نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4382 - 2014 / 3 / 3 - 23:48
المحور:
ملف - المرأة بين النص الديني والقانون المدني الحديث، قانون الأحوال الشخصية للمسلمين ولغير المسلمين،بمناسبة 8 مارت -آذار عيد المرأة العالمي 2014
تقوم المجتمعات العربية على أساسات أنماط فكرية بدوية تُستمد من قيم الصحراء و رؤية القبائل المرتحلة، و لا يتعارض هذا الأمر مع حقيقة أن مجتمعاتنا متمدنة في أماكن المعيشة و وسائل المواصلات و أشكال الإنتاج و الاتصال التكنولوجي مع العالم، فالراسم للمنهج ما زال جالسا ً في خيمته ينظر للقمر و يُفكر بقبة السماء المرفوعة بدون أعمدة، ينتظر هبوط الملائكة و يخاف نجوى الشياطين بنفس القدر الذي يرتعب فيه من فكرة غزو القبيلة الأخرى له، لسبي نسائه و مقتلة ِ أولاده الذكور و سلب المتاع و السلاح و الخيل.
ما زال الرجل العربي يعتبر المرأة َ ملكية حصرية، في الجسد و العقل، فهي حافظة بيته، و مربية أبنائه، و حرث مُتعته يأتيها من قبل أو من دبر ما دام الإتيان من الفرج، و الذي ينفرج ٌ له، كزوج بعدما استحله بمهر ٍ معلوم، أما العقل ُ فيها فمساحة ٌ يُسيجها بحدود ٍ يصنعها، لا تتخطاها و لا تُدخل إليها إلا ما يضمن له استمرارية الملكية الحصرية، على التفكير، و بذل الكينونة و عطائها الأنثوي في الاتجاه الذي يريد، حسب الطريقة ِ التي يتم تحديدها، وفق أنماط و ضوابط و حدود يضعُها بنفسها.
إن مَحورة القوانين و التشريعات حول ضمان الامتلاك الذكوري للمرأة يضرب جذوره في قيم التمدن الأول و الانتقال من مجتمعات الالتقاط و الصيد نحو مجتمع الزراعة و الامتلاك الفردي، و الذي امتاز بملكية الرجل الفرد للأرض و الإنتاج و حاجته لضمان انتقال ممتلكاته إلى خطه الجيني، مما يعني بالضرورة حصر الوصول إلى إناثه فيه ِلوحدِه و منع غيره من الذكور، و لذلك كان لا بد من إحاطة النساء بمجموعة من القوانين و الضوابط تضمن عدم حدوث اللقاء النوعي بين الرجل الآخر و المرأة الزوجة، لكي يُقطع الطريق من أول خطوة بدل معالجة التبعات لاحقا ً.
لكن تقدم المجتمعات و ظهور القيم الأخلاقية لم يتسبب في مراجعة هذا الأسلوب البدائي في الرؤية و التعاطي بين النوعين: الذكور و الإناث، فمضت المجتمعات نحو التجارة و الصناعة لاحقا ً بدون أي إعادة تقيم للنظرة إلى الأنثى و دورها و قيمتها الإنسانية، و بقيت الأنثى مُلكية ً فردية و إناء ً للإنتاج و التكاثر، و هو الأمر الذي تغلبت عليه المجتمعات الغربية و أستطاعت الإناث بنضال ٍ فكري ٍ و قانوني ٍ يستحق كل الاحترام أن يُعدن الأمور إلى نصابها الإنساني و يُبرزن حقيقة التساوي النوعي في الجوهر و الكرامة.
أما في المجتمعات العربية فقد نجح الرجل في استدامة سيطرته على المرأة، و تفوق فيها حين نصَّب من المرأة ِ نفسها رقيبا ً على عقلها و مشاعرها و لباسها و حدود طموحها الوظيفي و قناعاتها الاجتماعية و أشكال تفاعلاتها و أنماطها ، و سكب كل مُعرِّفات هويتها كما يريدها أن تكون، في شخصيتها و استطاع بقوة الدين و الوراثة و العادات و التقاليد و القوانين أن يجعلها تتبنى هذا الُمعرِّفات و تُنشئ عليها قيما ً و سلوكيات، و تبني حياتها عليها و حولها، ثم تدافع عنها و تطلبها و تتمسك بها، و تروج لها، و تُحاسب من خالفتها و تعزل بالإقصاء من طلبت إعادة النظر فيها أو تجرأت عليها، و بذلك تضرب السيطرة الذكورية جذورا ً عميقة في الكيان الأنثوي لا يسهل نزعها.
إن العامود المدماكي لقلعة الاضطهاد الانثوي هو الربط الخبيث و الماكر بين المساواة بين الجنسين و بين الإباحية الأخلاقية و الانحلال المجتمعي، و هو أول ما ستُجابهه أي أُنثى تُطالب بإعادة النظر في المُسلَّمات و الموروثات.
- لذلك بينما نتحدث نحن عن الاعتراف بالمساواة الجوهرية بين الذكر و الأنثى، و بتوضيح الدور التكاملي للنوعين في إنشاء مجتمع واعي حديث يقوم على العلم و الإنتاج و الاعتراف بمستحقات الحداثة و رفض التميز على أساس النوع و عبودية الأنثى للذكر تحت أي مُسمى و تنشئة الأطفال على قيم العدالة و المساواة و الحب و البراءة الفطرية،،،
- ،،، يتحدث المدافعون عن النهج الحالي و بكل شراسة عن الجنس، و حرية الوصول إلى المرأة و العلاقات المُحرمة و انتشار الرذيلة و الفساد، و عصيان الله و حلول غضبه و الارتداد من الدين و الفسوق.
و يُبرز انفصال طرحنا و أهدافنا عن الحجج الدفاعية التي يسوقونها مقدار الهوَّة الساشعة بين الاعتناق الفكري - و السلوك بحسبه – لمفاهيم العدالة و المساوة من طرفنا و بين النهج الأيدولوجي الذي يُحقِّر من شأن المرأة و يرى فيها مُلكية إلهية انتقلت بالحق البيولوجي إلى الذكر.
تُساهم النساء بشكل غير واعي أو مدرك في مأساتهن المُستمرة حينما يتم خداعهن بتصوير مفاهيم العدالة و المساواة على أنها دعوة لانتهاك أجسادهن و عرضها لطالبي المُتعة، و نتفهم ردود أفعالهن حين تنطلي عليهن الخدعة، فيتمسكن أكثر و اكثر بما لديهن و يُصبحن أشرس المدافعين –حتى بين الذكور- عن الوضع الاستعبادي القاهر لهُن.
نحتاج في دعوتنا إلى تحرير المرأة أن نوضح بشكل صريح لا يحتمل مجالا ً للشك أو التفسير بأكير من وجه أننا مع قيم العائلة و الإخلاص الزوجي للطرفين و التماسك المُجتمعي، و أن نبين أن جميع الحجج التي يسوقها أعداء منهجنا الإنساني هي مجرد افتراءات كاذبة و مقصودة بغرض استدامة الإستعباد و تشتيت الجهد التنويري و تميع المجهود و صرفه نحو معارك فرعية في الوقت الذي يجب أن نركز فيه كل التركيز على قيمنا التي ندعو إليها.
نحتاج أن نُفهم النساء المُتشككات و المُترددات أن الدعوة إلى المساواة لا تعني الدعوة لهجر الزوج و الأطفال و اتخاذ العشيق و الخروج من البيت نحو المرقص و الملهى، و يجب علينا أن نُظهر سذاجة هذه الأفكار و ضحالتها و الغباء الشديد الذي تتسم به و المكر المقصود ممن يسوقونها، و هي الحجة الأقوى لنا حيث أن قوة قيمنا الإنسانية كفيلة بإظهار نفسها و الدلالة على صحتها أمام هذه الإدعاءات المُشينة.
نحتاج أن نوضح للنساء معنى التساوي الإنساني في الجوهر بين الذكر و الأنثى بأمثلة واقعية من مجتمعاتنا، و من بيوتنا، حيث أبناؤنا و بناتنا يظهرون نفس مستوى التحصيل العلمي و نفس الإنتاح الوظيفي و نفس القدرة على العمل و التفكير و التدبير، كما و يجب أن نُظهر أمثلة َ غربية لعالمات و رائدات فضاء و طبيبات و مهندسات و رئيسات دول و رئيسات وزراء دول، حتى تفهم المرأة التي تعتقد بدونيتها أن هذه الدونية هي كذبة كبيرة تم اختراعها و تضخيمها و تدعيمها و تكرارها و تقديمها على أنها حقيقة إلهية بينما لا يعدو الأمر كونها فقاعة بجدار ٍ ضعيف ٍ نحيف ٍ ينتظر وخزة ً معرفية ليظهر مكنونه الهوائي و يتبخر في الفراغ.
يجب أن تعرف المرأة أنها ليست موجودة لإمتاع الذكر، و ليس هدفها في الحياة التزين لزوجها و تلبية رغباته و صيانة بيته، فهذه وظيفة العبدة الجارية، و نحن في زمن ٍ نفهم فيه وضاعة هذا التفكير و خِسَّته و جُبنه و شدة انحداره و تعارضه مع الإنسانية و المنطق و الحق، و عليه فإن إعادة تعريف الزواج كمؤسسة مُشتركة مُساهمة اختيارية و طوعية يتكامل فيها النوعان و يتحدان في المصير و القرار و الدعم المشترك، سيجعل المرأة َ تُدرك خياراتها و إمكانياتها و تدخل ُ المؤسسة الزوجية واعية ً حُرَّة ً شريكة ً لا جارية ً و لا عبدة.
على الرجال أن يدركوا أنهم لا يملكون المرأة و لا حق لهم بتحديد شكل العلاقة و حدودها، فالنوعان يحددان هذه العلاقة و يُعرِّفانها في ضوء طبيعة كل نوع و حاجاته و قدرته على المُساهمة المتبادلة لكي يتكون المُجتمع صحيا ً لاتساقه مع النوع البشري بجندريه و دورانه في محور الطبيعة و القيم السامية للمجتمعات، لا مشيا ً أُحاديا ً بدون أبعاد فكرية أو طبيعية أو إنسانية أو حقيَّة صحيحة، تستمد نفسها من قيم ِ مُجتمع ٍ جُغرافي ٍ ذي شكل ٍ بدوي ٍ بدائي ِ في زمن ٍ كان، اندثروا كــُلــُّهم.
ستواجه دعوتنا هذه بالإضافة إلى ما ذكرته من الهجمات الماكرة الخبيثة -لكن الهشة- هجوما ً أخيرا ً هو الملاذ ُ الباقي للسدنة و الظلامين، و هو الهجوم الإلهي، و سيكون هذا هو التحدي الأكبر، ففي مجتمعات ٍ مثل مجتمعاتنا يكفي أن تذكر أن أمرا ً مُعينا ً يُعارض إرادة الله و النص المقدس حتى تجد منه نفورا ً تلقائيا ً و ضده مُعارضة ً قد تشكلت، و هجوما ً مُستمرا ً يتخذ أشكالا ً رسمية و غير رسمية فردية،و لا بد للاستعانة ِ هُنا بالمستنيرين من أهل الدين و ذوي الإرادة الصالحة و الضمير الحي، الذين يرون في نصوصهم ما لا يراه خصومنا الفكريون، و الذين يقبلون بشجاعة و كرامة كل تبعات التنوير و الإصلاح الدعوي، و هم موجودون و كثيرون و يمكن الاستدلال عليهم من بين سطور ما يكتبون و منهم من يكتب بكل وضوح لا حاجة للقراءة ِ بين سطوره، و جميعهم لهم التقدير و الاحترام.
تهدف هذه المقالة إلى فتح العيون على حقيقة نوعنا، و جمال ِتكامله الجندري، و إمكانياته التي لم نُحقق منها إلا جُزءا ً يسيرا ً بفعل ِ الغباء الجندري و ترجمته إلى شِقَّي: السيطرة الذكورية و الخنوع الأنثوي، حتى يأتي اليوم -و سيأتي- الذي نضع فيه الأيادي في الأيادى و نبتسم ُو في القلب ِ راحة ٌو طمأنينة على مستقبل أطفالِنا، برضى تام و قناعة عن علاقاتنا.
معا ً نحو الحب، نحو الإنسان!
------------------------------------
لمزيد ٍ من القراءة:
المرأة كملكية ذكورية – ما بين جرائم الشرف و إعفاء المُغتصب شرط الزواج
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=381098
من سفر الإنسان – المرأة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=388472
سيداو في العقل العربي الذكوري – عيون ٌ على الأفخاذ و ما بين كل زوج منها
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=388651
في نفي دونية المرأة – بين داروين و العلم الحديث
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=401448
في نفي دونية المرأة – التكاثر الجنسي كخيار الطبيعة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=401929
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟