أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خليل فاضل - سيكولوجية المرأة العربية....















المزيد.....



سيكولوجية المرأة العربية....


خليل فاضل

الحوار المتمدن-العدد: 2108 - 2007 / 11 / 23 - 11:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ِلمَ المرآة العربية، لمََِ لا يكون الرجل العربي، المرأة في الكون كله لها خصوصياتها، فما بالك بتلك العربية الغاية في الخصوصية، الغاية في التعرض للقهر والتحرش، الإهمال والاستغلال في مجتمع ذكوري صارخ الذكورة، إن تناول الأمر يجب أن يكون ثلاثي الأبعاد (سيكولوجي ـ اجتماعي ـ بيولوجى أو عضوي)، ولعل البعد الاجتماعي هو أهم تلك الأبعاد قاطبة لتأثيره القوي ولدخوله عميقاً في صلب الأشياء، وأيضاً لتأثيره الشديد حتى على البعد الجسدي، العضوي، بمعنى أن تأثيرات وأحداث الحياة السلبية تسلب مرونة المخ وخلاياه العصبية وتتركه واهناً ضعيفاً هشاً مهترئاً، عرضةً أكثر للصدمات، و تهيئه ـ بخلل واضح ـ لكي لا يقاوم، بل ليستسلم لاضطراب مسبق، فالاستعداد مثلا للإصابة بالتشنجات الجزئية المركبة، يؤثر بوضوح على نفسية المرأة تلك أو هؤلاء فيترك ندباً وجروحاً مفتوحة لها علاقات من أهمها الإحباط، التوتر، الصراع، الفشل، الجزع، الخوف، الغضب، مما يأخذ شكل الشرود الهيستيري الانشقاقي، نوبات التشنجات التي ينفصل فيها الجسد عن النفس، وتنفصل فيها المرأة عن واقعها المُعاش المؤلم و المُعَذَّب.
وما دمنا نتكلم عن المرأة دون الرجل فإن استعدادها الهرموني ووضعها الاجتماعي في مجتمع أبوي متسلط (بطرياركى) ذكوري متحيز، يجعلها أقل حركة وأكثر استسلاماً للمرض وتوابعه. بل وأكثر مقاومة لطرق العلاج المتبعة والمعروفة مما يجعل الأمر أكثر تعقيداً وعسراً.
يبتسم العرب في أسى عند سماعهم تلك النكتة القوية التي شاعت في أرجاء الوطن العربي صاحب الأمجاد (أمجاد يا عرب أمجاد حسب أغنية صوت العرب الشهيرة)، بعد احتلال صدام للكويت تقول النكتة أن ثمة رجلاً يُدعى (عَرَبْ) كان متزوجاً من امرأة قاصرة عقلياً تُدعى (طنبورة)، وكان (عَرَب) قد دّرَّب (طنبورة) على أنه اذا فَرَش لها الملاية نامت على ظهرها، فتحت رجليها واستعدت للقاء الجنسي، فما كان إلاّ أن أصاب أحد صواريخ صدّام بيتهما فاحترق، حاول (عرب) جمع ما غَلاَ ثمنه وخف وزنه، فرش الملاية ليضع متاعه عليها، فما كان من (طنبورة) إلاّ أن نامت على ظهرها وفتحت رجليها داعية (عَرَب) للقاء الجنسي، مما أثار بالطبع ـ دهشة الناس المهرولين بعيداً عن آثار الدمار، مما حَدا بهم إلى التعليق المباشر (ياااااااه... شوف عرب وين، وطنبورة وين)؟؟ وهي إشارة خطيرة لمفهوم الخضوع والرضوخ السلبي، عدم القدرة على الفهم، الطاعة العمياء للذكر ومحاولة إرضائه رغماً عن النيران والصواريخ، تصب هذه النكتة القاسية للغاية في صميم حكايات تحكيها النسوة العربيات في إطار شكاواهن العضوية ذات المنشأ النفسي، ذلك المتكون من صراع الأضداد، فها هي تلك المرأة التي اعتقدت أن زوجها وأبو ابنها يحبها، لكنه في الحقيقة كانت عينه على مالها، وبالطبع حسبها ونسبها، ولما كتب الكتاب عليها لم ينتظر ليلة الدخلة، وإنما فضّ بكارتها ووضعها أمام الأمر الواقع (شكل هذا لاحقاً شعوراً ساحقاً بالذنب نتيجة تطور الأحداث واختلاف نمط الحياة معه)، فلقد أهمل عواطفها ولم يعد يتشارك معها في أي من أمور الحياة، إلى أن لاحظت عليه تغيراً ما، فلقد دأب على العودة ليلاً (في وش الصبح)، وغالباً ما كان يتعاطى (عقاقير منشطة أو مخدرة أو كل منهما)، كان يوقظها من النوم ويطلب منها أن تستحم وتتزين وتستعد لممارسة الجنس حتى يطلع الصباح بدون توقف. رأت في وجهه وجه الذئب المفترس، ولم تحس بأدنى متعة لكنها أحست بألم فظيع، باغتصاب حقيقي، اغتصاب من زوجها الذي بفعل ما يتعاطاه أصبح كماكينة الجنس، غالباً أنه لم يحصل على أي متعة، ولم يكتسب أي لذة، لكنه كان يتسلَيّ ويقلدّ أفلاماً إباحية أدمن على مشاهدتها مع رفاقه العزاب. أصيبت المرآة بالاكتئاب الشديد، بالقهر، بالمذلّة، كان وضعها كإمرأة مؤمنة يضعها في موقف المُطيع خشية غضب الله، لأنه لازم ولابد أن تستجيب لنداء زوجها في الفراش مهما كان الوضع، وبعد الجهاد لإقناع أهلها بحتمية هذا الطلاق، انتهي الأمر بطلاقها فعلاً، لكن الأب بذكورته المعهودة وسمعته التى تملأ الافاق، كان لا يهتم بأحاسيس ومشاعر ابنته، كان يتشدق بما يقوله آباء (بطرياركيون) كثيرون، (طيب يا ابنتي استحملي هوّ أنا يعني هاعمل ايه؟ الناس هتسألنى بنتك اتطلقت ليه؟! ) وأخر أجبر ابنته على الزواج بمن لا تحبه، لأنه أعطى الناس كلمة (وشكله هيبقى وحش قوى قدامهم)، مايجراش حاجة، اتجوزيه وجيبي منه عيلين وأبقى اتطلقي، ثم انتهى الأمر بطلاق بعد 20 سنة وثلاثة أولاد وقهر وحاله متطورة جداً من (الجسدنة) Somatisation شملت ضغط الدم العالي، الإغماءات المتكررة والتسوق الطبي، ثم إلى الزواج بمديرها الذي يكبرها بـ 25 سنة وكان ذلك في السرّ.
هذه بعض النماذج التي تمثل حالات القهر والعنف المعنوي، الظلم والمرارة والألم النفسي والجسدي.
إن الكثيرين يقرأون الفكر ما بعد الحداثى كانعكاس لما يحدث من تحولات اجتماعية واقتصادية ونفسية ) مركزين على علاقات الاستغلال، وفقدان المساواة، سيطرة النخبة وهيمنة التغريب على مجتمعات العالم الثالث ولم يكن هناك مثلاً إكلينيكياً قوياً، واضحاً وشارحاً صراعات المرأة العربية المصرية (فيما بعد الحداثة)، أكثر من (مجيدة) ... مجيدة امرأة فلاحة من أحدى قرى بني سويف الواقعة جنوب القاهرة بحوالي 100 كيلومتر تبلغ من العمر 26 عاماً، حلوة وعايقة على الرغم من امتلائها بعد ولادتها لولد وبنت، متزوجة من سيد الذي يعمل نجاراً (هذا ليس اسمه الحقيقي) ويكبرها بحوالي ست سنوات. في الظاهر مجيدة راضية بعيشتها مع أهلها وزوجها، أولادها وتفرح باللمّة والعزوة، لكنها في عقلها الباطن (بينها وبين نفسها) غير راضية إطلاقاً بهذا الأمر الواقع، وترى في سعاد حسني في فيلم (بئر الحرمان) خير مثال لحالتها، فـ (مجيدة) الأخرى هي هند أو سمارة أو هيفاء تلبس وتضع الماكياج الثقيل، تغمز للرجالة وتشرد، تَهجّ بعيداً عن الفقر والسكون والملل والعيشة الفاقدة للمعنى والدهشة وللبهجة.
في آخر مرة حضر زوج أختها بالتليفون المحمول (الموبايل) الحديث جداً، ومعه داخله ملف لإحدى النوبات التي وصلت إلى 24 دقيقة، نقلها بتكنولوجيا العولمة أو ما بعد الحداثة إلى أسطوانة CD،تمكنني من مشاهدتها بوضوح، وكان واضحاً فيها (التصدع، الشرود ، الألم النفسي والعضوي ، التشوش Confusion ، الحيرة، البلبلة، الارتباك Bewilderment ).
مجيدة أجرت فحوصاً كثيرة منها تخطيط الدماغ EEG ، ظهرت بها بؤرة صرعية)، غير أن الصورة الإكلينيكية كانت غير أحادية، بمعنى أنها لا تُشَخَّص على أساس أنها اضطراب واحد، لكن أكثر من واحد، أي فهمها على أنها حالة (زملة أعراض Syndrome )، فليس تخطيط الدماغ الدالّ على الصرع الصدغي أداة تشخيصية قوية، وبالتالي فهو ليس مفسراً لنوبات هسترية واضطراب واضح في الشخصية، مع وضع اعتبار حدوث نوبة من الشلل الهيسترى في النصف الأسفل من الجسم عام 2004، انتهت بعملية تفريغ نفسي Abreaction ،خرجت مجيدة من العيادة على قدميها بعد ما دخلتها على كرسي متحرك تدفعه أربعة من النسوة وطفلين ورجلين فيما يشبه الـ (زفّة)، تؤكد نوبة الشلل الهيسترى على المكسب الثانوي الذي تجنيه مجيدة، حيث كان المكسب الأولي هو إعفائها من مسئولياتها كزوجة (خاصة في التعامل مع زوجها نفسياً وجنسياً وحياتياً)، كان هناك تصدع خفي في العلاقة الزوجية بمعنى (التباعد النفسي) ، بمعنى تلك الحالة من الانطفاء في علامة العاطفة ـ الجنس، أو خفوتها إلى درجة متقدمة، مع ما يضاف إليها من تراكم التناقضات في التوقعات والسياسات والأولويات وما ترتبها من حاجات، وكأن الرباط الزوجي قد استنزف على صعيد العاطفة والشراكة، ومع هذا الاستنزاف يتزايد التباين وتتقلص منطقة التقاطع بين دائرت الرباط الزوجي (كل شخص يمثل دائرة)، وتتباعد هاتان الدائرتان ينشأ عنه عالمان مختلفان : كل من الزوجين يبدأ التحرك في فلك خاص به، على مختلف الصعد والاهتمامات (فسيد لا يحمل أي وسامة كما أنه يهمل في مظهره جداً، بخيل)، أو كما صرحت مجيدة تفصيلاً منذ حوالي عامين في هذا الحوار التالي:
مجيدة: أنا عندي استعداد، كان عندي أعراض خفيفة من وأنا بنت. قبل ما أتجوز بسنة.
المعالج: بتحبى جوزك؟
مجيدة : ما هو أبو عيالي....هاقول إيه يعني؟!
المعالج : إحكى لي عنه ..
مجيدة : بيننا مشاكل جامدة قوى ع الفلوس، بيخبى مني الفلوس على طول ، الكذب في دمه دايماً، مابيفسحناش، بتاع مصلحته وبس.
ذكرت مجيدة فيما ذكرت من أعراض (القذف السريع)، لدى زوجها، رعشة في الشفاه والفم، تصلب في الساقين إغماءات متكررة، زيادة كبيرة في الوزن.
في المقابل مظهر زوج أختها، بهىّ الطلعة، مهندم الشكل والحديث لبق، واثق من نفسه، وكان واضحاً إعجاب مجيدة به وأسرّت له بمعظم أعراضها له ووكلته متحدثاً رسمياً باسمها مع المعالج، ورغم المشقة التي يتجشمها إلاّ أنه كان يحب ذلك الدور، في حين فضّل الزوج الانسحاب وترك الدور يلعبه آخرون بكفاءة بعيداً عن المواجهة والمشاكل.
مجيدة، تلبس، وتتزين،(تطفش)، تخرج على غير هدى، تعاكس الرجال، كان الأمر نوعاً من الشرود والتحول المحسوب Dissociative Fugue ، وهو حسب المصطلح العلمي، اضطراب يحدث بشكل مفاجئ، غير متوقع يصحبه ترحال من مكان الإقامة (البيت)، وغالباً ما لا يتذكر الشخص ماضيه إمّا كلية أو جزئياً. اضطراب يكثر في هؤلاء الذين خاضوا الحروب أو عاصروا الكوارث والحوادث، وللأسف الشديد أنه لا توجد أية إحصائيات رسمية أو علمية في العالم العربي الملئ بالحروب والكوارث الطبيعية والتي من صنع الإنسان، إذن ما هي يا ترُى نسبة حدوث اضطرابات (التجوال الانشقاقي)، في الشعوب العربية وتحديداً بين جموع المرأة العربية باختلاف أممها وشعوبها.
عودة إلى مجيدة وأعراضها قبل عام بالتمام والكمال منذ كتابة هذه الدراسة، قالت مجيدة :
ـ بأحس بقفشة في صدري (كتمه واختناق).
ـ حتى الكلام مفيش. زى ما يكون فيه صاروخ ضرب في دماغي، ضرب بعدَ زنَّة كبيرة، كإن فيه دبّور جامد دخل في ودني. ضيقة خلق باستمرار. لىّ صديقة تزوجت، اتصلت بزوجها وقلت له أنا معجبة بيك، وقٌلت وقلْت وقلت، كلام كتير ما يتقالش، قلتله أنا رايداك أنا جوزي سيد خدته غصب عني.
كانت مجيدة تصر في كل أقوالها وتفسير أعراضها (بأنها كما لو...) (كإٍن) As IF، تراوحت الأعراض وتأرجحت بين الشلل الهسيتري والتجوال الانشقاقي إلى أعراض الجسدنة، والتحول الهيستري : اعوجاج الفم، حشر اللسان، نوبات من النرفزة والعصبية الشديدة، كما كان سماع القرآن الكريم يصيبها بحالة غريبة من التوتر والشدّة والإغماء، مما دعا الناس إلى التصريح بأنه حرام أن (يغلقوا)، الكاسيت الذي يذيع القرآن، إلى رَشّْ الماء، إلى أخوها الذي يحضر شيخاً بل وشيوخ يقرأون القرآن، فأحست بأن الجن قد جاء، نعم جاء إلىّ ولِبْسِني (لبَسْ وليس مسّ)، فأمسكت مجيدة بالرجل الذي أمامها وضربته (نعم، ربما كان هو الجن بذاته). (يمكن) ؟؟؟؟؟
ولنتأمل سوياً تلك الكلمات لمجيدة (أنا زهقانة على طول، عايزه أنام، بامشي وبامشي، مش عارفة رايحة على فين، زهقت خلاص، كإني في موقف ومكان كنت فيهم قبل كده، عايزة أتعلم السواقة، والنبي أمي زمان كانت وعدتنى تجيبلي عربية، حاسّة بحاجة بتمشى في جسمي ـ أمي هتجيبلي عربية (أوبل)، لكن الحالة المادية لا تسمح الآن، كإني نايمة وكإني صاحية، عدم تركيز شديد، خوف، أنام وأصحى. وأنا طالعة السلالم، أخاف حَدّ هيطلع ع السلم، فجأة كإن كشاف نور ضَرَب في عينيا، عايزة أقوم وأقطعْ حتة من لساني وأشوف هاتكلم واللا لأ ؟! وأشوف فيه حَدّ تانى معايا والاّ لأ، حَدّ جوايا بيطلب مني ألبس وأتدلع وأحطّ ماكياج، أنا فجأة بقي اسمى خديجة، بأتوه توهان كامل، أبقى قاعدة باضحك عادي، وبعدين دماغي تتهز، واخواتى واللي حواليّا بيقولولي عندك ثلاث أشكال للعين (ضيقة، وواسعة ومبحلقة)، وساعات ضحكتي تبقى غريبة، وساعات تبقى عادية، كمان بأحس بكل القاعدين، وبرضه مش حاسّه بيهم، كإن عليّ عفريت وطلع، باشوف تخيلات ع الحيطة ساعات، عقارب وحَمَامْ وواحدة قاعدة في البانيو شكلها وِحِشْ قوي، بأتاوب (أتثاءب)، وبعدين أحس بَِوَّشْ شديد قوى في دماغي،بأحس بدماغي مش طبيعية، أمسك بنت أختي أضربها ضرب مش معقول لا يمكن يحصل لطفلة، وكمان باضرب ابني، لطشت وشه لغاية ما احمر من الضرب (وبعدين أقعد أعيّط وأطبطب عليهم، وجوزي عامل زى خيال المآته، زى ما هوَّ، مش طايقاه، بهدلني وخلاّني أسيب البلد (الأرياف)، وآجي أقعد في مصر في حتة مقطوعة، ( كإن فية حِلَلَ ـ أوعية طهي) بتّخَّبط جوّه دماغي.
يهمنا هنا التركيز على العوامل المؤثرة والمهيجة للحالة بالتحديد: الاضطرابات الإنفعالية، الإجفال (الخَضّة)، الصدمة أو الدهشة، الصراعات والتوترات البينشخصية.
كل ذلك يزيد من حِدّة ودرجة تكرار النوبات التشنجية، ويختلف ذلك من شخص لآخر طبقاً لتركيبته ودرجة صلابته في حالة مجيدة فهى حتى لو لم تكن مضغوطة، مظلومة، تحس بأنها ليست في مكانها الأجدر بها أن تكون (هانم) تعيش في بيت أنيق ليس ضرورياً أن يكون فخماً، أن يكون زوجها (رجلاً) يملأ العين و القلب و الخاطر، أن تسكن قلب العاصمة لا أطرافها العشوائية، لا أن تسكن الريف ولا أن تعيش مع أهلها الفلاحين؟!.....
(مجيدة) لم تقل أي من كل هذا صراحة، لكنها عبرت عنه وألمحت إليه كثيراً،
* * *
ننتقل من تلك الحالة إلى ما يمكن الاصطلاح عليه باكتئاب المرأة المصرية، وهو إلى حدًّ كبير ينطبق على المرأة العربية بشكل عام، لكننا خصصنا المرأة المصرية نظراً لكثافة حالاتها نسبة إلى تلك العربية في مجال خبرتنا المحلية.
ولنا أن نتساءل هل يجوز أن نخصص اكتئاباً للمرأة المصرية؟ نعم، يجوز لأنها (حمالة أسية)، (قوية) أحياناً تصبر كالجمل، ثم بعد ما يهجر البيت الأولاد وينام الزوج وهو يقرأ الجريدة، تنطفىء الشموع وتبدأ عملية اجترار الذكريات، قد تقوم لتحضر له كوب الماء والدواء، وهو يتابع نشرات الأخبار كجبل الثلج، وقد تدمع عيناها بسبب وبدون، وقد تشتاق إلى حضنه، بل تشتاق إلى الفراش المهجور.
هنا لا يمكن التعميم، فالمصريات منهن سيدات المجتمع المخملي، ربيبات النوادي والبلاجات والسونا والحمام التركي والسيارات الفارهة، ومنهن الجبّارات اللاتي لا يسمحن لأبنائهن الذكور بخيانتهن (نفسياً) بالزواج من أخرى، ويكن أفظع الحموات بالفعل ـ عموماً ـ المرأة المصرية أكثر شجاعة وأكثر جرأة في التقدم بشكواها أحياناً ما تكون شكّاءة جداً، لكن معظم الحالات التي ترتاد العيادة النفسية تكون مظلومة مقهورة متعبة منهكة،(بالفعل إنهدَ حيلها)، كثيراً إن لم يكن غالباً ـ يخجل الرجل ويتوارى و(يتكسِف) ولا يحضر مع امرأته إلى العيادة النفسية، (هذا إذا وافق أصلاُ على ذهابها للعلاج النفسي). يغضب للغاية ويقلب الدنيا جحيماً إذا أشار أحد إلى أنه سبب اكتئاب امرأته. لكنه بانصرافه عنها، بالضغط عليها لكي تقف على حيلها دون كلل في المطبخ من أجل المعازيم، بلومها على طول في أي شأن يخص الأولاد، وأحياناً بضربها، أوبإرهاقها في الفراش في مسلسل إدمان جنسي لا ينتهي (تسلية أو إثبات للفحولة)، أو العكس تماما، يهجرها في الفراش ويعطيها ظهره، أو ينام في غرفة ثانية إن وجدت، أو على كنبة في الصالة.
وقد يظهر اكتئاب المرأة في مصر في صورة نهم شديد إلى الطعام، حالة شره عصبي تساعد عليها البنية الجسدية للمرأة المصرية، فتبدأ الامتلاءات تظهر في الأرداف والبطن وأحياناً كل الجسم وكأنها (بتحط همّها) في (حلة محشي) أو(صينية مكرونة فى الفرن).
كذلك فإن المرأة المصرية، هي مثل مثيلاتها في الشرق يُعبرنَّ عن أحزانهن جسدياً، فنجدها تشكو من آلام أسفل ظهرها، من سقوط شعرها، من ألم في الصدر (يُفهم على أنه تعب في القلب)، إلى آخر تلك القائمة، بجانب ازدياد نسبة توتر ما قبل الدورة الشهرية (حيث تزيد حدة المرأة وعصبيتها وغضبها في العشرة أيام التي تسبق نزول الحيض).
النظرية القديمة في الطب النفسي كانت تعتمد على أن هناك اكتئاباً تفاعلياً تتسبب فيه ظروف الحياة السلبية، واكتئاب مرضى يحدث بلا سبب إطلاقاً، لكن الاتجاه العالمي الآن هو أن الاكتئاب : اكتئاب، لأنه في كلتا الحالتين تتعكر كيمياء المخ العصبية، ويتطلب الأمر (فضفضة علاجية، مع علاج نفسي تدعيمي)، وأحياناً جرعات محددة من مطمئنات تحت إشراف الطبيب، أما بالنسبة للمرأة فمازالت هناك اتجاهات ترى ربط المسألة الهرمونية، الحيض، الحمل والولادة بالاكتئاب أو بالاضطرابات النفسية عموماً، لكن كثير من الأبحاث بدأ يحضن نظرية ارتباط الاكتئاب بالولادة (بمعنى أن تلك المرأة ـ أصلاً ـ مهيأة للإصابة بالاكتئاب فجاءت الولادة كحدث سعيد بذلت فيه مجهوداً عصبياً وجسمانياً، أدَى إلى إنهاكها بجانب أنها أصبحت أماً وأمام مسئولية ليست سهلة)، بالنسبة لما يُشاع عنه خطأ بسن اليأس (أي فترة ما بعد انقطاع الطمث)، فإن المسألة في مصر مربكة ولها دلالات اجتماعية، نظراً لأن المرأة المصرية إذا بلغت سن انقطاع الطمث أو استأصلت رحمها؛ فإنها في غاية الحساسية لمسألة (فقدان أنوثتها)، أو(أنها تحس بأنها فقط تنتظر الموت)، بخلاف بعض النساء في الغرب اللاتي تحديداً يبدأن حياة جديدة بدون أولاد، يمارسن هوايات متعددة، يلعبن الرياضة، ويذهبن إلى الأوبرا والدورات التدريبية والندوات لكن ـ مع تقديرنا البالغ لانشغالات المرأة المصرية ـ إلا أنها (بيوتية) (تحب قعدة البيت، وحواديت الجيران، والتليفون والتليفزيون كوسيلة تسلية ؟!)...، كما أن المرأة تمر بمرحلة تغيرات وتبدلات هرمونية كثيرة كل شهر، وعلى الرغم من أن البحث العلمي لم يثبت بعد أن التغيرات الهرمونية تلعب دورا في الإصابة بالاكتئاب إلا أن الأمر يبدو كذلك للبعض. البنت وهي في طريقها إلى مرحلة البلوغ معرضة للاكتئاب مرتين ضعف الولد، يعتقد علميا أن الأمر راجع إلى التغيرات الهرمونية المرتبطة ببدء الدورة الشهرية، والنظرية التي تعارض ذلك تؤكد على أن البنت في تلك المرحلة تتعرض لضغوط وصراعات أكثر من الولد ـ تحديدا فى مجتمعاتنا الشرقية وكل ذلك يتسبب في الاكتئاب.
الأنثي أكثر تعرضا من الرجل للاغتصاب والانتهاك الجسدي والتحرش الجنسي وكلها أسباب قوية وراء الإصابة بالاكتئاب،هنا فإن انخفاض الاعتبار الذاتي، والشعور باليأس، ولوم النفس تعد أعراضاً لقسوة الرجل الجنسية للمرأة واعتدائه النفسي والجسدي عليها.
وعلى الرغم من أن المرأة قد أصبحت وزيرة وعالمة وقاضية، وتبوأت مناصب شتى إلا أن النمط الاجتماعي الذي تعودنا عليه في المجتمعات الذكورية، وكذلك في بعض دول الغرب، يجعل المرأة تحس بأنها أقل من الرجل شأنا وأنها أحيانا بلا قيمة، وأن دورها قد انتهى، وأنها وعاء وخادمة ومهمشة، مسكينة ومغلوبة على أمرها، تربى الأولاد، تغسل، تكنس، تمسح، تطبخ، تعمل، تشتر، تبيع، ( هذا باستثناء الهوانم، اللاتي تكلمنا عنهن سابقاً )، كل هذا يشكل ضغوطاً لا تنتهي على المرأة المصرية ويؤدى إلى اكتئابها.
أحياناً ما تعتبر المرأة (ست بيت راجل)......(كده)، وهو تعبير شاع جداً مع نزوح الرجال إلى العمل في الخليج وشمال أفريقيا وأفريقيا وأوروبا (هناك قري كاملة في الشرقية متخصصة في إيطاليا، وقري كاملة متخصصة في فرنسا، ما أن يبلغ الولد 14-15 سنة حتى يستقدمه أبوه، خاله، عمه للعمل معه في إيطاليا أو فرنسا غالباً في مزارع العنب يقطفونه، لدرجة أن تلك القرية كادت تصبح مثل تلك التي في فيلم (عرق البلح). هذه المرأة الراجل، غلط، والسيدات المصريات مكافحات وعظيمات ولهن الشرف والفخر والاعتزاز ـ ولكنهن ستات في نهاية الأمر إناث! تقول "باتعة" "تعبت و أتهدَ حيلي" .... (الصبح بدري تمسح سلالم العمارة كلها، وتغسل سيارات السكان كلها قبل نزولهم لأعمالهم، هي بوابة للعمارة، وكذلك فراشة بمدرسة تبدأ عملها هناك الساعة الثامنة صباحاً، ولدى عودتها في الثانية ظهراً تشترى احتياجات السكان من السوق، وبعد الظهر تنادى عليها إحدى الهوانم لكي تغسل صحون الغذاء أو لشراء طعام العشاء، حتى يوم الجمعة، تقوم بتنظيف شقق بعض السكان، كل جمعة شقة أو شقتين ... ولما سألتها الصحفية التي وصفتها بأنها (نموذج من السيدات المكافحات بشرف من أجل كسب لقمة العيش)، وصف مثل وصف (المشروع القومي) أو مثل (البرنامج الانتخابي)، ليست له فائدة أو مدلول ولا ينفذ إطلاقاً إلى العمق، لكن المهم هو رد باتعة (مفيش راحة إلاَ بالموت)، تمنى الموت هنا زهق وكره للحياة، وعدم قدرة إطلاقاً على الاستمتاع بها (وكيف يكون الاستمتاع ومتى وأين)؟!
قد يتخيل البعض هذه المرأة مستمتعة بعملها، غارقة فيه حتى أذنيها، (ولقد طرحت الأمر في مناقشة خاصة لمجموعة من الناس ؛ فقالوا أنها تعانى من القهر لا الاكتئاب، عندئذٍ رد البعض بأن القهر يؤدى إلى الاكتئاب، والاكتئاب في مثل تلك الأحوال لا يظهر صراحة). باتعة تزوجت ابن عمتها وانتقلت معه إلى الإسكندرية، أما عن زوجها فهي تقول (ماهو التانى غلبان وحمله تقيل.. بيشتغل الصبح فرّاش في شركة، وبعد الظهر فطاطري في أحد المحلات لكي يوفر مصاريفنا ومصاريف والدته المسنة وأخواته البنات اللي على سن جواز، تتصورى بيشتغل 18 ساعة في اليوم.. والله.. بأقعد بالأيام مابا شوفه.... لا أنا ولا بناته).
وعلي الرغم من أن مفهوم المرأة المعيلة هو تلك المرأة التي تعول أسرتها بسبب فقد عائلها سواء بالوفاة أو الطلاق أو السجن أو العجز كلياً، أو زواج الزوج بأخرى. وعلى الرغم من أن هذا التعريف لا ينطبق كلية على المصريات المُعيلات، لأن كثيرات منهن قد (طفش) أزواجهن واختفوا أو سافروا ولم يعودوا وفقدنَّ الاتصال بهن، أو أن الزوج يكون ذلك النطع الطماع الكسلان، وعلي الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة إلاَ أن بعض الدراسات تشير إلى أن نسبة النساء المعيلات لأسرهن تتراوح ما بين 16-22 % في المائة أي نحو3 ملايين امرأة. في المقابل هناك نساء كثيرات يعملن ساعات طويلة يتركن فيها بيوتهن (المفروض بيت العز والراحة)، يتمنين أن (يشتيههن رجالهن: أي أن يتيحوا لهن الفرصة لكي يتفرغوا لشئون ست البيت، وأيضاً للدلع والمكياج والاستعداد للقاء الجنسي)، لكن الظواهر المجتمعية في مصر تشير الآن ـ ريفاً وحضرـ إلى أن ثمة انحسار نسبي في الأنوثة، وأن النساء المحرومات عاطفياً أكثر اكتئاباً وأقل نضارة وجمالاً، فالزمن والعمل وصراعات الحياة وشعار اللهاث وراء لقمة العيش يخطف منهن لونهن الوردي، ويسحب منهن اهتمامهن بأنفسهن، إذن توارت الأنوثة مع الًزنّ والنكد، مع علوّ الصوت وسوء المعاملة، كثرة طلبات الأولاد واختفاء مفهوم عطلة نهاية الأسبوع (Week End) تعتقد بعض النسوة أن كيلو ماكياج يكفى لدفن الهموم، لكنه في الحقيقة يزيد الأمر بشاعة.
إذا ناقشنا اكتئاب المرأة أو أنوثتها فلابد وأن نتناول الأمور المتعلقة بأساسيات هذا الموضوع (فالمرأة في مصر لا تُنصف اقتصادياً أو اجتماعياً بسبب عدم احتساب قيمة جهدها ووقتها المبذولين بشكل يومي والمحققين لعائد مالي) ، إذن فعدم الإنصاف اقتصادياً واجتماعياً هنا يؤدى بها إلى سلوكيات قد تُعد منحرفة مثل أن (تسرق)، أو أن (تأخذ) باقي حقها من جيب زوجها وهو نائم، أو أن (تخنصر) في المصروفات تحسباً لوقت تحتاج فيه المال.
في حين أن ازدياد معدلات الهجرة الداخلية من الريف إلي الحَضَر قد زاد جداً في التسعينات مقارنة بالسبعينات، والثمانينات حيث ترك الرجال نساءهم وراهم بلا (ظلَ راجل) أو(اشباع عاطفي وجنسي)، وبهموم الأولاد وإدارة الأعمال الصغيرة.
يذكر تقرير البنك الدولي أن القوى العاملة المصرية من 15 إلي 64 سنة بلغت عام 1999 عدد مليون عامل وعاملة، يشكل الذكور منها نسبة 78.6% والإناث 21.4% وأن القطاع الخاص يضم نسبة 56.5% من مجمل عدد العاملات في مصر، ولكن الخطورة ـ كما تشير د. أمنية شفيق ـ إلى أن 62% من هذه النسبة في القطاع الخاص غير الرسمي. أي ذلك الذي خارج الإطار القانوني أو المؤسسي. فهو قطاع ينتشر فيه الاستغلال والتحرش النفسي والجنسي، ولا يقدم حقوقاً مكفولة مثل إجازات الوضع وساعات العمل وعضوية النقابات والتأمينات، ومن هنا نلحظ عبء كل ذلك على الحالة النفسية للمرأة المصرية.
لا يمكن ـ إطلاقاً ـ تناول صراعات المرأة العربية بعد أو قبل أو أثناء (الحداثة) إلاّ بمناقشة ما طرحه (فرويد) منذ أكثر من قرن من الزمان، بأن الجنس والمال (أو الزواج والإنفاق)، بما يحويه من عمل الرجل وولاءه المادي والعاطفي الأكبر تجاه أهله (غالباً أمه وأخواته)، وتفضيلهن في أحوال كثيرة على بيته (زوجته وأولاده)، ومع يقيننا بأن هذا الملف ليس لمناقشة الموضوع الجنسي إلاّ أننا نطرقه هنا من زاوية ارتباطه بالمرأة العربية و صراعاتها النفسية عموماً.
وكما ذكرنا سابقاً، فقد تُستغًّلْ المرأة جسدياً دون أي احترام أو تقدير لمشاعرها، فتؤتى حينما يريدها الرجل، وفي أحوال كثيرة (تُرضيه) خشية تحقق مفهوم الخطاب الديني (بأنها ستنام ملعونة وستغضب عليها الملائكة)، في حين آخر متناقض تماماً، فإذا هي رغبت في اللقاء الجنسي، فليس لها حق في طلب ذلك وقتما تشاء، بل إن الأمر قد يصل إلى أبعاد مبالغ فيها للغاية حين (تهُجر في الفراش)، وعلى الرغم من أن هذا (مُحَّرم) إلاّ أن الرجل الشرقي كعادته يرى الأمور مبتورة، يراها من وسطها، حسبما تهيئ له ذاكرته إدراكه وفهمه، ففي حالات سفر الزوج للعمل خارج البيت لمدد طويلة، أو خارج الوطن تماماً، أو لانحسار رغبته فجأة وهو في عزّ شبابه ؟! تُحرم المرأة تماماً من الاشباع الجنسي والحميمية المطلوبة، ولقد صرحت نساء كثيرات بأن (الهَجْر) ممكن أن يطول إلى 5 سنوات يكون فيها الرجل مريضاً بالاكتئاب، أو بميل جنسي جانح
وتشكو المرأة العربية من إفراط الجنس غير المحبب، غير الرومانسي ؛ فإنهن لم يشتكين من قلة ممارسة الحب، وتظهر عليهن أعراض ذلك الحرمان النفسي والجنسي من رجالهن، وفي دراسة لنا تحت عنوان (قلة ممارسة الحب وراء معظم الخلافات الزوجية) ، أثارت جدلاً عند نشرها أورد {ما أكثر المشاكل الزوجية، ويمكن الآن أكثر من ذي قبل أن نتأمل ذلك المثل العامي القائل (ياما أبواب مقفلة، على بلاوى متلتلة ) لدى أول مشاجرة حقيقية أو معركة زوجية ساخنة، قد يستغل الزوج سلطته وعصمته ويرمى يمين الطلاق، وإذا كان مسيحيا يسعى إليه، والزوجة من ناحية أخرى قد تصرخ وهى تلكمه في صدره بقوة وهو يقبض على كتفيها ( طلقني.. طلقني.. طلقني)، على طريقة الأفلام العربية. والمشهد المعروف أيضا هو أن يهجر الزوج زوجته في الفراش، أو أن تمنع هي عنه (الواجب) أو تشرد إلى بيت أهلها، وقد ينفعل هو ويصرخ (علىَّ اليمين لو طلعت بره باب الشقة لتكوني طالق بالتلاتة).
وهكذا سلسلة من الأحداث والآلام من المشاجرات والعنف المنزلي والزوجي، قد يجوز تسميتها المعارك الزوجية، ويكون الشجار المزمن بين شركاء العمر مجرد واجهة لأمور أخرى، بمعنى أن ما وراء الأكمة ما وراءها، فقد يكون السبب أمر آخر غير الأمور المادية وتدخلات الأهل، ضغط العمل، مذاكرة الأولاد، والدروس الخصوصية. هنا نجد أن السبب الأهم، بل ربما يكون السبب الوحيد هو الادعاء بأن العمل والبيت والأولاد لا يترك أي وقت لممارسة الجنس، ذلك الذي يدفئ عش الزوجية ويبعث فيه بالحيوية.
إن الزوجين الذين يرهقان أنفسهما ولا يتمكنان من المعاشرة بانتظام لن يفكرا في التخلص من هذا المأزق، وسيستمران في الروتين، لكن إذا كسرا قاعدة ومأزق الدائرة المفرغة فسيجدان أن الجنس له فعل السحر وليس مجرد لحظات نشوة وتفريغ للطاقة، لكن سيستغرقان أكثر في التعرف على جسد كل منهما، وسيمتلئان بالطاقة والانتعاش، وليس التعب على عكس ما يعتقد البعض، ولقد سألنا كثيرا من الأزواج متى احتضن رجل زوجته وقبلها قبلة رائعة، أو حتى عادية على الشفاه، أوفي العنق، أو حتى على الخدّ كالأخوات، ربما في المطبخ وربما في الصالة لدى عودتهما من زيارة، متى أمسك بيدها، إن النمط التقليدي للزوج الذي يعمل طوال اليوم، يعود للبيت منهكاً، تكون فيه الزوجة تعمل نصف أو ثلاثة أرباع يوم وقد تكون ست بيت، ولكنها تقضى الوقت في ترتيب البيت وتنظيفه ثم تهيئ الوجبة الرئيسية، ( في كثير من البيوت المصرية الآن تكون وجبة العشاء المبكر، وبعدها يبدأ الرجل في مراجعة أوراقه والتحضير لما سيقوم به في الغد، كما تنشغل الزوجة تماما مع الأولاد في المذاكرة، وقد يشترك معها الزوج وقد يلتزمان الصمت وإعلان حالة الطوارئ لوجود الأستاذ المدرس أو المدرسة في البيت. وبعد أن يخرج المدرس ويذهب الأولاد إلي فراشهم، ينهار الزوجان علي مقعديهما أمام التليفزيون، حتى يغلبهما النعاس ولا يحسان إلا بديك الصباح يوقظهما ليبدأ دورة الروتين من جديد). قد يبدأ الزوجان حياتهما بشكل مختلف، ربما كانت الزوجة أكثر اهتماما بمظهرها، وربما كان هو أكثر تعاوناً وصدقاً، ربما وربما، لكن المؤكد أن كل منهما كان أقل انشغالا وأقل همّاً، ومن شبه المؤكد أنه في كثير من الأحيان تقل (الرِفِقْة) إن لم تكن قد انعدمت بفعل الظروف، وبفعل فاعل يكمن كاللص في الذرة يتربص بهما وبالزمن، يتربص بالقدرة علي الاستمتاع بالحياة، بالأكل، بالجنس، بالزواج.
إن نوبات الطلاق والفتور العاطفي والخصام الزوجي أصبحت شائعة جداً، أصبحت كالملح للطعام، بجانب كل هذا قد تطفو أمور أخري علي السطح، أمور أكثر حساسية، من ضمن تلك الأمور إحساس الزوج بأن زوجته تتظاهر بالوصول إلي قمة النشوة أو( الرعشة ) والزوج الذي يدرك ذلك، لا يدري لماذا تفعل زوجته ذلك ؟ لماذا تزيف مشاعرها وتمثل وصولها إلى قمة اللذة، ما الذي يجبرها على ذلك؟! هناك تصور عام لدي الناس أن الزوجات يزوّرن إحساسهن الجنسي ويمثلن رعشة الجماع، رغبة منهن في ألا يعرف أزواجهن أنهن لا يستمتعن بالممارسة الجنسية معهم، في الحقيقة أن نساء كثيرات يلجأن إلي تلك الحيلة لنفس السبب، بمعني أن الرجل يجد صعوبة في إمتاع زوجته، ومن ثم تقرب الزوجة المسافة بالتظاهر المبكر حتى تريحه نفسيا وتزيح من علي كاهله عبء المسؤولية.
يتحول الجنس الطبيعي بين الزوجين إلى (جنس عند الطلب)، لذلك يتحول الزوج والزوجة إلي ممثلين يؤدون أدواراً، ومن هنا تأتي الرعشة الزائفة، في حين أن الرجل بطبيعته لا يتمكن من تزييف مشاعره لأنها تظهر لحظة القذف فكثير من النساء باستثناء هؤلاء ( الهوانم) مرهقات، مشتتات الفكر، منهكات ومتعبات نفسيا، يختصرن الطريقة بتمثيل رعشة جنسية نظرا لأنهن أيضا ـ بجانب تعبهن ـ لم يتلقين الإثارة الجنسية الكافية، ومن هنا إذا أحس الرجل بأن زوجته تمثل الوصول إلي ذروة المتعة فعليه أن يجالسها ويكلمها ويلمسها دون أي ضغط للقاء جنسي، إلى أن تأتي اللحظة المناسبة والمهيأة التي يتم فيها اللقاء علي مراحل تصل فيها المرأة إلي ذروة المتعة دون تمثيل.
من صراعات المرأة العربية الأشد وطأة ودهشة ووضوحاً هي تلك الممثلة في الجهل الجنسي، فالصراع الأول ممثلاً في طبيبه متزوجة لها ولدان، ناجحة جداً في عملها لكنها لم تدرك إلاّ بعد سنوات أن زوجها يعانى من عجز جنسي (عضوي)، ولم تدرك معنى العلاقة الجنسية الصحيحة المكتملة ولم تعرف ضرورة الوصول الجنسي لذروة المتعة بشقيها السيكولوجي والفسيولوجي، وظهرت الأمور وبانت بعدما أختلفا على (المال) أوجه الأنفاق، وضعت همها في (تحويشة العمر) خلعته بعد 15 سنة زواج، حاولت فيها أن تجمل الأمر وأن (تستحمل) كما يقول معظم الناس، لكن لما فاض الكيل، واختلف الزوجان على (شقة) تبينت هي أن لُبّ الأمر جنسي، ليس بمعنى الأداء والإشباع والتحقق جسدياً فقط ولكن بمعنى الاقتراب والحميمية والتوحد والمشاركة، المرأة الأخرى أيضاً متفوقة في عملها، وانخرطت في العمل العام، مثقفة لها حضورها ووجدانها النشيط، وصفت زوجها بأنه تقليدي (كلاسيكي)، نمطي بارد غير مبدع، وبعدئذٍ بدأت ببعض الخجل تحكى أنها وبعد حوالي 5 سنوات أدركت أنها لا تحس إطلاقاً بعضوه التناسلي داخلها، لا حجم ولا طول ولا قوة انتصاب، في الحالتين كان الرجل لطيفاً مداعباً (بيبوس كتير وعليها أن تحمد الله على ذلك)، (بيداعب قبل الجنس المبتور الناقص المشوه، وإيه فايدته؟! ). كل من النموذجين وغيرهن كثيرات (ناجحات عملياً، فاشلات عاطفياً)، ولا نعني بالضرورة هنا فشل اختيار الزوج فحسب لكن فشل الحياة الانفعالية، توجهها إلى (المادة) مذاكرة،تفوق،طب،كسب مادي، سيارة فخمة، موبايل حديث ومتطور جداً.... الخ... ولكن حتى في علاقاتهن الحقيقية أوالعابرة مع رجال آخرين، هن فاشلات لأن الإعاقة الحقيقة تعطل التواصل الوجداني الحق، وتمنع تحقيق الذات مع الآخر، تستعيض بتحقيقها مع النفس فقط وكأنها بالفعل (العادة السرية ـ الاستمناء ذهنياً، جسدياً ومادياً وعاطفياً)، وبالفعل ذكرت إحدى تلك النماذج لرجل أحبته وارتبطت به أنها تختلف معه مادياً وسلوكياً وحياتياً، لكن لا مانع من الاستمرار في تلك العلاقة لأنه (شاطر جنسياً)، فانحسرت العلاقة واختزلت لديها، كما في أمور العمل والمادة والعلم، في (المصلحة)، والمصلحة هنا تعني فقط الحصول على (الإشباع الجنسي)، نعم فقط دون أي التزامات أخرى، هنا صراعات ما بعد الحداثة ممثلة في استخدام التكنولوجيا لتطوير عيادتها، في السفر إلى لخارج بحثاً عن أخر أخبار العلم، في الموضة التي تناسب أولا تناسب العمر، في التميز والتفوق، ولكن كل هذا لتعويض فاشل لأمر إنساني وغريزي بحت للعلاقة مع الرجل. على حساب حميميتها تطويرها وتجسيدها وتحقيقها للنضارة والراحة، السكينة لهذا وفي نماذج أخرى للمرأة العربية العاملة نجدها تترك عملها طواعية، وتطور علاقتها الحميمة مع زوجها، وتترك له بعض أوكل المفاتيح التي تركها لها وسافر، تجبره على العودة، تطلب منه أن تكون (سيدة البيت)، وترى نفسها في ذلك (سيدة القصر)، كما هي ناجحة عملياً هي قادرة على رعاية نفسها وتدليلها، لكنها في نفس الوقت إذا ما (بسرعة) حاول زوجها إرضاءها بمزيد من الجنس، نجدها (تَفْصِل) من القشرة الدماغية، من (فوق)، لا لشيء إلاّ لأنها ـ بالفعل ـ مشغولة جداً بتحقيق أهدافها (الراجل المسافر لازم يرجع ... أوكي عاد، إذن لابد أن يمارس أبوته وسلطته، وأن يتولى مسئوليته، أن يربي أولاده ليس بمعنى الإنجاب والإنفاق، لكن بمعنى التوحد الحقيقي، أي أن يتسلم شئون الإدارة والحكم، أن يفتح المُجَمَّد من العواطف، أن يدرك أن أمراته متعلمة وماهرة، ولكن أمه أرادت له واحدة لا تفتح فمها، واحدة بيضاء (مربربة) سمينة ذات ثديين كبيرين تمكنه من مواصلة الرضاعة وتبعده عن شبح الفطام)، عليه أن يبلغ وأن ينضج وأن يعي أن أمرأته كانت من خلال جلسات تحليل نفسي عميقة ومطولة لا بدّ وأن تتعلم فن حلّ الصراعات، أن تدرك وتعي خطورة أن يتقدم بها العمر ورجلها يتوه في صحراء أفريقيا يبنى محطات اتصالات عالمية، أن تعلمه أن تخزين الثروة وتكديسها من 30 ألف إلى 3 مليون قد ينتظر الـ 3 مليون وقد يموت فجأة وحيداً في هوتيل غير نظيف بعاصمة أفريقية ساخنة الطقس خشنة التعامل، أو أن يعود ليموت بعد عودته فيشب أولاده على قبره يتحسسون طريقه وقد (يعملون عملته) لأنه لم يعلمهم شيئ. هذا نموذج خطير للمرأة العاملة التي تحولت واستفادت من تجاربها، من نضج وعيها، من عملها ومن إرشادها النفسي لتتوج كل هذا في حلّ عمليّ قد يكون نموذجاً طيباً لاستعادة الثقة وحلّ الصراع.




#خليل_فاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كَرْبْ ما بَعْدْ الصَدْمَة تداعيات ما بَعْدْ الحرب مصر ولبن ...
- الأبعاد السيكولوجية لعقوبة الإعدام
- بعض الآثار النفسية لانتشار المدارسة الأمريكية في مصر
- سيكولوجية أمناء الشرطة في مصر
- محاولة لفهم المعادلة الحكومية المصرية الصعبة
- أحمد نظيف ما بين تضاد اللغة ونضوب الموهبة
- الأبعاد النفسية لحرب الشرق الأوسط السادسة
- ملامح الشخصية المصرية ..... في صِحَّتِّها وعلّتِها
- شادي عبد الموجود
- عمياء تمشط شعر مجنونة
- البغل والعربجي والعربة الكارو
- رقبة عبد الفتاح المائلة
- كائنــات خاليـــة من الضــــــوء
- سيكولوجية المنافق، الضلالي.. والبلطجي
- نظيف، نحن، وسيكولوجية الديموقراطية
- مفهوم الشخصية العربية


المزيد.....




- استمعوا الى تسجيل سري بين ترامب ومايكل كوهين عرض في المحكمة ...
- ضجة تصريح اتحاد القبائل -فصيل بالقوات المسلحة-.. مصطفى بكري ...
- من اليوم.. دخول المقيمين في السعودية إلى -العاصمة المقدسة- ب ...
- مصر.. مصير هاتك عرض الرضيعة السودانية قبل أن يقتلها وما عقوب ...
- قصف إسرائيلي على دير البلح يودي بحياة 5 أشخاص
- مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين
- ذكرى التوسع شرقا ـ وزن الاتحاد الأوروبي في جيوسياسية العالم ...
- كييف تكشف تعداد القوات الأوكرانية المتبقية على الجبهة
- تقرير إسرائيلي: قطر تتوقع طلبا أمريكيا بطرد قادة -حماس- وهي ...
- مصدر عسكري: القوات الروسية قصفت مستودعا للطائرات الأوكرانية ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خليل فاضل - سيكولوجية المرأة العربية....