أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين محمود التلاوي - عزازيل... الشيطان يكمن في هيبا















المزيد.....

عزازيل... الشيطان يكمن في هيبا


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 4366 - 2014 / 2 / 15 - 22:00
المحور: الادب والفن
    


لا جديد إذا قلنا إن رواية "عزازيل" لمؤلفها يوسف زيدان تحتل مكانة رئيسية في الأدب العربي. وليس في هذا القول أي نوع من المبالغة؛ ففي الراوية العديد من الجوانب التي تجعلها متفردة عن غيرها من الروايات؛ بحيث يمكن القول إنها تحتل موقع الريادة في الروايات التي تناولت واحدة من الفترات الحساسة في التاريخ المصري، وكذلك في التاريخ الكنسي، وهي فترة الصعود المسيحي في مصر وتواري الوثنية، بالإضافة إلى الصراعات التي قامت بين الرؤى المختلفة لطبيعة المسيح.
وفي الأسطر التالية، سوف نحاول إلقاء الضوء في عجالة سريعة على مجموعة من النقاط في بنية ومحتوى الرواية بما لا يرقى إلى مستوى النقد التحليلي المعمق لأن الأمر يتطلب العديد من الحلقات للوفاء بحق هذه الرواية. ولكنني في كل الأحوال، سوف أحاول إجمال النقاط الرئيسية في شكل مكثف بما يعطي صورة واضحة وإن كانت موجزة عن البنية والمحتوى.

هيبا... الإنسان الحائر
يمثل الراهب "هيبا" نموذج الإنسان الحائر ما بين المشاعر والمنطق وما بين الإيمان. حقًا إنه من المفترض ألا يحدث أي تناقض ما بين المشاعر والمنطق من جهة وما بين الإيمان من جهة أخرى، ولكن المأزق الذي وقع فيه الراهب هو أنه عاش في زمن حل فيه الاستبداد والتطرف محل الإيمان النقي السليم؛ مما جعله يعيش هذا التناقض.
تدور أحداث الرواية في جو كنسي لاهوتي بحت في القرن الخامس، وتبدأ من مصر قبل أن تنتقل إلى الإسكندرية ثم إلى شمال سوريا، قبل أن ينتهي المطاف بالراهب هيبا إلى الهرب لمكان غير معلوم فرارا من كل هذه الصراعات. والرواية بشكل عام عبارة عن "اعترافات" الراهب هيبا التي دفعه عزازيل أي الشيطان. وتمثل هذه الاعترافات سردًا لشهادة الراهب هيبا على الأحداث التي مر بها. فبماذا اعترف هيبا؟ وما الصور التي نقلها باعترافاته؟

عندما تتصارع "الإيمانات"!
ربما يكون الصراع هو الفكرة الحاكمة لـ"تغريبة" هيبا، إن جاز لنا أن نقول؛ فالصراع كان حاضرًا وبقوة على كافة المستويات. فعلى المستوى الفردي، كان الصراع قائمًا داخل هيبا بين ما يراه منطقيا وطبيعيا من الشعور بالأحاسيس الإنسانية وبين الإيمان الذي يحرم هذه المشاعر ويضعها في خانة الدنس بالنسبة للرهبان. كذلك كان الصراع قائما بين المسيحية والوثنية، إلى جانب الصراع الحقيقي بين الرؤى المختلفة لطبيعة المسيح بين المسيحيين، وهي الصراعات التي أفرزت في النهاية الكنائس الرئيسية في العالم حاليًا.
فكيف، إذن، تبدى الصراع داخل هيبا؟ افتقد هيبا إلى اليقين. وهذا الافتقاد يأتي لأنه فقد الثقة في القيم الإيمانية. هنا يبرز سؤال آخر: ولماذا فقد الثقة في القيم الإيمانية؟! عندما يتصارع المؤمنون، ويتهمون بعضهم البعض بالخروج عن التعاليم الكنسية، تتشوش القيم المنبثقة من هذه التعاليم، وبالتالي يتشوش اليقين داخل الإنسان المؤمن؛ لأن هذا اليقين ينبع من القيم؛ أي أنه عندما تتشوش القيم، يروح اليقين إلى غير رجعة، أو ربما إلى حين اتضاح الأمور القيمية، وهو ما لم يحدث؛ إذ تشظى الإيمان الصافي إلى "إيمانات" متصارعة؛ فكان الصراع داخل نفس هيبا، الذي لم يحتمل كل هذه المتناقضات؛ ففر هاربا حتى من نفسه!

بين أوكتافيا ومرتا... والإغواء
تلعب المرأة دورًا رئيسيًا في حالة عدم اليقين التي عاشها هيبا، وربما كان ذلك تنويعًا على الاعتقاد السائد في أوساط الكثير من متطرفي التدين بأن المرأة هي السبب في خروج آدم من الجنة عن طريق إغوائه لأكل التفاحة. فالمرأة هنا تقدم الإغواء في مرتين، ولكنه الإغواء المنطلق من مشاعر إنسانية بحتة. ففي المرة الأولى، نرى المرأة ممثلة في أوكتافيا التي آوته، بعدما كاد يغرق في البحر السكندري، ولكنه كان "مسيحيا" وهي "وثنية"، وبالتالي لا يجوز الاقتران بينهما، لأنه يعتبر مخالفَة للتعاليم الكنسية، وبالتالي افترق هيبا عنها؛ أو على وجه الدقة هي من أخرجه من جنتها، عندما علمت بأنه مسيحي؛ أي ينتمي للقوم الذين قتلوا والدها في أولى الإشارات على ما يفعله التعصب بالإنسان.
كان من الممكن أن تقبل أوكتافيا بهيبا في حياتها، لولا الجريمة التي ارتكبها من يدينون بدين هيبا، وكذلك كان من الممكن أن يستمر هيبا في حبه لأوكتافيا، لولا أنها من الوثنيين الكفار الذين لا يجوز الاقتران بهم. وتلك كانت أولى الضربات التي تلقاها يقين هيبا في القيم الإيمانية. كيف يمكن للقيم الإيمانية أن تعصف بالروح البشرية؟! كيف يمكن للقيم الإيمانية أن تقف أمام العشق والهوى؟! اندست هذه الأسئلة وتوارت وراء الإيمان الصلب لهيبا، ولكنها بقيت في داخله في انتظار لحظة الاستفاقة، وهو ما حدث بالفعل، عندما التقى مرتا في الدير.
كان هيبا قد أصبح راهبا في الدير الواقع شمال سوريا في المحطة قبل الأخيرة من رحلته، وهناك التقى بالعابرة مرتا؛ فوقع في غرامها، إلا أن الأمر مرة أخرى يرتطم بالتعاليم الكنسية في شقين. الشق الأول هو أنه راهب، وليس للرهبان زواج. الشق الثاني هو أن مرتا مطلقة، وبالتالي لا يمكن أن يتزوجها، لأنه وفقًا لإنجيل متى، فإن من يتزوج مطلقة فهو يزني. وعندما سألته مرتا عما دار بينهما من علاقة حميمية دون زواج وما إذا كان ذلك ليس بزنى، لم يحر هيبا جوابًا. هنا جاء التناقض بين المشاعر وبين التعاليم الدينية؛ فكيف يعتبر الدين هذه العلاقة التي تمت انطلاقا من مشاعر سامية هي الحب زنا؟! وكيف يمكن للتعاليم الدينية أن تعتبر الزواج — أيًّا كان شكله وهو هنا بين رجل ومطلقة — زنا؟!

هيباتيا... المنطق يتكلم؛ فَيُسْحَل!
لا مكان للمنطق بين المتعصبين. هذه مقولة صادقة، وتمثل فحوى الرسالة التي تنقلها لنا قصة هيباتيا عالمة الرياضيات والمنطق، والتي قابلها هيبا في رحلته إلى الإسكندرية، ومن فرط انبهاره بها يصفها قائلا: "كائن سماوي هبط إلى الأرض من الخيال الإلهي، ليبشر الناس بخير رباني رحيم"، كذلك يقول إنها "شقيقة يسوع". وبلغ به الانبهار مبلغًا أن فكر في أن يصبح واحدًا من أتباعها.
لكن الكهنة وكبار رجال الكنيسة كان لهم رأي آخر. فقد رأوا في هيباتيا من يبشر بالعلوم "الوثنية" وبالتالي يجب قتلها، فكان التحريض على قتلها من كبار رجال الكنيسة في الإسكندرية. وتصور رواية هيبا للكيفية التي تم بها اغتيال هيباتيا مأساة الفكر في محيط من التعصب. لقد حرض رجالُ الكنيسة العامةَ على قتل هيباتيا باعتبارها ممثلة للوثنيين أعداء الرب في الأرض، فسحبوها من عربة كانت تستقلها، قبل أن يجردوها من ثيابها، ويسحلوها في الشوارع إلى أن قتلوها إرضاءً للرب وإعلاءً لكلمته في الأرض؛ هكذا تصوروا. إنها السلطوية والديكتاتورية والتعصب للرأي واستغلال الجهل والجهلاء كأسوأ ما يكون.
هكذا، سقط المنطق تحت سنابك الدهماء، ومات. وحتى الراهب الذي اشتق اسم الرهبنة الخاص به من اسم هيباتيا تكريمًا لها، لم يطل به المقام في الأرض ففر من نفسه تحت وطأة الصراعات "الإيمانية"!!
إذن، مات المنطق، ومات من خلده!!

الجو اللاهوتي
في واقع الأمر، لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال الجهد الذي بذله المؤلف في نقل الجو اللاهوتي من حيث البنية والديكورات التي برع في رسمها بأسلوبه التصويري العميق، وكذلك من حيث المحتوى فيما يتعلق بالقضايا التي ثارت بين كبار رجال الدين المسيحيين في ذلك العصر، وأسفرت في النهاية عن الانشقاقات وتكوين الكنائس التي باتت هي الكنائس الرئيسية في الديانة المسيحية ليومنا هذا.
لكن الإفراط يؤدي إلى الإملال. ففي مرحلة ما، يبدأ القارئ في الشعور بأن المؤلف يغوص به في هذا الجو اللاهوتي الكهنوتي ليس لنقل الجو والصورة، ولكن فقط لكي يقول للقارئ إنه يستطيع الكتابة عن هذا الجو — وهو المسلم المعتنق للدين المغاير لما يتكلم عنه — بشكل ربما يفوق ما يمكن أن يقدمه معتنقو الديانة نفسها.

كانت هذه مجرد إضاءة سريعة على رواية "عزازيل" التي كما قلت احتلت مكانة كبيرة في الأدب العربي لما فيها من براعة تصويرية سواءً من حيث تصوير الأماكن أو الأحاسيس أو القضايا، بالإضافة إلى لمسها قضايا كهنوتية قلما تناولها قلم بشكل عام، ناهيك عن أن يكون قلما مسلما. إنها رواية تغوص داخل أعماق الإنسان وتلامس أكثر القضايا حساسية لديه وهي الإيمان، لنكتشف بعدها أن الشيطان ليس ببعيد عنا، ولكنه كامن فينا... وخير برهان هو هيبا.
******



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العزلة سبيلًا للحرية... والحفاظ على الهوية!!
- يسقط حكم العسكر... ما حكم العسكر؟!
- المأزق الراهن... كيف صرنا إلى ما صرنا إليه؟!
- بين كنفاني وموريس... التوثيق الروائي والزيف الوثائقي!!
- جيل النكسة وإحباطات الشباب... الحل العكاشي!!
- التاريخ... بين ابن خلدون وسان سيمون
- بعد حبس الفتيات وإقرار مسودة الدستور... الشارع هو الحل!!
- وسط البلد من جديد... حكايات المصريين
- إلى مصر مع التحية... هل عاد المد الثوري؟!
- أبو بلال... التغربية أو ربما الشتات... هل من فارق؟!
- محاكمة مرسي... مرسي فقط؟!
- موشح أيها الساقي... عن التصوف والإبداع وأشياء أخرى!!
- إنهم يفقروننا... فما الخلاص؟!
- شبرا وعبد الباسط وبرج الكنيسة... ومصر...!
- ملاحظات على فكر سان سيمون (3)... المجتمع المثالي
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (4) كيف أخفق رجال ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (3) الطبقة الوسطى. ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (2) كيف حُشِدَ الش ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (1) كيف حُشِدَ الش ...
- ملاحظات على فكر سان سيمون (2)... الدين والطبقة الاجتماعية


المزيد.....




- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين محمود التلاوي - عزازيل... الشيطان يكمن في هيبا