أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 5















المزيد.....



الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 5


ياسين المصري

الحوار المتمدن-العدد: 4434 - 2014 / 4 / 25 - 13:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الصـحـوة الأولى:
التجـارة والـدين

أيها الغُـرِّ قد خُصِصْتَ بعقلٍ فاسْألـنَّهُ، فكلُّ عـقـلٍ نبيُّ
أبو العلاء المعـري
❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---

ـ أثر الـبيـئـة
ـ الظـروف الـموضوعـية
ـ الحـج
أثر الـبيـئـة

إن الظـروف الموضوعـية الـمـتراكمة عـبر التاريخ التي مـر بها الأعــراب تختلف اختلافا جوهـريا عن الشعوب الأخـرى في أمور كثيرة، فرضتها عليهم طبيعة شبه الجـزيرة التي يسكنونها. « فقد أرغمتهم على نمط من الحياة البدوية التي تعتمد على رعي الإبل والأغنام والتنقل الدائم من مكان إلى آخر بحثا عن العشب والكلأ في صحراء مليئة بالمخاطر والمخاوف، إذ فيها غير قليل من الوحوش والسباع والأفاعي والحشرات، وفيها القفار الجرداء الزاخرة بالحنادق والمهاوي ورياح السموم، وفيها حنادس الليل الـرهيب التي تلقي في أعـماقهم بالخيالات والخرافات والأوهام، مما جعلهم يتربصون ببعضهم البعض في صراعات دموية لا تنتهي، فقامت حياتهم على سفك الدماء الذي تحول إلى مصدر رزق لهم. وأصبح الغـزو وقطع الطـريق والسلب والنهب والقتل وسبي النساء والأطفال مـن أهـم الـوسائل اليومية التي تعينهم على العيش *1* »، وكان الغزو « يتم في معظم الأحوال في غفلة من المعتدى عليهم، فدائما يأخذون عـلى غـرة وبمكائد محبكة وسيناريوهات تمتلئ بالخداع والخبث والجبن أيضا*2* ». ولقد دفعهم جـدب الحياة وقسوتها إلى تأصيل الـبخـل في نفوسهم وسلـوكـهم، ومن ثم أشادوا بالكـرم لانعدامه بينهم، واحتياجـهم الشـديد إلـيه. وعـندما ظـهـر فـيهم شخـص واحـد ـ قبل الأسلمة ـ واتَّـصف بالكـرم هو حاتم الطائي إلتقطوه وعملوا منه أسطـورة يتندرون بها وعمموها عـلى أنفسهم جميعا لإخفاء ظاهـرة البخل المتفشية بينهم، تماما عندما يُحَـرَّم الحب مثلا في مجتمع ما، ويظهـر فيه حـبيبان، فإن قصتـهما تصبح من الــتراث الأسطـوري لهذا المجتمع. ويقـول ابن كـثير عنه: « كانت لحاتم مآثر وأمور عجيبة، وأخبار مستغـربة في كرمه يطول ذكرها، ولكن لم يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، وإنما قصد بها السمعة والذكر*3* ».

ومع أن كتب التراث العُرْبانية المقدسة تبالغ في الإشادة بكرمهم، ومن ثم ذهب بعـض المؤرخين المحدثين مذهبها، دون مـعرفة حقيقية بهم، فقالوا: « ومازال الكـرم والسخاء من الفضائل العـربية الكبرى حتى الآن*4* »، إلا أن القـرآن جاء ليحضهم في أكثر من موضع على إنفاق أموالهم في سبيل الله، وحمل بشدة على البخل المتأصل في نفوسهم مع اكـتنازهم للذهب والفضة، وكان ذلك سببا رئيسيا في ظهور مجموعات تقطع الطـريق وتسرق وتنهب وتقتل وتسبي عـرفت بالصعاليك، التي تحالف معها صلعم لتحقيق مآربه.

كما أنه ليس من الصعب على المرء أن يدرك حقيقة أن كـرمهم المزعـوم لم يكن سوى بدافع إتقاء الشـر المتوقع دائما من الآخـرين في صحـراء قاحلة ومقفـرة، كما أن كـرمهم ـ إن وُجِـد ـ في هذه الأيام التي فحش فيها ثراؤهم ليس إلا بدافع المصلحة المادية وتوطيد العلاقات التجارية وتجنيد العملاء عـلى طـريقة: " إطعم الفـم تستحي العـين "، الشائعة بين البشر، خاصة إذا كانت العين لا تستحي أبدا، مع شيوع آفات اجتماعية كثيرة في حياتهم وتأصلها في نفوسهم منذ زمن بعيد، مثل شرب الخمر واستباحة النساء والدعارة والقمار والكـذب والغـدر وعدم الاطمئنان إلى الآخرين بما فيهم أقـرب الأقـرباء. وكان من الطبيعي أن تجبر تلك البيئة المقفرة المهلكة البعض منهم على الهجـرة في دفعات سلمية بين الحين والآخر إلى حـيث الخصـب والنماء في العـراق والشام وفلسطين ومصر واليمن، دون أن يكون لهم أي أثر يذكـر أو مساهمة بأي جهد في الحياة العامة، باستثناء من هاجـر منهم إلى الشام، حيث أتاحت لهم الظروف الموضوعية المستجدة بعد ظهور الأسلمة أن يساعدوا الأمـويـين في اغتصاب سلطة الخلافة الإسلاموية ونقل مـقـرها إلى دمشق، بحسب الموروث الإسلاموي.

ومن ناحية أخـرى يقول الدكتور جواد علي: « إن العربي إزدرى الـزراعة وازدرى شأن من يعمل بها، واحـتقـر الحـرف والصناعات، لأنها من عمل الأعاجم والعبيد. ورأي العربي أن من العار أن يصاهر أهـل الصناعات والحرف والـزراعة، لأنهم دون منزلته بكثير، والـعـربي عندما جهل الزراعة حاربها وازدراها، وازدرى شأن من يشتغل بها*5* ». ويبدو أن هذا الازدراء للزراعة وأهلها متأصل في البدو بوجه عام، فإخوانهم العبرانيون ذكروا في خـرافاتهم المقدسة أنه كان لآدم إبنان أحدهما يسمى "قايين أو قابيل عند الـعـربان" وكان يعمل في فلاحة الأرض، والآخر " هابيل " وكان راعيا للغنم. وحدث أن قدم قايين من ثمار الأرض قربانا للرب، وقدم هابيل له أيضا أفضل غنمه وأسمنها، فتقبل الرب " الصحراوي " قربان هابيل " راعي الغنم " ولم يقبل قربان قايين " الفلاح " ولم يرضى عنه لأسباب لم يوضحها الكتاب العبراني المقدس، « فاغـتاظ قايـين من أخيه هابيل وقتله، فحلت لعنة الـرب عليه، وطرده من حضرته وشرده في الأرض » سفر التكوين 4/1 ـ 16.

ومن الجدير بالملاحظة أن الكتب الإسلاموية التراثية ـ بما فيها القـرآن ـ ما كانت لتتحدث عن الكـذب والنفاق والرياء والربا والسـرقة والقتل والـــزنا والقـذارة بوجه عام، مالم تكن هذه الخصال وغـيرها متفشية بالفعل في تلك التجمعات القبـلـية البدوية ومتأصلة بشكل وبائى في سلـوك أفرادها. فهل أزالت تلك الكتب رغم قدسيتها هـذه الأوبئة السلوكية من أعماق أولئك البشر؟، هل أخرجتهم حقيقة من الظلمات إلى النور كما يزعمون؟، هذا ما سوف نتطـرق إليه لاحقا على الصفحات التالية.

❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---

الظـروف الـموضوعـية

جاء في سجل أرمني نُسِب إلى الأسقف سيبيوس Beshop Sebeos يعود تاريخة إلى عام 660 م: « أن نبيا مزعوم يدعى محمد أسس جالية جمعت كل الإسماعيليين (أي البدو العربان المقيمون في صحراء النفود جنوب منطقة الهلال الخصيب (أنظر الخريطة ص 55))، وأقنعهم بأنهم ينحدرون جـميعا مـن نسل إسماعيل بن إبراهيم. ووهب كل أتباعه الحق بالأرض المقـدسة والموعـودة ، كأبناء عـمـومتهم اليـهود من نسل ابنه إسحاق*6* » .

ومن ناحية أخرى يذهب الباحث جروم Groom وغيره كثيرون إلى أن مكة لم تكن موجودة في ذلك الوقت، وأنها لا يمكن أن تقع على طريق القوافل التجارية المحازي لشاطئ البحر الأحمر، إذ يتجاوزها بأكثر من مئة ميل*7*. وتضيف كرون في كتاب «التجارة المكية وظهور الإسلام» سببا آخر، هو أن « مكة كانت مكانا مقفرا ومجدبا، والمكان المقفر لا يصلح أن يكون محطة، أو أنه يصلح على أقل تقدير عندما يكون على مسافات قصيرة من بيئات خضراء وغنية*8* »، وقالت أنه من الأحرى لتلك القوافل أن تتوقف في الطائف حيث يتوفر الماء والغذاء. ويتفق ـ تقريبا ـ جميع المستشرقين على أن الفكرة الإسلاموية نشأت بين الإسماعيليين أو الهاجريين في جنوب سوريا، ولكنهم لم يتوصلوا حتى الآن إلى معرفة الكيفية التي وصلت بها إلى مكة، ومتى كان ذلك، بل ومتى ظهرت مكة كأهم المدن المقدسة لدي الهاجريين أو الإسماعيليين .

لا شك أن الكثيرين من الباحثين يجتهدون في الكشف عن حيثيات تلك الفترة الغامضة من التاريخ الإسلاموي. وحتى يتمكنون من ذلك، سوف نحاول فيما يلي من صفحات قراءة تلك الفترة الغامضة على النحو التالي:

لو لم تتهيأ ظـروف موضوعية معينة فرضها الموقع الجغـرافي لشبه الجزيرة، ومن ثم عـرف بدو العـربية الصحراوية كيف يستغلونها أفضل استغلال، لظلوا كالبدو الذين نراهم اليوم في أي بقعة من الصحـراء، ولكن بعدما ينكهكم القتال والسبي وترهقهم عمليات السلب والنهب .

وقد تهيأت الظـروف الموضوعـية لحدوث صحوة لأول مـرة في تاريخهم على ثلاث مراحل:

الـمرحـلة الأولى: الطـريق التجـاري

البداية الحاسمة في حياة العربان نشوء أهم الطـرق البـرية التجارية العالمية في وقت مبكـر عبـر صحـرائهم وبمحازاة البحر الأحمر ليربط قارة أوروبا وبلاد الشام في الشمال باليمن والحبشة وجنوب ـ شرق آسيا، وقد اكتسب هذا الطريق الصحراوي أهمية تجارية كبيرة لعدة أسباب منها *9*:

1. إن المواصلات البحرية لم تكن وسيلة مفضلة لدي التجار في ذلك الوقت، وذلك بسبب العوائق الطبيعية والتطور التقني المحدود.

2. وقوع البحر الأحمر تحت سيطرة البطالمة في مصر، الذين كانوا يهددون التجارة وطـرقها البحـرية.

3. عدم صلاحية مياه البحر الأحمر للملاحة، وذلك بسبب مجموعة من المعوقات الطبيعية والشعاب التي كانت تهدد الملاحة، وانحصار التجارة البحـربة مع مصر والحبشة فقط.
4. عدم وجـود أمن بحـري، وانتشار الـقـرصنة في الـبحـر الأحـمـر.

ومن خلال هذا الطريق أصبح اليمن مـركـزا تجاريا عالميا كـبيرا، تعتمد عـليه كل من القارتين الأسيوية والأوروبية في تبادلاتهما التجارية. وكان من الضروري في طـريق مثل هذا أن تنشأ عليه تجمعات سكنية، تقام فيها نقاط حـراسة لحماية الـقـوافل الـتجارية من هجمات البدو العربان والصعاليك الحاقدين على مجتمعهم والمتمردين عليه، ومحطات اسـتراحة للتوقف عندها لالتقاط الأنفاس من عناء الطريق، وكان من الطبيعي أيضا الاستـعانة ببعض من أولـئك الـعــربان والصعاليك في حـراستـة وتقـديم الخـدمات للـقـوافـل لـمعـرفتـهم ـ بصورة أفضل من غيرهم ـ كيفية التعامل مع بني جلدتهم. فتحـولوا لأول مـرة في حياتهم وبحكم العمل الجديد من حياة البداوة والصعلكة إلى حياة الاستقرار، من ثم تعـرفوا عـلى أسالـيب الـتجارية ومساوماتها وألاعـيـبها وفـنـونها حتى أصبحوا أساتذة فيها.

يبدو أن الإسماعيليين بقيادة محمد ـ أو أسلافهم ـ بقيادة أحد أجداده، قد ارتحلوا جنوبا في وقت ما، هربا من الاضطهاد الديني، عبر هذا الطريق التجاري، وقطنوا في ذات الموقع الذي سمي بكة أو مكة، وجعلوا منها مكانا آمنا، وأقاموا فيه الأسواق التجارية لخدمة القبائل المجاورة، وبنوا فيه كعبتهم على غـرار الكعبات الأخرى المنتشرة في شبه الجزيرة وعلى طول طريق القوافل، وجلبوا الآلهة إليها لجذب التجار والغرباء. وبذلك أصبحت محطة من تلك المحطات في واد فسيح يقع في منتصف هذا الطريق ويستحب التوقف فيها للاستراحة وتبادل المنافع بين الـتجار الوافـدين بقـوافـلهم وبضائعهم في أوقات معينة من العام وبين القبائل البدوية المجاورة لتخـوم الوادي، واصطلح على تسميتها بكة، في إشارة إلى ما ينشأ عن ذلك من تزاحم وتدافع الناس لنيل ما يبتغون من البضائع والمنافع. وحيث يتواجد البشـر خاصة في ذلك الوادي المقفـر الـغــير ذي زرع، كان من الطبيعي أن يكون للعبادات شأنا كبيرا بينهم، فأقيمت الكعبة. وكان في البداية عبارة عن بناء بدائي من الحجارة المتراصة وبلا سقف. وتذهب بعض القراءات التاريخية إلى أنه كان مخصصا أساسا كإطار لحماية الحجر الأسود المقدس لاعتقاد البدو العـربان أنه سقط من الـعـرش الإلهي في السماء، وربطوه فيما بعد بإبراهيم وابنه إسماعيل من خلال الأساطير الإسلاموية، كما تم حفر بئر عـرف بإسم "زمزم" لأمداد الناس بالماء، وقد دارت حول هذا البئر كثير من الخـرافات قبل ظهـور الإسلام وتم ترسيخها بعد ظهـوره. وكي يتوفر الأمن اللازم لتبادل المنافع التجارية، حـُـرِّمت في المكان كافة أنواع التناحـر والتنازع والحـروب بين القبائل الــبدوية، وإكسابه قدسية من نوع خاص.

وفي بداية القـرن السادس الميلادي سقـط اليمن تحت سيطـرة الأحباش ثم الـفـرس، مما أدى إلى انهيار مـركزه التجاري وتقـلُّص نفوذ الممالك الشمالية لوقوعها تحت الاحتلال المباشر للفـرس والـروم قبل االأسلمة بفترة قصيرة، فأغـلقت كافة الطـرق الـبرية الـمـؤدية إلى الخليج الفارسي بسبب الحـروب الدائمة بينهما، ولم يبقى سوى طـريق مكة مفتوحا للقوافل التجارية لمناعته الصحراوية، وتزايد اشتراك البدو في حـراسته، فازدهـرت نقاط الحراسة ومحطات الاستراحة الواقعة عليه، واكتسبت أهمية تجارية لا مثيل لها. ومع ازدهار التجارة ونمو التبادل التجاري الأقليمي والدولي، استفاد العـربان استفادة كبيـرة من عائدات خدمات التي تؤديها تلك المحطات التجارية ومن الحراسة وتأمين مـرور الـقـوافـل التجارية، وفي مقدمتهم سكان مكة، فراحوا يتصارعون فيما بينهم للفـوز بالسيطرة عليها.

وفي غضون ذلك حدث اضطهاد من قبل الفـرس والـروم للمسيحيين واليهود الهـراطقة في شمال شبه الجـزيرة وجنوبها، ففـر الكثيرون منهم إلى منطقة الحجاز، وعلى وجه الخصوص يثرب، حيث ظلت تلك المدينة تتمتع بالاستقلال لمـوقعها الجغـرافي ووعـورة الـطـرق المؤدية إليها. كما فـروا كذلك إلى «بكة» لما تتمتع به من ازدهار تجاري يقتضي توفـر الحرية الـدينية والأمن فيها*10*.

الـمرحلة الثانية: مكـة والكـعـبة

بمرور الزمن ـ وعلى العكس من الكعبات الأخرى المنتشرة في شبه جزيرة العربان ـ ترسخت قدسية مكة وكعبتها في نفوس التجار وعملائهم من البدو لارتباطها المباشر والوثيق بمكاسبهم المادية والمعنوية وبحياتهم ووجودهم بشكل عام. فأخذت آلهتهم التي تحتل مكانة كبيرة في نفوسهم أماكنها حـول الكعبة، وكانت تلك الآلهة في مجملها إما نابعة من البيئة التي يقطنها العربان، أو واردة إليهم من الشعوب الأخرى المتاخمة لهم في الشمال والجنوب، إذ عبدوا الشمس والقمر والكواكب والأشجار والأحجار والصخور الغريبة ومنها الحجـر الأسود الذي مازال مقدسا حتى اليوم في بناء الكـعبة وهو مقذوب ناري صاغوا حوله الأساطير والخرافات، واعتبروه عالما لأرواح السلف المقدس. بل يعتبر أكـثر جلالا لكونه يصل الأرض مع السماء، فقد سقط من العرش الإلهي في السماء على حـد زعمهم. كـما كانت عـبادة الأسلاف وتقديسهم من أهم الـعبادات لـدي القبائل البدوية، إذ نسجوا حـولهم قصصا مـن الأعـمال الـبطولية والشجاعة والعــدل والكرم وكل ما يندر بينهم ويتوقون إليه.

بينما تشير الاكتشافات الأثرية الحديثة إلى أن اليمنيين هم الذين أنشأوا " ايل مقة " أي معبد الإله القمر بلغة الجنوب أو " بكة "، كما جاء في القرآن، والتي أصبحت " مكة " عند عـربان الصحـراء، ولم يحـدد بعد تاريخ إنشائها في منصف الـطـريق كمحطة لاسـتراحة القـوافل التجارية التي تمخـر عباب الصحراء القادمة من الشمال أو الجنوب، فكانت ملتقى حيويا، تتوقف فيه للراحة والتزود بالماء والطعام وقسط من الروحانيات واللهو والمتعة. وأصبحت بمرور الوقت نقطة جذب قوية لبدو الصحـراء، يأتون إليها لبيع منتجاتهم إو لـشراء احتياجاتهم أو الاستقرار بها للمشاركة فيما تقدمه للتجار والزوار من خدمات. وبدأ فيها أول أحتكاك ثقافي بين الـبدو العربان والغرباء المرافقين لتلك القوافل والذين كانوا يحملون معهم معتقداتهم الدينية والثقافية. ولإعطاء المكان قدسية بنى اليمنيون فيه الكعبة كمعبد لخدمة تلك المعتقدات.

ذكـرت الكعبة في قـرآن صلعم بإسم " البيت العتيق " و " البيت المعمور "*11*، ولذلك من غير المعروف ما إذا كان المقصود به كعبة مكة أم غيرها، إذ أنه كانت هناك مبانٍ مشابهة ترتبط بها نفس الطقوس الدينية سميت جميعها بـ" بيوت الله " أو بـ" الكعبات " (لشكلها المكعب)، وقد انتشـرت في أرجاء شبه الجزيزة بين عـربان الصحراء، كتعبير عن خصوصية القبيلة، ودليلا على تعاظم مكانتها السياسية والاقتصادية. فبلغ عددها إحدى وعشرين كعبة، أشهرها بيت اللات وبيت رئام وذو الكعبات في شمال شبه الجزيرة لبني أياد وكعبة شداد الزيادي وكعبة عطفان وكعبة ذي غابة الملقبة بالقدس والكعبة اليمانية لبني خثعم المعروفة بـ" بيت ذي الخلصة "، وقد ظلت هـذه الكعبة قائمة في نجـران حتى أمـر الملك السعودي عبد العـزيز بهدمها في الثلاثينات من القرن العشرين، والكعبة الشامية في مكة لتفريقها عـن الكعبات في الجنوب، وقد عـرفت جميعها بيوت الله أو بالبيوت الحـرام، حيث حددت حولها منطقة يحـرم فيها أي دم ما عـدا دماء الـنذور والأضاحي في مواسم الـزيارات المتفق عليها. وأقاموا حولها التماثيل التي ترد إليها مع الـتجار الغـرباء أو التي تمثل أجداد القبائل العربية لجذب أفـرادها إليها بصفتهم أبطال حـرب، ماتوا فتحولوا في اعتقادهم إلى «ذكـرى مقدسة» للقبيلة. وكانت تلك المعتقدات في بدايتها وثنية، تحمل مـزيجا من الثقافات الـرافدية والكنعانية والأشورية والـمصـرية والـمجـوسية، وعندما وصلت إليهم الـديانة التوحيدية عبر العبرانيين المشتتين والنصارى المنشقين والهـراطقة المطـرودين من قبل الـرومان في الشمال، والـذين استقـر البعـض منهم في بلادهم وهم في طـريقهم إلى الحبشة واليمن، اعتنق البعض منهم اليهودية أو النصرانية.

ويعتقد الكثير من المؤرخين أن هذه الكعبة كانت إطارا للحجـر الأسود، وهو حجـر نيزكي أو أنه جـزء من صنم مقدس قديم، وقد دخل لأسباب سياسية بالرغم من وثنيته في صلب الديانة الإسلاموية مع إعلانها على أنها ديانة توحيدية. وبالترافق مع الاستيطان الأول للبدو العـربان في مكة اشترط ذلك توفـر الماء، فقام جد محمد تبعا للخـرافات الإسلاموية بحفـر بئر زمـزم الذي ربطه الملفقون بإبراهيم وإسماعيل. وكان هذا البئر أغنى الآبار بالمياه في مكة، ولكن التحليل الذي أجري لمياهه في القـرن التاسع عشر ونشر في «المجلة الطبية البريطانية» في شهـر يونيو 1892 بين أنها غير صالحة للشرب إذ تحتوي على كمية كبيرة من الأجسام الصلبة*12*.

« إن بقاء تقديس الكعبة والحجـر الأسود وبئر زمـزم تبين ارتباط الإسلام الشديد بالوثنية. كما تظهـر عجـزه عن تجاوز البيئة الوثنية التي نشأ فيها. إن الإسلام لم يتمكن من إنتاج ثقافة تتجاوز هذه الآثار الوثنية التي دخلت في منظومة عبادته أبان نشأته لأسباب سياسية. كما تبين التناقضات العميقة التي تميز الإسلام، فمن جهة يرتبط بالتوحيد الإلهي، ويتعالى معه للسماء، ويرفض الوسائط، ومن جهة ثانية يوقـر أشد درجات التوقير هذه التجليات الوثنية، والحجارة ومعابد الحجارة. إن هذه الثنائية توحيدية ـ وثنية، إذ تحكم مظهـر عباداته، فإنها تحكم بدورها كل منظومته، فتسمها بالتناقض، فتسم الشخصية الإسلامية بدورها بالتناقض*13* ».

لقد تسببت التجارة في نقل بعض العـربان من حياة البداوة والتنقل إلى حياة الاستقـرار في تجمعات سكانية. والتجارة بلا شك من أهم الشؤون الدنيوية التي لا تعترف بأية معوقات دينية أو أخلاقية، لأن الفيصل فيها هو المنفعة فقط. لذلك كانت الأصنام التي بلغ عددها 356 صنما من كل الأشكال والألوان تقبع حـول الكـعبة في انتـظار زائريها في تسامح منقطع النظـير. ووجد سكان مكة في زيارة الـزائرين لها فـوائدة تجارية كبيرة فسموها «الحج» وخصصوا له أياما معدودات أقاموا فيها الأسواق وتبادلوا من خلالها المنافع، وفيما عداها من زيارات سموها «عمرة»، فلا يجوز العمرة في أوقات الحج أو العكس، واعتـبروا ذلك فجورا كـبيرا. والهـدف من ذلك إطالة مـدة زيارة الزائرين لمكة لـتنشيط التجارة والأسواق التجارية فيها. وقد أبقى الإسلام فيما بعد على هذا النظام ولم يغـيره. واعـترف الـقـرآن بالأهمية التجارية للحج بقوله: {وأذن في الناس بالحج يأتونك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكرون إسم الله في أيام معدودات} الحج 28 ـ 29. ولم يحدد الـقـرآن مواعيد الحج، لارتباطها بالأسواق التجارية قبل الإسلام، وظلت كما هي من بعده. وبذلك ضمن العـربان وفـود أعـداد غـفيرة من البشر إليهم في سياحة دينية أصبحت بعد أسلمتهم حتمية «لمن استطاع إليه سبيلا».

الـمرحلة الثالثة: قـريش ومـكة

برزت أهمية مكة التجارية كـ" سوق " عالمي كبير ومستديم، لا تنظمه وتحكمه سوى المنافع المادية والمصالح التجارية، فكان لا بد من التصارع علي احتلالها من قبل كافة الأطراف التي ترى فيه مصلحتها ومنفعتها، سواء كانت أطراف داخلية أو خارجية، تماما كما يتم التصارع دائما على الأماكن والمدن التي تعتبر " كنزا " لدي الناس لقدسيتها أو لمواقعها الاستراتيجي أو الحيوي (مدينة القدس مثالا)، لهذا أصبحت مكة أفضل وأعظم كنز في ذلك الوقت، وفي كل الأوقات. [ما زالت، بالرغم من الطغيان المؤقت لعائدات النفط عليها].
ظلت إدارة مكة خاضعة لقبائل يمنية حتى بداية القرن الخامس الميلادي، عندما ظـهر على المسـرح السياسي شـخص مجهـول الأصــل والـهـوية يدعـى " قـصي بن كلاب " ولم يـقـل لـنـا أحـد لماذا " كلاب " بالذات، ولكن قيل إنه خـرج من إحدى القبائل التي تسكن الشعاب والجبال حول مكة، والأرجح أنه جاء من قبائل العربان التي كانت تقطن صحراء النفود في جنوب الهلال الخصيب. والتي كانت تسمى بـ" الهاجريين " نسبة إلى هاجر زوجة النبي العبراني أبراهام، أو بـ" الإشماعيليين " نسبة إلى إسماعيل بن النبي نفسه. ولأنه كان مجهول الأصل والهوية فقد إدعى أحفاده القرشيين ـ خاصة بعد ظهور الأسلمة ـ أنه من ذرية " فهـر " من سلالة " معد " بن " عدنان " من نسل إسماعيل، تبعا لنظام الأنساب الوهمي السابق الذكـر، الذي وضعوه لهم. وقد تمكن قصي بالحيلة والغـدر من اغتصاب مكة ومفاتيح الكعبة وانتزاعها من أيدي قبائل خـزاعة اليمنية، وطـرد الخـزاعيين جميعا منها، وأعاد بناء الكعبة التي بناها تبع اليمني، وسقَّـفَـها بالخشب، وأظهر الحجر الأسود الذي كانت قبيلة أياد قد دفنته في جبال مكة، وكان أول من استخدم الدين كوسيلة للكسب المادي، وأول من حول سكان مكة من سكان خيام متنقلة حول الكعبة إلى سكان مدينة صارت محج العـرب وقبلتهم*14*، وجمع تحت زعامته أشتات القبائل المبعثرة في شعاب مكة وبطحها والتي كانت مستضعفة ومشتتة وتسكن الشعاب ورؤوس الجبال وأطراف مكة، وأطلق على هذا التجمع إسم " قريش "، وأتاح لهم لأول مرة الاستقرار في بـيــوت مـن طـين حـول الكعـبـة في مكة، وعـرفت تلك الإجـراءات بـ" التقريش "، التي يقول عنها الدكـتور سيد القمني إنها نظام جاء كشكل اجتماعي أكثر تطورا بدرجة أعلى قليلا من الأنظمة القبلية المتشرزمة المتقاتلة بالجزيرة*15*، فقد جمع " التقريش " كل المتحالفين مع قصي في مصاهارت ومصالح مشتركة فيما بينهم، تماما مثل عملية " السعـودة " التي قام بها آل سعود في مملكة الجهل المقدس، مملكة أحفاد صلعم.

وذكـر ابن كـثير أن ابن هشام قال: سميت قـريش قـريشا من التـقـرُْش، وهو التكسب والتجارة، وقال الجوهري: الكسب والجمع، وقال البهـيـقي: إن معاوية قال لابن عباس: فلم سميت قريش قريشا؟ قال: لـدابة تكـون في البحـر، تكون أعـظم دابة يقال لها: الـقـرش*16*، لا تمر بشيء من الغـث والسمـين إلا أكلته .. فأنشده شعر الجمحي إذ يقول:

وقريش هي التي تسكن البحر بها سمــيت قـريش قــريشا
تأكــل الغــــث والســمـــين ولا تتركن لذي الجناحين ريشا
هـكــذا في البــلاد هي قـريش يأكـلـون البـلاد أكلا كميشا
ولــهــم آخـــر الــزمـــان نــبي يكـثر القتل فيهم والخموشا *17*

ويفهم من هذا أن القرشيين كان يجمعهم الجشع والنهم وحب التملك، وجاءهم أخيرا نبي [محمد صلعم] يكثر فيهم الـقـتـل والتجـريح.

وبالـرغم من وجـود كعبات كثيرة في شبه جزيرة العربان، وجميعها كانت تسمى " بيوت الله " ويحج إليها الناس أو يعتمرون، إلا أن موقع مكة الاستراتيجي من الناحية التجارية أدى إلى تفوق القبيلة القـرشية اقتصاديا*18*، وبالتالي تعاظم الدور الديني لكعبتها، فتعاظمت مكانة قريش السياسية. فاستقطبت الكثـيرين من البدو العـربان من أجل الحج كل عام أو للعمرة طوال العام والبيع والشـراء في أسواقها. وزاد القـرشيون من أهمية مكة التجارية، فأحاطوا الكعبة بالأصنام التي تمثل آلهة القبائل، وفئات التجار المختلفة، ومـزجوا التجارة والصقوس الدينية والترفيه معا وقفا لعبقرية صحراوية خاصة، مما صنع لهم مكانة مميزة فوق كل القبـائل، ومكـن قادتها من فـرض ضـريبة على كل تاجـر يدخل إلى مكة عـرفـت بالعشـر*19*. فأصبحت مكـة مدينة غنية، غارقة في المـرح والمجـون وأسباب الــترف والفسق والانحلال.

وعندما احتل الأحباش المسيحيون اليمن وأرادوا أن يظهروا ولاءهم للرومان ضد الفرس في نزاعهما، بالاستيلاء على الطريق التجاري وتشغيله لحسابهم، أرسلوا جيشا بقيادة أبرهة لاحتلال مكة في عام 540م الـمعـروف بـ" عام الفيل ". ولا ينسى كتاب التاريخ العربي الإسلاموي ومؤرخوه الـتركـيز على أن هدف حملة الأحباش هذه كان هدم الكعبة وتحويل الحج إلى كنائسهم في اليمن. إلا أن الدكـتور إسماعيل أدهم يقول: « إن تعليل تعـرض الأحباش للحجاز في طريقهم إلى فارس بأن القصد منه محاولة هدم الكعبة وصرف الناس عنها ليست إلا أسطورة نشأت بعد أن قام الإسلام وذاع وانتشـر بين العـرب*20* ». وفي هذه الحملة تعـرض الأحباش لأول هجـوم جـوي فـريد من نوعة في تاريخ البشـرية، إذ أرسل إله البدو إليهم {طـيرا أبابيل ترميهم بجـارة من سجيل فجعـلهم كعصف مأكول} الفيل 3ـ5. ويتجلى خيال كاتبي الــتراث في استهانتهم بعقول البشـر فينقل السهيلي عن النقاش: « أن الطـير كانت أنيابها كالسباع، وأكـفها كأكـف الكلاب »، ويذكـر البرقي عن البدوي الدجال ابن عباس ـ الذي يلقبه المتأسلمون بـ" حـبر الأمة " ـ قوله إن « أصغـر الحجارة كـرأس الإنسان، وكبارها كالإبل » ، ويقول ابن هشام « فأرسل الله عيهم طـيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره وحجران في رجليه، أمثال الحمص والعدس لا تصيب أحـدا إلا هلكم » و يختتم ابن هشام الأمـر بإعلان نتيجة حدث الفـيل بقوله : « ... فلما رد الله الحبشة عن مكة، وأصابهم ما أصابهم من النقمة، أعظمت العـرب قـريشا، وقالـوا: هم أهـل الله، قاتل الله عنـهم*21* ».

ولما تولى هاشم ابن قصي حكم مكة، عمل على إيصال التجارة المكية إلى أعلى درجاتها، فلم يكتفي بتحصيل رسوم على القوافـل التجارة العابرة لمكة فحسب، بل أخذ على عاتقه تسيير قوافل خاصة بالقرشيين في رحلتين أحدهما صيفية إلى الشمال والأخرى شتوية إلى الجنوب، وقد أشار إليهما الـقـرآن. كما أنه عقد اتفاقيات تجارية مع الممالك المختلفة في الشمال والجنوب، وعقد اتفاقيات أمنية مع القبائل البدوية على طول الطـريق شمالا وجنوبا لتأمين سـير القوافل الـقـرشية فيما يعـرف بـ«الإيلاف» التي ذكـرت أيضا في القـرآن. وبذلك « أصبحت مكة جمهورية صغـيرة تجارية*22* ».

أما عبد المطلب بن هاشم " جد صلعم " واسمه الحقيقي عبد مناف*23*، الذي تولى حكم مكة بعـد والـده، فيقـول عنه الدكتور القمني: « إنه كان يتميز بوعي سياسي بعيد النظـر، وحس قومي جعلاه يركـز على مـزج الدين بالتجارة فـانطلق يضع أسس فِهْم جـديد للاعتقاد، فِهْم يجمع الـقلـوب عند إله واحد، وكان أول من أعـلن أن الوحي يجيئه في المنام ليأمـره بأوامـر عـامة منها حفـر بئر زمـزم، ورفـض عـبـادة الأصنام، والعـودة إلى دين جـد قريش إبراهيم العـبراني ».

❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---❊-;---;-----;---

الحــج

تقول خـرافات العـربان الإسلاموية إن جـدَّهم وجـَدَّ إخوانهم العبرانيين اليهود المدعو " أبرهام أو إبراهيم كما يسمونه " عندما جاء إلى مكة مع ابنه إسماعيل، أمـره ربه بأن يرفع " قـواعد البيت العتيق " ويبني الكعبة المعروفة الآن، ويؤذِّن للناس بالحج إليها. ومـنـذ ذلك الـوقــت ـ الغـير معـروف ـ نشأ الحج، وظل شعيـرة وثنية بين العـربان حتى جاء نبي الإسلام، فأخذها بكل ممارساتها كشعيرة إسلاموية. ولقد لـعـب الحـج دورا رئيسيا في حـياة البدو الـعـربان في مكة، سواء قبل أو بعد الإسلام، لكونه مصدر رزق مستديم للعربان الجياع، ولا زال يشكل أيضا همـزة الوصل بين التجارة والدين.

ويفهم من كتب التراث الإسلاموية أن كلمة الحـج مأخـوذة أصلا من كلمة " الحـك "، إذ يقول الشهرستاني: « أنه كان يمارس في الحـج طـقس غـريب وهو الاحتكاك بالحجر الأسود*24* »، الذي يقدسه الحجاج حاليا. وتوصل الـدكـتور سيد القمني ـ تبعا لروايات إسلاموية ـ إلى أن سـر الاحتكاك بالحجـر الأسـود، الذي كان أبيضا، هو المس بدماء الحيض من النساء قبل الإسلام، لاعتقاد العـرب أنه سر الميلاد، فمن المرأة الدم ومن الرجل المني، ومن الإله الـروح*25*. بينما يقول الدجال ابن عباس عن النبي إن الحجـر نزل من الجنة، وفي روايات أخـرى قال إنه قطعة نزلت من العرش الإلهي، وكان أشد بياضا من اللبن أو من الثلج في روايات أخرى فسودته خطايا بني آدم، أو سودته خطايا أهل الشـرك. وكان البدو العـربان يقـبِّلونه قبل التأسلم، وظلوا يقـبِّلونه حتى الآن، وقد تردد عمر بن الخطاب في تقبيله لعلمه أنه حجـر لا يضـر ولا ينفع، ولولا محمد قـبَّله ما قـبّله. ولكن الحقيقة هي أنهما قبَّـلاه لرؤية سياسية تفرضها ضرورة كسب البدو الوثنيين الذين يتشككون في الإسلام. كما أن أحد كبار الدجالين في العصر الحديث قد أرغمه العـلم على الاقـتراب قليلا من الحقيقة، وأدرك أنه جـزء من أحد النيازك الهالكة، فقال: « تقبيل الـنيزك تقليد ثابت في الشـريعة الإسلامية لأن محمد فعل ذلك. ولا يجب التساؤل عن الحكمة من وراء هذا العمل لأن هذا التقليد تعبيـر عن التعبد رغم غموض الحكمة منه*26* »، والحكمة الغامضة والتي لا شك في أنها معـلومة لدي هذا الدجال وأمثاله هي أن هذا الحجـر الأسود وثن من أوثان الـبدو المقدسة قبل التأسلم وقدسه محمد بالمثل لـضـرورة سياسية لا أكـثر ولا أقـل.

كـذلك كان البدو العـربان قبل الإسلام يعبـدون الصنم الذكـر "إساف" الموضوع على الصفا والصنم الأنثى " نائلة " الموضوع على المروة، ويسعون بينهما سبعة أشواط ويتمسحون بهما، ويقصون شعورهم عندهما، في طقس هام من طقوس الحج. وعندما جاء الإسلام أقر ـ كما هو معروف ـ هذا السعي بين الصفا والمـروة بأشواطه السبعة، وتقول كتب التاريخ الإسلاموية إن الصنمين كانا معبودين ذكرا وأنثى وأنهما كانا شخصين حقيقيين، دخلا فناء الكعبة، وهناك فجـرا، فمسخهما الله صنمين. بينما الحقيقة هي أنهما لم يفجـرا وما كان من الضروري أن يفجرا يجـوار الكعبة، وإنما كانا يمارسان عبادة جنسية سادت في المنطقة آنذاك، خاصة في بلاد الشام والعراق، وبقية بلاد الهلال الخصيب بأكملها، وانتقلت مع تجار القوافل إلي مكة.

وتذهب تلك الكتب أيضا إلى أنه عندما طـرد "آدم" و "حـواء" من الجنة نزلا متفـرقين، دون أبداء الأسباب، فهبط آدم في الهند وحـواء في مكة، وظلا هائمين حتى التقيا على الجبل المعـروف بإسم "عــرفـة"، لأن آدم عــرف أو جامع حـواء عـليه، ويقـول خالد السعيد: « إن هناك مبادلة بين الحرفين الفاء في [عـرف] والباء في [عـرب] عند اليمنيين، فيستخدمون حتى اليوم كلمة عـرب بمعنى المباشرة الجنسية*27* »، ومن هنا تقدس الوقـوف بعـرفة، فكان من أهم مناسك الحج قبل الإسلام، حيث يتجه إليه الذكور والإناث زرافات ويتجمعون لممارسة طقس الجنس الجماعي طلبا للغيث والخصـب من الإله القـمـر، ويبيتون ليلتهم حتى يطلع عليهم النهار، ولذلك إطلق عليه أيضا الجمع " عــرفات ". وكان الحجاج قبل التأسلم يطوفون حول البيت الإلهي " الكـعبة " ذكـورا وإناثا عـراة تماما، وعندما جاء الإسلام جعـل للإحرام زيا غـير مخيط لا يستر غـير العـورة، وأبقى على طقس ممارسة الجنس الجماعي على عــرفات، بل وحث النبي عليه، ففي حجة الوداع خطب في أصحابه وأمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة، ويتمتعوا بالحج، والمتعة هنا هي اللذة بإباحة محظورات الإحـرام، حـتى قـال قائل ـ كـما أخـرجه أبو داود في سـننه : « أننطلق وذكورنا تقطـر؟ فقال النبي: « إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة المتعة ». وكان المتأسلمون يحجون إلى الكعبة ويمارسون طقوس الحج كما كانوا يمارسونها في الجاهلية، وعندما فرض الحج في السنة التاسعة للهجرة، وجاء القرآن يقول : {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} آلـ عمران 97، لم يبين كيف تكون مناسك الحج، فظلوا يمارسونها كما هي إلى أن جاءت " السنة " بعد إكثر من قـرنين على ظهور الأسلمة لتعدل بعض شعائـره التي كانت قبل الإسلام*28*. ولم يكن الـعـربان يطوفون حول الكعبة عـرايا تماما من باب الانحلال الخلقي، ولكن لـفـرط تقديسهم للكعبة وحجـرها الأسود، فيهابون الطـواف وتقبيل الحجـر الأسود بثيابهم التي اقـترفوا فيها ذنوبا، وكان بعضهم يشتـري ثيابا من القرشيين لهذا الغرض باعتبارها مطهـرة (مجـرد تجارة).

ولما كانت مكـة مدينة عالمية ورائجة تجاريا قبل ظـهـور الأسلمة، فتستقبل سنويا أعـدادا غـفـيرة من الـتجار والزبائن والحجاج وغــيرهم مـن الغـرباء، فقد عــرفت أقدم تجارة عـرفتها البشـرية هي " الـدعـارة "، فتكونت فيها فئة من العاهرات [المومسات] الـمعـترف بهن ويعـرفن بـ" الـرايات الحمـراء " التي يضعنها على مداخل خيامهن أو بيوتهن كعلامة عـلى ممارسة الـدعـارة والـبــغاء باعتبارها مـتعة مـرخصة للـرجال وكجـزء من الـرواج أو الـترويج التجاري، فلما جاء الإسلامى أبقى عليها ولكنه أمـر العربان بألا يكرهوا بناتهم عليها، أبتغاء الكسب المادي [إذا أردن التحصن والعفة !!] ، فقال القـرآن: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عـرض الدنيا ومن يكـرههن فإن الله من بعد إكـراههن غـفـور رحـيم}النور 33، ومع هذا، فإن من يكـرههن على البغاء، فالله يغفر له ويرحمه بعد ذلك، هكذا، ويمعن المفسرون في الاستهانة بعقول البشر بتعـريف " فتياتكم " على أنها " جواريكم "*29*، هكذا بحيث لا تشمل بناتهم. وسمح النبي إلي جانب ذلك بزواج المتعة الموجود قبل التأسلم، خاصة للتمأسلمين أثناء ابتعادهم عن زوجاتهم ومشاركتهم في القتال، وهو زواج بأجــر ولفترة محددة. وقيل إن عمر بن الخطاب حــرَّم هاتين المتعـتين، بقـوله من على المـنبر: « متعتان كانتا عـلى عـهـد رسول الله وأنا أنهي عنهما وأعـاقـب عليهما : متعة الحج، ومتعة النساء »، ولم يوضح عمر ماذا يقصد بـ" متعة النساء "؟ هل هي الدعارة الشائعة في مكة والمدينة أم نكاح المتعة أم كلاهما؟، لذلك اختلف الفقهاء حول نكاح المتعة فذهب السنة إلى أنه ممنوع بينما لا زال الشيعة يعملون به وأصبح دعارة مقننة بينهم، ويأتي الطـرفان بأحاديث أو أحداث محمدية تؤكد وجهة نظـره. وعـلل الشيخ خليل عبد الكريم تحريم ابن الخطاب هذا بأنه نتيجـة لـتدفـق السبايا والجـواري والمجلـوبات من البلاد المفتـوحة والـمـوطوءة على يثرب حتى شبع الـرجال منهـن*30*. فأقـلعوا عن الـمتع الجنسية الأخـرى المكلـفـة.

إذا عـدنا إلى ما قبل الأسلمة بقليل، فسوف نجـد أنه إلى جانب ازدياد الأثرياء ثراء نشأت مجموعات متمردة من الشباب الذين أتخذوا من قطع الطريق والقتل وسلب ممتلكات الأغنياء وسبي نسائهم وأولادهم أسلوبا للعيش وطريقا للحياة. وقد عـرفت تلك المجموعات بإسم " الصعاليك " أو " الخلعاء " (سوف نتعـرَّف عليهم لاحقا) لأن قبائلهم خلعتهم منها وتبرأت منهم، وقد ولى محمد صلعم نفسه واليا عليهم، وتبنى فلسفتهم في الحياة تحت إسم " الإسلام "، ونظم عملياتهم تحت غطاء شرعي من إله السماء، فازدادت صعلكتهم وتضاعفت ملكات يمينهم، وفي المقابل غضوا الطرف عن الامتيازات الخاصه به والتي كانت تتعارض مع ما يلزمهم به. لقد عـرف كيف يجندهم ويغير مجـريات الأحداث لصالحه، تماما كما حدث ويحدث دائما في كل المجتمعات بظهور جماعات وطـوائف ومذاهب وقطاع طرق ودجالين وكذبة يعملون بإسمه الدين ورسمه بهدف الحصول على جزء مادي أو معنوي من الوليمة المستديمة. ومن هنا ظهرت الفكرة المحمدية الإسلاموية الهـزيلة في هذه البقعة من العالم دون غيرها.

ولو أن العـربان المتسعودين رفعوا غطاءهم الحديدي عن بلادهم وسمحوا بالتنقيب الأثري في المناطق الحجازية المقدسة، فلـربما اتضح الكثير من الحقيقة المخفية عمدا ومع سبق الإصـرار. تلك الحقيقة التي نحاول على الصفحات التالية كشف النقاب عن بعض من جوانبها، وذلك بما يتوفـر لدينا من معلومات وسط هذا الكم الهائل من الخـرافات والأكاذيب والتناقضات التي تشكل بالفعل متاهة دينية وتاريخية على حـد سـواء.
الهوامش:
*1*د. شوقي ضيف: العصر الجاهلي ـ ص122، ط 9، مصدر سابق .
*2*إبراهيم الزيني- حسن إسماعيل: شبه الجزيرة العربية بين أسباب الصعود وأسباب النزول، ص24-23، الشعاع للنشر، القاهرة 2005.
*3*عماد الدين أبو الفدا «ابن كثير» : البداية والنهاية في التاريخ ، مج 4 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1966 .
*4*إبراهيم الزيني: شبه الجزيرة العربية ، مصدر سابق ، ص 40.
*5*د. جواد على: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج4، ص 606و607، مصدر سابق .
*6*باتريشيا كـرون ومايكل كـوك: الهاجريون، ترجمة نبيل فياض، ط 1، 1999.
*7*Groom, N. Frankincence and Myrrh, a Study of the Arabian Incence Trade, London, 1981.
*8*باتريشيا كـرون: تجارة مكة وظهـور الإسلام، ترجمة آمال محمد الـروبي، مصدر سابق.
*9*بإيجاز عن شاكر النابلسي: المال والهلال، دار الساقي، بيروت 2002، ص 20، 21 .
*10*باتريشيا كـرون: تجارة مكة وظهـور الإسلام، ترجمة : آمال محمد الروبي، مصدر سابق.
*11*البقـرة: 2/ 125-127، 191، 217 والمائدة: 5/2،95،97 والأنفال:8/34 والتوبة:9/7 والفتح: 48/25، 27 وقـريش:106/3.
*12*أنظـر Zwemer, op. cit, p43
*13*أنظر مقال مالك مسلماني بعنوان الكعبة في http://www.muhammadanism.org بتاريخ 1 أكتوبر 2004.
*14*د. جواد علي: المفصل في تاريخ العرب ، ج4، ص4-22، ط2، مصدر سابق
*15*د. سيد القمني: الأعمال (3) الإسلاميات ط1، ص96، المركز المصري لبحوث الحضارة، القاهرة 2001
*16*سمك القـرش وهو من الأسماك المتوحشة الخطـيرة.
*17*ابن كثير : البداية والنهاية، مصدر سابق، ط4، مجلد2، ص187
*18*يلاحظ من الرسم التوضيحي لقبيلة قـريش أن الفـرع الهاشمي كان أكثر تدينا من الفـرع الأموي، إذ أن الكثيرين منهم يحملون أسماء الآلهة الوثنية.
*19*أبو الحسن بن علي بن عبد الله المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر ، طبعة القاهرة 1966 .
*20*د. إسماعيل أحمد أدهم: قضايا ومناقشات، تحـريـر وتقديم د. أحمد إبراهيم الهـواري، ص115، دار المعارف، القاهرة 1986.
*21*د. سيد القمني: الإسلاميات، ط1، 2001، ص24-27، مصدر سابق.
*22*د. أحمد شلبي: السـيرة النبـوية العطـرة، مكـتبـة النهضة المصـرية، ط12، ج1، ص146 وما بعـدها، القاهـرة 1977.
*23*مناف إله صنم من أصنام الكعبة «المشـرفة».
*24*أبو القاسم الشهرستاني: الملل والنحل، ص 247.
*25*د. سيد القمني: الأسطـورة والــتراث، ط2، ص159-167، سينا للنشـر، القاهـرة 1999.
*26*محمد متولي الشعـراوي: آراء شـرعـية، الـنقـطة2، ص167.
*27*خـالـد السعـيد : الحـوار المتمدن http://www.rezgar.com
*28*إبراهيم فـوزي: تدوين السنة، مصدر سابق، ط2، ص 35.
*29*محمد فـريد وجـدي، المصحف المفسـر، ص 462، مطابع الشعب، القاهـرة 1377هـ .
*30*خلـيل عبـد الكـريم: مجتمع يـثرب، دار مصـر المحـروسة، ط1، القاهـرة 2002.





#ياسين_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 4
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 3
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 2
- الخديعة الكبري العرب بين الحقيقة والوهم 1
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 5
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 4
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 3
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس ؟ -2
- تعليق سريع على حوار القراء المتمدن
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟
- المرض المزمن الذي أصاب المصريين
- الناس اللي تحت
- إنتو شعب واحنا شعب حكاية حزينة للغاية
- مصر والطريق إلى الديموقراطية
- الشيخ أحمد وزملاؤه
- أما آن الأوان للأزهر أن يتحرك؟؟
- بين هذا وذاك
- العربان المتأسلمون
- الشيطان الأكبر


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 5