أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - ما تبقّى في قعر الزجاجة














المزيد.....

ما تبقّى في قعر الزجاجة


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 4382 - 2014 / 3 / 3 - 08:44
المحور: الادب والفن
    


نفضت التراب عن جسدي ونهضت.. لكن ما رأيته أوقعني أرضاً مرة ثانية وأحسب أن رأسي ارتطم بحافة حجر رخامي الأمر الذي تسبب لي بغيبوبة لم أفق منها إلا على وقع صوت قوي ينادي انهض.. حازم انهض
تحسست مكان الضربة وأنا أنهض من جديد، الدماء غطت وجهي.. برد.. لم أكن أرتدي شيئاً على الإطلاق.. وملايين الناس حولي كذلك.. غيم أسود في الأفق ورياح هوجاء.. استغربت كيف نستطيع الوقوف جميعنا رغم قوتها.
ألقيت نظرة إلى الرخام الذي ارتطم به رأسي.. (هنا يرقد الكاتب السوري حازم شحادة) لم يكن ذلك الحجر سوى قبري.. ونظراً للبرد الشديد الذي شعرت به حسبت أنه كان دافئاً
جموع من ملايين البشر تقف وكأن الطير على رأسها.. أصوات صراخ ونحيب.. وجوم يلف الوجوه.. أشجار عارية هي الأخرى تتوزع هنا وهناك.. في المناطق البعيدة غطى الضباب أشكال البشر وكائنات خرافية بأجنحة عظيمة تحلق فوقنا كأنها تحصي أعدادنا للتأكد أن ما من أحد قد نسي (النهوض)
في غير هذه المناسبة كان ليسعدني أن أرى هذا الكم من أجساد النساء العارية.. لكن الطقس العام غير موات للتفكير بهذه الأمور الآن..
صرخ أحدهم باسمي بصوت اهتزت له الأرض ومادت وقال: تقدم.. اللعنة إلى أين سأتقدم.. أنا لا أرى نهاية لقطعة الأرض التي أقف عليها...وهذه الأجساد المتلاصقة لن تسمح لي بالمرور.. لكن وبأعجوبة لم أشهد لها مثيلاً رأيتني ودون أي إرادة مني أسير وأخترق الأجساد بسرعة ما عهدتها قبلاً.
كم أنا صغير أمام هذا الكرسي الذي أمامي.. لكني لا أرى من يجلس عليه.. فظهر الكرسي هو ما كان باتجاهي وهذه المخلوقات العجيبة بأجنحة خرافية تحوم حوله وكأنها تنتظر أمراً ما.. تكلم الجالس بصوت لا أستطيع وصفه لشدة نقائه وثباته وقال: ما الذي فعلته يا صغيري؟
توقعت لهول وعظمة المسافة بيني وبين أعلى الكرسي أن أحداً لن يسمع ما سأقوله فصرخت بأعلى صوتي.. ماذا فعلت بماذا؟
ـ بحياتك.. ماذ ا فعلت بحياتك
في الحقيقة منذ اللحظة التي نهضت فيها من القبر لم تتح لي الفرصة كي أفكر بمثل هذا السؤال.. فقد كان المنظر الأولي لمليارات البشر مهيباً إلى حد كبير.. والضربة على رأسي فعلت فعلها أيضاً.. ماذا فعلت في حياتي؟ وكومضة مرت أمام عيني تلك الحياة فقلت: لقد فعلت أموراً عديدة.. أتريدني أن أعدها بالتفصيل أم تكفي إطلالة عامة؟
ـ بالتفصيل الممل.. فأنا أعلم كل ما فعلته.
ـ طالما تعلم كل ما فعلته فلماذا تريدني أن أذكر لك بالتفصيل الممل ماذا فعلت؟
رفرفت المخلوقات الخرافية بأجنحتها فضربتني الرياح العاتية المتأتية من قوتها.. ربما طرت آلاف الكيلومترات ولأن لا قوانين للفيزياء في هذا المكان وجدت نفسي عندما وقفت في نفس المكان.. اقترب مني أحد هذه المخلوقات حتى استطعت أن أشم رائحته العطرة وقال: إياك أن تتذاكى أيها الأحمق.. ألا تعلم إلى من تتحدث..
ـ لم أكن أتذاكى.. أجبت .. هو قال لي إنه يعلم كل شيء فعلته فلماذا يريدني أن أكرر ما يعلمه ثم التفت خلفي ورحت أنظر يميناً وشمالاً على الجموع البشرية، وعلى الرغم من أن ملامح هذه المخلوقات لا تدل على أي من المشاعر التي نحس بها نحن البشر إلا أنني حسبت هذا الكائن قد غضب جراء تلفتي ونهرني قائلاً: أأحدثك في أمر جلل وأنت تلتفت يميناً وشمالاً في حضرته.. لا تمتحن صبري أيها الطيني الصغير..
أعجبني مصطلح (الطيني الصغير) فلطالما عبر عن عقدة النقص التي تشعر بها هذه الكائنات تجاهنا حيث لم يشفع لها النور الذي صنعت منه ففضلنا عليها وأمرها بالسجود لجدنا (عاشق التفاح) الأول.. الرجل العظيم الذي تسبب في تقليعنا من فردوس الخالدين وترك أنهار الخمر واللبن والعسل من أجل تفاحة.. أرغب حقاً في رؤية هذه التفاحة التي شرشحت الجنس البشري عشرات الآلاف من السنين..
طبعاً ألا أتكلم فهذا لا يعني أنه لا يعلم ما أفكر به.. لكن على غير المتوقع.. وبعد كل الأجواء المشحونة منذ عملية (النهوض) خيل إلي أن ضحكاً صدر من هناك في الأعلى.. فضحك الأتباع مباشرة دون أي سؤال
اطمأنيت ورحت أتلفت يميناً وشمالاً ووراء ظهري.. فعاد الكائن ذو الجناحين العظيمين وقال لي: أأنت متخلف عقلياً أيها الأحمق.. إلام تنظر وأنت في هذه المعمعة التي ستحدد تاريخك القادم كله إن كان في النعيم أم في الجحيم.. حتى أن زملاءه راحوا يتساءلون ذات التساؤل.. وخلفي راحت تتعالى أصوات البشر مستنكرة طول فترة المحاكمة فقد أرهقها الإنتظار..
تحدث الصوت العظيم وقال: قل لهم عم تبحث..
قلت للكائن الأسطوري.. فكرت أنها مناسبة طيبة أن أرى مونيكا بيللوتشي وهي عارية وجهاً لوجه.. وأنا أتلفت يميناً وشمالأً علني أراها ضمن الجموع التي خلفي.. فزمجر الكائن زمجرة ثقبت طبلة أذني وراح يتهدد ويتوعد.. كيف تسمح لنفسك أيها التافه أن تفكر بامرأة وأنت أمام مصيرك..
قلت له: في الحقيقة يا صديقي المخلوق.. لطالما كانت المرأة مصيري في حياتي.. ولا أرى مانعأً أن تكون مصيري هنا.. أراك قادراً على فعل أمور عديدة ألا تستطيع إحضارها إلى هنا قليلاً..
ارتفع صوت الصراخ من قبل الجميع.. ومليارات تنتظر .. وأنا أريد مونيكا بيللوتشي.. المشهد غير واضح تماماً.. حتى أن الصوت العظيم ما عاد للحديث مجدداً.. حدث هرج ومرج غريبين.. وراحت الجموع تتدافع كل يريد أن يحصل على حصته من الجنة.. بينما كنت في ذلك الوقت قد دخلت بين هذه الجموع ورحت أتحسس أرداف النساء ما استطعت إليها سبيلاً.. لكن صوتاً صارخاً عاد مجدداً يقول: حازم إنهض.. إنهض..
فتحت عيني.. نهضت.. كنت في غرفتي.. مرمياً على الأرض.. زجاجة الكونياك شارفت على الانتهاء وصحن الرماد مليء بأعقاب السجائر.. العرق يغطي جسدي.. أشعلت سيجارة وأنا أستعيد حلمي.. بهدوء وصفاء غريب أنجزت على ما تبقى في قعر الزجاجة.



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوراقٌ.. نساء
- نافذة باردة
- رسالة إلى امرأة تشبه الشتاء
- بائع الدخان
- مع باولو كويللو في الصحراء
- مصطفى الأعور
- لا أشرب المتة مع الرئيس
- هذه ليلتي
- إغواء
- عطر امرأة
- معاون شوفير
- أثر الفراشة


المزيد.....




- -بيت الشعر في المغرب- يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر ...
- عودة الأدب إلى الشاشة.. موجة جديدة من الأعمال المستوحاة من ا ...
- يجمع بين الأصالة والحداثة.. متحف الإرميتاج و-VK- يطلقان مشرو ...
- الدويري: هذه أدلة صدق الرواية الإيرانية بشأن قصف مستشفى سورو ...
- برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لجميع التخصصات عبر ...
- دورة استثنائية لمشروع سينما الشارع لأطفال غزة
- تصاعد الإسلاموفوبيا في أوروبا: معركة ضد مشروع استعماري متجدد ...
- انطلاق أولى جلسات صالون الجامعة العربية الثقافي حول دور السي ...
- محمد حليقاوي: الاستشراق الغربي والصهيوني اندمجا لإلغاء الهوي ...
- بعد 35 عاما من أول ترشّح.. توم كروز يُمنح جائزة الأوسكار أخي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - ما تبقّى في قعر الزجاجة