أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - خليل فاضل - الزهراء، وسنوات العمر الضائعة















المزيد.....

الزهراء، وسنوات العمر الضائعة


خليل فاضل

الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 00:46
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


كما في الطب كما في الوطن لا تشخيص صحيح ولا علاج ناجح إلا بأخذ تاريخ مفصل دقيق للمريضة، دون استعجال ودون إغفال لأي معلومة تساعد على تكوين فكرة شاملة للموقف والحالة التي أمامنا، الحاكم والطبيب كل منهما مسئول مسئولية كاملة عن أي خطأ وإهمال في حق المريض أو الشعب، وسنأخذ حالة الزهراء مثالاً لما يمكن أن يؤول إليه الحال من روتين وإجرام في حق الإنسان المريض.
منذ حوالي ثماني سنوات وَلَدَت الزهراء بنتًا سمتها فرحة، أصيبت أثناء حملها فيها بتغيرات في المزاج وقلق عام، بعد الولادة اكتئاب، أصيبت فيما هو معروف بأنه (اكتئاب ما بعد الولادة) بعض الأطباء لا يعترفون بالتشخيص ويعتبرونه امتدادًا لعسر المزاج المرتبط بالأم بمعنى أن الولادة عملية إجهاد بدني ونفسي وقد يكون اكتئاب ما بعد الولادة هذا ذهانيا جسيما بمعنى أنه قد يحمل بعض علامات الهلوسة واضطراب التفكير والشدة.
ذهبت الزهراء إلى دكتور كبير له اسم كبير وفيزيتا كبيرة، كتب لها أدوية وعقاقير وحقن للفصام والاكتئاب، لم يتعب نفسه ويسمح لها بإنفاق وقت أطول يعرف فيه أن المريضة حملت وولدت مرتين قبل ذلك ولم تصب بأي شيء، ربما كانت الولادة الأخيرة هي القشة التي قَصَمَت ظهر البعير، بمعنى أن كل العوامل المُجهدة والمزعجة قد تكالبت وضربت مريضتنا في نقطتها الهَشّة، وكما في الطب كما في الوطن تسرع الطبيب .. (الحاكم)، استمر في علاجه دون مراعاة للجانب النفسـي الداخلي للمريضة، والجوانب الاجتماعية الأخرى المُحيطة بالموضوع، وكأنه الحاكم (أو الحكام) أهملوا الفساد والفقر والمرض، وركزّوا على الإرهاب والانفلات الأمني، بعد ثماني سنوات ضاعت من حياة المريضة زارت فيها طبيبين لا يكترثان أحيانًا، ولا يهتمان أحيانًا أخرى، يكون أحدهما مرهق مرة، ويكون الآخر مشغولاً بساعته أو موبايله أو بالمرضى الآخرين المنتظرين.
الطبيب المسئول يجب ألاّ يكون مشغولاً، إلا بالبحث في علةِ مريضِه، في كُنهِهَا، يغوص فيها من كل الزوايا (البيولوجية: صحته العامة، غذاؤه، كيفية ترفيهه عن نفسه، اجتماعيًا: أصحابه أولاده، حياته، هل يتمكن من الاستمتاع بالحياة؟ أم أنه ميت على قيد الحياة؟، نفسيًا: هل يحقق ذاته، هل يحتقرها، هل يعاني من أي إحساس بالدونية؟).
نعود إلى الزهراء لنجد أنها حتى لو كانت قد عانت من ذُهان ما بعد الولادة؛ فالأمر لا يستدعي أن تستمر أدويتها الشديدة التي تزعج كيمياء المخ العصبية، ولا تعالجها لمدة ثماني سنوات، في حالتنا هذه، استسهل الطبيب ولم يدقق ولم يهتم بأنها حساسة، وأنها كانت اجتماعية زمان، والآن انعزلت عن الناس وخاصمت الدنيا، (معظم هذا أو كله سببه تلك العقاقير المُثبِّطة للهمَّة، التي دأب الدكتور على كتابتها في كل زيارة، دون أن يكلف نفسَه مشقَّة البحث في أغوار نفسها، عمّا تغّير، وعمّا سيكون، واحتمال خفض جرعة الدواء، أو الاستغناء عنها، كل ما كان يفعله هو عملية قص ولصق مع استمرار ثلاث مضادّات للذهان (تسبب الهمدان والبطء والضيق، منها حقنة قديمة لها آثارها الجانبية من اضطراب الحركة وغيرها).
الحاكم الذي كما ذلك الطبيب، من يهتم بتوافه الأمور، يُزيّنها، يجمّلها يُبررها، دون أن يكلف نفسه عناء البحث في القرى الأكثر فقرًا، عما يكون السبب في ذلك من أيام الملك فاروق، رغم كل الطنطنة عن الرعاية والقوافل وزيارات المسئولين، وافتتاح محطة إذاعة وتليفزيون على الهواء مباشرةً في حلايب وشلاتين، هذا الحاكم أيضا يعطي المسكنات ومُضادات الذهان خوفًا من جنون الشعب ورعونته وثورته المحتملة.
الطبيب الذي لا ينتبه لمريضه، خطوته، كلامه، نظرة عينيه، مهاراته الاجتماعية، لا يتمكن من إفادة مريض أو التعرف عل صحته، والطبيب الذي لا يعرف أن الصحة النفسية لا تعني الخلوّ من الأعراض، لكنها تعني القدرة على الاستمتاع والانتاج والعمل وإجادة فن الحياة، بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية.
الحاكم الذي يظن أن ارتفاع مستوى الدخل، وبعثرة الأموال في العشوائيات مؤشر طيب، هو لا يدرك أن ذلك لا يعني تقدمًا ولا حضارة، وإنما يعني تخلفًا وانحسارًا وانكفاءً على الذات، الحاكم الذي يظن أن قدرة الناس في مكان كالتجمع الخامس بأطراف القاهرة، على شراء مولدّات كهربائية لفيللا أو لمجموعة فيلات، تحسُبًا لتكرار انقطاع التيار هو حل لأزمته هو، فإن ذلك يعني فشله الذريع والحتمي لأن انصراف "القادرين"، عن خدمات الدولة في الصحة والتعليم، يكوِّن مافيا شديدة الخطورة (هناك أكاديمية في القاهرة، لا يداوم فيها الطلاب على أي شيء، فقط يذهبون اليها يوم الامتحان، وينجحون، أكاديمية تعصـرها فيسَّاقط بين يديك المخدرات والجنس)، وفي الأمن حيث انتشـر البودي جاردات والكلاب المدربة الوفية، عوضًا عن الأمان المجتمعي الرسمي، بل أن هناك من رجال الأمن الحكومي من يعمل مع الأثرياء في الليل ويعمل ضد الفقراء في النهار.
الحاكم الذي لا يدرك لماذا كتب عامل الديلفري على ظهر باب المصعد "تبًا لكم أيها الأغنياء "، حاكم لا يعرف شعبه، ولا يتمكّن من رؤية المستقبل.
إن ثماني سنوات قد سُلبَت من حياة الزهراء، كان من الممكن فيها مع قليل من جرعات أدوية مُضادة للاكتئاب، تأهيلها وتطويرها، رفع معنوياتها وإشغالها بأمور حياتها بحق، إن الطبيب لم يراجع عقاقيره (أسلحته، قوانينه، جبروته)، ولم يتراجع عن تشخيصه؛ فسقط في هوة تأثير اللحظة الأولى التي قد تكون مريضتنا ظهرت فيها مُضطربة، من أكد ومن قال إن مرضها مزمن؟، بالضبط كالشبان المعتقلين (ضد الإخوان وضد النظام الحاكم الآن) ألا يدعو هذا للتساؤل؟ هل السلطة واحدة، قمعية لا تعلن ولا تُحِّسن الظروف، الأمور ليست شفافة، ولا تحمل أي كياسة ولا قدرة على الحوار، هي نفس السلطة التي تمنع المطرب الشاب من الغناء في الأوبرا بحجة أن عليه (ملاحظات أمنية).. ما معناها؟ ومن وضعها ولماذا؟ إنها نفس سلطة الطبيب الذي لم يعطِ من وقته أكثر من عشـر دقائق كل مرة دخلت عليه الزهراء ودفعت (الفيزيتا)، وها نحن دافعي الضرائب، صار الذي فينا يكفينا تسـرق سيارة قاضي (نعم قاضي)، يذهب متصورًا العدل والحسم، إلى الشرطة المُنشغلة بحفظ أمن المجتمع؛ فتقول له (ليس لدينا حل، تفاوض مع اللصوص)، القاضي سيتفاوض مع اللصوص! ويدفع لهم عشـرون ألف جنيه، واللصوص معروفون للدولة (عائلات بعينِها، لها أماكنها ومنازلها وأملاكها وأسماءها) ..نعم، إنها نفس قضية الإعلامي غير الأمين الذي يخفي الحقيقة ولا يقول إلا شيء واحد، لا يبارز ولا يسمح بأي ضيف مخالف، وإن خالف الذي أمامه فهو عميل وجاهل، إنها نفس قضية الإهمال في مستشفياتنا، التي يهجم البلطجية فيها على الأطباء، الذين نتهمهم في موقع آخر، أنهم يدمرون البلد بإضرابهم، وقضية المرضى الغلابة الذين يخرجون في أنصاف الليالي، ليشتروا أكياس الدم والقطن والشاش والسرنجات.
هذه العملية المركبة (لا شعوريًا)، يستمتع فيها الطبيب بمكافأته وأجره، وهو لم يتعب ولم يُفكِّر ولم يغيِّر ولم يتغيَّر، هي نفسها التي تلمع فيها عيون الحشرات الخارجة من البالوعة، التي سقط غطاؤها بسقوط مبارك، هؤلاء لا يعثرون على لذتهم الاّ وهم يرون الناس تُهان، كما يقول (أبوفجر)، نسى كل هؤلاء أن مياهًا كثيرة قد جرت في النهر، أدركت المريضة الزهراء أنها ليست مُصابة بالفصام، حتى تلّف وتدور حول الحقنة النصف شهرية بكل أعراضها الجانبية، شيماء امتلكت كالناس أدوات انتصرت بها على الخوف، (الخوف من ترك الطبيب المُكرِّر لدوائه، المحدود الرؤية كالحاكم تمامًا).
لم يعد المطرب في حاجة لأن يغني في الأوبرا، لأن السماوات مفتوحة، وفضاء الإنترنت فسيح، والملاحظات الأمنية أعطته وجاهة وشجاعة وكرامة، كل من حرموه من الأوبرا لا يمتلكونها، لابد لنا قبل الحديث عن الطب والدواء والمرضى وسلطة الإماتة، وسلطة الإبقاءعلى قيد الحياة، وسلطة منح الحياة المستحقة للناس، أن ندرك أبعاد هندسة السلطة والثروة في مصـر، حين تصل العلاقة بين المريض والطبيب إلى حد كسر الثقة والتصادم، وإذا وصلت العلاقة بين ولد الديلفري حامل الطعام الذي يحلم به ولا يشم إلا رائحته؛ فيكتب على باب المصعد "تبًا لكم أيها الأغنياء"، هو يعني أن هذا الخط هو خطُّه، وأن الصدام آتٍ.
هنا سيكون الطبيب والمُترف وآكل الطعام الساخن، الذي أحضره الشاب الجائع في عزّ البرد، هو الخاسر في كل الأحوال، هنا ستكون روشتات الطبيب مجرد ورق تواليت، والملاحظات الأمنية نكتة سخيفة، عندئذٍ سيكون طعام الجائعين أي شيء وكل شيء، لأن سرقة العمر بالتدليس والهُزء والسخرية من الناس، أو تشخيصهم خطأ والتمادي في الخطأ، خطر مجتمعي ينذر بشرٍ كبير، ناره أتونها أعنف مما نتصور جميعًا.



#خليل_فاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة إمرأة تطل من الشرفة
- رائحة الموت.... والحياة
- قصيدة حوار البوعزيزي وبائع البطاطا
- مقتل بائع البطاطا قصيدة
- قصيدة محمد الجندي
- ساعة الحظر
- عصفور البدرشين
- الحُسَيْني أبو ضَيْف
- الشخصية المصرية إبّان ثورة 25 يناير وما بعْدها
- التحليل النفسي للحالة المصرية الآن
- قُبَّعة الخواجة
- سيكولوجية الدم فى مصر الآن
- الفسيفساء في مواجهة الخفافيش ملامح الشخصية المصرية .. في ثور ...
- القلق المستَبِدّ وضراوة الإشاعة
- سيكولوجية رجل الأمن فى جمهورية الخوف (مصر سابقاً)
- مظاهر الاكتئاب في المجتمع العربى
- سيكولوجية المرأة العربية....
- كَرْبْ ما بَعْدْ الصَدْمَة تداعيات ما بَعْدْ الحرب مصر ولبن ...
- الأبعاد السيكولوجية لعقوبة الإعدام
- بعض الآثار النفسية لانتشار المدارسة الأمريكية في مصر


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - خليل فاضل - الزهراء، وسنوات العمر الضائعة