غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4476 - 2014 / 6 / 8 - 11:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شـــتــائــم "ســــوريــة"...
ســوريـا... ســوريـا البلد الذي خلق أولى الأبجديات وأقدم الحضارات.. سوريا البلد الذي ولدت وعشت فيه تسعة وعشرين سنة, وملت منه أحلى الذكريات وأصعبها.. ســوريـا التي أحمل جيناتها بدمي... هذا البلد الرائع الطيب بثقافاته المتعددة, يحمل ميزة وشهرة خاصة نادرة متفوقة, لها طابع خارق خاص.. وهي نوعية الشتائم..هي تطلق غالبا متعددة متكررة مؤذية.. كالصواريخ الخارقة التي يطلقها المقاتلون السوريون والأغراب, الذين اخترقوا حياتنا وطمأنينتنا... أنا لا أريد التحدث عن هؤلاء بكلمتي العابرة هذه... إنما عن الشتائم التي كنت أسمعها من الكبار والصغار.. من المثقفين والجهلة.. ومن الأغنياء والموعزين والمحتاجين والفقراء... من البورجوازيين أو الغلابة العامة عندما يغضبون من سيد ينغص حياتهم.. أو من رب عمل يفتت أجورهم ويخلق لهم جم الصعوبات بحياتهم اليومية...هذا ما سمعته من الشتائم لما كنت غرا.. أسمعها في الشارع, رغم وجود بيت عائلتي بمنطقة بورجوازية.. ولهذا السبب كانت والدتي تحدد تنقلاتي ما بين المدرسة والبيت.. حتى لا أتعلم قلة الأدب من الشارعيين التي كانت تحتقرهم, وكنت أعاكسها وأدافع عنهم.. وأحفظ غالب شتائمهم ســرا...
لم أنس هذه الشتائم ولا لغتها التي تستعمل غالبا الأعضاء التناسلية للرجال والنساء.. واستعمالاتها بغير اللغة الطبية.. وتشير غالبا إلى نساء من عائلات المشتوم.. ما بين الأم والأخت والأبنة... لـم أنــســهــا مطلقا... ولكنني نادرا ما كنت أسمعها في هذا البلد الفرنسي الذي أعيش بـه منذ أكثر من نصف قرن...بالشكل المفصل الذي كنت أسمعه في بلدي.. ولكنني لما بدأت أكتب بمواضيع شتى, باللغتين العربية أو الفرنسية.. مواضيع غالبها سياسية أوروبية أو فرنسية.. لحين بدأ ما سمي ألف خطأ الربيع العربي, في المشرق وغالب البلدان العربية.. تركزت كتاباتي عن هذه المنطقة التي تربطني بها ألف رابطة إنسانية ذكرياتية جيناتية وخاصة حقوقية..وغالبا ضرورية لا تتحمل الصمت أو الحياد المعروف تفليدا لدى غالب السوريين.. فتكاثرت كتاباتي الملتزمة أو الحيادية أو الانتقادية الصارمة حسب تفهمي وتحليلي الشخصي وقربي من واقع الحدث..أو مع تطور الأحداث وتغيراتها.. ومع هذه الكتابات عادت لي كالصواريخ القاتلة كل ذكريات طفولتي وشبابي... وذلك عن طريق الشتائم البذيئة التي كانت ترسل لي بأشكال مختلفة.. دائما بأسماء مستعارة, من أشخاص سوريين أوعرب, سرعان ما كنت أكتشف غالبهم, من لهجاتهم الحلبية أو الشامية, أو اللاذقانية أو من السلمية أو الحسكة أو حمص وغيرها.. حتى عندما كانوا يكتبون أو يتكلمون على الهاتف المجهول الرقم.. لأن لهجة حاراتهم وتربياتهم البدائية الحاضنة كانت تظهر دوما.. رغم جميع محاولاتهم إخفاءها.. بالإضافة أن هؤلاء الشاتمين كانوا معروفين عندي.. لأنني كنت غالبا أول من استضافهم ببيتي.. مقدما لهم جميع المساعدات التي يحتاجها أي مغترب ســوري, لدى وصوله إلى فرنسا, بالفترات الصعبة من الاغتراب.. طلبا للدراسة أو العمل أو العلاج.. أو لأسباب عديدة أخرى.
أجوبتي كانت دوما, عدم الرد.. ومتابعة الطريق. وأحيانا أرد بكل تهذيب, لدرجة يخجل منها الشاتم معتذرا, معلنا عن شخصه الحقيقي وأسباب غضبه.
ولكن هناك طبقة من الشاتمين المصرين المداومين.. منذ بداية الأزمة السورية حتى هذه الساعة.. بينهم معيدو جامعات وأطباء وأنصاف مثقفين ومهندسون وعمال وموظفون.. من المتشددين بمعارضتهم.. وخاصة فئة من الموفدين الجامعيين الذين تجاوزوا مدة الخمسة أو ستة سنوات إيفاد على نفقة الدولة السورية وجامعاتها, يعتقدون ــ خطأ ــ أنهم لن يعوضوا ما دفعته لهم الدولة, زائد الغرامات المفروضة, إن تــغــيــر النظام. وهذا رأي وحـل غبي معروف قانونيا.. بأنه مهما تغير النظام.. الديون المطلوبة لصندوق الدولة, لا تمحى أبدا.. حتى بصدور عفو رئاسي.. تعفى الغرامات وليست الديون المتراكمة الأصلية.. ومن بين هؤلاء.. العديد من الشاتمين.. لأنني كنت أذكرهم دوما بواجباتهم تجاه البلد الذي أعطاهم الحياة ورباهم وعلمهم ودفع نفقات دراساتهم العالية في الخارج... فاعتبروا أن هذا الكلام موالاة للسلطة... رغم أن من يفهم بعض أموري الشخصية وأفكاري السياسية والاجتماعية يعرف أنني لا التزم لا بدين ولا بنظام.. ولا برئيس أو دولة أو إله.. ولا اؤمن سوى بالإنـسـان وحرية الإنسان.. والمساواة المطلقة بين البشر.....
والجدير بالذكر أن شتائم هؤلاء, رغم بـذاءاتـهـا الاحترافية الفجة.. تفوق باستمرار ما كنت أسمعه بشوارع اللاذقية أو حلب أو دمشق.. أو حتى في سجن المزة المعروف, عندما كنت نزيلا بهذا المكان البائس لفترة معتمة طويلة...
لهؤلاء أهدي هذه الكلمات.. من يدري؟؟؟... من يدري مع تغير الأحداث في بلد مولدنا, نحتاج بهذه الفترة, أكثر من أي وقت آخر أن نــمــحــو كل أسباب خلافاتنا الغبية, ونحللها هنا وهناك.. علنا نجد معا بعض نقاط التلاقي التي تلملم جراج بلدنا.. رغم أننا لا نملك بندقية.. ولا متفجرات.. وبدلا من تبادل الشتائم.. مهما اختلفنا واختلفنا واختلفنا.. بنهاية النهايات.. وخاصة هنا في بلاد الاغتراب, حيث نملك قدرة واسعة من التحليل والتفكير والتعبير.. يمكننا أن نعطي لجميع الأطراف المختلفة (فكريا ومبدأيا) في بلدنا, بعض الأفكار الإيجابية التي يمكن أن تطور التشريعات والقوانين... بدلا من تــراشــق الشتائم البذيئة القميئة.. والتي تضيع غالبا في وادي الضياع والطرشان.. ولا تــجــد أي حــل لأي من نقاط خلافنا...وتظهرنا أمام سكان هذا البلد الذي يأوينا من سنوات طويلة.. شعوبا متخلفة لا تستحق أية حــريــة ولا أية ديمقراطية.................
إلى هــؤلاء...آمل صادقــا أن يــفــكــروا بكلماتي هذه ببعض من الإيجابية...من يدري؟؟؟.. من يــدري؟؟؟......
بـــالانـــتـــظـــار...
للقارئات والقراء الأكارم.. كل مودتي ومحبتي وصداقتي ووفائي وولائي.. وأطيب تحية عطرة مهذبة.
غـسـان صــابــور ــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟