نافذ الشاعر
الحوار المتمدن-العدد: 4032 - 2013 / 3 / 15 - 10:58
المحور:
حقوق الانسان
عندما يريد أعداء الإسلام الطعن في الإسلام وإظهاره بأنه دين عنف وقتل.. نراهم دوما يستدلون بالآية (29) من سورة التوبة التي تقول:
(قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى? يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)
أولا لابد أن نعلم أنه توجد بين القرآن وآياته روابط تجعلها مرتبطة كسلسلة طويلة من مواضيع واسعة جدا، بحيث تجعل القرآن الكريم كعقد منظوم، ولذلك شبه النبي صلى الله عليه وسلم الوحي كصلصلة الجرس، وفي هذا إشارة إلى أن الوحي كلام مترابط متسلسل كتسلسل رنة الجرس.
فالآيات السابقة لتلك الآية تظهر سلوك الكفار وأفعالهم المشينة بحق الإسلام والمسلمين، وأنهم يطعنون في دينهم وينقضون عهودهم ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة...
ثم تجيء هذه الآية لتحرض المؤمنين على قتال الكفار الذين سبق الحديث عنهم في الآيات السابقة؛ بأنهم يقاتلون المسلمين ويطعنون في دينهم ويغدرون بهم وينقضون عهودهم ومواثيقهم.. كما تبين أيضا بأن هؤلاء المشركين- مع من والهم من أهل الكتاب- يستحقون القتال؛ لأن المشركين لا يؤمنون بالله ورسوله، ولا يتورعون عن ارتكاب الجرائم بكافة أنواعها وأشكالها لأنها ليست محرمة بالنسبة لهم..
ثم تنزع الآيات القداسة عن فئة من أهل الكتاب، تلك التي مالأت وناصرت المشركين ولم تلتزم بتعاليم كتابها الحق، لأنهم لم يُقِيمُوا التوراة والإنجيل اللَّذَيْنِ فِي أَيْدِيهمْ، لأن التوراة والإنجيل تقول: (حِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَُبَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ، وأعطوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ، واَخْضَعُوا لِكُلِّ سُلْطَةٍ; لِأَنَّهَا مِنَ اللهِ، وَإِذَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فَلَا تَعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ، بَلْ أَدِيرُوا لَهُ الْخَدَّ الْأَيْسَرَ إِذَا ضَرَبَكُمْ عَلَى الْخَدِّ الْأَيْمَنِ، وَاخْرُجُوا مِنْ الْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ وَالثَّرْوَةِ الْوَاسِعَةِ; ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله، لان دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله. . . إِلَخْ
وأنتم يا أهل الكتاب عَلَى نَقيض ذلك كله; فأنتم لا تَخْضَعُونَ لكل حاكم، بَل ميزتم أَنْفُسَكُمْ، واستعليتم عَلَى الشرائع، وَإِذا اعتدي عَلَى أَحَد منكم فِي بقعة من بِقَاعِ الأرض تجردون أسلحتكم، لا عليه وحده; بل على الأبرياء الذين لم يعتدوا عليكم، حتى تنتقموا لأنفسكم بأضعاف مَا اعتدي به عليكم، ولا هم لأممكم ودولكم إلا امتلاك ثروات العالم والشعوب، وتسخير غيركم من الأمم لخدمتكم بالقوة..
ونعود إلى فهم الآية السابقة من سورة التوبة، قول الله عز وجل:
(قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)
هذه الآية تتكون من ثلاث فقرات:
الفقرة الأولى:(قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ)، هذا الشطر من هذه الآية لا يُقصد به أهل الكتاب، وإنما تقصد به كل من لا يؤمن بالله واليوم الآخر. وليس فقط لا يؤمن، وإنما يترجم هذا الكفر إلى واقع عملي، فيرتكب الجرائم دون وازع من دين أو ضمير، لأن من لا إيمان له لا أمان له..
الفقرة الثانية: (وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ)، أي أنهم لا يحرمون حرمات الله التي جاء ذكرها على لسان رسوله، من عدم الاعتداء على الآخرين وقتلهم وسلب أموالهم وحقوقهم.. وهذه الفقرة لا تخص أهل الكتاب أيضا، إنما تخص فئة من الناس، ارتكبت أمثال تلك الجرائم، ولا تحرم المحارم التي ذكرها الله وذكرها رسوله..
أما الفقرة الثالثة من الآية فهي التي تخص أهل الكتاب وهي تقول: (وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ)
ودين الحق في هذه الآية لا يقصد به دين الإسلام، وهذا لا ينفي أن الإسلام هو دين الحق أيضا، لكن في هذه الآية لا تعني دين الإسلام، إنما تعني الدين الكتابي الحقيقي، يعني يجب مقاتلة أهل الكتاب المعتدين، الذين لا يلتزمون بدينهم الحقيقي، فهم لا يلتزمون بتعاليم التوراة والإنجيل الحقيقية، لأنهم لو التزموا بتعاليم دينهم الحقيقية ما قاتلوكم، لأن دينهم يقول لهم (..حبوا أعداءكم باركوا لاعينكم. ومن ضربك على خدك الأيمن فأدر له الخد الأيسر، ومن سخرك ميلا فامش معه اثنين، وإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألْقها عنك، لأنه خير لك أن يهلك احد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وان كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها والقها عنك؛ لأنه خير لك أن يهلك احد أعضائك، ولا يلقى جسدك كله في جهنم)(متى5/29-30)
وجاء كذلك في رسالة بولس إلى أهل رومية: (لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين القائمة، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هَذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضاً لأن خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ. فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. والْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ)
إذن هذه هي تعاليم دينكم الحقيقة فهل التزمتم بها وعملتم بمقتضاها، أم أنكم عملتم على النقيض منها تماما، فأهل الكتاب الذين لم يلتزموا بتعاليم كتابهم الحقيقية، تلك هي الفئة التي وجب قتالها عندما اعتدت عليكم وسلبتكم حقوقكم، أما غير ذلك فيحرم عليكم قتالهم أو الاعتداء عليهم بحال من الأحوال..
وبقيت هناك فقرة في الآية تثير إشكالية لدى البعض وهي (حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) فيعتقد بعض الطاعنين في الإسلام، إما جهلا وإما تعصبا، يعتقدون أن قوله تعالى: (حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) أن هذا هو المطلوب أن تكون عليه هيئتهم الخارجية عند دفع الجزية، يعني أن يذهب الشخص من أهل الكتاب وهو يمثل هيئة الصغار والذل والمهانة عند دفعه الجزية، أما لو ذهب وهو يرتدي حلة فاخرة وثيابا نظيفة ومعتز بنفسه فلا تقبل منه الجزية، حتى يذهب ويخلعها ويرتدي أسمالا بالية تظهره في هيئة الذل والصغار!
إن فهم الآية بهذه الطريقة يدل إما على تعصب، وإما يدل على ضعف في فهم أساليب اللغة العربية، لأن قوله (حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) لا تشير إلى الهيئة الخارجية لأهل الكتاب المعتدين، عند دفعهم الجزية، إنما تشير إلى حالتهم النفسية، وهو شعورهم بالذل والمهانة والصغار من انكسار شوكتهم واضطرارهم لدفع الجزية مرغمين، بعد أن أعلنوا الحرب وتمنوا أن يكونوا فيها منتصرين، فخاب أملهم وتشتت صفوفهم وضل سعيهم وعادوا إلى نقطة البداية، بعد أن قتل الكثير منهم في ساحة الحرب، وكان بإمكانهم أن يتجنبوا ذلك كله من البداية بدون حرب أو قتال أو سفك دماء، لو أنهم التزموا بتعاليم دينهم الحقيقية. لأنهم عندما حاربوكم خرجوا على تعاليم الكتاب المقدس فلم يصبحوا من أهل الكتاب، إذن هم لم يدينوا الدين المسيحي الحقيقي..
#نافذ_الشاعر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.