أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - تطور الدين مع الانسان














المزيد.....

تطور الدين مع الانسان


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4400 - 2014 / 3 / 21 - 13:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عكس الاعتقاد السائد، لم يكن الدين ملازماً للإنسان منذ تطوره إلى الحياة فوق كوكب الأرض بتكوينه الجسماني الحالي قبل مئات، وربما ملايين، آلاف السنين خلت. في ظل حياته الانفرادية في البراري والغابات ثم في مجموعات متناثرة فيما بعد أشبه بالقطعان الحيوانية الرحالة حالياً بحثاً عن منابع المياه والطعام والاحتماء من أخطار الطبيعة والمفترسات، لم تكن قد خطرت بخيال الانسان البدائي بعد أي فكرة عن قوى قابعة في أو فيما وراء الطبيعة تستطيع أن تؤمن له حياته وتطمئنه على مستقبله. في ذلك الزمان كانت الأفراد والمجموعات البشرية غير مستقرة ولا تستطيع الاتصال بشكل منظم إلى بعضها البعض، ومن ثم افتقرت إلى العلاقات الثابتة فيما بينها وإلى القدرة على الفكر المنظم في وجود قوى عليا أقوى منها أو حتى القدرة على تخيل وجود مثل تلك القوى أصلاً.

لكن هذا الوضع قد تغير بدرجة جوهرية فور استقرار الانسان في أماكن ثابتة، حيث بدء يروض الطبيعة البرية ويسخرها لأغراضه الخاصة باستغلال عناصرها في بناء مسكنه وزراعة مأكله وصناعة أدواته وملبسه ونقل وتخزين مياهه وصيده...الخ. وكان من أهم النتائج المترتبة على هذا الاستقرار والتفاعل البناء مع عناصر الطبيعة البرية أن نشأت لأول مرة ’علاقة‘ جلية منظمة وقابلة للتطوير سواء فيما بين أفراد هذه الجماعة البشرية الصغيرة المستقرة حديثاً أنفسهم، أو فيما بينهم وبين عناصر الطبيعة التي قد أصبحوا في علاقة عمل (بناء وزراعة وصناعة) منظمة ومقصودة معها لأول مرة في حياتهم. فور تبلور هذه ’العلاقة المزدوجة‘ بين الإنسان وأفراد نوعه من جهة ثم بينهم وبين عناصر الطبيعة من جهة أخرى، انتهى إلى الأبد عصر ’الانسان البري‘ غير المتصل والواعي بأفراد نوعه وعناصر طبيعته وبدأ عصر ’الإنسان الحضري‘، حيث تطور الاتصال إلى ألفاظ ثم رموز مكتوبة ثابتة ومنظمة، وتطورت بدورها العلاقات، ومن ثم أصبح الخيال والتصور والفكر المنظم ممكناً للمرة الأولى على الإطلاق.

قبل ’الاستقرار‘ ونشوء ’علاقات مستقرة‘ بين البشر بعضهم ببعض، كان التخيل أو التصور أو التفكير المنظم في أي شيء شيئاً مستحيلاً في حد ذاته. وفي غياب علاقة واضحة ومنظمة مع أفراد نوعه وعناصر الطبيعة من حوله، كان يستحيل على الانسان البدائي أن يتصور وجود أي قوى خارقة تقبع فيما وراء طبيعة لا زال هو نفسه عاجز عن إدراك وجودها. الإنسان البدائي لم يكن ’يعرف‘ كونه ’إنسان‘ أساساً، ومن ثم كان عاجزاً عن تصور وجود دين- أي دين على الاطلاق بوصفه علاقة تبجيل أو تقديس أو رهبة أو طمع بقوى خارقة تفوقه بطشاً ورحمة.

فيما بعد، بمقدار تطور ’العلاقات‘ سواء فيما بين أفراد وجماعات البشر أنفسهم أو فيما بينهم وبين عناصر الطبيعة المادية من حولهم، تطورت أيضاً أفكار الإنسان وتصوراته وتخيلاته المختلفة حول وجود كيانات أكثر منه قوة وبطشاً، أو سخاءً وعطفاً. عندما كانت التجمعات البشرية المستقرة لا تزال صغيرة الحجم وموزعة بين قرى صغيرة ومنعزلة، كانت تصوراتها للآلهة لا تزال بدائية مثلها ووجدت مجسدات مباشرة لها في أقرب عناصر الطبيعة إليها من جماد أو نبات أو حيوان، أو في النجوم والكواكب والرياح، أو في مخلوقات البحر أو باطن الأرض...الخ. ومع تطور وتحضر هذه التجمعات البشرية المستقرة أكثر، تطورت وتحضرت معها أيضاً علاقاتها وتصوراتها وتجسيداتها لقواها الخارقة وآلهتها، حتى بلغت البشرية عصور ’الآلهة السماوية‘ المجردة، غير المجسدة في أي من عناصر الطبيعة كما في الماضي.

الشيء اللافت في هذه الرحلة التطورية لمفاهيم الآلهة هو أن علاقات البشر ببعضهم البعض، ثم علاقتهم بعناصر الطبيعة المادية من حولهم، ودرجة تطور هذه العلاقة المزدوجة، كانت دائماً تسبق وتحكم ’مفهوم الانسان‘ لآلهته. في قول آخر، هذه العلاقات هي التي قد أوجدت وحددت مسارات تطور المفاهيم الإنسانية حول القوى الخارقة ومجسداتها من عناصر الطبيعة المادية أو في المجرد السماوي. بدون ’علاقة‘ لا يوجد ’إله‘، وبمقدار تطور هذه العلاقات تتطور أيضاً المفاهيم حول الآلهة.

كدليل على ذلك، الأديان التجريدية المعروفة باسم ’السماوية‘ خاصة المسيحية والإسلام- التي تدعي كونها قد جاءت للناس كافة في جميع أنحاء العالم ولا تستثني أحداً على الإطلاق من نطاق رسالتها ومساعي هديها- لم تظهر وما كان يمكن لها أبداً أن تظهر إلى الوجود قبل أن تمهد لها الأرض أولاً امبراطوريات ذات نطاق عالمي مثل اليونانية التي أقامها الاسكندر الأكبر المقدوني والرومانية التي أقامها يوليوس قيصر من روما. هذه الإمبراطوريات العالمية وغيرها من المحاولات الأقل شهرة هي في الحقيقة التي قد أرست قواعد ’العلاقات‘ العالمية المشتركة بين الشعوب ذات الأعراق والألوان واللغات والثقافات والأديان المختلفة...الخ التي استغلتها هذه الأديان العالمية فيما بعد كقواعد انطلاق لنشر رسالتها. لولا قيام الإمبراطوريات العالمية أولاً ما قامت مثل هذه الأديان العالمية تالياً؛ أو، في قول آخر، لولا فتوحات الاسكندر وقيصر بدايةً ما كانت رسالتي عيسى ومحمد أخيراً، أو ما ظهرت المسيحية والإسلام.

ختاماً، في غياب العيش ’المستقر‘ لا تنشأ ’علاقات‘ مستقرة؛ وفي غياب هذه العلاقات المستقرة لا ينشأ ’تفكير‘ منظم؛ وفي غياب التفكير المنظم لا وجود لمفاهيم القوى الخارقة والآلهة. في المقابل، بمقدار ’تطور‘ هذه العلاقات فيما بين البشر على الأرض ’أولاً‘، تتطور أيضاً مفاهيم علاقتهم بآلهتهم في أو فيما وراء الطبيعة ’لاحقاً‘.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المملكة المحافظة في واقع متغير
- لماذا انهزمت السعودية أمام إيران
- هزيمة الجهاد المسلح في سورية
- الأكثرية والأقلية في ديمقراطية الإسلام السياسي
- الله الاجتماعي والله الفلسفي
- حين يمسي اليسار يميناً
- مقاربة الذيب في تفنيد الدين
- مُعلق تحت الأرض
- حين تتحول المساجد إلى سجون
- ما بين العنصرية العربية والمساواة الديمقراطية
- الإسلاميون بين التقية والتمكين
- الحدود انتهاك بشع لكرامة الإنسان
- على ميزان القيمة الإنسانية
- السيسي وعنان، وبينهما الإخوان
- عن ضرورة ترويض الإسلاميين
- أنت مين قولي...
- خرافة الإسلام المدني
- هيا بنا نقضي على الإسلام
- ثورة القرضاوي، انتقامية أم إصلاحية؟
- إذا نجحت ثورة الإخوان


المزيد.....




- الدبلوماسية الأمريكية هالة هاريت توضح لـCNN دوافعها للاستقال ...
- الصحة السعودية تصدر بيانا بشأن آخر مستجدات واقعة التسمم في ا ...
- وثائقي مرتقب يدفع كيفين سبيسي للظهور ونفي -اعتداءات جنسية مز ...
- القوات الإسرائيلية تقتل فلسطينيا وتهدم منزلا في بلدة دير الغ ...
- الاتحاد الأوربي يدين -بشدة- اعتداء مستوطنين على قافلة أردنية ...
- -كلما طال الانتظار كبرت وصمة العار-.. الملكة رانيا تستذكر نص ...
- فوتشيتش يصف شي جين بينغ بالشريك الأفضل لصربيا
- لماذا تستعجل قيادة الجيش السوداني تحديد مرحلة ما بعد الحرب؟ ...
- شهيد في عملية مستمرة للاحتلال ضد مقاومين بطولكرم
- سحبت الميكروفون من يدها.. جامعة أميركية تفتح تحقيقا بعد مواج ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - تطور الدين مع الانسان