرين. بعبارة أخرى، إن تحول فكرة الشرق والغرب إلى ثنائية متصارعة أو متعادية أو متناقضة أو عصية على الحل هي جزء من خصوصية الارتقاء الذاتي للفكرة الثقافية السياسية عند الأمم، كما أنها تعكس مستوى وحالة الوعي الذاتي للمركزيات الثقافية. ولا تخلو هذه العملية المتناقضة والمعقدة من عنف ودموية ونزوع لا عقلاني بأثر بقاء الغزيرة وفعلها في العقل الباطن للثقافة، اي ما لم تنتقل بصورة فعلية إلى مرحلة الرؤية الحقوقية الأخلاقية في تطورها التاريخي.
وعندما ننظر إلى مثال الحالة السورية والصراع حولها، فان من الصعب تجاهل الأثر الفعال والعميق للمركزية الثقافية في بلورة المواقف السياسية منها. الأمر الذي يشير إلى أن الأبعاد الثقافية للصراع هي جزء من تاريخ الدول والأمم والمصالح. فالصيغة العامة والظاهرية التي أخذت بالتبلور الواضح والجلي يقوم في صراع الشرق (الصيني – الروسي) والغرب (الاوروامريكي). ولا يكفي حدّ هذا الصراع بمعايير الرؤية الاقتصادية والمصالح العابرة فقط. وذلك لان هذه الأخيرة لها محدداتها أيضا في الأبعاد الثقافية الدفينة. فمن الناحية الشكلية لا خلاف جوهري كبير بين النظم الاقتصادية السائدة في الشرق والغرب، بمعنى إنهم جميعا يدعون ويعلنون ويمارسون اقتصاد السوق، اي الصيغة العامة لتنوع الاقتصاد الرأسمالي. بينما تختلف وتتناقض كتلة الشرق الرأسمالي مع الغرب الرأسمالي. وعندما نرجع هذه الكتلة إلى إطارها التاريخي الجغرافي الثقافي، فإننا نقف أمام اختلاف عميق في هيئة ومضمون المركزيات الثقافية الكبرى المتبلورة في كليهما على امتداد قرون من الزمن. وفي العصر الحديث تمظهرت المركزية الثقافية (الغربية) الأوربية ولاحقا الأمريكية، ثم الاوروامريكية الحديثة، بهيئة كولونيالية (سافرة ومقنعة)، بينما تمظهرت المركزيات الثقافية الكبرى (الروسية والصينية) بهيئة مراكز مضادة للكولونيالية بحيث نراها في تاريخ وأطوار روسيا البلشفية، وروسيا "الليبرالية"، وفي الصين الشيوعية و"اشتراكية الوجه الإنساني"، في موقفها من الغرب كما هو جلي في الحالة السورية.
بعبارة أخرى، لا يمكن فهم حقيقة الصراع بينهما وتفسيره بمعايير وقواعد الرؤية الجيوسياسية، والجيواقتصادية والجيوعسكرية. إذ أن فاعليتها موجودة حتى بين "القوى المتحالفة" في الشرق والغرب على السواء. إلا أن التكتل المستميت بينهما في الموقف من القضية السورية، يشير إلى فاعلية المركزية الثقافية بوصفها قوة جيوثقافية هائلة في الصراع الحالي بين الشرق والغرب. فالوعي الشرقي مشبع بتاريخ عريق، والغربي أيضا. ولكل منهما مساره ومذاقه الخاص في تحسس وفهم قيم الخير والجمال، اي المكونات الجوهرية للوجود الإنساني. فهو المسار الواقعي الوحيد القادر على إيقاف الجميع عند حدودها، لكي يأخذ العقل العلمي والحقوقي والأخلاقي دوره الفعال في إدارة الصراع والتكامل على النطاق العالمي. ومن الممكن رؤية هذه الحالة المتناقضة والدرامية أيضا على مثال العولمة المعاصرة وانعكاسها في الصراع الدائر حول سوريا. حيث نرى بعض ملامح اللاعقلانية الفاقعة في وقوف الغرب (المتمدن والليبرالي) إلى جانب اشد السلفيات تحجرا وإرهابا!
كما نعثر في هذه العولمة على استعادة جديدة لنفسية وذهنية المركز والأطراف والكولونيالية الجديدة والأقطاب وتحللها في الوقت نفسه. بمعنى إننا نرى فيها ظهور وتبلور الحدود الذاتية للإمكانيات المرتبطة بصعود"الأقطاب" المتعددة، بوصفها مركزيات ثقافية أيضا. وإذا كان الغرب (الأمريكي) بالأخص قد بلور فكرة أيديولوجية عن صراع الحضارات، فإنها تعكس ليس فقط بعض نماذج الرؤية المستقبلية للصراع، بل وتتمثل تقاليد عريقة في مواجهة الشر شكل عام والإسلامي بشكل خاص. وليس اعتباطا على سبيل المثال أن تتبلور التقاليد الفكرية والسياسية الروسية (وبالأخص ضمن تيارات السلافية والأوروآسيوية) ضمن سياق الموقف الثقافي المناهض للغرب الأوربي، كما هو جلي على سبيل المثال عند دانيليفسكي (1822-1885) في كتابه الشهير (روسيا وأوربا). بينما نرى الصين تدعو في الفترة الأخيرة لاستعادة "طريق حرير" جديد يحرر الشرق والغرب من نفسية وذهنية الهيمنة والاستحواذ. الأمر الذي يعكس طبيعة الصراع المرتبط بما ادعوه بصعود المركزيات الثقافية الكبرى.
إن الصعود الشرقي الحديث والمعاصر، بوصفه حالة تلقائية للتطور والتكامل الذاتي ليس صراعا بين الحضارات، بل استكمالا له ولكن بمعايير المستقبل. وذلك لأنه ينتج مركزيات ذاتية أو أقطاب حديثة تعمل من حيث آليتها وطاقتها على صنع التوازن الضروري من اجل صنع عالم موحد محكوم بفكرة العلم والحقوق والأخلاق.
وعندما نطبق هذه الرؤية العامة على الحالة السورية (والعربية عموما)، فإننا نقف أمام تقاليد ومراحل في المواجهة والصراع والتداخل تمثل حالات الانتقال من المواجهات التاريخية القديمة للإمبراطوريات إلى صراع مستمر ولكنه معجون بعقائد كونية (دينية وفلسفية). فقد كان وادي الرافدين (العراق والشام) بؤرة الثقافة الكونية القديمة ثم العربية الإسلامية ثم العربية الحديث (القومية). أنها بؤرة وادي الرافدين والهلال الخصيب والمشرق (الإسلامي) ثم المشرق العربي. ومن ثم فهي المنطقة الجوهرية في الفكرة العربية وتراكمها التاريخي. وضمن هذا السياق يمكن فهم السر القائم وراء تحول الشام إلى محل الصراع بين أوربا والمشرق (السامي) ثم العربي. على امتداد تاريخهما. إذ نقف أمام موجات رومانية ثم أوربية قروسطية ثم حروب صليبية ثم غزو كولونيالي. وفي مجراها كانت النتيجة واحدة وهي أن المشرق (العربي) كان على الدوام عصيا على الاستحواذ والمحاصرة. وكل من يقترب منه يحترق به أو فيه. وضمن هذه الرؤية يمكن تأمل مستقبل الصراع حول سوريا وقبلها فلسطين، بوصفها مظاهر لصراع ثقافي دفين وهائل لا ينتهي ما لم يتكامل العالم العربي بمعاييره الذاتية بوصفه قطبا عالميا جديدا كما كان من حيث الأصل والجذر والتاريخ.
فقد كان التاريخ العربي الحديث مجرد زمن لا قيمة له بالنسبة لتأصيل مقوماته الذاتية. وعلى الرغم من التضحيات الهائلة التي قدمها في مجرى قرنين الزمن، بعد أن خرج من فلك العثمانية الهلامي ودخوله فلك الكولونيالية الأوربية والأمريكية، إلا انه لم يستطع لحد الآن إرساء أسس مقوماته الذاتية، ومن ثم تطوره التلقائي وإبداع ما يناسبها من مرجعيات جامعة عن فكرة الدولة والنظام السياسي والاجتماعي والوطنية والقومية. ومن الممكن رؤية هذه الملامح الأولية في مجرى الصيرورة المعقدة والمتناقضة للثورة الحديثة (الربيع العربي). فقد أشركت الجميع في صراع عربي - عربي أيضا، اي صراع سوف ينتج بالضرورة رؤية ذاتية عن الواقع والمستقبل. ومن ثم إرساء أسس منظومة المرجعيات المتسامية. والاحتمال الأكبر لها يقوم في إرساء أسس مرجعية الإصلاح العقلاني الشامل بوصفه فكرة وفلسفة ومنهجا للبدائل. عند ذاك يمكن للعالم العربي أن يكون قوة فاعلة في المركزية الشرقية بوصفها قوة مستقبلية للتوازن والعقلانية والنزعة الإنسانية. حينذاك يتطابق المعنى الفعلي للحقيقة القائلة، بان الشمس تشرق دوما من الشرق وأفولها في الغرب، مع فكرة الدورة الحية للوجود الإنساني والتاريخ الكوني!
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة والأمة والإصلاح في سوريا
- الدولة الشرعية والإصلاح في سوريا
- المالكي وملكوت الدولة العراقية
- الإخلاص في فكرة المقاومة عند (حزب الله)
- (حزب الله) والقضية السورية
- الكينونة الملهمة لجمال عبد الناصر وحسن نصر الله
- إشكالية الفكرة القومية والإسلامية للإخوان المسلمين
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (26)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (25)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (24)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (23)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (22)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (21)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (20)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (19)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (18)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (17)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (16)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (15)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (14)


المزيد.....




- -لم أقابلك لمناقشة محتوى وسائل التواصل-.. مذيعة CNN تضغط على ...
- لهذا السبب تُعد كازاخستان الوجهة -المثالية- صيفًا لسكان دول ...
- باكستان تكشف البلد المصنّع للسلاح الذي أسقط المقاتلات الهندي ...
- تقرير: ارتفاع كبير في حوادث معاداة السامية في ألمانيا
- ضربات جديدة بمسيرات على قاعدة بحرية في بورتسودان ومخاوف من ا ...
- إيران ترفض الاتهامات بضلوعها في مخطط ضد السفارة الإسرائيلية ...
- مطالبات بإطلاق سراح مسؤول حملة “BDS” الأردن
- محادثات تركية إسرائيلية في باكو حول سوريا تتضمن 3 مطالب لتل ...
- مسيرة إسرائيلية تلقي مناشير على شكل أوراق نقدية تحذر فيها من ...
- ليتوانيا تنسحب من اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - القضية السورية وإشكالية صراع الشرق والغرب