أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نافذ الشاعر - إعجاز كتابة حروف القرآن (1)















المزيد.....


إعجاز كتابة حروف القرآن (1)


نافذ الشاعر

الحوار المتمدن-العدد: 4367 - 2014 / 2 / 16 - 20:41
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مقدمة:
إن هذا القرآن سيبقى إلى يوم القيامة يفيض بمعجزات لا تنقضي ولا تنتهي، فهو كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم: "حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، الفصل ليس بالهزل.. لا تشبع منه العلماء، ولا يَخْلُق على كثرة الرد، ولا تنقضى عجائبه.."
لذلك سيبقى هذا الكتاب يفيض بالمعجزات الدالة على صدقه حينا بعد حين، وعصرا بعد عصر.. ومن هذه المعجزات التي تثبت إعجاز هذا الكتاب رسم المصحف الذي هو سر من الأسرار، خص الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية. فهو من الأسرار الباطنية التي لا تدرك إلا بالفتح الرباني؛ والإشراق العرفاني..

دعنا نتخيل معا عندما كانت تنزل آية من القرآن الكريم؛ فينادي الرسول صلى الله عليه وسلم احد صحابته، من كتبة الوحي كي يكتبها، فهل لنا أن نتصور أن الصحابي يذهب بعيدا ليكتبها، أم يكتبها وهو بجانب النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي ينظر في القلم والورقة وهو يكتب.
فهل النبي صلى الله عليه وسلم لم يلاحظ اضطراب الصحابي واختلاف كتابته عندما يكتب كلمة (صاحب) مثلا، مرة بالألف ومرة بدون الألف، أو مرة يكتب الصلاة بالواو ومرة يكتبها بدون الواو؟..
فهل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم عند ذلك أن الصحابي- كاتب الوحي- زاد شيئا هنا ونقض شيئا هناك؟
ثم هل النبي صلى الله عليه وسلم يوكل أمر تسجيل الوحي وتقييده، إلى صحابي دون أن يطمئن أن ما كتبه الصحابي هو عين ما قرأه بالضبط؟ فربما يكون الصحابي قد أخطأ فكتب لفظا غير الذي نطقه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن هناك عشرة من كتبة الوحي.. فهل هؤلاء العشرة جميعا لم يسالوا ولم يتساءلوا: لماذا زيدت الواو هنا وهي غير منطوقة أصلا ؟! أو لم أثبتت هناك وهي منطوقة؟ أو لماذا كتبت كلمة مرة بزيادة الألف ومرة بنقصانها؟ وهل بلغ الجهل في كتبة الوحي، والعياذ بالله، إلى هذه الدرجة التي لا يسألون فيها عن كلمة لماذا كتبت مرة بزيادة الألف ومرة بنقصانها في نفس الآية، يعني نفس الكلمة تتكرر مرتين في آية واحدة، فمرة يكتبونها بالألف ومرة يكتبونها بدون ألف، والعجيب أن العشرة من كتبة الوحي يجمعون على هذا الأمر؛ ولا يثور أي سؤال في ذهن احدهم عن هذا الأمر!..
كل هذه الأمور لا يجوز نسبتها إلى كتبة الوحي لأنهم كانوا عارفين بالقراءة والكتابة، وقد اختارهم النبي صلى الله عليه وسلم بما لهم خبرة واسعة، ودراية كافية بالقراءة والكتابة آنذاك!. ولا يجوز أن نفترض أن عصر النبي صلى الله عليه وسلم كان عصر اكتشاف القراءة والكتابة، كلا! فقد كانت القراءة والكتابة معروفة قبل ذلك بمئات السنين؛ حيث كانت التوراة قد دونت قبل ذلك بحوالي ألفي عام إن لم يكن أكثر!

يقول ابن المبارك:
"وأما قول من قال: إن الصحابة اصطلحوا على أمر الرسم المذكور فلا يخفى ما في كلامه من البطلان؛ لأن القرآن كتب في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه. وحينئذ فلا يخلو ما اصطلح عليه الصحابة إما أن يكون هو عين الهيئة أو غيرها؛ فإن كان عينها؛ بطل الاصطلاح لأن أسبقية النبي صلى الله عليه وسلم تنافي ذلك وتوجب الإتباع.
وإن كان غير ذلك فكيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم كتب على هيئة ما، والصحابة خالفوا وكتبوا على هيئة أخرى؟ فلا يصح ذلك لوجهين:
أحدهما نسبة الصحابة إلى المخالفة وذلك محال. ثانيهما: أن سائر الأمة من الصحابة وغيرهم أجمعوا على أنه لا يجوز زيادة حرف في القرآن ولا نقصان حرف منه. وما بين الدفتين كلام الله عز وجل فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أثبت هيئة ما، والصحابة عاكسوه في ذلك وخالفوه لزم أنهم- وحاشاهم من ذلك- تصرفوا في القرآن بالزيادة والنقصان ووقعوا فيما أجمعوا هم وغيرهم على ما لا يحل لأحد فعله، ولزم تطرق الشك إلى جميع ما بين الدفتين؛ لأنا إذا جوزنا أن تكون فيه حروف ناقصة أو زائدة، على ما في علم النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ما عنده وأنها ليست بوحي ولا من عند الله ولا نعلمها بعينها- شككنا في الجميع. ولئن جوزنا لصحابي أن يزيد في كتابته حرفا، ليس بوحي، لزمنا أن نجوز لصحابي آخر نقصان حرف من الوحي؛ إذ لا فرق بينهما وحينئذ تنحل عروة الإسلام بالكلية...
ثم يقول: رسم القرآن سر من أسرار الله المشاهدة وكمال الرفعة.. وهو صادر من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أمر الكتبة من الصحابة أن يكتبوه على هذه الهيئة؛ فما نقصوا ولا زادوا على ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم.. وما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرة واحدة؛ وإنما هو توقيف من النبي وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها لأسرار لا تهتدي إليها العقول، وهو سر من الأسرار خص الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية. وكما أن نظم القرآن معجز فرسمه أيضا معجز...
فكل ذلك لأسرار إلهية وأغراض نبوية، وإنما خفيت على الناس لأنها أسرار باطنية لا تدرك إلا بالفتح الرباني؛ فهي بمنزلة الألفاظ والحروف المتقطعة التي في أوائل السور فإن لها أسرارا عظيمة ومعاني كثيرة. وأكثر الناس لا يهتدون إلى أسرارها، ولا يدركون شيئا من المعاني الإلهية التي أشير إليها، فكذلك أمر الرسم الذي في القرآن حرفا بحرف"

الإعجاز العددي للقرآن:
لقد ثبت بالأدلة العملية أن هناك إعجاز عددي للقرآن الكريم، ومما يستأنس به في هذا المقام أن الإعجاز العددي للقرآن الكريم، يستند إلى حروف القرآن كما هي مكتوبة في المصاحف الآن، وليس كما هي ملفوظة، وهذه قاعدة ثابتة في جميع أبحاث الإعجاز العددي في القرآن!
إذن رسم المصحف الحالي يعتبر جانب من جوانب إعجاز القران الكثيرة؛ لأن للقران إعجاز بياني، وإعجاز علمي، وإعجاز تشريعي، وإعجاز نفسي، وإعجاز بلاغي، وإعجاز لغوي، إعجاز موسيقي، بل يكفي العباقرة الذين يجودون القران بطريقة لم تتوفر لأي كتاب آخر، لدرجة أن كثير من الأجانب الذين لا يعرفون اللغة العربية، ما أن سمعوا أصوات هؤلاء القراء وهم يرتلون القران حتى اسلموا واقروا أن هذا الكتاب لا يمكن أن يأتي به بشر.
أذن كيف أؤمن بكتاب لا دليل على انه من عند الله؟ فلابد أن يجعل الله لكل نبي معجزة، حتى يكون حجة على الناس يوم القيامة، فلكل نبي معجزة، فمعجزة موسى العصا، ومعجزة عيسى أحياء الموتى وشفاء المرضى، ومعجزة صالح الناقة التي خرجت من الصخرة، والمعجزة الخالدة للنبي صلى الله عليه وسلم هي القران الكريم ، الذي تحدى الجن والإنس أن يأتوا بكتاب مثله فلم يستطيعوا.


أمثلة تطبيقية:

أولا: التاء المغلقة والتاء المفتوحة:
1-امرأة، امرأت
إذا جاءت كلمة امرأة في القرآن الكريم بتاء مفتوحة فمعناه أن هذه المرأة انتشر ذكرها في العالمين، وعرف الناس كثيرا من تفاصيل حياتها وسيبقى الناس يذكرونها، لأنها ليست امرأة نكرة أو مجهولة بل معروفة ومشهورة وقلما تجد شخصا لا يعرفها أو لم يسمع بقصتها، ومثال ذلك:
-إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (آل عمران:35) -وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (يوسف:30) -وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (القصص:9) -ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (التحريم:10) -وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم:11)
ولكن إذا نظرنا إلى امرأة في قوله تعالى (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) وقوله تعالى (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً).. نجد أنها كتبت بتاء مغلقة، وهكذا جميع كلمات (امرأة) بالتاء المغلقة؛ لأن هذه المرأة لن يكون له ذكر وهي غير معروفة.. فهي نكرة غير معروف اسمها ولم يخلدها التاريخ ذكرها..

2- شجرة- شجرت:
وردت كلمة شجرة في القرآن 17 مرة؛ كتبت كلها بتاء مغلقة ماعدا موضعا واحدا كتبت فيه بتاء مفتوحة، أو كما يقول الإمام الداني في كتابه (المقنع في رسم مصاحف الأمصار) دون أن يبدي تفسی-;-را لذلك: (وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر الشجرة فهو بالهاء الاّ حرفاً واحداً- في الدخان- إِنْ شجرت الزقوم..)..
آقول: وردت کلمة شجرة بالتاء المفتوحة فقط في قوله تعالى: (إِنَّ شَجَرَت الزَّقُّومِ. طَعَامُ الْأَثِيمِ. كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ. كَغَلْيِ الْحَمِيمِ. خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ. ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ. ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)
والسبب هو التفصيل الشديد لهذه الشجرة في هذا الموضع دون غيره من المواضع، فهي شجرة ستصبح مشهورة للآثمين يأكلون منها صباح مساء، وهي ستكون طعامهم الأبدي الخالد.. لذلك وحسب هذه الشهرة لهذه الشجرة- كما ذكرتُ من قبل في كلمة امرأت- فإنها في هذا الموضع كتبت بالتاء المفتوحة لترمز إلى أنها شجرة ستصبح مشهورة ومعروفة كطعام دائ وخالد للآثمين..

وهناك ورد تفصيل لهذه الشجرة في موضع آخر أيضا، ولكنها كتبت بتاء مغلقة، وهي قوله تعالى: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ. فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ. ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ. ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) (الصافات62-77)
لماذا هنا كتبت بتاء مغلقة رغم التفصيلات الموجودة فيها؟
أقول: كتبت (شجرة) هنا بتاء مغلقة؛ لأن الحديث هنا كان عن شجرة الزقوم بأنها شجرة تنبت في قاع الجحيم، والقاع يكون بعيد الغور لا يصل النظر إلى آخره، فهو مغلق أمام الناظرين، وتشبيهها كذلك برؤوس الشياطين.. تلك الشياطين التي لم يرها أحد من قبل،.. وكذلك جاء فيها الحديث عن الكفار أنهم يملئون بطونهم منها، ومن المعروف أن الطعام يغيب في البطن ولا يراه أحد، ثم أخيرا تذكر الآيات أنهم يوضعون في النار وتغلق عليهم ويخلدون فيها.. في هذه الحالة كتبت كلمة شجرة بتاء مغلقة وليست بتاء مفتوحة؛ فقال تعالى: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ. فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ. ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ. ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ).

3- نعمة- نعمت:
وعلى نفس القاعدة السابقة التي تسير عليه كتابة التاء المغلقة والتاء المفتوحة كتبت كلمة (نعمة) في القرآن؛ وكل ما في القرآن من ذكر "النعمة" فهو بالتاء المغلقة إلا أحد عشر موضعا، كتبت بالتاء المفتوحة هكذا: (نعمت)..
فإذا كتبت (نعمت) بالتاء المفتوحة فإن ذلك يرمز إلى أن هذه النعمة معروفة ومرئية ومشاهدة وواضحة دون أدنى فكر أو نظر، أما إذا كتبت (نعمة) بالتاء المربوطة فإن ذلك يرمز إلى أن هذه النعمة خافية، أو فيها خفاء كبير.. وهاك بعض المواضع التي كتبت فيها (نعمت) بالتاء المفتوحة:

(أ) نعمت:
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}إبراهيم28، فهنا قد بدأت الآية بقوله تعالى: (ألم تر..) يعني ألم تشاهد هذه النعمة؟ وهذا يفيد أن هذه النعمة مشاهدة لكل ناظر ومتأمل وبصير..
ومثله أيضا قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }لقمان31

وقوله تعالى: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم34)، فهنا تبدأ الآية بقوله تعالى:( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ..) يعني هذه النعمة طلبوها وسألوها ودعوا الله بأن يعطيها لهم.. إذن؛ فلابد أن تكون معروفة وواضحة حتى يطلبوها ويسألوها، ثم يحققها الله لهم ويستجيب لطلبهم لها.. أما في سورة النحل فقد كتبت هذه الآية بالتاء المغلقة هكذا {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا؛ إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }النحل18، لأن الآية هنا لم تشر إلى أنهم سألوا هذه النعم، إنما أشارت إلى أن هذه النعم لا يستطيعون إحصاءها: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) وما داموا لا يستطيعون إحصاءها؛ إذن فهي خافية عليهم، فرمز إلى ذلك بكتابتها بالتاء المربوطة..

وقوله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} (النحل83)، وهنا بدأت الآية بقوله تعالى: (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ..) مما يفيد بان هذه النعمة معروفة وواضحة وغير مجهولة..

وقوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} (آل عمران103)، وهنا النعمة واضحة وظاهرة أيضا، وهي نعمة التأليف بين القلوب ووقف الحروب التي كانت دائرة بين الأوس والخزرج على مدار عشرات السنين، كما تقول الآية: (إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً..)

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ} (المائدة11) وهنا النعمة واضحة وظاهرة ومعروفة للعيان، وهي كف يد الأعداء عن المسلمين؛ فلم ينالوهم بأذى أو شر، كما أشار الشطر الثاني من الآية: (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ)..

وقوله تعالى: {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (النحل72)، وهنا النعمة واضحة وظاهرة ومعروفة أيضا، وهي جعل زوج للإنسان من جنسه يسكن ويأوي إليه، كما جعل له بنين وحفدة ورزقه من الطيبات...

(ب) نعمة:
قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (البقرة211)، تشير الآية إلى أن هذه النعم، التي نزلت على بني إسرائيل، لم تكن معروفة للجميع، إنما هي نعم للبني إسرائيل فقط، وبنو إسرائيل لا يعرفون أنها نعم أيضا، وإن عرفوها فإنهم ينكرونها؛ لذلك رمز إلى ذلك بكتابتها بالتاء المغلقة.

قوله تعالى: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران171) هذه الآية نزلت في حق الشهداء الذين يستبشرون بنعم في الجنة خافية على غيرهم!

قوله تعالى: {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ؛ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}(آل عمران174) هذه الآية نزلت بعد غزوة احد عندما تعقب المسلمون الكفار، فادخل الله الرعب في قلوبهم فولوا هاربين، ولم يمس المسلمين سوء أو مكروه؛ فرجعوا سعداء فرحين بهذا النصر!. وقد كان هذا الأمر من خلال نعم كثيرة لا يعلمها المسلمون، كما أن ذلك عاد في المستقبل على المسلمين بنعم كثيرة لم يكونوا يتوقعونها.

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً، وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ} (المائدة20)؛ في هذه الآية يذّكر موسى، عليه السلام، قومه بالنعم الكثيرة التي نسوها، وإن ذكروها فإنهم لا يعرفوا قدرها، وهذه النعم خافية أيضا على كثير من الناس.

قوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ؛ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (النحل53) في هذه الآية تذكير من الله لعباده بنعمه الكثيرة التي لا يعرفون أنها من الله، فيقول لهم: (وما بكم من نعمة فمن الله)..

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}(العنكبوت67)، في هذه الآية يذكر الله عز وجل أهل مكة بنعمة الأمن التي ينعمون بها، ولا يعلمون أنها من نعم الله عليهم، في حين أن كثيرا من حولهم يعانون الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات..

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ؛ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا..} (الأحزاب9) هذه الآية نزلت بعد هزيمة قريش في غزوة الخندق، وهى تذكر المسلمين بنعم الله التي تمثلت في جنود لم يروها، من رياح وغيرها ألحقت الهزيمة بالمشركين حينما جاءوهم من كل حدب وصوب وأحاطوا بالمدينة من كل جانب..

قوله تعالى: {لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ} (القلم49) هذه الآية تشير إلى النعمة الخافية والألطاف الربانية التي شملت نبي الله يونس عليه السلام، وهو مخفي في بطن الحوت؛ لذلك رمز إليها بالتاء المغلقة.
ومثل هذه النعمة الخفية والألطاف الربانية شملت أحد الصاحبين: المؤمن والكافر؛ حيث عصم الله المؤمن من غواية الكافر وإضلاله، فقال المؤمن يوم القيامة ممتنا وشاكرا لهذه النعمة: {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} (الصافات57). يعني لولا نعمة ربي وألطافه الخفية التي شملتني في الدنيا لتأثرت بغواية الصاحب الكافر وأصبحت مثله.

يتبع...



#نافذ_الشاعر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سويداء القلب
- ما ودعك ربك وما قلى
- عورة المرأة
- الفارقليط وختم الأنبياء
- تأثر القرآن بثقافة العصر الذي نزل فيه (*)
- اللغة الفارسية والمحاكاة
- معنى الكتابة في القرآن
- بين الصداقة والحب
- الشجرة الملعونة
- أينقص الدين وأنا حي؟
- لماذا أحبك (نقد قصيدة)
- كيف حملت العذراء بالسيد المسيح
- قافلة الرقيق
- في شغل فاكهون
- في البدء كان الكلمة
- التجسد
- حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
- الصلاة الربانية وسورة الفاتحة
- في سيناء (سيرة ذاتية)
- السلام العالمي والإسلام


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نافذ الشاعر - إعجاز كتابة حروف القرآن (1)