أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - الحلزون الحكيم















المزيد.....

الحلزون الحكيم


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 4375 - 2014 / 2 / 24 - 09:57
المحور: الادب والفن
    



مسح الصرصار الصغير روحي أطراف الشعيرات السوداء فوق شفته العليا مزهوًا ومختالا، كان يعرف بأنّه في منتهى الوسامة مقارنة بالمخلوقات المتقافزة في الجوار. تمخطر ببطء على طرف الطريق المطلّة على العوالم البشرية الصاخبة الخطرة، ألقى بنظرة على الطريق السريعة، كانت العربات تكاد تطير فوقها مطلقة العنان لأصوات زواميرها المزعجة القلقة. "يا لهم من أغبياء، إنّهم بنو البشر" أشاح بنظره إلى البعيد حيث الأشجار الباسقة، سخر من الطيور الأليفة المختبئة في أعشاشها واستمرّ يتمخطر جيئة وذهابًا في الطرق الخضراء.

فضّلت سميّة البقاء في قوقعتها دون مقارعة الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة، من الصعب عليها تحمّل قيظ الصيف ولفح الهواء الساخن، لكنّ هذا لم يمنعها من مراقبة الحيوانات العابثة بفضول، ولم يفتها بالطبع أن تلاحظ الصرصار الوسيم روحي يخطو بتجلّي في أنحاء المكان. ازدادت شدّة لزوجتها حين أمعنت النظر في شاربه الداكن اللون. "يا ولد يا جميل" كانت تفكّر بصوت أنثوي مرتفع وهمست معاتبة نفسها "كيف لي أن أصطاده وجذبه إلى قوقعتي الحلزونية الوحيدة؟". تعرف سميّة بأنّها خُلقت كسولة ومن الصعب تغيير طبيعتها حتّى من أجل شارب روحي. لكن وأحيانًا تجري الرياح بما تشتهي السفن، وها هو الصرصار العزيز يقترب من قوقعتها الشهيرة في الأنحاء باعتبارها الأكبر بلا منازع. فتحت سميّة بوابة القوقعة وغمزت لروحي بجرأة، اشتمّ الأخير رائحة الرطوبة وعرف بأنّ المكان لا يحتاج حتّى لمكيّف هواء وسيشعر بالراحة داخل هذه النزل.

دلف إلى الحجرة الواسعة، شعر بالسكينة تجتاح مشاعره الجيّاشة. "كم أنتِ كريمة ومضيافة يا سميّة!". ابتسمت الأخيرة وسرعان ما اعتلته دون مقدّمات، تفاجأ روحي من تصرّفها غير اللائق وقبل أن يعرب عن امتعاضه كانت سميّة قد اعتلته ثانية، وهكذا طوال الوقت. الأنثى الكسولة الخجلة احتاطت لكلّ الإحتمالات واتّخذت الإجراءات الضرورية للحيلولة دون هربه من مملكتها وبلاطها. ابتلع روحي ريقه، كان على وشك الإغماء من شدّة الإعياء وفي الوقت نفسه، شعر بحاجة ماسّة للتقيّؤ والتخلّص من السوائل اللزجة التي علقت بأطرافه وصدره ووجهه وروحه، كان قد اغتُصِبْ. "كيف وقعتُ في هذا الفخّ وأنا الفتى الحرّ الذي فشلت الصراصير الحسناوات من الإيقاع بي؟ غريبة هي مصائرنا نحن الساذجون". أخذ روحي يحدّث نفسه وكان يدرك جيدًا بأنّ جلد الذات والتذمّر لن يفي بالغرض، ولن يمكّنه من التخلّص والتطهّر من عالم اللزوجة الذي وقع فيه. في تلك الأثناء كانت سميّة متألّقة ولم تتوقف عن النظر في المرآة وكأنّ وسامة الفتى الأغرّ قد انتقلت إليها. انقلبت على ظهرها أخيرًا وغابت في عالم الأحلام منتشية راضية عن صيدها وإنجازها الكبير، وكانت على قناعة من أنّها قد قدّمت لروحي أكثر مما حصلت عليه بدورها، فقوقعتها بمثابة الجنّة الموعودة، خاصّة وأنّها تبدو كالقلعة محميّة بجدران صلدة مضادّة للركل والعضّ والكسر. تحسّست سميّة بمجسّاتها فتاها الأغرّ، فوجدته يرتجف من شدّة البرد الذي اقتحم جسده الصغير وسط رطوبة المكان. لم يكن هناك ما تغطّيه به واكتفت بمعانقته بيد أنّه سرعان ما هرب منها إلى الحجرة الأخرى.

لا توجد أجهزة تواصل مع العالم خارج القوقعة، وتمكّنت سميّة طِوال الوقت من امتصاص رجولته ولم تتركه لحظة واحدة دون أن تغرقه بحنانها المفرط، كانت في منتهى الشبق ولم تفكّر لحظة واحدة بأنّ مشاعره لا تتوافق مع ما يعتمل في قلبها ووعيها. اعتقدَ روحي بأنّه قد نام طويلا لكنّه أدرك بأنّه قد غفا لأقلّ من ساعة، حين فتح عينيه شاهد خيوط الشمس الذهبية تملأ محيط القوقعة، إنّها فارغة، لقد غادرت سميّة أخيرًا هذه القوقعة. شعر روحي ببهجة غير مسبوقة، لم تعد تفصله عن حريته سوى سنتمترات معدودة. حاول الاندفاع إلى الخارج لكنّه لم يتمكن من الحركة، بذل كلّ ما بوسعه لينجز مشروع الهرب، بيد أنّ اللزوجة كانت له بالمرصاد. انقلب على ظهره وشتم الرغبة الأنثوية في احتواء كلّ شيء. سقف القوقعة يسخر منه وسميّة تجلس أمام بيتها القرميدي مرتدية ملابس البحر لتسرق ما تيسّر من دفء الشمس. رأته بطرف عينيها، ازدادت إعجابًا به بعد أن بان بطنه وأطرافه الكثيرة، شعرت بأنّها محظوظة للغاية واجتاحتها الرغبة ثانية لامتلاكه وإشباع شهواتها الكامنة. إنّه رجلي الوسيم، لي وحدي ولن أتقاسمه مع أحد. همست مبتهجة وأخذت تزحف ببطء إلى داخل عالمها الرطب. شعر روحي كيف أخذ يمتلئ المكان تدريجيًا بجسدها الدافئ، بعد أن تمكنت الشمسُ من ترك أثرها في تضاريس جسدها، لكنّ اللزوجة باقية، أمّا الحريّة المنشودة فما زالت مستحيلة.

"سميّة، عليّ أن أخرج لشراء أسبرين وشوكولا ومكسّرات." قال روحي راجيًا. اكتفت سميّة بهزّ رأسها موافقة. "يمكنك الخروج وقتما تشاء، لا أدري على أيّة حال كيف يمكنك أن تتناول المكسّرات بأسنانك هذه؟". كيف يخرج والمكان لزج للغاية، هناك طريقة وحيدة للمغادرة - أن توافق سميّة على مساعدته ودفعه إلى الخارج، لا يوجد حلّ آخر، فهل توافق هذه اللبؤة على إطلاق سراحه؟ أدركت سميّة بحدسها ما يفكّر به عشيقها الصرصار، ولم يخطر ببالها لحظة واحدة أنّ الشاب المسكين رهينة قوقعتها منذ لحظة ولوجه إليها، بل على العكس من ذلك، كانت تعتقد بأنّها الضحية في هذه العلاقة غير المتكافئة. "أخذني شابّة والآن يريد أن يتخلّص منّي بعد أن قضى وطره منّي وتقدّم بي العمر. لا، لن يكون لك هذا يا خائن". كانت غاضبة للغاية وتملكها إحساس بأنّها تواجه مؤامرة خفيّة وأنّ هناك أخريات يرغبن بخطف الفتى من حِماها. " كيف يمكن للرجولة أن تعشق الخيانة وتحترفها إلى هذا الحدّ؟". بدت سميّة أكثر حذرًا وقلقًا بعد أن قرأت علامات الإحباط والكآبة على وجه روحي، كانت مصرّة على الإحتفاظ به مهما حدث. بعد قليل غطّت في نوم عميق ولم تقترب منه لعلمها المسبق رفضه السماح لها بمعاشرته. شاهد روحي في الجوار مقصًّا كانت تستخدمه سميّة للتخلّص من بعض الشعيرات الزائدة والمزعجة، فكّر لبعض الوقت وكان يعرف جيّدًا الدافع الأكبر لسجنه في هذه القوقعة اللعينة. أمسك بالمقصّ، أغمض عينيه وصرّ على أسنانه قبل أن يقصّ عضوه الرجوليّ! تنفّس الصعداء، أخيرًا تخلّص من أسباب البقاء وسرعان ما تدرك اللعينة ذلك. بعد ساعات استيقظت سميّة، راودتها الرغبة ثانية بمضاجعة روحي، لكنّها شهقت وأطلقت صرخة قويّة حين رأته على تلك الحال. وكان هو بدوره يبتسم ويضحك مبتهجًا. طار في فضاء الغابة وسيلٌ من الشتائم يلاحقه. ركلته بكلّ ما تملك من قوّة ورغبة بالانتقام فانطلق كصحن يدور حول نفسه مبتعدًا عن القوقعة. أخذ يغنّي وامتلأت رئتيه بالهواء الحرّ الطلق. شعر بالألم يجتاح كيانه الصرصاريّ حين وقع وتدحرج على الأرض. بقي مستلقيًا على ظهره، وكانت السماء تعانقه والشمس تحرق بقايا اللزوجة التي وجدت طريقها حتّى النخاع. "أخيرًا يا حريّة." همس حزينًا حين أدركت ذاكرته الثمن الذي دفعه مقابل ذلك. لم تمضِ سوى لحظات معدودة حتّى مرّ بالقرب منه حلزون ذكوريّ بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى، هدأ روع روحي قليلا.

- سميّة ثانية يا فتى؟
- نعم، لقد خطفتني لكنّي تمكّنتُ بصعوبة بالغة من الخلاص من عالمها القبيح.
- لا بدّ أنّ الثمن الذي دفعته باهظًا يا مسكين، لأنّ سميّة معروفة بعنادها وحبّها للتملّك؟
- قطعتُ عضوي التناسلي، فأصيبت بفورة من الغضب والهستيرية وطردتني من القوقعة بقسوة وحزم.
- هذا ما كنتَ تريده، أليس كذلك؟ لكن أخبرني يا روحي المسكين، لماذا وافقت على دخول قوقتها منذ البداية؟ أنت المذنب يا أخنث.
- لم أفكّر بهذا من قبل. لكنّني حصلت في نهاية المطاف على حريّتي.
- وخسرت رجولتك، أنت لم تعد رجلا، واعلم بأنّك قد خسرت حريّتك أيضًا حين ضحّيت برجولتك. وما أن أكمل الحلزون كلماته حتى أمسك بروحي ونال من مؤخرّته. شعر الصرصار بالألم يعصر كيانه وصاح فزعًا:
- لماذا فعلتها؟ نحن ذكور يا حلزون.
- أنا الرجل وأنت شيء آخر ما بين الذكر والأنثى. يمكنك أن تشتكي إذا شئت لهيئة الأمم ولمؤسسات حقوق الإنسان، سأتّهمك بدوري بالعنصرية ومعاداة المثليين. مشكلتك أنّك تصرّ على التفكير كصرصار! عليك أن تحمد الله لأنّني رحمتك ولم أهرصك كما نفعل عادة مع الزواحف عديمة النفع، أنت على أيّة حال أثبتّ بأنّك مفيد في بعض الجوانب الهامّة. غرق الحلزون في ضحك مجلجل ثمّ عاد لقوقعته لينام.
بلع روحي ريقه مستسلمًا والألم يعصر كيانه من أثر الوقوع، ويعصف بمؤخرته بعد أن اغتصبه الحلزون. أدرك بأنّ الخيلاء لم تحمه من العالم المتربّص في كلّ مكان من حوله. عالمُ الأقوياء الذين لا يتوانون لحظة واحدة عن انتهاك حرمة السذّج كأمثاله وكان حريًّا به أن يستبدل ضعفه بشيء من الجرأة والبسالة. نظر إلى شاربه وشعر برغبة عارمة بقصّه والتخلّص منه، بعد أن فقد القدرة على تحديد جنسه وهويّته، في الوقت نفسه كان يشعر بالخجل الشديد، كيف ولا وقد بات من الصعب عليه العودة إلى عالم الصراصير الذي ينتمي إليه.



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجنون حتّى إشعار آخر.
- الزمن المفقود
- أنا أبله - هي تملك ثديين كبيرين
- أزمة الإنتماء لدى المثقف العربي
- ذاكرة متلبّسة بالدهشة
- الكيلومتر الثلاثون
- سارقو الحيوات
- لا مبرّر
- قطارٌ آبق
- المطارُ المغدور
- ساقا المتوفّى طويلة – أتسمحين بنشرهما؟
- حوارٌ بنّاءٌ موثّقٌ بأعيرةٍ ناريّة
- ذاكرة معطوبة
- الخطاب ما قبل الأخير
- البصطار
- يوم قُتلت كارولينا
- الشاعرة البلغارية المعاصرة سيلفيا تشوليفا
- بوحٌ في أعلى السلّم
- الشاعر البلغاري داتشو غوسبودينوف
- غرغرينا


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - الحلزون الحكيم