|
عناصرُ التحديثِ الفكرية لدى النهضويين (1-2)
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4364 - 2014 / 2 / 13 - 07:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
توجه التحديثيون سواءً أكانوا دينيين أم غير دينيين إلى استلهام عناصر معينة من التراث أو من الغرب. وحين يستلهم الدينيون عناصرَ من التراث ومن الغرب معاً، فهذا دليلٌ على أنهم يريدون تغيير عناصر قديمة في البناء الاجتماعي العربي الإسلامي التقليدي، وبهذا فإنهم يريدون تغيير جوانب معينة في ذلك البناء وإبدالها بعناصر جديدة مأخوذة من حضارة أرقى. وكذلك فإن التحديثيين غير الدينيين والذين توجهوا لاستلهام جوانب معينة في الغرب أو بنقل نموذج الغرب كبناء حضاري بكليته، هي بالضرورة تحديثية. إن جانبي التراث والغرب لا يخضعان لتحليل مدروس لنقدهما معاً، بقراءة السيرورة الخاصة للبناء العربي الإسلامي، وكذلك بقراءة السيرورة الخاصة للغرب كمجموعةِ أنظمة وتطورات تاريخية معينة لها قوانين عامة تعبر عن التشكيلة التاريخية وقوانين خاصة تعبر عن تطور البلد المعني المأخوذة شريحة من أفكاره. وكذلك فإن التحديثيين الدينيين وهم يقرأون تطور المجتمعات الإسلامية سوف يأخذون كليةَ البناء الإسلامي باعتباره بناء صالحاً بشكل عام، ولهذا فإنهم لا يدرسون كون هذا البناء مرتبطا بسيرورة اجتماعية تاريخية فات أوانها عالمياً، وبهذا فإنهم يَجرون هذا البناء من سكته التاريخية القديمة ويضعونه على سكة العصر. وبهذا فإنهم يسايرون الاستعمار الحديث الذي قام هو نفسه بإدامة تلك التشكيلة وسيرها على ذات السكة. وإن تناول التحديثيون الدينيون عناصر من الثقافة الغربية ووضعها في البناء التقليدي المُستعاد، أمرٌ لا يعني الافتراق النوعي عن عمل الاستعمار، ولكن ربما تختلف العناصر الموظفة حديثاً بين الجانبين، لكن لا يوجد افتراق نوعي، لأن العناصر المجلوبة من الغرب أو العناصر المستعادة من الماضي، لم تحول البناء الاجتماعي نوعياً، أي لم تبدل التشكيلة من الإقطاع إلى الرأسمالية الحديثة. إن تركيز التحديثيين الدينيين على حقب معينة من التراث أو عناصر مختلفة بين بعضهم البعض، أو التركيز على مذهب ديني دون آخر، أو الاهتمام بالاجتهاد إلى هذه الدرجة أو تلك، فإن هذا لا يغير من النظام الاجتماعي التكويني الأساسي السابق، مثل أن تركيز الاستعمار الفرنسي على الرأسمالية الحديثة عند المستوطنين الفرنسيين في الجزائر، فإن هذا لا يغير من الطبيعة الأساسية للنظام الجزائري كنظام إقطاعي تابع. ولهذا فإن استيراد التحديثيين غير الدينيين للنظريات المتعددة من نظرية التطور أو الليبرالية بطريقة ليبرالية لطفي السيد، لا تجعل من هذه العناصر الحديثة المستوردة أداة تحويل كلي للمنظومة التقليدية. يمكن أن نجمع الكثيرين من المثقفين العرب في شكل واحد من الوعي، وبهذا نصل إلى استنتاج هام في فهم الفكر والثقافة العربية المعاصرين خلال القرنين الماضيين. لقد اعتمدت مدرسة التحديث التقني عند رفاعة الطهطاوي وإسماعيل مظهر وجبران خليل جبران.. على تباين الأشكال الفكرية التي كتبوا بها، أو الفترات التي شكلوا فيها عملهم الفكري، على استيراد الأداة المعرفية أو الأدبية التي تحل كافة إشكاليات التخلف العربي، فعبر هذه الأداة التقنية يمكن الوصول إلى الحضارة الحديثة المتقدمة كما يعتقدون. لدى إسماعيل مظهر تغدو أفكار عالم الاجتماع الفرنسي أوجست كونت الروشتة الطبية التي تحيل المريض العربي إلى إنسان معافىً سليم، وعبر (التجاوز الثقافي) لدى النخبة فإنه يمكن تجاوز كافة الأفكار الميتافيزيقية سواء كانت سحرية أو دينية وجعل الناس تفكر في العالم بطريقة (علمية) فلا تقبل سوى العلمي الحديث. وعند رفاعة الطهطاوي تقوم (المعارف الفرنساوية المختلفة) بهذا الدور لكن فوق جسد النظام التقليدي المستعاد. إن الأشكال التقنية الأخيرة لدى الغرب هي المنجز الذي يغير حياة العقل العربي سواءً أكان ذلك في الوعي الفكري العام أم كان في الثقافة. هذا التركيز على آخر المبتكرات الغربية هو الوعي الذي توجه نحو الظاهر والجزئي، وليس نحو قراءة سيرورة التطور الغربي. لدى سلامة موسى تتحول الأداة التقنية إلى نظرية تطور الأنواع. هنا مثلاً تنطبق الأنواع على الأنواع البيولوجية، وإذا تطرقت إلى التطور الاجتماعي فهي تعجز عن قراءة ان الأديان السماوية مثلاً كحلقةِ تطور هامة في التطور الاجتماعي ولها سببيات عميقة في النوع الاجتماعي المشرقي. لكن تلك الحلقة تجابه معضلات، وهو أمر يتطلب حفراً معرفياً للوصول إلى الفقاريات الاجتماعية التاريخية في المنطقة. هذه العملية تحتاج إلى عدم تطبيق بعض السببيات بشكل ميكانيكي من الحقل البيولوجي إلى الحقل الاجتماعي.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحولاتُ رأسمالياتِ الدول الشرقية
-
جذورُ الطائفيةِ الفكريةِ
-
مخاطرُ الجملةِ الثوريةِ الزائفةِ
-
أزمةُ الأريافِ العربية بين عصرين
-
شعبٌ واحدٌ لا شعبان
-
خطاباتٌ عابرة
-
نقابيةٌ غيرُ ديمقراطيةٍ
-
جاء وقتُ البرجوازيةِ الوطنية
-
الانتهازيون خطرٌ على الدول
-
مرحلة صناعية سياسية
-
مساراتٌ ثقافيةٌ صحفيةٌ
-
تحرير تجارة الأغنام
-
تدهورُ الوعي العمالي
-
تدهورُ الثقافةِ الوطنية
-
ديمقراطيةٌ وسيطرةٌ
-
الثقافة والسلطة في إيران
-
أيّ معارضةٍ؟
-
الوطنيةُ البحرينيةُ والعلمانية
-
خرابُ آسيا
-
الفاشيةُ في المشرق
المزيد.....
-
الجيش الإسرائيلي يُعلن مقتل 4 جنود وإصابة 3 جراء انفجار عبوة
...
-
ترحيل أول لاجئ من بريطانيا إلى فرنسا بموجب اتفاق بين البلدين
...
-
أطباء بلا حدود تدين مقتل أحد موظفيها في غزة بغارة إسرائيلية
...
-
ميناء إيطالي يرفض شحن متفجرات إلى إسرائيل
-
كيف أصبحت جميلة بوحيرد أسطورة الثورات التحررية؟
-
محللون: تعدد الجبهات ينهك العمق الإسرائيلي ويبدد أمل النصر ا
...
-
البيت الأبيض يكشف ملابسات تغيير ترامب لمروحيته خلال العودة م
...
-
للمرة السادسة.. واشنطن تستخدم -الفيتو- ضد مشروع قرار بشأن حر
...
-
الدويري: المقاومة تتحدى بعملية رفح والمسيرات تتفوق على الراد
...
-
الحرب على غزة مباشر.. تصاعد القصف الإسرائيلي على غزة والقسام
...
المزيد.....
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|