أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - صناعة الأبطال وسط الأدغال















المزيد.....

صناعة الأبطال وسط الأدغال


ياسين المصري

الحوار المتمدن-العدد: 4466 - 2014 / 5 / 28 - 13:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الأدغال ، أينما وُجِدت ، عالم غريب وعجيب فيه إثارة وشطارة . يجمع الوحوش الكاسرة والمكسورة بشتى أنواعها ، ويزخر بالصراع الحقيقي من أجل البقاء ، فيه القوي يأكل الضعيف ، وفيه من يبحث طول الوقت عن فريسة ، ومن يخاف من السقوط فريسة . ومن لم يولد بطلا ، يكون ضحية بالضرورة . لا أحد يبحث عن البطولة ، فالبطولة صناعة طبيعية مبثوثة بالفطرة بين ثنايا الأبطال والجبن أيضاً في ثنايا الجبناء الذين لا يبقى لهم سوى الهروب - قدر الإمكان - .

عالم الأدغال يخلو من الأحداث والتاريخ والذاكرة الجمعية، ولا تحكمه سوى الغرائز وحدها ، فلامجال لتحقيق الذات أو التعاملات المادية أو الأخلاقية أو الإحساس بالذنب أو هوس العقائد الدينية أو السياسية أو الهزيان والهلوسات أو غير ذلك مما يُعمي الإنسان في كل زمان ومكان ، لذلك لا توجد فيه صناعة أبطال ، فالجميع يسلِّم في هدوء بما هو عليه وبما عليه غَيْره.

أما عالم الانسان فهو الأعجب والأكثر إثارة ، ويفوق عالم الأدغال في كل شيء ، ففيه جميع المتناقضات جنبا إلى جنب ، فـيه الظـلام والنور والضلال والهداية والرؤية وعدم الرؤية . وفيه الأقوياء والضعفاء والأغنياء والفقراء والأذكياء والأغبياء وأولاد الحلال وأولاد الحرام ، والأعمى والبصير ، ومن له حظ ومن لا حظ له . وإلى جانب السادة والعبيد يوجد الظَّـلَمة والمظلومون والأصِحَّاء والمرضى . فيه كذلك اللصوص والدجَّالون وقطاع الطرق والقتلة المجرمون إلى جانب الكذابين والمنافقين والمرائين والصادقين والشرفاء ....إلى آخره . فيه توليفة بلا حدود من الموزايك البشري مما يجعله العالم الأعجب والأكثر إثارة من غيره . لذلك لا بد أن تكون فيه صناعة رائجة وشائعة هي صناعة الأبطال للاعتماد عليهم وتحميلهم مهمة الخروج بالناس من الظلمات إلى النور.

عندما يعيش البشر وسط الأدغال حيث الغرائز وعدم تحقيق الذات ، تكون أبطالهم "أرباباً" أو "آلهة" منها رب الناس أو " إله الناس" ورب الأسرة ورب العمل ... إلخ . ومن الأرباب ينبثق عدد لا حصر له من الأنبياء وأولياء الله وشيوخ العربان أو قبائلهم، وتجار السياسة والدين والصنائع المختلفة . ويسود فيه الخوف والتخويف والهزيان والتخريف والخداع والنفاق جنبا إلى جنب وبشكل دائم .

الأبطال عادة تصنعهم الأحداث ، فالإنسان لا يولد بطلا ، ولكنه يصبح بطلا ، ولا تظهر البطولة عليه مالم ينخرط في حدث ما ويحقق به نتيجة يتمناها هو على حساب الآخرين أو لحساب الآخرين أو الإثنين معا .

كثيرا ما نسمع من يقول : " اللي له ظهر ما ينضربش على بطنه " ، ونسمع أيضا : "من لم يتذأب أكلته الذئاب" . كما نقرأ لعالم الاجتماع البريطاني توماس هوبس يقول : الإنسان ذئب لأخيه الإنسان .

نشأت صناعة الأبطال في المجتمعات البدائية لتقوي الظهور وتحمي البطون ، إلا أنها تطورت بشكل ملحوظ في المجتمعات المتقدمة الآن فأصبحت الأبطال منزوعة الأنياب والمخالب ، وأصبحت فقط مادة للتسلية والبزنس ، فلايظهر البطل في الرياضة أو الفن أو التوك شو أو غيرها إلاَّ لأوقات محدودة ثم يختفي ليحل محله بطل آخر وهكذا. ولم يعد لأبطال السياسة أو الدين دور كبير ، نتيجة لتقلص مخاوف الناس في تلك المجتمعات ، لم يعد المواطن يخاف كثيرا من نفسه أو على نفسه وأهله، واستعاد قدرا لا يستهان به من قيمته الذاتية كعضو بناء في المجتمع . النظم الديموقراطية مكنته من تفريغ الكثير من مخاوفه نتيجة لضبط الأجهزة الإدارية للدولة ومن خلال التظاهر والاحتجاج ضد السياسات التي لا يراها صالحه لحياته وحياة أسرته، وساعدته كذلك على أن يتخلص في وقت ما من السياسيين العجزة والمتطفلين . وحررته إلى حد كبير من سيطرة رجال الدين ، مستعمري العقول وسارقي النفوس والقلوب . لقد أتاحت له تلك النظم التعبير عن ذاته دون الخضوع لغيره والتودد إليه أو منافقته . فخرج بذلك - إلى حد ما - من الهمجية البدائية في أدغال الحياة البشرية ، وحقق خطوات ملموسة في الطريق الوعر والطويل نحو تحقيق إنسانيته . إن الإنسانية هدف يرنو إليه كل إنسان ، ولكنه صعب المنال و دائماً محفوف بالمخاطر ومليء بالتحايلات والخداع والتضحيات.

وفي مجتمعاتنا التي كتب عليها العيش أبد الدهر وسط الأدغال ، نصنع ذئابنا بأنفسنا ، ولا نسألهم ماذا سيفعلون معنا ، بل وننفخ في صورهم حتى تكبر وتنتفخ ، ونبجلهم ونقدسهم ونركِّب لهم أنياباً ومخالباً ، ونعمل على تضخيمها، ونرقص ونغني ونهلل لهم في همجية حمقاء ، مع أننا لا نرى منهم إلا السوء . إننا نتركهم يأكلوننا لحما ويرموننا عظما .

ونظرا لطول العيش في الأدغال أصبحت لهذه المجتمعات سمات سلوكية مميزة أهمها عبادة الأبطال ونفاقهم وتقديم فروض الطاعة والعرفان لهم ، والصلاة والسلام عليهم آناء الليل وأطراف النهار، بسبب الخوف الكامن وراء دوافعنا في الحياة .

وعندما يسيطر الخوف على دوافع الإنسان في الحياة ويتحكم في تحقيق احتياجاته ، تخلو حياته تماما من الاحترام الحقيقي للإنسانية والتقدير الموضوعي لدوره في الحياة. وتصبح مواقفه الحياتية متخاذلة واللغة اليومية التي يستعملها مليئة بالشعارات والمبالغات و الهروب خلف الكنايات ، ولا تهدف إلى تحقيق الذات أو زيادة المعرفة.

إن ألد أعداء الإنسان في أي مكان وزمان هو الخوف ، خاصة إذا كان الخوف ملازماً له باستمرار ، فيشل إرادتة ويحوله إلى جماد يتحرك دون وعي ، وعبداً مطيعاً بلا إدراك . وأداة ساحقة ماحقة في أيدي الأبطال المزعومين ، عندئذ يفقد الإنسان قيمته الذاتية ومن ثم تفقد حياته وحياة الآخرين وكافة الأشياء من حوله قيمها، فالإنسان هو الذي يعطي لكل شيء قيمة إذا كان هو قيمة في ذاته .

إننا في هذه المنطقة من العالم نصنع أبطالنا بأنفسنا، ولا تصنعهم الأحداث ، لذلك هم أبطال من "ورق" وإن شئت قل من "قش" !! أبطال "كرتونية هشة" لا تحمل أية مودة أو رحمة لأنفسهم أو لأهلهم أو لشعوبهم . بدأناها بصناعة بطل قومي على هوانا وأخفيناه في السماء بعد سماحه لنا ان نفعل ما نريده من الخير والشر في حياتنا وفي مماتنا، وألصقنا به نبياً وصحابته ليكونوا قدوة لنا . وأتبعناهم بالبخاري وأشباهه ممن فرضوا أنفسهم علينا وقد جاءوا جميعا في غفلة من شرق آسيا ليضللونا مع جمع غفير من تجار الدين الملفقين والدجالين . ثم توالت صناعة الأبطال بشكل لا ينقطع عبر تاريخنا . وحديثا صنعنا من عبد الناصر وأتباعه من العسكر أبطالاً ومن القذافي بطلا ومن صدام بطلا ... ومن الكثيرين غيرهم أبطالاً سواء كانوا من الأموات أو من الأحياء . و جميعهم لم يظهروا على حقيقتهم ، إلاَّ بعد فوات الأوان ، وبعدما تركوا لنا فيضاً من خراب العقل ودمار الفكر وانعدام الضمير وليس الخراب والدمار الماديين وحدهما .

إن لم يكن البطل على مستوى الحدث لن يفعل شيئا ذا قيمة إنسانية، وسوف يأكل بلده وشعبه لحما هنيئاً مريئاً ويرميهما عظماً حقيراً دنيئاً . والسبب في ذلك هي ثقافة الأدغال التي أمْلت علينا منذ مئات السنين أن نحيا في عدم وفي أفضل الأحوال في قهر. لذلك ، لا نكف لحظة واحدة عن البحث في ماضينا عن بطل ينقذنا من حالة الخراب والقهر والدمار النفسي التي تضرب بجذورها في أعماق حياتنا. ولأن جميعهم أبطال مزيفون فإنهم يعملون كل ما في وسعهم كي نبقى تائهين في الأدغال ، ونظل في احتياج شديد إليهم .

إن صناعة الأبطال البدائية هذه تتطلب وجود الأعداء الوهميين باستمرار لإلهائنا عن مشاكلنا الحقيقية ، فأصبح أعدؤنا لا حصر لهم وغير محددي المعالم وغير معروفين لنا حق المعرفة ، وذلك بهدف تحويل أنظارنا عن مشاكلنا الحقيقية ، الأمر الذي يجعل حاضرنا ينتقل كل يوم من سيِّء إلى أسوأ، وجعلنا نتعلق ونتشبث بالماضي القريب والبعيد لنبحث فيه عن أبطال مزعومين أو وهميين ، "ربما" كانوا أبطالا بالفعل في زمانهم ، وتمكنوا من عمل شيء ما لشعوبهم، ولكننا نستحضرهم دائماً ونسقطهم على أبطالنا الحاليين بقدر زائد من التحسينات والتهذيبات والتوقعات والآمال الزائفة .

إن البحث الدائم في الماضي عن بطل مزعوم أو وهمي، ومن ثم الإتيان به لصناعة بطل في الوقت الحاضر يجعل من البطولة في حد ذاتها مهزلة بشرية عميقة الأثر ، وتجعل من البطل الجديد مجرد "بطل كارتوني" أو صنم من قش . إن هذه الصناعة تخضع برمتها ومنذ زمن بعيد لثقافة "عبادة الفرد" فندين له وحده بالولاء والطاعة العمياء وننزهُّه دائماً من الأخطاء والمعاصي ، وكأنه من الملائكة المطهرين.

هذا النهج بلا شك نتيجة حتمية لتراكمات مستديمة من الخداع والإهمال والتخبط السياسي . لا تعرف من يدير الدولة حقيقة ، أهي تدار من العسكر أم من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال أم من رجال الدين وسدنته أم المتنطعين من رجال الإعلام أم من قُطَّاع الطرق والمجرمين أم من الجميع معا، اختفت المعالم الإنسانية وضربت الفوضى العارمة بجذورها في صميم هذه المجتمعات .

الشعوب المقهورة تبحث دائماً عن هذا البطل في ماضيها طالما حاضرها يمرُّ من سيء إلى أسوأ، وطالما لم تعرف طريقها الصحيح في الحياة. وكي يعرف شعب ما طريقه الصحيح في الحياة يجب عليه أولا أن يستعيد قيمته الذاتية ومن ثم ينتفض على ثقافة الولاء والتنزيه للأفراد والجماعات ، وأن يتخلص من ثقافة السادة والعبيد . يجب أن يكون الشخص سيد نفسه وصاحب مصيره والشعب كذلك .



#ياسين_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولة الجهل وجهل الدولة
- لماذا لا يستحي المتأسلمون ؟؟!!
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 11
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 10
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 9
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 8
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 7
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 6
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 5
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 4
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 3
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 2
- الخديعة الكبري العرب بين الحقيقة والوهم 1
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 5
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 4
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 3
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس ؟ -2
- تعليق سريع على حوار القراء المتمدن
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟
- المرض المزمن الذي أصاب المصريين


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - صناعة الأبطال وسط الأدغال