أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الغاء عقوبة الاعدام - خليل فاضل - الأبعاد السيكولوجية لعقوبة الإعدام















المزيد.....

الأبعاد السيكولوجية لعقوبة الإعدام


خليل فاضل

الحوار المتمدن-العدد: 1893 - 2007 / 4 / 22 - 12:19
المحور: الغاء عقوبة الاعدام
    


الإعدام... شنقاً، رمياً بالرصاص، بقطع الرقبة بالسيف أو بالمقصلة، مسألة مثيرة لانفعالات وحواس، أفكار ومشاعر كثيرة ومتناقضة، تتعلق أساساً بالشأن الإنساني، ولأنها مسألة تتعلق بـ (أخذ الحياة) بقرار، وبإعلان، بحكم محكمة، وبشهادة شهود، فإن ترقبها وانتظارها وتنفيذها موضوع مركب جداً، بصرف النظر عن المحكوم عليه، وعن المنفذ فيه الحكم وكذلك عن جرائمه وأفعاله، فنجد أموراً مثل الخوف، الرعب، التقزز، التعاطف، التوحد مع الجاني (الجلاد والضحية في آن واحد)، الضيق، الاكتئاب، الحزن، الغمّ، والهمّ، وربما أيضاً أعراض جسدية ذات منشأ نفسي بحت كضيق التنفس الشديد، الإغماء، ازدياد ضربات القلب، الرعشة وآلالام المتفرقة بشتى أنحاء الجسد، مع كوابيس ثقيلة واضطرابات في النوم قد تأخذ شكلاً مزمناً.
السؤال المهم أخلاقياً، نفسياً وفلسفياً في هذا الصدد، هل يحق أو لا يحق أن يُقتل أحد لمجرد أنه قَتَلْ؟! وهل هذا النوع من العقاب كفيل بالفعل لردع الآخرين عن القتل أو الإتجار بالمخدرات أو الاغتصاب مثلاً (تجارب بعض الدول كمصر والأردن وإيران تدل على أن تلك العقوبة لا تؤثر البته في خفض درجة الجريمة أياً كان حجمها وبشاعتها).
يسبق حكم الإعدام محاكمة، العنصر الأساسي فيها هو القاضي، فحكمه المبني على ثبوت الأدله أو ضعفها واحتمالات الشهود الزور أو أخطاء الطب الشرعي،وكذلك مهارة المحامين وفهلوتهم وتلاعبهم بثغرات القانون قد يؤدي إلى حكم بالموت على إنسان لا يستحقه، وفي هذا ظلم بَينّ، يجعل القاضي متأملاًً دارساَ متفحصاً بل ومتردداً، منصتاً إلى كل من الدفاع والإدعاء، تثور في جوانحه صراعات وأسئلة ورحى مناقشات مكثفة، قد تؤدي إلى إجهاد عصبي شديد يؤثر على الحالة العامة للجسم، لذلك نجد أن مهنة القضاء مهنة حساسة يكون أصحابها عرضة أكثر لأمراض قاتلة (كارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية) والإعياء العام أما المحكوم عليه فيقضي فترة انتظار الحكم بكثير من الأمل والتمني في أن تنقذ حياته، فيعيش حالة من القلق تعتمل في كل أنحاء عقله الباطن والظاهر، تسيطر عليه حتى لو لم تبد لها أي علامات ظاهرة، وبعد النطق بالحكم وقبل تنفيذه، بعد ارتدائه البذله الحمراء الشهيرة، يمر المحكوم عليه بالإعدام بمراحل عدّة من الإنكار حيث لا يصدق أنه سيموت، إلى النهم الشديد في التهام الطعام وزيادة الوزن بالطبع، والصمت المطبق، نادراً ما تنتابه حالة هياج شديدة، أما في الطريق إلى المشنقة، فتصعب حركته (كما يحس به حراسه)، وكأنه بالفعل قد ثقل وصار من الصعب شَدّه أو حمله أو جرّه، لأن جهازه العصبي يكون في حالة تباطؤ وتراجع، يقاوم مقاومة عنيفة وفيتشبث تشبثاً مرعباَ بالحياه، فتدلدل رجلاه، وتزحفان على الأرض، تتشنج ذراعاه، وفي كثير من الأحوال يتبول ويتبرز على نفسه.
أما الجلاد فهو حكاية أخرى، تتراوح ما بين (عشماوي) المشهور إلى السياف قاطع الرقاب الأشهر في المملكة السعودية (سعيد بن عبد الله بن مبروك البيشي)، في إعدامات ما بعد صلاة الجمعة المعروفة هناك وذات المدلولات الخطيرة،والتي يشاهدها الناس في شكل كرنفالي وكأنهم يتحلقون حول حلبة مصارعة ثيران، وللأسف أن في تلك المشاهد تحوي أطفالأ ونساءاً يتفرجون، يظن البعض أن الأمر تسلية أو أنه اللهاث وراء تلك الرغبة العارمة في رؤية ما لا يرُى، فيتسبب ذلك فيما يسمى (كرب ما بعد الصدمة PTSD)، الذى يتسم باسترجاع صورة المشهد الدموي، الصيحات المتناثرة، في شكل (فلاش باك) مع عملية اختراق ذهنية، لكافة الكلمات والصور والأصوات المتعلقة بالحدث المأساوي، وقد يستمر هذا الكرب شهوراً، وقد لا يظهر إلاّ بعد حوالي ستة أشهر، ثم يتحول ليصير مزمناً يحتاج بالفعل إلى علاج.
ولعل المحاكمة الأشهر عربياً وأن لم يكن عالمياً تلك التي كانت لصدام حسين، ولعل إعدامه الأكثر تراجيدية وتأثيراً على كل المستويات.
تكونت فى حالة الإعدام تلك حالة (متلازمة syndrome )، أي اضطراب جمعي يجمع، بين عوامل كثيرة أحاطت بإعدام أول رئيس عربي، منها تاريخ صدام حسين الدموي، تناقضاته النفسية والسياسية، حروبه، علاقاته مع شعبه بكل ما فيها من الخير والشرَّ، صورته لدى العرب والمسلمين، (كل هذا أدّى إلى حالة من عدم اليقين، الضيق، التشتت الوجداني، التنافر فى الإدراك والشعور، عدم القدرة على التعاطف، والتعاطف الشديد فى نفس الوقت) ، بين تلك العوامل الاحتلال الأجنبي للعراق والذي تمت فى ظله المحاكمة والإعدام، كذلك الطريقة التي قبُض بها على صدام حسين، يوميات سجنه، أيام محاكمته، جدله، تحديه عنفوانه الشخصي،عدم تصديقه لكل ما يجري والتركيز على أمر واحد ألا وهو أنه الرئيس الفعلي للعراق، مما ساعد على ظهوره بشكل البطل الصامد.
تأتي لحظات إعدامه، والتي تم تصويرها رسيماً وشخصياً عن طريق كاميرات الفيديو الموبايل وبالتالي تناقلتها أجهزة البث بالأقمار الصناعية، تتاولها الناس، كل الناس عبر الانترنت وبالبريد الالكتروني وكأنها أو لعلها بالفعل- (بورنو العنف)، كما أن تنفيذ الإعدام فجر أول أيام عيد الأضحي، ضاعف من شرذمة الأفكار والأحاسيس وأدّي إلى انقباض مؤلم مع إحساس بالعجز والحيرة واليأس المطلق أمام المجهول والمعلوم وأمام ما هو آتِ لم تخل العيادات النفسية من هؤلاء المرهفي الحسّ اللذين وتّرهم المشهد . الأمر الآخر فى ذلك الإعدام شنقاً هو حالة الجلادين سواء الذي قام بالشنق أم اللذين احتفلوا به، مما لا شك فيه أن شعور أهالي ضحايا القتلة أو شعور إعدام صدام، شعور مرتبك تعلوه الغبطة والبهجة، فمهما كان الدافع وراء تلك الفرحة، فإن الأمر لا يخلو من حالة نفسية شديدة التعقيد لأنك بكلتا يديك أو عن طريق آخر تأخذ حياة آخر (قاتل، أو متهم أو ...) فى توقيت محدد وبآلية محددة . . . (يحضرنا هنا صورة على النت لمجموعة من المسلحين العراقيين المقاومين وهم يعدمون حوالي عشرة من الجنود العراقين، بعد تعصيب أعينهم، ثم تصويب المسدسات عليهم وهم جالسين القرفصاء فى شكل طقوسي حيث كان خلف كل جندي، منفذ لحكم الإعدام أي عشرة مسلحين وعشرة قتلة، عشرة منفذين ملثمين، خلف عشرة جنود، عشرة ضحايا، عشرة مقتولين (قد لا يكونوا مذنبين أو أبرياء. وقد يكون ذنبهم أنهم قبلوا أن يكونوا جنوداً للحكومة العراقية الجديدة، فقط لا غير بكل ما يحمله ذلك من معان . .
فى إحدي جلسات العلاج بالمسرح جمعياً، كان الشاب العراقي النازح للقاهرة مع أهله والبالغ من العمر خمسة وعشرين سنة هو (البطل)،مكتئباً بشدة منذ تنفيذ الحكم بإعدام صدام، كانت لديه مشكلة فى التواصل مع أبيه، فكان لا شعورياً قد اختار صدام أباً وأنكركل سوءاته لنفسه، ومن ثمّ فى جلسة العلاج تلك، تقمص أحدهم صدام، ثم تقمص الآخر والد البطل وتقمص ثالث أمريكا، كان الصراع بينهما على أشده، لأن الشاب أنكر على والده حسناته، وبعد إيضاح كل هذا بالحوار والفضفضة تصالح (البطل) مع أبيه، سائلاً أمريكا الرحيل عندئذِ لم يعد يهمه، لا من بعيد ولا من قريب حياة أو موت صدام، هنا انتفت من الإعدام صفة الغموض السوداوية، واتضح أن كافة الأمور التي تتعلق بالنفس بالعقل، بالحكم بالإعدام، بالحياة بكل صخبها ولوعتها، بحبل المشنقة، بالسيف، وهكذا يبقى الإنسان ضحية وجلاداً غاية في الهشاشة.




#خليل_فاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعض الآثار النفسية لانتشار المدارسة الأمريكية في مصر
- سيكولوجية أمناء الشرطة في مصر
- محاولة لفهم المعادلة الحكومية المصرية الصعبة
- أحمد نظيف ما بين تضاد اللغة ونضوب الموهبة
- الأبعاد النفسية لحرب الشرق الأوسط السادسة
- ملامح الشخصية المصرية ..... في صِحَّتِّها وعلّتِها
- شادي عبد الموجود
- عمياء تمشط شعر مجنونة
- البغل والعربجي والعربة الكارو
- رقبة عبد الفتاح المائلة
- كائنــات خاليـــة من الضــــــوء
- سيكولوجية المنافق، الضلالي.. والبلطجي
- نظيف، نحن، وسيكولوجية الديموقراطية
- مفهوم الشخصية العربية


المزيد.....




- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان


المزيد.....

- نحو – إعدام! - عقوبة الإعدام / رزكار عقراوي
- حول مطلب إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب ورغبة الدولة المغربية ... / محمد الحنفي
- الإعدام جريمة باسم العدالة / عصام سباط
- عقوبة الإعدام في التشريع (التجربة الأردنية) / محمد الطراونة
- عقوبة الإعدام بين الإبقاء و الإلغاء وفقاً لأحكام القانون الد ... / أيمن سلامة
- عقوبة الإعدام والحق في الحياة / أيمن عقيل
- عقوبة الإعدام في الجزائر: الواقع وإستراتيجية الإلغاء -دراسة ... / زبير فاضل
- عقوبة الإعدام في تونس (بين الإبقاء والإلغاء) / رابح الخرايفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الغاء عقوبة الاعدام - خليل فاضل - الأبعاد السيكولوجية لعقوبة الإعدام