أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نضال الربضي - الانعتاق من النص – إملاء الحاجة















المزيد.....

الانعتاق من النص – إملاء الحاجة


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4336 - 2014 / 1 / 16 - 10:43
المحور: المجتمع المدني
    


الانعتاق من النص – إملاء الحاجة

تبرز مشكلة النصوص الدينية حينما تصطدم مع حاجة الفرد و المجتمع إلى التحديث و التفاعل مع متغيرات الواقع، حين يتطلب نمط الحياة و نظام المعيشة من الإنسان أن يتكيف و يبحث عن الحلول التي ستختلف حسب طبيعة حاجاته بينما يقيده النص بحل واحد تم توارثه منذ نشأة ذلك الدين يفرض عليه رؤية محددة لموضوعه و حاجاته و أسلوبا ً في التعاطي لا يتغير و حلا ً ثابتا ً جرى استخدامه فيما مضى و يُفترض أن يتم استخدامه اليوم و و ستتم المناداة بـ و الترويج لاستخدامه في المستقبل.

يتجاهل مناصرو الالتزام بالنص الظرف الزماني و المكاني و الموضوعي الذي رافق ظهور الدعوة الدينية، و يعتقدون أن الرؤية الدينية في كيفية التعامل مع موضوع ما هي مُطلقة و ثابتة لا تتغير، و ذلك بحكم طبيعتها كـ "إلهية" المنشأ و "غيبية" الصفة و "سماوية" النوع و المنشأ و الفعل، و بذلك ينظرون إلى النص على أنه مفارق للتاريخ و مُنفصل عن الإنسان و المجتمع في نشأته و طبيعته لكنه مُلاصق لكل شئ: الإنسان، الحياة، التاريخ و المستقبل، و يصبغهم برؤيته و يفترض فيهم التجاوب معه بما يحققه لا بما يحتاجون.

و لا ينتبه أصحاب هذا الاتجاه إلى التناقض البديهي بين انفصال نشأة و علة الدين كنظام و منهج عن الواقع و الطلب بتطبيقه في ذات الواقع المُفارق له، و يزداد التناقض إلى الحد الذي لا بد و أن يُفرز الطروحات التجديدة في الدين أو الإلحادية كنزعة أكثر صرامة ً حينما يُصر ُّ مناصرو الالتزام بالنص على ثبات أحكامه العقائدية و الأخلاقية و السلوكية و صلاحيتها لكل الأوقات و الأزمنة و الأجيال، و هم بذلك يُسبغون ثبات الحكم على متغير الحياة، و معلوم التشريع على غير المعلوم من الممكنات، و جمود المنهج على حاجة الواقع و استحقاقات الديناميكية، فيكون أن الواقع يطلب حلا ً منطقيا ً نابعا ً مما هو موجود الآن و اليوم و في بقعة جغرافية معينة محكومة بظرف فردي أو مجتمعي أو سياسي، فيقدمون لنا حلا ً من الماضي من أرض بعيدة في كتاب ٍ قديم محكوم برؤية ميثولوجية لا تعلم عن واقعنا شيئا ً و لا يمكنها التعاطي معه أو تقديم الحلول له.

و بينما نتفهم أن لكل فرد ٍ الحق في اعتناق ما يريد و يسير حسب المنهج الذي يختاره في حياته لا نستطيع أن نتفهم إملاء لون ٍ واحد على كل الأفراد حينما يتم تعميم الدين و ربطه بالتشريع القانوني و الأحوال الشخصية و المعاملات بين الناس، كما أننا لا نستطيع أن نتفهم إطلاق يد سدنة الدين في شؤون الحياة كلها فتصبح الناس مؤدلجة ً منذ ولادتها و حتى دفنها "يُوحى" إليها كل دقيقة عن طريق الراديو الصباحي و الإيميل و الفيسبوك و التويتر و الشارع و برامج التلفاز و فيديوهات اليوتيوب، في كل قنوات الاتصال هذه التي تنتشر فيها الصبغة الدينية بشكل تحس فيه أن هناك حربا ً ضروسا ً ضد الدين و ضد النص تتطلب أن نمسك بهما هذا الإمساك و نعض عليهما هذا العض و نحتضنهما في داخلنا على حساب استقلال شخصياتنا و محو الرغبة مجرد الرغبة في التفكير الفردي المختلف، فيتختفي منا حس النقد، و نعمى عن التناقضات، و نتساهل مع الوحشية و اللاإنسانية و نتقوقع على نصنا أمام قصوره و نهرب إلى الداخل حينما يضغط علينا الخارج و نتحول إلى نسخ ٍ كربونية بوجوه و أشكال و ملابس مختلفة.

إن علمانية المجتمعات باتت ضرورة ملحة ً لا يمكن تأجيلها، فالدين شأن فردي لا جماعي، و العلاقة مع الكتاب النصي و ربه المعبود علاقة إنسان مع عالم الغيب غير المحسوس، لا علاقة مجتمع محتاج إلى تشريع واقعي ينبع من عالم موجود و ملموس و محسوس. و الحاجات الواقعية لا يجب بأي حال من الأحوال أن تتم تلبيتها من مبدأ الرغبة في إستدعاء الغيبي الغني غير المحسوس و تحقيقه في الحاجة غير المشبعة و المحسوسة، و إلا كان الفشل و الإحباط و التناقض اللواتي نعيش و نتخبط بهن أينما حللنا و كيفما توجهنا.
 -;-
يتطلب المجتمع العلماني الإعتراف الأول الذي سيفتح الباب أمام الحداثة و النمو بأن الإنسان حر، يمتلك خياراً، و له الحق في ممارسة الخيار، دون رقابة، و بكل خصوصية، و بدعم من المجتمع و الدولة، و يتطلب هذا بالضرورة توفر الخيارات و وجودها، و بالتالي إتاحتها و جلبها و تحقيقها من المواطنين أنفسهم بتشريعات تسمح بهذه الحرية، و ضمن أُطر احترام حق الإنسان في الحياة و الرأي و التعليم و الصحة و المسكن و الوظيفة، مع دعم الجمعيات التي تتصدى للمشاكل الناتجة عن قلة الوعي و الفقر و المرض، في مجتمع يعرف كل مواطن ٍ فيه أنه يتساوى في الكرامة و الجوهر الإنساني و الوضع القانوني و المواطنة مع كل مواطن آخر، و يدرك أن قيمته الحقيقية تتبع من أمرين هما: 1 كرامته كإنسان 2 و إنتاجه و مساهمته الفعالة في المجتمع.

و لا بد لنا هنا من أن نركز على الخيارات و توافرها و إتاحتها و حرية ممارستها كعامل جذري في الحل نحو العلمانية، لأن المجتمع الذي يفرض خيارا ً واحدا ً أو خيارات فرعية من الخيار الواحد لا يستطيع أن يفهم الحرية جيدا ً، لأن الإنسان لا يفهم ما لم يرى و ما لم يسمع و ما لم يمارس، كما أنه لا يستطيع أن يقبل وجود نمط ٍ سلوكي ٍ لم يشاهد غيره على الأقل يمارسه، و هو الأمر الذي يفسر الهيجان الدائم و الاستهداف الجاهز للتوثب على كل من يمارس نمطا ً مختلفا ً من المعيشة أو يأتي بأفكار ٍ غير مألوفة، فالناس تخاف مما تجهل و تتوجس مما لا تعرف و تعادي ما يُقلق ثباتها و طمأنينتها، و هي خاصية حيوانية بحتة نشاهد مثيلها في الطبيعة حينما تقود الظروف حيوانا ً ما إلى أرض قطيع ٍ آخر، فيتم القضاء عليه إذا كان القطيع من المُفترسات، أو الهروب منه إذا كان القطيع من آكلات العشب، بينما يترجم البشر نفس السلوك إلى استعداء ٍ و إقصاء ٍ و تخوين ٍ و استهداف.

إن توفر الخيارات و إتاحتها في المجتمع يعطي الأفراد مستوى التعرُّض اللازم، و استدامتها يضمن انكشافها أمام المجتمع و انكشاف المجتمع أمامها في عملية تبادل و تفاعل ٍ تستوعب وجودها و تُدخلها إلى حيز الاعتراف الضمني بالوجود، تمهيدا ً للقبول حتى الاعتراف العلني بحقها الوجودي و بحق أي فرد ٍ في ممارستها دون قمع ٍ أو إرهاب ٍ فكري أو نفسي أو جسدي أو إقصاء ٍ أو إدانة. و لا بد من أجل هذا أن تؤمن نخبة من المشرعين بهذا التوجه و تضغط باتجاهه و تتحالف مع مجموعات ضغط ٍ شعبي ٍ في البرلمانات و المؤسسات القانونية لتمرير القوانين الضامنة لفك ارتباط الدين بالدولة و فتح المجال للتشريع حسب حاجة المجتمع و ديناميكية الواقع، قليلا ً قليلا ً و رويدا ً رويدا ً تمهيدا ً للوصول إلى الدولة المدنية العلمانية التي يتساوى فيها الناس و تؤمن بالعلم و الإنتاج و الإنسان قيما ً و أهدافا ً في نفس الوقت.

معا ً نحو الإنسان! نحو كل الحب!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين داعش و النصرة و الفصائل الإسلامية المقاتلة
- -ثُلاثيو القوائم- – حينما يخدم الخيال العلمي الواقع
- الرسالة إلى الدكتور حسن محسن رمضان
- دراما المشاعر – اللاوعي و ندوب نفسية
- ما هي المسيحية – تأمل صباحي قصير
- قراءة في بواعث الفعل عند السلفين التكفيرين
- -ثُلاثيو القوائم- – نظرة إلى أدب الخيال العلمي الأول
- من سفر التطوير الديني - إصلاح الكنيسة – الطلاق
- هل المسلمون طيبون؟ هل المسيحيون أطيب؟
- عن الله و الشيطان – وصف ُالمشهد
- من سفر التطور – أين ذهب الشعر؟
- من سفر الله - في مشكلة التسليم – إن شاء الله و ألف ألف مبروك
- الفصح الميلادي – تأمل
- عشتار – 1- الله و الشيطان، مُلحق إغنائي
- انخماد الوهج – مسيحيو الشرق بين عدم اكتراث الأكثرية المعتدلة ...
- أبون دبشمايو ، نثقدش شماخ – إلى قلب الله
- عن يوسف النجار – في زمن الميلاد
- اليونسيف، الميلاد و العطاء – أنت أيضا ً تستطيع!
- أشعياء النبي - في التحضير النفسي للميلاد – صبي ٌّ صغير ٌ يسو ...
- تسعة أيام قبل الميلاد – المسيحيون، ما زلنا هنا!


المزيد.....




- الأمم المتحدة ستخلي قصر ويلسون التاريخي في جنيف وتنتقل لمقر ...
- إيران تشن حملة على الجواسيس وتنفذ اعتقالات وتضبط ورشة سرية
- المشهداني يدعو الأمم المتحدة لوضع حد لـ-تجاوزات الكيان-
- الأمم المتحدة تحذر من تداعيات التصعيد الإسرائيلي-الإيراني ع ...
- مندوب إيران لدى الأمم المتحدة يحذر من -عواقب كارثية- جراء ال ...
- ألمانيا تفقد جاذبيتها؟ ربع المهاجرين لا يرغبون في البقاء
- آلية توزيع المساعدات صنعت لقتل المجوعين وإذلالهم ومطلوب وقفه ...
- مندوب إيران بالأمم المتحدة: واشنطن الوحيدة القادرة على إيقاف ...
- ما وراء تشتيت المعتقلين السياسيين بتونس في سجون بعيدة؟
- وكالة تسنيم: اعتقال عميل للموساد كان يصنع متفجرات داخل إيران ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نضال الربضي - الانعتاق من النص – إملاء الحاجة