أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الهوتو والتوتسي ورسائل العدالة !















المزيد.....

الهوتو والتوتسي ورسائل العدالة !


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4387 - 2014 / 3 / 8 - 12:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



بإلقاء القبض على الجنرال باسكال سيميبكانغوا، أعيد فتح ملف الإبادة الجماعية التي حصلت في رواندا، تلك التي يريد المرتكبون أن يطويها النسيان، وأن تكون في دائرة العتمة وبعيداً عن الضوء، خصوصاً بانطفاء ذاكرة من تبقى من الضحايا والشهود بالتدريج، وذبول «الذاكرة الجماعية» وتآكلها مع مرور الأيام.
بعد 20 عاماً على المجزرة، وعلى نحو مفاجئ، يتم استحضار الأحداث والوقائع المأساوية، فقد تطوّع شابان (زوجان) على القيام بمهمة ملاحقة بعض المرتكبين، وجعلا من تلك القضية محور حياتهما، وعملا بشكل دؤوب وعلى مدى زاد على 13 عاماً، لتجميع المعلومات والوثائق وسماع الشهادات وسافرا من باريس إلى رواندا عشرات المرّات، في محاولة لإزالة الغبار الكثيف الذي علق بصورة العدالة الدولية، وتحفيز الضمير العالمي، ولاسيّما الغربي الذي أصيب بالخدر في الكثير من المرّات.
وجوهر القضية هو صراع بين قبيلتين هما الهوتو والتوتسي، وقد تعرّضت الأخيرة لأعمال إبادة جماعية، ووصل عدد الضحايا نحو مليون إنسان في غضون 100 يوم. أما ملخص الحكاية فهو على النحو الآتي: كان الرئيس الراوندي هابياريمانا قد عاد إلى البلاد في 6 نيسان (ابريل) العام 1994، وحطّت طائرته في مطار كيغالي (العاصمة) وإذا بصواريخ من مكان قريب تمطرها بزخّات متواصلة، ليلقى الرئيس حتفه.
وكردّ فعل من قبيلة الهوتو التي ينتمي إليها الرئيس، والتي تمثّل أغلبية سكان رواندا ضد قبيلة التوتسي التي تمثّل الأقلية، انفجر الصراع المعتق الذي لم يكن مقتل الرئيس سوى إشارة البدء، أو ساعة الصفر، لتبدأ أعمال انتقام لا حدود لها، وكانت الأوضاع قد تفاقمت بين القبيلتين إثر أحداث دامية قد جرت في العام 1990 حين حاولت «الجبهة الوطنية الرواندية» المدعومة من قبيلة التوتسي شن هجوم ضد القوات النظامية بدعم من أوغندا، وهو الأمر الذي ردّ عليه الجيش الرواندي، بدعم من قوات فرنسية وبلجيكية وزائرية، وكان الأمر إيذاناً بحرب أهلية.
بعد مجازر العام 1994 قرر مجلس الأمن الدولي تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة المتهمين، خصوصاً بعد مطالبات دولية، لاسيّما من جانب منظمات المجتمع المدني، وقد صدرت حينها عدّة اتهامات ضد فرنسا وجهات غربية بالتواطؤ، وعقدت المحكمة جلسات عديدة، وأصدرت عدداً من الأحكام، لكن عدداً من المتهمين ولاسيّما الخطرين ظلّوا خارج دائرة القضاء، وما زال الكثير منهم بعيدين عن يد العدالة، ولعلّ قبول محكمة جنائية فرنسية النظر في طلب الشابين يعتبر خطوة أولى مهمة لفتح الطريق أمام دعاوى أخرى.
الجرائم الموجهة إلى المتهمين هي جرائم الإبادة الجماعية والقتل خارج القضاء والتعذيب والاختفاء القسري والاغتصاب والتمثيل بالجثث، والجرائم ضد الإنسانية، لاسيّما العنصرية وهدر حقوق الإنسان، وهي جميعها جرائم لا تسقط بالتقادم، سواء قامت بها قوات نظامية رسمية أو غير رسمية، علماً بأن قبيلتي التوتسي والهوتو تنتميان إلى المعتقد الديني نفسه وكلتاهما نتكلمان لغة واحدة، وبلادهما التي تسمى « بلاد الروابي الألف» و «البحيرات الكبرى» كانت موطناً لهما منذ مئات السنين، وحتى ولو كان الاختلاف القبائلي قائماً، إلا أنه يتّخذ هذا الطابع الاستئصالي، قبل العام 1990.
وإزاء حجم الجرائم الجسيمة لم يكن أمام الأمم المتحدة سوى الشروع بتأسيس محكمة خاصة لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة في راوندا، خصوصاً وقد صاحب المعارك حرق المنازل، وبقر الماشية، وقطع مصادر المياه، وممارسة الاغتصاب الجنسي، والتعذيب الجسدي والنفسي، وتجميع الضحايا في ساحات وأماكن عامة، للقيام بعمليات قتل جماعي بحقهم، وتقول إحدى الشهادات: إنه في غضون 24 ساعة في أحد الأيام تم جمع 67 ألف جثة.
إن قبول المحكمة الجنائية الفرنسية لدعوى الشابين ضد عدد من المتهمين فيه أكثر من مغزى ورسالة:
الرسالة الأولى، أن القضاء الدولي وعلى الرغم من تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في روما في العام 1998 ودخولها حيز التنفيذ في العام 2002، لا يزال بعيداً عن بسط سلطانه على الكثير من القضايا، لاسيّما تلك التي ارتكبت قبل تأسيس محكمة روما، إذ أن أحكامها ليست بأثر رجعي، وهو ما حاولت الولايات المتحدة بحكم ثقلها الأدبي والمعنوي والسياسي، ومعها «إسرائيل» أن تفرضه على نظام المحكمة، التي انضمت إليها قبيل ساعات من إقفال باب الانضمام كدولة مؤسسة، وعندما أصبحت عضواً مؤسساً ومعها إسرائيل، سعت لعدم قبول المحكمة للدعاوى لمدة سبع سنوات قادمة أي بُعيد التأسيس، وذلك لحماية جنودها وجنود «إسرائيل» من المساءلة خلال السنوات اللاحقة على تأسيس المحكمة، وبعد دخول النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيّز التنفيذ انسحبت واشنطن ومعها تل أبيب، في سابقة دولية خطيرة .
الرسالة الثانية، أن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب، بما فيها الحروب الداخلية، إضافة إلى جرائم التعذيب والاختفاء القسري والقتل خارج القضاء، وكل ما له علاقة بهدر حقوق الإنسان لا تسقط بالتقادم، وبالتالي فإن المرتكبين سيظلّون ملاحقين إلى أن تطالهم يد العدالة، حتى لو انقضت عقود من الزمان، إذْ ليس بمقدور أحد الإفلات من العقاب، وفي ذلك ردع لكل من تسوّل له نفسه القيام بارتكابات جسيمة تمسّ حقوق الإنسان وحرّياته الأساسية، في الحال وفي المستقبل.
الرسالة الثالثة- إن الدول أو الأشخاص، مهما بلغوا من الذكاء أو الحيلة في التواطؤ مع المرتكبين، فإن مسؤوليتهم المعنوية والفعلية ستكون كبيرة باعتبارهم شركاء بارتكاب هذه الجرائم أو في التستر عليها، ففرنسا تعتبر متّهمة بحكم توفيرها أسلحة للمرتكبين، كما أنها قامت بتدريبهم عسكرياً قبل ارتكاب الجرائم، فضلاً عن ذلك فإنها لم تقدّم أي من المتهمين إلى القضاء، وهناك أعداد ليست بالقليلة على أراضيها من كبار المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من الإبادة الجماعية إلى الاغتصاب إلى التعذيب وغيرها، وقد كان تعيين خمسة قضاة تحقيق في مسألة الروانديين الهاربين (في العام 2009) ليس أكثر من مجرد «ذرّ الرماد في العيون» بعد مرور 15 عاماً، ولكن ذلك لا يعفيها من المسؤولية.
الرسالة الرابعة، إن دور المجتمع المدني مهم جداً وستزداد أهميته في المستقبل، ناهيكم عن العمل الطوعي لأشخاص مؤمنين بحقوق الإنسان، الأمر الذي يتطلب إيلاؤه اهتماماً أكبر ودعمه بكل الوسائل، للقيام بوظيفته الإنسانية، فقد استطاع غوتيه وزوجته دافروزا العمل في إطار جمعية مدنية تدعى «جمعية المدعين المدنيين الروانديين»، لكي لا يفلت الجناة من يد العدالة، وذلك بالاستفادة من القوانين التي تستند إلى اللوائح الدولية لحقوق الإنسان وتسمح بملاحقة المتهمين على أراضيها وفي أي مكان في العالم بغضّ النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو وقوع الحدث. وهناك تجربة عربية مفيدة على هذا الصعيد بدأت في أواخر التسعينيات ومطلع الألفية الثانية، حين بدأ فريق صغير ولكنه كبير في فعله، بملاحقة المتهمين الصهاينة بارتكاب جرائم حرب حين تقدّم إلى القضاء البلجيكي في بروكسل، ضد شارون، وفي مدريد ضد بن أليعازار وعدد من رفاقه، وفي لندن ضد وزيرة خارجية «إسرائيل» سابقاً تسيبي ليفني، وفي مؤتمر ديربن ضد العنصرية، تمكّن فريق حقوقي من العمل لحشد 3000 (ثلاثة آلاف) منظمة حقوقية عالمية ضد «إسرائيل» وممارساتها العنصرية، وهو ما يمكن تفعيله والبناء عليه بخصوص المرتكبين خلال احتلال العراق وهي قضية لا تزال تفاعلاتها قائمة دولياً .
الرسالة الخامسة- تخصّ مجتمعاتنا العربية والمسلمة ودولنا، والتي تعرضت لارتكابات شنيعة سواء في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان، بضرورة العمل المؤسسي الطويل الأمد لتوثيق الجرائم والانتهاكات وجمع المعلومات والوثائق والشهادات، وكل ما له علاقة بملاحقة المرتكبين لتقديمها إلى القضاء الدولي، سواء مجازر صبرا وشاتيلا واحتلال لبنان العام 1982 أو عند الحرب على لبنان العام 2006 أو الحرب على غزة العام 2008-2009 أو احتلال أفغانستان والعراق، وما حصل في سجون قلعة جانكي وأبو غريب وسجن غوانتانامو أو سجن الخيام أو أنصار أو سجون الاحتلال «الإسرائيلي»، بشكل عام فضلاً عن السجون السرية أو السجون السرّية الطائرة أو البحرية العائمة، والتي ارتكبتها القوات الأمريكية وحلفاؤها .
الرسالة السادسة، إن القوى الكبرى لا يمكنها أن تستخدم نفوذها إلى ما لا نهاية بالتعامل على نحو انتقائي مع قضايا العالم الثالث، وتوظيف القانون سياسياً لخدمة مصالحها، ومهما كانت عدوانية ومتسلطة ولها أكثر من معيار، فإن ثغرة حقوق الإنسان مهما بدت سلمية ومدنية ورقيقة، لكنها ستكون كبيرة وقاسية أمام مجتمعاتها التي وضعت هذه اللافتة فوق رؤوسها، وليس بإمكانها التفلّت منها، ولهذا فإنها ستكون مساءلة، لا من جانب دول العالم الثالث فحسب، بل من قبل شعوبها أولاً، وهذه هي المعركة الحقيقية الطويلة الأمد للعدالة، التي ينبغي العمل في ساحاتها.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدينة تتعدّى المكان وتتجاوز الزمان
- من أوراق الجنادرية
- بعد 40 عاماً ...حين يتجدد السؤال
- عبد الحسين شعبان يسلّط الضوء على فصل ساخن من فصول الحركة الش ...
- مقتدى الصدر والعزلة المجيدة
- الجنادرية والمواطنة الافتراضية
- مصر تحتاج إلى مشاركة المهزوم لا الانتقام منه
- استمرار الصراع في سوريا هو مصارعة على الطريقة الرومانية
- نتنياهو وتصريحات كيري!
- الحزين الذي لم تفارقه الإبتسامة
- التباس مفهوم -الأقليات-
- الأنبار . . الإرهاب والأسماك الخبيثة
- دستور تونس والعقدة الدينية
- من أين ظهر هذا التنين؟
- المعايير الدولية للمحاكمة العادلة: قراءة في الفقه القانوني ا ...
- رحل العروبي -الأبيض- !
- “الوجه الآخر” لتركيا
- جنيف 2 واستعصاء الحل!
- النجف في الجامعة اليسوعية
- مغارة -علي بابا- الأسوأ من ووترغيت!


المزيد.....




- مادة غذائية -لذيذة- يمكن أن تساعد على درء خطر الموت المبكر
- شركة EHang تطلق مبيعات التاكسي الطائر (فيديو)
- تقارير: الأميرة كيت تظهر للعلن -سعيدة وبصحة جيدة-
- عالم روسي: الحضارة البشرية على وشك الاختفاء
- محلل يوضح أسباب فشل استخبارات الجيش الأوكراني في العمليات ال ...
- البروفيسور جدانوف يكشف اللعبة السرية الأميركية في الشرق الأو ...
- ملاذ آمن  لقادة حماس
- محور موسكو- طهران- بكين يصبح واقعيًا في البحر
- تونس تغلق معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا لأسباب أمنية
- ?? مباشر: تحذير أممي من وضع غذائي -كارثي- لنصف سكان غزة ومن ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الهوتو والتوتسي ورسائل العدالة !