أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نضال الربضي - انخماد الوهج – مسيحيو الشرق بين عدم اكتراث الأكثرية المعتدلة و إجرام سلفية الأقلية















المزيد.....

انخماد الوهج – مسيحيو الشرق بين عدم اكتراث الأكثرية المعتدلة و إجرام سلفية الأقلية


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4311 - 2013 / 12 / 20 - 18:15
المحور: المجتمع المدني
    


انخماد الوهج – مسيحيو الشرق بين عدم اكتراث الأكثرية المعتدلة و إجرام سلفية الأقلية

ليس مسيحيو سوريا أو العراق أو لبنان أو مصر أو الأردن أو فلسطين، أفضل بأي شكل من الأشكال من إخوانهم مسلمي تلك البلدان أو كُردها، و ليست دماؤنا بأنقى أو أغلى أو أقدس من دماء ِ إخوتنا، و ليس أطفالنا أبرأ أو أكثر استحقاقا ً للحياة من إخوتنا، لكننا نحن أكثر المتضررين و أشدهم تأثُّرا ً و يفعل فينا المُصاب أضعاف ما يفعل فيهم.

نحن أقل ُّ عددا ً و نتناقص ُ باستمرار بفعل عوامل الهجرتين الطوعية و القسرية، أما الأولى فلأن مجتمعاتنا بدأت تنزع نحو التشدد و رفض الآخر و عدم الرغبة في الانسجام معه و تميزه و عزله بالتجنُّب و التميز المعاملاتي، و الثانية بفعل إجرام السلفية التكفيرية التي تريد أن تحافظ على وحدانية الدين الإسلامي و المذهب السني و الطريقة السلفية داخلهما، و تتخذ من الإجرام المسلح و الأذى الأعمى وسيلتها الوحيدة.

تُساهم عوامل ُ مُتعددة في رفد قوة التطهير الديني الذي يضرب منطقتنا، فتسفيه عقائد المسيحين و الاستعلاء عليهم و توجيه الوقت و الجهد إلى نقد المعتقدات و نقضها إما بهدف اكاديمي علمي بحت غير شخصي غير عقائدي أو بهدف عقائدي صرف، هو جهد ٌ يصب في نفس السبيل و الاتجاه و يؤدي إلى نفس النتيجة و يشارك نفس المشاركة في تحميل المسيحين ضغطا ً جديدا ً يجعلهم دائما ً في موقع المدافع عن وجوده المُضطر إلى هذا الدفاع، غير المُستدعي أو الساعي له لكن المُرغم عليه. إن حُسن النية أو حياديتها في الأوقات العصيبة التي تمر بها منطقتنا يساوي تماما ً تأثير سوء النية، لأن النتيجة في النهاية هي سببية معلولة بتأثير الفعل نفسه لا بالنية أو الرغبة الواقفة وراءه. و هذا العامل التسفيهي للعقائد تمارسه أقلية أكاديمية مستنيرة و أقلية سلفية ظلامية، يختلفان في كل شئ و يلتقيان فقط عندنا.

لا يخاف المسيحي من نقد عقيدته، فالمسيحية ليست هشة، و هي تتعرض للانتقادات منذ أول ظهورها و حتى اليوم شأنها شأن كل الديانات و شأن كل الفلسفات و شأن كل الأفكار، و هي ليست ديانة ً هشة نخاف عليها ، و يكفي أن تبحث على شبكة الإنترنت لدقائق معدودة لتكتشف عدد معتنقي المسيحية كل عام من الأديان الأخرى و أعداد المسيحين الجدد الكبيرة، فلا خوف على المسيحية و لا خوف على العقيدة. فإذا كان ما يجعلني أكتب ليس الخوف على العقيدة و الدين فما هو إذا ً؟ إنما هو الخوف على المسيحين أنفسهم و عائلاتهم و بيوتهم و أماكن عباداتهم ووجودهم و كرامتهم في محياهم بين إخوتهم المسلمين.

إن النقد الديني في هذا الوقت بالذات يخدم في تأجيج مشاعر الكراهية ضد المسيحين، لأن هذا النقد يقول أن عقائدهم زائفة، و طقوسهم سخيفة، و كنائسهم وثنية صنمية و بالتالي فهم أمام الله غير مقبولون، مرذولون، أنجاس، و النجس لا مكان له بين الأطهار المرضي عنهم خير أمة ٍ أخرجت للناس و جنود الله و أتباع الفرقة الناجية و الدين الصحيح. هذا النقد الديني الذي لا يهم محتواه الذي لا يتذكره عامة المسلمين مقابل تأثيره العاطفي المُحرك الذي يؤجج المشاعر ضد المسيحي و ضد كل ما يمثله، فيصبح قتله عبادة، و ماله فيئا ً، و امرأته مُتعة برخصة شرعية و أولاده عبيدا ً و هو قتيل مضرَّج ٌ بدمائه.

تقع على الأكاديمي مسؤولية كبيرة في تصحيح أخطاء مجتمعه و أمته، و يجب أن تكون هذه أولويته الأولى، خصوصا ً إذا كانت أخطاء ذاك المجتمع ذات تأثير ٍ كبير على الأجيال القادمة و التي منها أبناء و بنات ذاك الأكاديمي نفسه. كما و يُصبح نقد العقائد المسيحية بحد ذاته خطاً و ليس وجهة نظر حينما يكون المسيحي هو الوجه السلمي الُمندمج في المجتمع الباني له مُحتضنا ً عقيدته التي لا تساهم بأي شكل من الأشكال في تثبيت الخرافات أو تدمير الفكر أو تجهيل النساء أو استعباد الناس.

و تظهر المسؤولية أمام الأكاديمي واضحة ً في انتقاد جذور تلك المشاكل، و يُنقضُ عُذرُه ُ العلمي أمام غياب كتاباته عن مشاكل مجتمعه و تأثيرات جماعات السلفية الإجرامية و الإخوان المسلمين المُستعبدة للعقول و البشر، و تفرُّد الفساد الإقتصادي بمصائر الناس.خصوصا ً إذا ما كان انتقاد المسيحية العامل الأسهل أمام الأكاديمي و الذي يضمن له تنفيسا ً عن مكنونات صدره ضدعوامل التأثير السابقة كلها لكن بأسلوب كليلة و دمنة الذي هو ذات عين أسلوب "الكلام لكِ و اسمعي يا جارة"، فالمسيحية سلامية ٌ لا تؤمن بعنف و يمكن لأي كان أن ينتقدها دون أن يخاف من مسيحي ٍ غاضب يقتله أو هيئة كنسية تحل ُّ دمه و ماله و تفرق بينه و بين زوجته، بعكس ما يمكن أن يحدث له من فقد للوظيفة أو سحب لجنسية بلده أو إقامة حد الردة لقتله فيما لو صرح بمكنون صدره تجاه مشاكل مجتمعه بوضوح و صراحة.

إن هذا الخيار السهل للأكاديمي يُفقده مصداقيته تماما ً و يجعل كتاباته بدون قيمة أكاديمية في حد ذاتها، و هو ظاهر لا يتطلب فهمه ذكاءً كبيرا ً، فيكون الأسلم و الأفضل له لو كان صادقا ً مع نفسه أن يترك نقد المسيحية و يكتب َ في توعية المجتمع عن مأساة المسيحين. لكنه يستمر لأن الكبت سئ و قاتل و من الأفضل تنفيسه، و ها إن المسيحين موجودون و هم يستكملون الشروط الأكاديمية فلم لا، و كله باسم العلم و البحث العلمي و الاستنارة و التنوير. و ينسى مع من ينسون أن أول من قدم الاستنارة للعرب كانوا المسيحين اليعاقبة و النساطرة الذي ترجموا العلوم المختلفة و أداروا الدواوين للعربي المُسلم الأول أخيهم، و أن جنود المسيحين العرب كانوا عامل الحسم في معارك خالد بن الوليد ضد الروم أنفسهم، حين اختار المسيحي قوميته على الدين، و قد أحسنَّا الفعل فنحن لم نكن و لن نكون خونة َ أوطاننا ما حيينا.

أما عاملا عدم إدراك أبعاد الأحداث و عدم الاكتراث لها فتمارسهما الأكثرية المعتدلة، وهم جُل ُّ إخوتنا المسلمين، هؤلاء نعيش معهم و يعيشون معنا في انسجام ٍ تام لكن لا يحركون ساكنا ً أمام المصائب التي تضربنا مع أنها هي نفسها المصائب التي تضربهم، إلا أن قدرتهم على النهوض تكون أسهل و أسرع لأنهم هم الأكثرية العددية التي في يدها استبدال ما ينتقص عندها من مساجد أو دور تحفيظ قرآن بآخر تقوم عليه الدولة أو المُحسنون أو من تبرعاتهم الشخصية، بينما تنتفي هذه القدرة عندنا لا بسبب قلة العدد و إن كانت عاملا ً سلبيا ً لكن بسبب محدودية تواجدنا و أصالتها الضاربة في التاريخ، فيكون تخريب كنيسة ٍ عمرها 100 عام أو دير ٍ عمره 500 عام أو تدمير ذخائر قديسين عمرها يقارب ال 2000 عام عملا ً غير قابل للتعويض بأي شكل، و يكون الدمار في هذه الحالة نهائيا ً مُغيبا ً لجزء ٍ حيوي من هوية الوجود المسيحي و بالتالي مُغيِّرا ً في شكله مُقزِّما ً له، فلا يعود الوجود مسيحيا ً كاملا ً لكن جُزئيا ً يعرض بعض الصورة لا كلها، و يتناقص إلا أن يأتي اليوم الذي سيختفي فيه حتى لا يظهر إلا لمن سعى ليبحث.

إن الشرق بدون المسيحين لا يكون شرقا ً و سيغدو عندها مجرد تجمع ٍ بدوي ٍ صحراوي تحكمه زومبيات أنصاف أحياء على شاكلة النصرة و داعش و إخوان ليبيا و تونس و مصر، كل واحد ٍ منهم يحملا كلاشنكوفا ً في يده و بضع مخازن ذخيرة و يحفظ كلمتين من القرآن الكريم و السنة النبوية، و يُحسن التوضأ و استخدام السواك، و يُكثر من "إن شاء الله" و "الحمد لله" و "الله أكبر" و يظن بهذا أن الله مُقيم ٌ له على الأرض دولته السماوية و كفى بأمير الجماعة ِ من بعد رب ِّ العالمين هديا ً و دليلا ً.

يعتقد بعض إخوتنا المسلمين أن المسيحي المُسالم شخص ٌ خائف و جبان و غير قادر ٍ على القتال. و الحقيقة أن المسيحي هو كالمسلم تماما ً يحرص على بيته و وجوده بنفس القدر و يستطيع القتال بنفس القدر الذي يستطيعه المسلم، لكنه أي المسيحي يرفض خيار القتال و لا يريده و لا يجد فيه ما يجده المسلم من جاذبية، لأنه بينما يُدمر السلفيون و الإخوان المسلمون عقول الشباب حين يزرعون في عقولهم "الموت أسمى أمانينا" و أن القتيل شهيد ٌ "يشهد لدينه"، تزرع المسيحية في عقول المسيحين أن عليهم أن يعيشوا ليشهدوا شهادة ً حسنة بمحياهم.

أصبحت مشاهد الموت في سوريا تؤذيني أكثر من ذي قبل و بت ُّ حساسا ً لكل طفل ٍ و إمرأة و شاب يموت، و يأتي تخريب الدولة السورية ليضاعف ألمي و غضبي من كل ما يحدث، و تأخذ المأساة ُ بُعدا ً آخر حينما تنضم إلى المشاهد الأديرة المدمرة و الذخائر المُدنسة و الأيقونات المحطمة، ثم حين أفكر في وقوف إخوتنا المسلمين جامدين أمام كل ما يحدث يتضاعف الألم مرات ٍ و مرات ٍ و مرات.

أختم مقالي بآية كريمة من كتاب إخوتنا المسلمين، علهم إذا قرأؤوا من كتابهم كان ذاك ذا قدرة ٍ أكثر على فتح طريق ٍ لكلامي إلى قلوبهم:

"إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ-;- وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ-;- وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ"

إن القروح تمسُنا منذ ألفي عام ٍ إلى الآن، و شُهداؤنا رووا هذه الأرض بدمائهم و ما يزالون، نحن باقون حتى لو لم يظل َّ منا سوى واحد!

من كانت له أذنان للسمع فليسمع!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبون دبشمايو ، نثقدش شماخ – إلى قلب الله
- عن يوسف النجار – في زمن الميلاد
- اليونسيف، الميلاد و العطاء – أنت أيضا ً تستطيع!
- أشعياء النبي - في التحضير النفسي للميلاد – صبي ٌّ صغير ٌ يسو ...
- تسعة أيام قبل الميلاد – المسيحيون، ما زلنا هنا!
- مُصالَحة ُ الإيمان مع العقل – الممكن الضروري.
- قيمة الإنجيل الحقيقية – لماذا المسيحية كخيار؟
- حوار مع الله – محاولة للفهم
- من سفر الإنسان – سيد السبت
- قراءة في التجديد الديني – حتميته من بواعثه.
- عن نلسون مانديلا – من سجن جزيرة روبين
- عشتار – 3 - القَيُّومة
- متى يذوب ذاك الثلج في بركاني
- عشتار – 2 – ثتنائية جوهر الألوهة
- عشتار – 1 - الله و الشيطان.
- قراءة من سفر الحب الإلهي– تأمل صباحي
- اللذة - إنسانيتنا عندما تغتالها الآلة التسويقية.
- هلوسات ما قبل النوم – من أصبحنا؟
- قراءة من سفر التطور – من الكرومانيون حتى اليوم.
- قراءة من سفر هوشع – تأمل قصير


المزيد.....




- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نضال الربضي - انخماد الوهج – مسيحيو الشرق بين عدم اكتراث الأكثرية المعتدلة و إجرام سلفية الأقلية