أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - استذكارات : كراج النهضة ..: التابوت محمول على اكتاف الشاعر














المزيد.....

استذكارات : كراج النهضة ..: التابوت محمول على اكتاف الشاعر


سعدي عباس العبد

الحوار المتمدن-العدد: 4442 - 2014 / 5 / 3 - 17:06
المحور: الادب والفن
    


** استذكارات : كراج النهضة ح 5

التابوت محمول على اكتاف الشاعر ..
______________________



** في ذلك اليوم التشريني من عام 1980 .. كان الموت يشغل مساحة قذرة من فضاء الكراج .. كراج
النهضة بالطبع ..كانت الحافلات جاثمة مثل توابيت عملاقة او ضخمة ..
والموت يجري مع الجنود المتبارين نحو الحافلات او التوابيت في زحام مهوّل
كانت اشرعة الصباح تخفق في رياح الكراج ..كان هواء تشرين في ذلك الصباح لاذعا .. اكاد
المس البرد وهو يمرّ على وجهي مثل موسى او شفرة حلاقة موجعا باردا ..كان الصباح مثل
حسناء مضرّجة خدودها بمسحة من اصفرار يلقي ظلا من التشوّهات على حسنها او جمالها
غادر صديقي الشاعر مع آخر حافلة صاعدة للجنوب او القاطع الجنوبي .. غادر في التابوت
الذي على هيئة حافلة من نوع ريم .. التابوت التمهيدي الرمزي الذي سيتناسل لتوابيت ريمات
تضمّ داخلها آلاف العظام المجتزءة من غابة الجماجم .. غابة الجنود ..مشروع الأحتطاب او
مشروع الحرائق المؤجل او القادم في الطريق ... قبل انّ يغادر محمد صوب الحافلة الريم ..
او التابوت , ركض مع الموت يد بيد ..ركض باتجاه الريح .. جرى في زحام التوابيت .. كان سائق
الحافلة يخرج رأسه من شق يتصدر جدار التابوت او كان يطل من مدخل باب الحافلة ويطلق هتافا طويلا
هتاف يماثل النزع الاخير للميت الافتراضي غير المنظور __ : نفرين ..نفرين .., كان التابوت بحاجة
ملّحة وعاجلة للجنديين .. كي يكتمل النصاب ويصوّت للموت .. قبل انّ ينعطف الشاعر الجندي
الشيوعي ناحية باب التابوت المشرع ,اومأ بيده ..في إشارة للوداع .. وداعي .. وداع كراج النهضة ..
وداع الجنود المتخلّفين عن الحاق بركب الموت .. او اللذين سيتأخرون في الوصول .. وصول الموكب
العابر عابر الاوجاع والكراج والحلم ..بقيت يده الطويلة النحيلة , معلّقة في الهواء وهي تلوّح ليّ بالبيرية
المضمومة بين الاصابع
كانت تلك الإيماءة هي الأخيرة التي ودّع عبرها العاصمة بغداد وكراج التوابيت والجنود ومقبرة الامّهات ..
بقيت لوحدي انتظر تابوتي الذي تأخر
كثيرا .. مكثّت قرابة ساعة انتظر ..تلك الساعة التي سوف تتتناسل إلى سنوات مديدة
ستتحوّل إلى زمن عصيب من الميتات الرمزية العديدة . موت طويل في ميّتات او ميّتات في موت بطيء واحد
طويل .. من اقصى الكراج وعلى مقربة من بوابة الدخول والخروج , كانت تأتي عبر الريح البارده
انشودة لا تسعفني الذاكرة بحضورها او استدعاؤها , اظن كانت : اتقدم وحنه وياك اثنين , جيشين لصدام
حسين او شيء من هذا القبيل .. كانت الانشودة تتصاعد في الفضاء .. تتمدّد في هواء تشرين البارد
تمشي مع زحام الجنود .. تتفشى في روح المكان .. لتغدو فيما بعد اقرب ما تكون إلى رائحة ..
رائحة تحيل الذاكرة ألى استحضار ملامح المكان .. بقيت لزمن عصيب كلما اسمع تلك الانشودة
يثب الى الذاكرة المكان .. او كراج النهضة بسائر تفاصيل ذلك الصباح البارد .. تحضر كامل ملامح المكان
كانت الانشودة تتناغم مع ايقاع ركض الجنود نحو الموت .. الموت المطل عبر ابواب الحافلات .. الموت
في خطوته الاوّلى التمهيدية التي تسبق حلول تلك الخطوة الاخيرة . الخطوة التي ما بعدها خطوة
حيث ستتجمد سائر الخطوات على ملامح الزمن .. حيث ستكف عن الركض .. ستمسك عن مواصلة المشي
والجري , .. كانت الانشودة تأتي محمولة على خطوات الجنود ..تتصاعد على ايقاع الخطوة التمهيدية
. الخطوة ما قبل الاخيرة ..اما الزمن .. زمن الاغنية . فكان يمشي سريعا .. يمشي في خطوات
متلاحقة ابدية ..يطوي عبر خطواتهِ كلّ شيء .. كلّ شيء
غادرت توابيت الريم كراج النهضة ..وتركت عبر رحيلها في مواكب متعاقبة , صمت يتفشى في مهملات
الكراج .. صمت نسبي يخيّم على الاطراف المترامي .. ينتشر في وقع خطوات الجنود ممن لا زالوا
ينتظرون حافلات تقلهم إلى قواطع الجبهة .. تقلهم في خطوة واحدة طويلة , إلى حيث الخطوة التي
ما بعدها خطوة ...كانت طلائع الصباح تمشي على مهل نحو الضحى .. وساحة الكراج مشغولة بالصمت
والانتظار .. بعد انّ افرغت حمولتها داخل توابيت الريم .. لم يبق سوى اصوات الباعة تتردد مع تلك
الانشودة التي ظلت تغطي فضاء الكراج طولا وعرضا : اتقدم واحنه وياك اثنين .. جيشين الصدام
حسين ...... صدام مشّعل الحرائق , لم يتقدم خطوة واحدة بقي شاخصا في موضعه يرقب من بعيد جميع
الخطوات التي
ذهبت مع رياح الخطوة الاخيرة ..تأخر في خطوته الاخيرة .. او الخطوة الاخيرة تأخرت عنه.. جاءت خطوته
الاخيره دون خطوات تمهيدية ..اتت ماشية على ايقاع بساطيل المارينز ..



#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استذكارات ... كراج النهضة ح3
- كراج النهضة ح2
- ما يدور بخلد الناخب : التغيّير محض حلُم
- استذكارات : محمد راضي فرج .. شاعر غاب مبكّرا
- جوائز الفن بين الحظ والاستحقاق
- لا : لصناعة الموت
- الانتخابات : اكذوبة راسمالية
- تاريخ الحزن العراقي : الاغنية العراقية انموذجا
- استذكارات : عن الشحاذ والي الاعرج او العراق , لا فرق
- انطباعات سينمائية : الشخصية الروائية في السينما
- الاصابع الملطخة بالدم البنفسجي
- التوابيت بوصفها صناديق بريد مستعجل
- سانتخب : الجنّة على الارض
- اصدقاء الفيس بوك : غابة من الاشباح
- كتّاب الفيس بوك : خارج نطاق الخدمة الورقية .. وصناعة النجوم
- تأملا ت في الموهبة والاسلوب
- تأملات في ظاهرة التكرار : النصوص انموذجا
- مخطوطة السيرة والحرب : ابو طويله .. / احلام الرماد والنساء
- مخطوطة : على مقربة من سلمى والحرب
- استذكارات في مقاطع _ 1 _ على تماس من تخوم السيرة والحرب


المزيد.....




- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - استذكارات : كراج النهضة ..: التابوت محمول على اكتاف الشاعر