سعدي عباس العبد
الحوار المتمدن-العدد: 4452 - 2014 / 5 / 13 - 23:05
المحور:
الادب والفن
القطارات الصاعدة للسماء : رسائل الزمن المشفّرة
_________________________________
• ........ القطارات أرواح ... كلّ مخلوق قطار , ينتظر بلوغ المحطّة .. المحطّات
• استراحة الاجساد المنهكة .... المحطّات ايماءات .. وتلوّيحات وداع .. وامكانية
• لأسترجاع ذكرى . ما .. الذكريات لن تغادر المحطّات , بل تتخفى وراء ظهر الزمن
• الزمان تابوت القطارات وربّانها وعزرائيلها وساعي بريدها .. القطارات رسائل الزمن
• المشفّرة ... والسكك خطوات الزمان , .. الزمان في رحلتهِ وأثاره المطبوعة على المكان
• السكك حمّالة ارواح .. وشاهدة على مرور الأرواح واوقاتها .. السكك دليل وبوصلة
• وعلامة وجادة وسهم ملتوي يؤشر ويشير ويقود ..............................
• المرة الاوّلى التي رأيت فيها القطار .. لااتذكّرها تماما ..بيد انّي لا زلت اتذكّر ملامح ذلك
• الزمن البعيد ..زمن الطفولة والجري في أثر القطارات .. وهي تمرّ على مبعدة من بيوتنا
• كانت منبهات القطارات , منبّهات لحلول طلائع البهجة .. وبشائر تعلن عن قدوم المسرّات
• الناعمة الصغيرة .. منبّهات لكسر الرتابة المخيّمة على طفولة تتوق للمغامرة والاكتشاف
• ...... صفير القطار كان بمثابة جرس تنبيه لايقاظ الروح من نومها الطويل على وسائد
• الرتابة , والتكرار في مزاولة طقوسنا التي لا تتعدى الهو وتزجية الوقت في دحرجت اطارات
• سيارات ثقيلة وتالفة على الارض
• حالما يتناهى لاسماعنا ذلك الصفير .. _ وكأنه يدعونا للاحتفاء باحزاننا القادمة في الطريق
• ونحن ساهين عنها في غمرة ذلك المرح الذي ما اسرع انّ توارى وراء زمن القطارات _ اوّل ما
• يتصاعد ذلك الخيط الطويل من الصفير .. نهرع جريا وكأننا نباري الريح
• تحملنا سيقان رفيعة سمراء لوحتها شموس البرّية المدغلة , البرّية قبل ان تصير مدينة مأهولة
• بالسكان يطلق عليها الآن مدينة الاورفلي ...
• تحملنا اقدامنا الحافية المطبوعة بندوب واثار جراح لم تنّدمل .. تقودنا في ركض متصل
• ينهك البدن ..ولكن كان حجم الفرح من السعة بحيث كان يغطّي ويطغي على طوفان ذلك الانهاك
• اللاهث .. كنا نضع عملة نقدية من فئة 5 فلوس على سطح السكك فتمرّ عليها عجلات القطار
• فتتسع مساحة تلك القطعة فتغدو قريبة إلى حد ما , لفئة 10 فلوس
• ما كنا نعلم انّ تلك العجلات , انما كانت توسع من مساحات ارواحنا , المتخفية وراء القطارات
• وراء ظهر الزمن ..توسع مساحات الخراب وهو في طوره الاوّل .. وهو في اوّل تدفقه من
• ذلك المصبّ الحديدي ... كنا نرى إلى الجنود المحمولين على ظهر القطار وهم يقذفون نحونا
• صمون الجيش .. كانت تلك اوّلى علامات الخراب .. اوّلى بشائر الشؤم .. كان ذلك الصمون اوّل
• العلامات اوّل شروق نقاط الدلالة .. اوّل السهم المشير للضالين والخائبين .. كان ذلك الصمون
• بمثابة اوّل الطريق المشفّر . الطريق الذي سوف يقودنا لاحقا إلى طبقات الجحيم ..
• كنا نرى إلى المدافع المحمولة على اكتاف القطارات ..فنصاب بالذهول وتتسع دهشتنا ..
• دهشتنا التي ستغدو فيما بعد , بسعة الخراب .. دهشة ستحيلنا إلى مخلوقات مدهوشة على
• الدوام .. مدهوشة من صعود القطارات إلى السماء
• ما كنا نعلم انّ القطارات .. توابيت تشحن بالمدافع والجنود .. وما كنا نعلم اننا سنعقّب المواكب
• العابرة .. موكب جنود القطار في رحلتهم نحو السماء .. ما كنا ندري همّ السابقون ونحن اللاحقون
• من اين لنا انّ نعرف اننا لاحقون في اثرهم نحو السماء ..او نحو الارصفة والشوارع .. مشرّدين
• معوزين مطاردين ...
• القطارات قبل تتخذ هيئة واشكال التوابيت المشحونة بالاحلام الميتة .. قبل انّ تتحول في مخيّلتي
• ......... وقبل ان تكون سفن للهلاك في بحور الحرب .. كنت اتصورها في ذهني المكتظ في وقت
• ما , بالاحلام الرومانسية .. إنها ذات وشيجة حميمة باحلام العشاق الرومانسين ..
• فمحطّات القطارات قبل انّ تتحول إلى عتبات تمهيدية , او خطوات اخيرة تقود الى السماء
• كانت مكانا اليفا للوداعات واللقاءات .. وداع العشاق في رحلاتهم الحافلة بحرارة التوق
• والدموع والهمس والآمال . وداع كثيرا ما يكون محفوفا بالشجن
• القطارات فضلا عن كونها مترعة بالرموز والشيفرات , في صلتها بالزمان والمكان .. كانت ترمز
• للزمن في تمدّده وتصاعده ...وما السكك إلا الزمن الملتوي في صعوده نحو الابدية ...
• الزمن الذي اطّلت عبر بابه المفتوح .. عاشقات .. وامّهات جنود .... وجنود في لحظة وداع
• وداع الحبيبات او الامّهات ... المحطات مرافىء مناديل . مناديل للتلويح .. والدموع
• المنديل ملمح او احد معالم المحطات .. وحاضنة رؤوم لتجّفيف ملح البكاء .. وحاضنة لديمومة
• الروائح .. الرائحة نظير وصنو ومبعث الذكرى .. الذكرى والرائحة احداهما يفضي للآخر ..
• لا ذكرى بلا رائحة .. ولا رائحة بلا ذكرى .. القطارات ينابيع ومصبّات الرائحة .. المحطات
• شاهدات منظورات على مرور الزمن والقطارات .. الزمان والقطار احداهما يؤدي إلى الآخر
• القطارت تشيخ .. قبل انّ تأخذ بعد وشكل الزمن الرمزي .. قبل انّ تلعب دور الزمن
• في مسرحة الوجود .. قبل انّ تتقمص ملامحه في اشد واعمق معالمه تراجيديةً .. التراجيديا
• علامة الزمن في تحولاته .. في الحقيقة الزمن غير متحول بل هو ثابت في عدم ثبوته
• المتحول هو الجندي والأمّ والحبيبة والطفولة والمكان .. المكان يتغيّير بفعل الخارج
• الخارج عن ارادته وخياراته ..فالقطارات وفقا لتلك الرؤية تشيخ لما يمتد بها العمر
• وتغدو اقرب ما يكون لشيخ طاعن بالانهاك والسنوات .. فيصيب عظامها او حديدها التلف
• والوهن وتمسك عن الحراك ..
• وعندما تغادر القطارات في رحلتها نحو الغياب المطلق او مقبرة النفايات .. فانما ترّحل
• معها ازمنة الجنود ورائحة الامهات .. اقصد البقايا من تلك الرائحة المنعكسة في صورة الحديد
• قبل انّ يصيبه التلف وتنال منه يد الغبار والنسيان
• النسيان محرك وعجلات الزمن .. الزمن في ملامح القطار الرمزية ......
• صمون الجيش نسيان والعملة المعدنية نسيان وحتى محمولات القطار في الذاكرة , ذاكرة الاطفال
• نسيان .. نسيان يحدث في المحطة الاخيرة .. المحطة المرموز اليها بالموت .. الموت الغاء
• وبعث ..يحيل القطار للنفيات .. ومن اعماق النفيات يبعثه على نحو مغاير .. ربما يبعثه على
• شكل باب او انبوب او نافذة حديدية .. بعد انّ تلمسه يد الانسان .. الموت يحي ويميت من نفاية
• إلى نفاية .. لكنه لا يموت .. يحوّل القطارات إلى اشكال اخرى بملامح مختلفة .. ينتجها
• من قاع النسيان والتلف ولكن بشكل مختلف .. شكل يمكن انّ يكون أي شيء .. عدا انّ
• يكون قطارا ...................
•
#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟