أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - عشتار – 3 - القَيُّومة















المزيد.....

عشتار – 3 - القَيُّومة


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4297 - 2013 / 12 / 6 - 00:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عشتار – 3- القـَيـُّـومة

(هذا هو الجزء الثالث و الأخير من هذه المقالة، قراءة الجزئين السابقين قبل هذا الجزء يُساعد على فهمٍ تكاملي أفضل للمقصد)

تبدو الألوهة للكثيرين مفهوما ً واضحا ً لا يحتاج إلى الكثير من التفكير، فالله هو صانع الكون و هو المصدر و إليه الرجوع، و قد اتصل بمخلوقاته عن طريق أنبياء و رسل تسلموا كـُتبا ً إما أُوحيت في الوعي أو تم إملاؤها بحرفها، و سيأتي كحاكم كوني ٍّ في الوقت المحدَّد لديه سلفا ً ليدين الأحياء و الأموات و يتحدد مصير الجميع، هؤلاء إلى الحياة و النعيم و أؤلئك إلى العذاب الأبدي و الجحيم، و كفى بذلك.

أما الباحثون عن الحقيقة فهم يعلمون أن الأمور ليست هكذا أبدا ً أو على الأقل لم تكن هكذا دوما ً، و قد رأينا في الجزئين السابقين من هذه المقالة كيف تحولت الألوهة في عشتار من ثنائية الأم و حبيبها الإبن، المؤنث الأصيل و المذكر اللاحق إلى أحادية الذكر و الذكر، الله و الشيطان. و قد أوردت المقالة باقتضاب مُلخصا ً أشبه بلوحة تاريخية سردت أجزاء التاريخ في صورة، و نقلت القارئ نحو بدايات عصور تكوين المجتمعات الزراعية ثم المدن اللاحقة، موضحة ً تحولات الإبن الصغير الحبيب إلى الرجل الحبيب المعشوق ثم انقلاب الحبيب على حبيبته ليتربع على عرش مجمع الآلهة البانثيون، راسما ً الأقدار و مُحدّدا ً المصائر. و يبدو السؤال المنطقي الذي يظهر بقوة ِ الانسياب التلقائي: قبل أن يظهر ابن عشتار و حبيبها، ماذا كان؟ و الضمير المستتر للفعل الناقص كان َ في السؤال السابق يعود على الحق الإلهي و ليس على ذكر عشتار، فعشتار هي من سنرى الآن، و تلك ليست بحاجة لذكر.

كي نفهم عشتار علينا أن نفهم الإنسان في تطوره البيولوجي بالضرورة، و هذا ليس خيارا ً نختاره بقدر ما هو إملاء الواقع و أمانه رصده التي يجب أن نعترف بتأثيرها الأساسي على مفهوم الألوهة لدى جنس الـ Homo Sapiens. فالإنسان عند انفصاله عن الأجناس الحيوانية (راجع مقالي http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=385873) ثم انتصاب قامته لاحقا ً كان يشاهد العالم لأول مرة، يرفع رأسه و يرى الشمس، و في الليل القمر و النجوم و الكواكب، و هو يعيش بلا أدوات أو بأدوات حجرية بسيطة لاحقاً، يُصارع الليل بظلامه و يُشعل النار بالكاد، لكنه كان واعيا ً أشد الوعي و مُدركا ً تمام الإدراك للعطاء الطبيعي المُتمثل بوجود الكون نفسه بكل ما فيه من سماء فوقية و أرض و خيرها النباتي، و إصدارها الحيواني، هذا العطاء المجاني الذي لا يبدو أن له سببا ً معينا ً بقدر ما هو تلقائي و من خصائص الوجود نفسه.

و لقد استشعر الإنسان قوة كونيةً فائقة خلف هذا الوجود نفسه، هي المُتصلة به و المُسببة له و القائمة عليه، القوة التي يرتبط معها بطرق ٍ يحاول أن يفهمها و يستدل على أسرارها. أما حيرته فلا يماثلها إلا خوفه من كل ما حوله و عجزه عن فهمه حتى إذا ما عاد إلى كهفه ليلا ً أطل القمر، سيدته الأولى التي تتحدى الليل و تسيطر على غموضه و ظلامه، هذا الظلام الذي بقدر ما هو بصري بقدر ما هو بصيري أيضا ً يحاكي عجزه و الغموض الذي يحاول أن يفك أسراره.

و هناك في ذلك الكهف حيث النساء و الرجال أعدادٌ لا تتجاوز الخمس و العشرين في أكثر حالاتها، يمارس الإنسان أبسط غريزة ٍ لديه، الفعل الجنسي المشاعي، أي رجل مع أي امرأة، بمباركة القمر و تفريغا ً لطاقة الخوف و استجابة ً للطبيعة المُنفلتة التلقائية غير المضبوطة و غير الخاضعة للقوانين الوضعية. هناك حيث تمارس الكاهنة الأولى دورها و سحرها و طبها، و تُعاونها بناتها الطبيبات و الكاهنات و الساحرات و أول صانعات الملابس البدائية و المُقايضات و الراعيات للذكر المُتعب العائد من الصيد. كان الكون المعطاء بدون شروط الفائق الفيضان غزيرُه و المحكوم بالألوهة التي رأى الإنسان تجسيدها في القمر، يعكس كل خصائصه و يُظهرها بدون لبس ٍ في جسد المرأة، فدورتها الشهرية كل 28 يوم هي نفسها دورة القمر كل 28 يوم، والدم الذي يتحول في رحمها إلى حياة يخرج منه الإنسان المولود هو نفسه رحم الأرض التي تُخرج نباتها له، و ثدياها الذان يخرجان الحليب هما نفس الجداول و الأنهار التي تأتيه بالماء في الطبيعة، و عقمها و موت رحمها حين يجف نبع الدم منه هو نفسه الأرض التي يدفن فيه أمواته. فكانت المرأة بالنسبة للإنسان الأول موضع حب و رغبة و تقديس و خوف ٍ معا ً في آن ٍ واحد ٍ لا انفصال بين هذه المشاعر و لا وجود لإحداها دون الأخرى. لمزيد من المعلومات حول ظهور دور المرأة الأول راجع مقالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=388472

اتخذ المبدأ الأول للألوهة في عقل الإنسان الأول الشكل المؤنث، فغدت آلهته الأولى هي أكثر ما يحتاجه و يؤمن به بدون حدود و يخافه في ذات الوقت، و جعل له شكل الأنثى الأم الكبرى الأرض العشتارية التي يتوجه لها بالعبادة و التقديس، فأصبح المبدأ الكوني للوجود لديه مُرتبطا ً بالقمر الإله الذي يتحدى الليل، و بالأرض التي تعطيه بدون سبب، و كلاهما يتجلى في الأنثى، التي اختار لها اسمها الأول ثم تفرع إلى أسماء عدة كل اسم ٍ منها يوضح خاصية ً من خصائصها، أخذنا منها هنا الاسم "عشتار" أي "عيش الأرض".

كان المبدأ الأنثوي للإنسان الأول مُتماثلا ً مع المبدأ الكوني و صورة ً له، فالكون موجود و يخرج الحياة و كذلك الأنثى بالحمل و الولادة، و الفعل الكوني في استمرار الحياة هو فعل استدامة و كذلك الأنثى في عنايتها بصغار المجموعة دون تميز، و الفعل الكوني بتدبير الأمور و إيجاد أسباب الاستمرار هو فعل أنثوي يتجلى بمهارات الأنثى في اكتشاف النار و أيقادها و الإبقاء عليها و اكتشاف خصائص الأعشاب و استخدامها في الطب و الكهانة و السحر.

عزا الإنسان الأول لعشتار كل صفات الكينونة الإلهية و ماهيتها ووظائفها الفاعلة، فهي القيومة بذاتها غير المحتاجة لآخر، هي مبدأ كل شئ و أصله و سببه و القائمة عليه، المُعطيه التي لا ينتقص عطاؤها منها و الغنية عن الجميع و المُحتاجة للجميع في آن ٍ معا ً، القائمة في العالم و التي يقوم فيها العالم و يقوم العالم فيها، و لعلنا لا يمكن أن نفهما إلا إذا نظرنا في تراتيل عشاقها القدام، تقول عشتار على لسانهم:

- أنا الأول و أنا الآخر
فهي هنا مُبتدأ كل الأشياء و مرجعها النهائي في الموت، هي هنا سيدة الحياة و الموت، سبب كل شئ و أصله و غايته و ميعاده الذي لا يمكن له إلا الرجوع إليه، من ذلك الرحم الفائض إلى ذلك الرحم الجاف المُميت العاضِض.

- أنا البغي و أنا القديسة
عشتار البغي التي لا تمنع نفسها من الإخصاب من أي قوة، لا تتوقف عن فعل الحب الذي هو فعل الحياة، لكن إخصابها هو في حد ذاته بتوليه لأن المُخصب هو منها و إليها، و هي مٌبتدأه و سببه فإخصابها و إن كان يبدو خارجيا ً مثل البغي التي لا تمتنع عن رجل إلى أنه في الحقيقة داخلي لأنه منها يصدر الرجال و منها يصدر كل مبدأ مُخصِب فهي تُخصب ذاتها و في هذا الإخصاب هي قديسة لأنها لم تلجأ إلى غير ذات نفسها، فهي من نفسها أخصبت نفسها قديسة ً مُستغنية عمن خارجها فلا شئ خارجها فهي كل شئ.


- أنا الزوجة و أنا العذراء
و هي في فعل الزواج عذراء لم يُنتقص منها شئ، لم تخسر شيئا ً لم تخسر عذريتها، ما زالت كما كانت، كل ما صدر عنها لم ينتقص منها، إنها الغنية القيومة التي لا تنتقص و لا يُنتقص منها، و كلما أعطت بقيت كما هي عذراء غير ناقصة كاملة، مهما أعطت.

- أنا الأم و أنا الإبنة
هي أم الجميع و مصدر الجميع و كل حياة تخرج منها هي تجسيد لها، بل هي هي نفسها، فهي تلد الحياة و تلد نفسها و هي الحياة بذاتها.

- أنا العاقر و كثر هم أبنائي
- أنا في عرس كبير و لم أتخذ زوجا ً
- أنا القابلة و لم أنجب أحدا ً
- و أنا سلوة أتعاب حملي
هي هنا المُستغنية بنفسها عمن سواها القائمة الكائنة القيومة.

- أنا العروس و أنا العريس
- و زوجي من أنجبني
- أنا أم أبي و أخت زوجي
- و هو من نسلي

استمرت عشتار في ضمير الشعوب بأجمعها و في كل الديانات التي تلتها بدون استثناء حتى في الديانات الإبراهيمية فها هي التوراة تذكر غضب إله إسرائيل يهوه من الذين يقترون لملكة السماء، و هل ملكة للسماء سوى عشتار، و من اليهوديات اللواتي كن يبكين على تموز حبيب عشتار، ثم استمرت تراتيلها في صدى مدائح السيدة العذراء التي حملت الله و الكائنة وعاء ً للمن السماوي الذي يذكرنا بجرار عشتار المقدسة، ثم في الإسلام في اللات و العزة و مناة الثالثة الأخرى الغرانيق العلى اللواتي ترجى شفاعتهن، و التي ما زال رمز قمرها فوق كل مئذنة مسجد إلى يومنا هذا.

نحن متصلون بماضينا أكثر مما نُدرك، و بُطرق ٍ أجلى في وجدانها الصوفي من أي تفسير ٍ أنثروبولوجي أو تاريخ قديم، و كل ما فينا يصرخ نحن مبدأ الكون الأول، ذلك المبدأ الذي لم تُحسن أي ديانة إبراهيمية صياغته فنلجأ لهؤلاء الذين تحتقرهم بلداننا العربية و تصفهم بعباد البقر و هم أبعد ما يكونون عن ذلك، هؤلاء الذين يفهوم الألوهة و يعبرون عنها بأوضح و أكثر غموضا ً في ذات الوقت منا، أولئك الذين يعترفون ب "براهمن" قاع الوجود.

ربما لو تخلينا عن غرورنا قليلا ً و سعينا بتجرد نحو الحقيقة أينما كانت، سنجد أننا جميعا ً متشابهون، بأكثر مما نظن، و مختلفون فقط في الحواجز الوهمية التي صنعناها، حواجز المايا الحياتية في كون ٍ بدأ من السكون و سينتهي إلى السكون، ذاك السكون الذي هو الديناميكية في حد ذاته.

-----------------
المراجع:
- لغز عشتار، فراس السواح.
- دين الإنسان، فراس السواح.
- James N Robinson, “The Nag Hammadi Library”



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى يذوب ذاك الثلج في بركاني
- عشتار – 2 – ثتنائية جوهر الألوهة
- عشتار – 1 - الله و الشيطان.
- قراءة من سفر الحب الإلهي– تأمل صباحي
- اللذة - إنسانيتنا عندما تغتالها الآلة التسويقية.
- هلوسات ما قبل النوم – من أصبحنا؟
- قراءة من سفر التطور – من الكرومانيون حتى اليوم.
- قراءة من سفر هوشع – تأمل قصير
- سيداو في العقل العربي الذكوري – عيون ٌ على الأفخاذ و ما بين ...
- من سفر الإنسان - المرأة
- عن الدكتور حسن و الدكتور سامي – ثروة العقول العربية
- من سفر الإنسان – ما هو الحق؟
- من سفر الإنسان - عشتروت
- من سفر الإنسان – الإنسان
- إشكالية العقلية العربية – السواقة، مساء الخير و عليكم السلام ...
- وجبة سريعة من سفر التطور - إنتصاب القامة و الذكر الأضعف
- نظرة ثائر – المرأة في قلب المسيح ضرب ٌ لمأسسة الدين و ستار ا ...
- أصل مشكلة حركات الإسلام السياسي – الصحراء، شظف العيش و القبي ...
- الله في وسط الصمت
- ما هو الحب؟ - سؤال المليون دولار


المزيد.....




- بالفيديو.. الرئيس بوتين يحضر قداس عيد الفصح في كاتدرائية الم ...
- استعلم الآن … رابط نتيجة مسابقة شيخ الأزهر 2024 بالرقم القوم ...
- شاهد.. الغزيون يُحَيُّون مقاومة لبنان الإسلامية والسيد نصرال ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف بيّاض بليدا والراهب والرا ...
- الاحتلال يقيد وصول المسيحيين لكنيسة القيامة بالقدس في -سبت ا ...
- الجبهة اللبنانية واحتمالات الحرب الشاملة مع الاحتلال.. وقمة ...
- جامعة الدول العربية تشارك فى أعمال القمة الاسلامية بجامبيا
- البطريرك كيريل يهنئ المؤمنين الأرثوذكس بعيد قيامة المسيح
- اجعل أطفالك يمرحون… مع دخول الإجازة اضبط تردد قناة طيور الجن ...
- ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - عشتار – 3 - القَيُّومة