أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبدالله خليفة - الفكرُ المصري ودوره التاريخي (1-2)















المزيد.....

الفكرُ المصري ودوره التاريخي (1-2)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4367 - 2014 / 2 / 16 - 09:58
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


لم تلعب مصرُ دورَها النهضوي التحديثي المعاصر فجأةً بل عبر مقدمات تاريخية طويلة، وفي التاريخ الوسيط كان انتقال الخلافة العربية من بغداد إلى القاهرة تعبيراً عن بداية هذا الدور العربي المركزي، حيث وقع العراق في أتون الصراعات الدينية وفقد قدرته على لعب دور الطليعة، كذلك كانت علاقة مصر بفرنسا قائدة الثورة في أوروبا علاقة مهمةً ومحورية، فرغم دور الحملة الفرنسية الملتبس بين الاستعمار والتأثير الحضاري النهوضي، فإن علاقات فرنسا بمصر لم تكن ذات صبغة استعمارية، ولهذا فإن تأثيرات الثقافة الديمقراطية التحديثية كانت تسري عبر العلاقات بين البلدين، حيث تقوم مصر كمحطةٍ بتوزيع هذا الاشعاع عربياً بعد غربتله وإعادة تمثله داخلياً.
افتتح رفاعة رافع الطهطاوي العالم المصري هذه العلاقات، وقد ولد سنة 1801، في طهطا من صعيد مصر، والتحق بالأزهر، وعين رئيساً دينياً لبعثة من الطلاب المصريين المتوجهين إلى فرنسا للتخصص في الدراسات الحديثة، ورغم ذلك فقد عاد هو ليصبح فاتح الطريق للعلوم الحديثة في الثقافة العربية. فقد تعلم الفرنسية وتعمق في اكتشاف علومها وتخصص بالترجمة عنها، ولكنه لم يكتف بالترجمة بل قام بالتأليف والدعوة إلى التحديث، وتسلم مهام رسمية وإعلامية متعددة.
تكون خطاب الطهطاوي في بداية التلاقح الفرنسي المصري، فكان مرتبطاً بهذه التأثرات الأولى بالحداثة.
ولهذا، فإن وعي الطهطاوي لم يتشكل في مرحلة الصدام بين الشعوب والاستعمار، وكانت الدولة المصرية، وقد عبر مشروع محمد علي الوطني المستقل على تطور تحديثي مستقلٍ وناجز. وقد تشكل وعي الطهطاوي في ظل هذا المشروع السلمي والحالم والمبذر كذلك، وفي ظل التأثير الفرنسي معاً.
فقد واجه مشروعُ محمد علي الأشكالَ الفظة من النظام الإقطاعي القديم الرث، لكنه لم يقم بتغيير شامل له، بل فتح المجال لتملك الأرض بشكل شخصي واسع، للأسر الأرستقراطية الألبانية والتركية، وقام بخلقِ قطاعٍ عام لصناعات حربية في الغالب، فشكل التحديث المحدود للنظام الإقطاعي- الديني من دون تغييره الشامل. وقد أدت أعماله العسكرية إلى استهداف مصر للاحتلال بشكل خاص.
ولهذا كله فإن وعي الطهطاوي سيكون محكوماً بوعي هذه المرحلة التاريخية، وباستيراد التقنيات والعلوم المفيدة في هذا التطوير للنظام القروسطي العربي في مرحلة جديدة.
من هنا كان وعي الطهطاوي يردد باستمرار دور الحاكم المطلق في تشكيل النهضة، يقول:
(فإننا كنا في زمن الخلفاء العباسيين أكمل سائر البلاد تمدناً، ورفاهية، وتربية زاهرة، وسبب ذلك أن الخلفاء كانوا يعينون العلماء وأرباب الفنون وغيرهم)، (تلخيص الإبريز، دار المدى). هذا الذكر لدور الحكم المطلق في إنتاج النهضة، التي تتم من خلال دعم الخلفاء للعلوم، هو إنتاج لوضع المرحلة التي يعيشها الطهطاوي في مصر حينئذٍ، عبر دور أسرة محمد علي في إنتاج نهضة، ويـُفترض أن تكون مماثلة للنهضة العباسية، أو إعادة إنتاج لها، وهذه المرة لا تأتي العلوم من قبل الإغريق بل من خلال الفرنسيس.
ولا تظهر عمليةُ النهضة هنا سوى في أداور الأفراد، وفي الحالاتِ المشتركة من الازدهار بين عصر المأمون وعصر محمد علي، أما طبيعة العصرين المختلفة، بين نظام إقطاعي مركزي عربي إسلامي يبدأ رحلة التدهور، ونظام إقطاعي مصري وطني في طور النهوض مجدداً وفي زمن دخول التبعية، فهي لا تظهرُ لمثل هذا الوعي، بأدوات معرفتهِ التقنية، بل يظهر المشتركُ بينهما وهو نمو النظام الإقطاعي بشكل نهضوي عبر تشجيع العلماء وترجمة الفكر، وهي عواملٌ جزئيةٌ محدودة مفصولةٌ عن البناءِ الاجتماعي العام.
يدرك الطهطاوي تطورَ الحياة الاجتماعية التاريخية للبشر، عبر قوانين الصدف المحضة أو عبر التدخلات الإلهية، فهو يفسرُ اكتشافَ النار في بدء التاريخ بالمصادفات.
رؤيته للصدف كعاملٍ دائم في تشكيلِ التاريخ لا يتضاد مع إعطائه للتدخلات الإلهية ذات الدور، ولكن الجانبين يعكسان غياب معرفة السببيات المتداخلة لنمو التاريخ، وهكذا فإنه ينتزعُ من المواد المعرفية الفرنسية والأوربية عموماً، ملاحظاتها الصغيرة والمعزولة عن تشكل الحضارة، والطهطاوي لا يكتفي بعرض تاريخ النار، بل يقوم بعرض تاريخ المدنيات، عرضاً سريعاً يقتطفُ بعضَ الجوانب الجزئية من التاريخ البشري، كتقسيمه الصحيح الاجتماعي للتاريخ والقادم من المدرسة الفرنسية التاريخية، باعتباره ثلاث مراحل أساسية هي: المرحلة الوحشية، والبربرية، والمرحلة الحضارية. وهو تقسيمٌ مهم نجده عند علماء الأنثروبولوجيا، ولكنه هو يأخذه كطُرفة، ولا يقوم بدراسة للعرب والإفرنج من خلاله.
ولهذا فإن كتابَ تلخيص الإبريز لا يأخذ طابع الدرس المقارن بين الشرق والغرب، رغم تصنيفه للعرب بأنهم بين البربرية والتحضر، حيث يُعطي الجزيرة العربية الوصف الأول، ويُعطي مصر والهلال الخصيب الطابع الثاني، مدركاً الفروقَ بين مستويات التطور العربي، وتقوم الرحلةُ بعرض الفروق بين تحضر مصر والعرب وتحضر أوروبا وقتذاك.
إن بؤرةَ العرضِ السياحي تقعُ في مسألة النهضة من خلال شروطها الفردية غير الاجتماعية، أي أن النهضة مرتبطة بإرادة الحكام، ومن هنا يغيبُ تاريخُ مصر السابق، أي كل تلك التطورات التي أدت إلى مجيء محمد علي وتغيب الأزمة المحتدمة في الدولة العثمانية والمنطقة، وتغدو النهضة على طريقة قوله:
(فمن هنا تفهم أن العلوم لا تنتشر في عصر إلا بإعانة صاحب الدولة لأهله ، وفي الأمثال الحكيمة: (الناس على دين ملوكهم)، (السابق).
ولهذا فإن الطهطاوي يضيفُ بأن المتولي على بلاد مصر أراد أن يُرجع (إليها شبابها القديم، ويُحيي رونقها الرميم)، فهذه الإرادة الفردية المطلقة هي التي تصنعُ النهضة، عبر إحضار (أرباب الفنون البارعة، والصنائع النافعة، من الإفرنج ، ويغدق عليهم فائض نعمته) وهو أمرٌ صحيح من الناحية التاريخية فدور محمد علي كان قيادياً أساسياً.
ولا يقيمُ الطهطاوي هنا قراءةً لطبيعة هذه المهن والصناعات وعلاقاتها بالبناء الاجتماعي، حيث هي مرتبطةٌ بالجوانب العسكرية وبتقويةِ نفوذ الدولة وشرائحها المتنفذة، ولا علاقة هذه الجوانب النهضوية المفيدة حقاً بالبنية الاقتصادية العامة، ولكنه يأخذها كأقوالٍ عامة وجمل إنشائية، كقوله:
(وبالجملة والتفصيل، فإن الوالي آماله دائماً متعلقة بالعمار، ومن الحكم المعروفة العمارة كالحياة، والخراب كالموت، وبناء كل إنسان على همته)، (السابق).
لكنه بطبيعة الحال يلمحُ طابعَ النهضة الراهنة في مصر حينئذٍ فيرى (ترتيب العساكر الجهادية من «الآيات» ومدارس حربية)، وبالتأكيد فإن مشروعَ محمد علي كان ذا طابع عسكري، وكان من الضرورةِ نمو العلوم الطبيعية والصناعية المختلفة، أي كل ما يسرعُ من نمو آلةِ الدولة الحربية، لكن إلى أي حد كان هذا الطابع يسمحُ بنمو الصناعة المستقلة وبالتالي يغيّبُ أو يضعفُ من هيمنةِ الدولة الإقطاعية العسكرية، فإن ذلك يبدو غير مرئي في وعي الطهطاوي وهو يشاركُ في هذه العملية التاريخية.
وتسمحُ هذه العمليةُ التاريخية من جهةٍ أخرى (بنشر العلوم والفنون الآتية.. وبكثرة تداولها، وترجمة كتبها وطبعها في مطابع ولي النعم). والمقصود بالفنون هنا هي العلوم الفنية، والتقنيات المختلفة، وكل ذلك يجري في أفق الوالي ومطابعه، لكنها تحدث نهضة واسعة لم تكن ممكنة بوسائل أخرى.
تتوارى أسبابُ انهيار الحضارة العربية وأسبابُ تشكلِ الحضارة الغربية في وعي الطهطاوي، فهو يربطُ الحضارةَ العربية وتشكلها في إحدى طرائفه بالرحلات، فهو يعتقد إن النهضة وليدة نشاط الناس التنقلي ورحلاتهم فيقول:
(ثم لما خمدت عندهم أنوار هذه المعارف وأهملوها، ازدارءً لها، أو لسبب آخر، قلت سياحاتهم، وقام مقامهم طوائف الإفرنج وبرعوا في ذلك، واستفادت الدولة والرعية الفوائد الجسيمة، بالأمور السياسية والتجارية).
إن ملاحظته حول أهمية الرحلات في تحريك الحضارة قد استقاها من عصر الكشوف الجغرافية الغربي الذي لعب دوراً بارزاً في الانتقال من عصر النهضة الثقافي والتنويري إلى عصر الثورة الصناعية، وعبره تدفقت المواردُ الذهبية والمعادن إلى أوروبا واتسعت الأسواق، ولكن الطهطاوي يأخذ ذلك الجانب الجغرافي مفصولاً عن البناء الاقتصادي والتاريخي والثقافي العام، ولعله يتخيل إنه عبر رحلته إلى فرنسا التي يكتبُ عنها في كتابه هذا، سوف تحدث ذات العملية النهضوية العميقة التي حدثت في أوروبا، وخاصةً مع المظاهر التي لاحظها من ازدهار التجارة والعمارة في مصر، بعد تصدي الحاكم لإحياء المعارف وهو جانب وحيد.
تعرقلُ عمليةَ البحث هذه طريقةُ الكتابة لدى الطهطاوي التي تتسمُ بالتفكك والتجميع بين أساليب شتى متضادة، فهناك الدرسُ والملاحظاتُ العلمية وإدخالُ الطرائفِ و الملُح والأشعار، وهي عمليةٌ تعبرُ عن تغييب الحفر المعرفي في المادة، وبالتالي تغيبُ عملياتُ التحليل والمقارنات والاستنتاجات العميقة.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عامياتٌ وعامياتٌ
- عناصرُ التحديث الفكرية لدى النهضويين (2-2)
- عناصرُ التحديثِ الفكرية لدى النهضويين (1-2)
- تحولاتُ رأسمالياتِ الدول الشرقية
- جذورُ الطائفيةِ الفكريةِ
- مخاطرُ الجملةِ الثوريةِ الزائفةِ
- أزمةُ الأريافِ العربية بين عصرين
- شعبٌ واحدٌ لا شعبان
- خطاباتٌ عابرة
- نقابيةٌ غيرُ ديمقراطيةٍ
- جاء وقتُ البرجوازيةِ الوطنية
- الانتهازيون خطرٌ على الدول
- مرحلة صناعية سياسية
- مساراتٌ ثقافيةٌ صحفيةٌ
- تحرير تجارة الأغنام
- تدهورُ الوعي العمالي
- تدهورُ الثقافةِ الوطنية
- ديمقراطيةٌ وسيطرةٌ
- الثقافة والسلطة في إيران
- أيّ معارضةٍ؟


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبدالله خليفة - الفكرُ المصري ودوره التاريخي (1-2)