أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف - نضال الربضي - المرأة كملكية ذكورية – ما بين جرائم الشرف و إعفاء المُغتصب شرط الزواج















المزيد.....

المرأة كملكية ذكورية – ما بين جرائم الشرف و إعفاء المُغتصب شرط الزواج


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4236 - 2013 / 10 / 5 - 19:34
المحور: ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
    


المرأة كملكية ذكورية – ما بين جرائم الشرف و إعفاء المُغتصب شرط الزواج

الُمتأمل للتاريخ العربي يجد نفسه دائما ً يدور في فلك القبيلة و قوانينها و بيئتها الصحراوية و القبائل الأخرى، و صراعات تأمين المَعشَب و مورد الماء و استدامة التوالد الحيواني للقطعان و زيادة أعدادها و توفير الحماية من أخطار الجفاف و القيظ و نُدرة المرعى و الماء و غزوات القبائل الأخرى. و تبرز الغزوات بشكلها الوحشي كأكثر ما يخشاه البدوي في حياته لأن الغزوة هي قتل ٌ للرجال و سَوق ٌ للمواشي و نهب ٌ للأموال و الكنوز و تدمير ٌ لبُنية القبيلة و سبي ٌ لنسائها و استباحة ِ أجسادهن َّ بالعلاقات الجنسية للغازي الفقير غير القادر على الزواج من الحرة، و استعباد لهن َّ في الإخضاع لتقديم الخدمة خصوصا ً في الأعمال التي تأنف منها الحرة، و كسر كامل للإرادة مع إذلال نفسي و روحي عنيف يستتبع بالضرورة محو الشخصية أو دفعها للغوص تحت حُزن ٍ شامل لا يُبقي من معنى الحياة و الإنسانية شيئا ً.

و من هذا المنطلق كان العربي و ما يزال يصاب بالرعب من مس نسائه بأي شكل ٍ من الأشكال على الرغم من أن المجتمعات الحديثة تحتكم إلى قانون الدولة الضامن للحقوق دون وجود قبائل متناحرة أو غزو ٍ أو سبي ٍ أو سلب، لكن البصمة التي طبعتها الصحراء خلال آلاف السنين في اللاوعي الجمعي ما زالت فاعلة ً عاملة ً بقوة. و ما زال العربي يتحسس من وصم نسائه أو وسمهن َّبوسم "قلة الشرف" لأن مكانته داخل المجتمع (القبيلة سابقا ً) تتحدد بقيمة عُليا هي مدى نقاء نسائه و خلوِّهن من الانتهاك الذكري، لأن هذا النقاء هو ضمان ٌ للزوج أن منيه الذي سيقذفه في داخلها هو الوحيد المسؤول عن الحمل الظاهر عليها و بالتالي على استمرارية سلالة الزوج نقية ً دون دخول طرف ٍ ثالث.

هذا من جهة، و من جهة ٍ أخرى فإن نقاء العنصر النسائي هو تأكيد ٌ على قدرة الذكر الحامي و فحولته و رجولته و مقدرته التامة على حماية مقتنياته، و هو التذكرة الوحيدة ليتبوأ مكانته وسط الرجال، و لكي تعترف به الرجال و تعترف القبيلة بأهميته و دوره في أن يكون عضوا ً فيها يساهم في حمايتها و بالتالي يتمتع هو أيضا ً بحمايتها و يقتسم مغانمها و يحظى بالاعتراف الاجتماعي و المعيشي المطلوب.

ووسط َ هذا الكم الهائل من تعقيدات الحياة و قانون الصحراء و قانون القبيلة و صراعات الوجود تماهت كل العناصر حتى ذابت في بوتقة ٍ واحدة صبت في اللاوعي الجماعي و اللاشعور الجمعي قانونا ً واحدا ً غير مكتوب لكنه معبود ٌ و مقدس أكثر من أي طوطم بدائي، هذا الطوطم الذي يسري كالأثير في كيان الرجل العربي و هو: "امتلاك الأنثى".

و مع تطور المجتمعات و عبر سريان التاريخ و مضيه اختزل العربي دون َ قصد ٍ منه شرف الفتاة في قطعة من الجلد داخل العضو الخاص، يقطفه زوجها كهدية ٍ من أهل الزوجة تخدم غرضين: الأول هو إثبات أهليتهم لـ ِ و أحقيتهم في مكانتهم الاجتماعية التي يتبوؤنها، و الثاني هو اعتراف الأهل بحق الزوج في استلام الملكية الكاملة غير المنقوصة أو الملوثة أو المنتهكة، و بذلك يتمكن من فرض سيطرته الذكورية و تأكيد رجولته. كل ذلك يجعل المجتمع يحيط الغشاء الجلدي بالتقديس و يأمر الفتاة أن تستميت في حفظه و ما دون ذلك مرفوض لكن يمكن الصفح عنه ما دامت قطرات الدم البسيطة تشهد لجلدة "ختم الجودة" و فاعلية "مفتاح الرجولة" الذكري.

إن الدم يشكل بالنسبة للعربي كل شئ، فهو الحياة عندما يُعصم دم الفرد و لا يُسال، و هو المأكل عندما يُسال دم الحيوان للطعام، و هو اضمان استمرار البقاء عندما يُسال دم الخصم الذي فيه حبس سيلان دم المُسيل نفسه. و بعض ُ العرب ِ تعاهدت بتغميس ِ يدها في صحن ِ دم ٍ علامة العهد الذي لا يمكن أن يُنتهك أو يُخان، فالدم مقدس. و من هذا المنطلق فإن سيلان نقاط الدم عند تمزق الغشاء هو ضمان لعدم سيلان دم الفتاة نفسها إذا تعذر سيلانه من حيث يجب عليه أن يشهد لها بالشرف و النقاء، فالفرج من الانفراج أي الفتح و الابتعاد، و الفتاة التي لا تفرج رجليها و تحفظهما تحقن دمها و تشتري ببضع قطرات منه مجموعه كله و تؤكد شرفها و شرف الذكور الذين يملكونها.
و بينما يعرف العالم الحديث و يُعرِّف ُ الشرف على أنه سلوك و نمط حياة يتسم بصدق و احترام للذات و للآخر، و مسؤولية ُ الإنسان نحو ذاته و نحو شريك أو شريكة حياته و نحو بيته، و التزام بالحق و العدالة و رفض الظلم و الترفع عن الصغائر و إلغاء الحقد و زرع المحبة، ما زال العالم القديم البدوي البدائي يختزل كل هذا في البكارة الجنسية المرتبطة و المرافقة بإيلاج القضيب في المهبل.

و في ظل ِّ هذا الخلل الكبير في تحديد مفهوم الشرف و الحياة بموجبه يزداد رعب العربي من أي عمل ٍ يقع على نسائه المملوكة حتى لو كان الفعل ُ عليها قسريا ً بغير إرادتها، و لهذا لا يكون للحرية في الفعل أي اعتبار ما دام أن الفعل قد وصل إلى منتهاه و أدى في نتيجته إلى تلوث النساء المملوكة و تدمير نقائها الأول و العبث بها و الانتقاص من قيمتها التي يحددها فقط قانون النقاء و عدم المس لأي سبب من الأسباب، مما يجعل الإرادة الأنثوية في الفعل أو إجبارها عليه أو اغتصابها مجرد شكليات لا وزن لها في تحديد القيمة التي تُعطى لهذه الإناث، فالقيمة مُرتبطة بالنقاء، و النقاء ذهب فالقيمة ذهبت هي أيضا ً و لا بد الآن من إيجاد حل ٍّ سريع ٍ و عاجل ٍ لمنزلة الذكر الحائز و القاني قبل أن يُسقط الذكور الآخرون و المجتمع اعترافهم بها و يسحبوا ضمان أهلية هذا الذكر ليتبوأ المكانة الاجتماعية التي هو فيها الآن.

و أثناء هذا الغليان الذكوري الداخلي و الاستماتة في عدم خروجه إلى العلن الذي فيه خسارة الكرامة و الاعتراف و المكانة، يبرز القانون الذي يعُفي الذكر المُغتصب من عقوبة الجريمة التي اقترفها في حق الأنثى المفعول بها، حيث أن موافقته على الزواج من ضحيته هي الشرط الوحيد لنجاته من الاقتصاص القانوني منه، و هو أيضا ً الطريقة الوحيدة التي تحفظ لأهل الفتاة منزلتهم الاجتماعيه، و يضمن للأنثى المنتهكة أن تستطيع الاستمرار في حياتها أمام المجتمع بغض النظر عن كونها داخيا ً كومة ألم و رماد.

و حين تكتمل معزوفة السخرية و التخلف و الجهل الناعقة في سيمفونيتها الناشزة عن العقل و المنطق و الحق و الحياة، يأتي زواج المُغتصب من ما تبقه من ضحيته، فلا المجتمع عرف بحدث الاغتصاب، فالموضوع موضوع زواج فتاة من شاب يُدعي إليه الأقربون و الأصدقاء و لا من شاف و لا من دري، و لا الأهل خسروا سمعتهم و مكانتهم الاجتماعية، و لا المُغتصب حُبس و عُوقب و لا الفتاة افتضح أمرها بين الناس، و كل الأطراف راضية قانعة رابحة بدون خسارة، أو هكذا يريدوننا أن نصدق.

لا ينظر أحد إلى المُغتصبة كإنسان و تُصبح في زواجها ضحية اغتصاب ٍ يومي مشروع بالقانون و بشهادة المدعوين و مباركة الأهل و الشهود العدول و بزفة و رقص و غناء، و يُكرَّس ُ وضعها كسلعة لها ثمن لا تملك التحكم بنفسها و يملكها الآخر الذي يحدد القيمة و طريقة التعامل معها و مصيرها و حلها في بيت زوجها و ترحالها من بيت أبيها. و كمكافأة لذبحها مرة حين اغتصبها يشرع له القانون ذبحها كل مرة، ما دام "مفتاح رجولته" يؤكد أن النيل من عفتها مسموح، ما دام العقد يسمح، و الأهل تبارك و المجتمع نائم ٌ في غفلته اللذيذة.

أما الوجه الثاني للغليان الذكوري فهو إلقاء ُ الحكم بانعدام قيمة الأنثى فور تلوثها بغض النظر كما أسبقنا عن دورها في الفعل سواء ً بالإجبار أو الاغتصاب، ثم صدور الحكم بضرورة إزاحتها من مجموعة الحريم المملوكة للعائلة، فتكمل تلك المجموعة الحريمية وظيفتها في حفظ شرف العائلة و استدامة القيمة الذكورية و المكانة الاجتماعية دون نقصان، و تقتضي تلك الإزاحة أن تكون تامة ً كاملة ً حادة ً في حُكمها عنيفة ً في تنفيذه، نهائية ً و قاطعة لا يتبعها أي إجراء و لا تتطلبه أصلا ً، و مختومة ً بالختم الأوحد و الأقدس لدى العربي و هو ختم الدم الشاهد، فتأتي جريمة الشرف في حق الأنثى المُغتصبة فورية ساخنة ً بشعة عنيفة يشهدها المجتمع فيعرف أن الذكر الضارب لا تساهُل لديه و لا خنوع و لا ضعف و لا قبول بالأمر الواقع، و أن الشرف لديه هو القيمة العظمى و أنه و إن كان لم يستطع أن يمنع التلوث إلا أنه لا يرضى به و يجازيه بأعظم منه و يجتثه فيحفظ نقاء نسائه و يعيد التأكيد على هذا النقاء بغسله بالدم المقدس و يُبرهن على جدارته بالمنزلة الاجتماعية التي يحفظها له الذكور الآخرون و المجتمع.

و تتضح السخرية المطلقة و الأليمة و البشعة بلا حدود في أن فعل الجريمة ضد الأنثى المُغتصبة هو فعل تشهير ٍ بالفعل الجنسي الذي كان يحرص الذكر المالك ألا يقع في الأصل، هذا التشهير الذي يبرز تناقضه مع حرص الذكر على عدم وقوعه في أن الذكر نفسه يُبالغ في إشهاره أمام الناس فيبلغ مسمع و مرأى من لم يكن ليبلغه لولا افتضح أمر الاغتصاب نفسه، و كأن الذكر يُرسل رسالة ً عنيفة ً مُتناقضة ً مفادها أن الذكر الجاني الذي انتهك نقاء حريمه ليفضحه غير قادر على هذه الفضيحة لأن الذكر المالك سيقوم بنفسه بتدمير فعل الفضيحة بإشهار العمل المُعاكس و المدمر لفعل الفضيحة المرفوض من المجتمع و هو فعل غسل العار المقبول و المُبارك من المجتمع، فيكون أن إشهار الدم يُغطي على فعل انتهاك نقاء الأنثى و يغطيه فلا يعود له أي قيمة، و تتحول دلالة الاغتصاب من انتقاص قيمة العائلة مباشرة ً و بقوة إلى تأكيد هذه القيمة و تدمير أي شك ٍ فيها بقوة الفعل العنيف الجرمي المعاكس لفعل الاغتصاب.

وسط مباركة المجتمع و القانون و مجموعة الذكور المالكة، تموت الفتاة ألف مرة.


كم مرة يجب أن تموت الضحية يا عميان القلب؟



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمثيل ُالوحي داخل الحواس – رحلة الله و الناس
- فلسفة الوعي – الإدراك و التركيب العضوي و ما بينهما


المزيد.....




- دراسة صادمة تحذر النساء من وسيلة منع حمل قد ترتبط بورم دماغي ...
- عداد الجرائم للأسبوع الممتد من 22 إلى 29 آذار/ مارس
- بريطانيا.. اتهام امرأة بسرقة 48 صندوقا من البيض
- السعودية.. فيديو دموع امرأة مغربية في الحرم ردا على سؤال يثي ...
- شاهد..امرأة في مصر تؤدي دور المسحراتي خلال رمضان وتجوب شوارع ...
- السعودية تترأس لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة والإعل ...
- صلة رحم.. معالجة درامية إنسانية لقضايا النساء
- السعودية تترأس لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة رغم ان ...
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام السجينات في مراسم خميس العهد ...
- السعودية رئيسا للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة عام 2025


المزيد.....

- العنف الموجه ضد النساء جريمة الشرف نموذجا / وسام جلاحج
- المعالجة القانونية والإعلامية لجرائم قتل النساء على خلفية ما ... / محمد كريزم
- العنف الاسري ، العنف ضد الاطفال ، امراءة من الشرق – المرأة ا ... / فاطمة الفلاحي
- نموذج قاتل الطفلة نايا.. من هو السبب ..؟ / مصطفى حقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف - نضال الربضي - المرأة كملكية ذكورية – ما بين جرائم الشرف و إعفاء المُغتصب شرط الزواج