|
-ثُلاثيو القوائم- – نظرة إلى أدب الخيال العلمي الأول
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4324 - 2014 / 1 / 2 - 18:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتب جون كريستوفر John Christopher رائعته الثلاثية Tripods أو "ثُلاثيو القوائم" في عامي 1967 و 1968 في ثلاثة أجزاء هي:
- الجبال البِيضاء The White Mountains - مدينة الذهب و الرصاص The City of Gold and Lead - بُحيرة النار The Pool of Fire
و هي من أولى روايات الخيال العلمي التي يمكن تصنيفها أنها مُحبوكة بشكل ٍ مُتقن و منسوجه بتداخل طبيعي انسيابي مع طبيعة المجتمع البشري بحيث لا تُحس و أنك تقرأها إلا أن وجود الغُزاة الفضائين هو جزء ٌ أصيل ٌ من المشهد، لا دخيل ٌ عليه. و يبرع جون كريستوفر في توظيف تفاصيل الحياة اليومية البشرية في روايته و يشبكها مع تفاصيل حياة الغُزاة حتى يبلغ فيك الحد الذي "تقتنع" فيه عمليا ً بإمكانية وجود مثل هؤلاء الغزاة و منطقية الطرح، و أنت تُدرك في قرارة نفسك أنها مجرد قصة خيالية، لكن دون تعارض مع بين الإحساس القصصي و الإدراك العقلي، و هنا تجلي عبقرية هذه الثلاثية الفذَّة.
قرأت هذه الثلاثية قبل ما يقارب الخمس و العشرين عاما ً حينما كنت ُ ما زلت ُ صبيا ً يافعا ً، و استحضرتُها في ذهني قبل سنوات و أردت أن أُعيد قراءتها من جديد فبحثت عنها في المكتبات المحلية فجاءت النتيجة ُ سلبية ً لأن الرواية َ قديمة و لأن مكتباتنا العربية لا تولي هذه النوعية َ من الكتب اهتمامها، و إن فعلت فتأتي بروايات الخيال العلمي الجديدة التي تعتمد على الإثارة في وصف الأحداث الكارثية و التي يطغى عليها عامل وصف التكنولوجيا بالذات كأداة للحدث.
وجدت ُ الرواية على موقع amazon.com و كانت معروضة ً تحت تصنيف used أي أن الرواية يقتنيها شخص ٌ لكنه يرغب ببيعها بسعر معين، و قد اشتريتها بالفعل ووصلت، و أعدت قراءتها، و كأني أقرأها لأول مرة، بعيون جديدة، و عقل ٍ جديد، و فهم ٍ جديد، و نظرة جديدة للحياة، و مشاعر جديدة، و لقد استطاعت أن تفعل في أكثر من فعلها الأول قبل سنين طوال.
اخترت ُ لكم اليوم مشهدا ً من الجزء الثاني من الرواية و هو الكتاب المُعنون "مدينة الذهب و الرصاص" The City of Gold and Lead، لكن اسمحوا لي قبلا ً أن أعرض َ الإطار العام للرواية حتى تتمكنوا من فهم المشهد بطريقة أفضل و الاندماج فيه. تتحدث الرواية عن غُزاة يحتلون الأرض، و يتنقلون على سطحها بمركبات لها ثلاث قوائم و من هنا اسم الرواية "ثلاثيو القوائم Tripods". يقوم الغزاة بالسيطرة على الناس من خلال جعلهم يقدمون أطفالهم في سن 14 عام و هم حليقو و حليقات الرؤوس فيأخذونهم داخل مركباتهم و يثبتون لهم أغطية رأس caps ترسل إشارات إلى الدماغ تضمن الطاعة و الولاء.
يتعرف بطل الرواية و قبل أن يتم تثبيت غطاء الرأس عليه إلى مجموعة من المتمردين الأحرار و ينضم لهم. تقوم هذه المجموعة و التي يرأسها حكيم ٌ يُدعى جوليوس بمراقبة و دراسة سلوك الغزاة و و يلاحظون أن الغزاة يختارون كل عام مجموعة ً من الرياضين و ذوي الأجسام التي تتمتع بلياقة بدنية عالية، عن طريق فرزهم بواسطة أولمبيات رياضية، ليأخذوهم إلى مدينتهم كخدم، فيتم عندها وضع خطة لانضمام بعض المتمردين الأحرار إلى الأولمبيات، و بالفعل يفوز منهم اثنان يأخذهم الغزاة إلى مدينتهم، و بذلك يتم اختراق المدينة.
المشهد الذي أريد أن أتكلم عنه اليوم من الكتاب الثاني، و بالخصوص الفصل المُعنون "هرم الجـَـمال" The Pyramid Of Beauty. في هذ المشهد يقوم أحد الغزاة و الذين يُطلق عليهم لقب "السادة" The Masters بأخذ عبده إلى "هرم الجمال". و هذا العبد هو صديقنا ويل Will بطل الرواية و أحد الرياضين المتمردين الأحرار و الذين نجحوا في الأولمبيات و تم أخذهم إلى مدينة الغزاة حسب خطتهم الناجحة.
في "هرم الجمال" يُصدم ُ ويل مما يشاهده، إذ يُدرك أن هؤلاء الغزاة هم كائنات ٌ تخلو من أي مشاعر حب أو تعاطف أو دفئ، فهم يختارون أجمل ما يجدونه على الكواكب التي يغزونها ثم يحنطونها و يعرضونها كمشاهد توقف عندها الزمن. من هذه المشاهد ورود ٌ و زهور ٌ مختلفة عليها فراشات، و عصافير ٌ طائرة تم تعليقها في الجو بوضع الطيران، تماسيح ٌ في الماء، و كل ما يخطر على البال تجده هناك.
يدق قلب ويل و هو يبحث عن تلك الفتاة رائعة الجمال طيبة القلب كريمة الطباع و الخصائل التي تعرف إليها و عاش معها أياما ً جميلة ً في "قصر ريكوردو" Chateau Ricordeau في فرنسا، و التي هي أيضا ً تم اختيارها قبلا ً للذهاب إلى مدينة الغزاة مثل أميرة ٍ جميلة بثوبها الفتان و تاجها الملوكي و شال رأسها التي أخفت بواسطته يوما ً رأسها الحليق قبل تثبيت غطاء الرأس الإلكتروني.
يدق قلبه و يتمنى أن يجدها أضعاف أضعاف ما كان يتمنى قبل أن يدخل المدنية و قبل أن يأتي به سيده إلى "هرم الجمال"، و يشتد به الخوف و الرعب فيتمنى بنفس القوة و المقدار أن لا يجدها هنا حيث الموت و الألم و الفناء، إلى أن تبلغ القصة إلى هذه النقطة حيث سأقوم بالترجمة بتصرف:
إلى هنا نهاية المشهد و الترجمة.
المشهد السابق مُغرق ٌ في قسوته و جبروته، و هو أقصى درجات الوحشية التي يمكن أن يتسم بها سلوك كائن ٍ حي نحو كائن ٍ آخر، حيث يتم خداعه ليغير من نمط حياته و سلوكه و يُسخر طاقاته و إمكانياته و يُخرج أجمل و أفضل ما لديه ثم يأتي بكل هذا طائعا ً نحوه، فيُجمدها جميعا ً في لحظة ِ موت ٍ تسرق منها معناها و كيانها و مُحتواها و تُخفِّضها نحو عدمية قشرة ٍ بلا محتوى و تحتفظ بمظهر الحياة في مشهد ٍ جوهره الموت و غايته، أي قسوة ٍ هذه؟
يمكنكم متابعة ُ مشهد أخذ فتاتنا إلى داخل مركبة الغُزاة على هذا الرابط: http://www.youtube.com/watch?v=FmJPw_re8yY حيث عرضت هيئة الإذاعة البريطانية BBC الرواية على شكل مسلسل ٍ مشوق، ما زلت ُ إلى اليوم أبحث عنه كاملا ً. و ستلاحظون مدى وداعة ملكتنا الصغيرة و سعادتها و هي تجلس على عرشها بينما ترفعها مركبة الغزاة إلى داخلها. إن مقارنة َ سعادتها يوم أخذها برقاد الموت ِ في صندوق ٍ في متحف ٍ للغزاة لكفيل ٌ بإبراز سخرية الموت و بربريته حين يستعرض قدرته أمام الكائن الحي بكل برود ٍ و سادية ٍ و بطش.
قبعة الرأس الإلكترونية و المُثبتة على الرأس بشكل ٍ يغطيه الشعر تحت خصلاته، مفهوم ٌ حديث يجد صداه ُ و أصله في الأدلجة التي يتلقاها أفراد ٌ في سنوات حياتهم الأولى فتجعل منهم ما هم عليه، و تصنع منهم خدما ً مطيعين للإشارات و أحيانا ً أمواتا ً أحياء ً زومبيات مسكينة مجرمة في ذات الوقت. لا أريد أن أُفلسف المقال كثيرا ً لكني أتذكر رأيا ً للكاتب الكبير الراحل إحسان عبد القدوس في روايته "أنا حرة" حينما قال:
"ليس هناك شئ يسمى الحرية، و أكثرنا حرية هو عبد للمبادئ التي يؤمن بها، و للغرض الذي يسعى إليه. إننا نطالب بالحرية لنضعها في خدمة أغراضنا، و قبل أن تطالب بحريتك اسأل نفسك: لأي غرض ٍ ستهبها؟"
صدق الراحل الكبير إحسان عبد القدوس،
و اضيف من عندي "لكن يبقى الحب".
آمنوا بالحب!
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من سفر التطوير الديني - إصلاح الكنيسة – الطلاق
-
هل المسلمون طيبون؟ هل المسيحيون أطيب؟
-
عن الله و الشيطان – وصف ُالمشهد
-
من سفر التطور – أين ذهب الشعر؟
-
من سفر الله - في مشكلة التسليم – إن شاء الله و ألف ألف مبروك
-
الفصح الميلادي – تأمل
-
عشتار – 1- الله و الشيطان، مُلحق إغنائي
-
انخماد الوهج – مسيحيو الشرق بين عدم اكتراث الأكثرية المعتدلة
...
-
أبون دبشمايو ، نثقدش شماخ – إلى قلب الله
-
عن يوسف النجار – في زمن الميلاد
-
اليونسيف، الميلاد و العطاء – أنت أيضا ً تستطيع!
-
أشعياء النبي - في التحضير النفسي للميلاد – صبي ٌّ صغير ٌ يسو
...
-
تسعة أيام قبل الميلاد – المسيحيون، ما زلنا هنا!
-
مُصالَحة ُ الإيمان مع العقل – الممكن الضروري.
-
قيمة الإنجيل الحقيقية – لماذا المسيحية كخيار؟
-
حوار مع الله – محاولة للفهم
-
من سفر الإنسان – سيد السبت
-
قراءة في التجديد الديني – حتميته من بواعثه.
-
عن نلسون مانديلا – من سجن جزيرة روبين
-
عشتار – 3 - القَيُّومة
المزيد.....
-
السودان.. قوى مدنية تبدأ حملة لتصنيف -الإخوان- منظمة إرهابية
...
-
الأردن.. إجراءات بحق جمعيات وشركات مرتبطة بتنظيم -الإخوان-
-
إغاثة غزة.. منظمات يهودية أميركية تضغط على إسرائيل
-
الناخبون اليهود في نيويورك يفضلون ممداني على المرشحين الآخري
...
-
الأردن يحيل شركة أمن معلومات تابعة لجماعة الإخوان المحظورة إ
...
-
كيف تدعم -خلية أزمة الطائفة الدرزية- في إسرائيل دروز سوريا؟
...
-
الخارجية الفلسطينية تدين دعوات اقتحام المسجد الأقصى غدًا بحج
...
-
3 أسباب تُشعل الطائفية في سوريا
-
آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى وسط قيود
...
-
جولي دهقاني في بلا قيود: لدينا أفراد في الكنيسة لا يقبلون سل
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|