أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حسين محمود التلاوي - شبرا وعبد الباسط وبرج الكنيسة... ومصر...!















المزيد.....

شبرا وعبد الباسط وبرج الكنيسة... ومصر...!


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 4240 - 2013 / 10 / 9 - 02:06
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في الصباح الباكر، فتحت باب شرفة منزلي في حي شبرا العتيق والعتيد في العاصمة المصرية القاهرة، ورحت أملأ صدري بهواء الصباح النقي. وبينما كان الهواء يملأ صدري، كان هناك مشهد يملأ عينيّ؛ إنه مشهد لمئذنة مسجد وبرج كنيسة متجاورين بدرجة تجعل الناظر يعتقد أنهما يخرجان من مبنى واحد، ولكنهما في واقع الأمر يخرجان من مسجد وكنيسة يقعان متقابلين في شارع واحد.
لذا، يمكن القول دون كثير من الخطأ إنهما وإن كانا يخرجان من مبنيين منفصلين، فهما يخرجان من جسد واحد.
كان هذا صباح أحد أيام الأحد، فتعالت دقات جرس الكنيسة. وفي مصادفة قدرية، كان يتعالى في الوقت ذاته صوت القارئ الراحل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد من إذاعة القرآن الكريم مرتلًا مفتتح سورة الروم التي يبشر فيها الله تعالى المسلمين بأن الروم النصارى سوف ينتصرون على الفرس المجوس؛ ليفرح المؤمنون بهذا النصر الذي سُمِّيَ في النص القرآني بـ"نصر الله"؛ لأنه نصر لأتباع الديانات السماوية عامة على أتباع الديانات الوضعية عامة.
تدخل أنفاس الصباح الباكر صدري، وصوت عبد الباسط ودقات جرس الكنيسة يصكان مسامعي، فيما تنطبع صرة المئذنة والبرج على ناظريّ.
لكن للشارع حديثًا يبدو مختلفًا قليلًا عما التقطته حواسي في لحظات الصباح الهادئة؛ حديثًا يبدو صاخبًا متحفزًا.
إنه حديث التقسيم... أو هو الانقسام...

الانقسام... في مصر؟!
يفخر المصريون دومًا بأنهم شعب متجانس لا مشكلة لديه في الأعراق ويتبنى منظومة قيمية متشابهة بين الأقاليم المختلفة في الدولة المصرية، التي تعتبر أقدم دولة مركزية في العالم. وحتى الاختلاف الديني بين المسلمين والمسيحيين تجاوزه الشعب المصري من أزمنة طويلة؛ فلم تكن نغمة الطائفية يومًا المعزوفة المفضلة لدى المصريين. حقًا تطفو فوق السطح أحيانًا بدافع السياسة، إلا أنها تبقى نغمة نشازًا في معزوفة التجانس المصرية. في الواقع، كنت أريد أن أتم العبارة بقولي "والتي لا تزال قائمة" كوصف لمعزوفة التجانس المصرية، إلا أن استمرارية هذه المعزوفة بات محل شك؛ فلا أحد يستطيع أن يقول بقلب مطمئن إن هذه المعزوفة مستمرة. هي متوقفة، أو على الأقل خفت صوتها لمصلحة أصوات أكثر صخبًا وعنفًا.
إنها أصوات التقسيم.
ولكن في كل أزمة هناك جانب إيجابي؛ فالانقسام الذي يشهده المصريون يستند إلى قاعدة سياسية لا دينية. حقًا يحاول البعض أن يوصله إلى مستوى الخلاف والانقسام على أساس ديني. لكن الغالبية العظمى (نعم، وأقولها بقلب مطمئن) يدركون تمامًا أن الوضع الراهن هو سياسي الدوافع والمرتكزات بامتياز.
نعم، هو سياسي الدوافع والمرتكزات بامتياز، ولكنه ليس سياسي التداعيات؛ فهناك الكثير من التداعيات التي ترتبت على "الهزل السياسي" الذي تشهده الساحة المصرية حاليًا. ومن أبرز هذه التداعيات الشرخ الاجتماعي الذي يتوسع ليطال العديد من السس التي يقوم عليها المجتمع ومن بينها أساس التجانس... وأساس التعايش.
أكتب هذه الكلمات أثناء وجودي في مترو الأنفاق مارًا في تلك اللحظات بمحطة مترو "السادات" المؤدية إلى ميدان التحرير في قلب العاصمة؛ محطة "السادات" التي لا تزال مغلقة لـ"اعتبارات أمنية" بسبب ما تشهده مصر من "اضطرابات سياسية" جراء "الأعمال الإرهابية" التي يقوم بها أنصار جماعة الإخوان المسلمين. لا أتحفظ على التعبيرات الموضوعة بين قوسين لأنني أرفضها بالكلية، ولكنني أرفض الابتذال الحاصل في استخدامها. هناك "اعتبارات أمنية" ولكن ليس لدرجة خنق مرتادي مترو الأنفاق طيلة كل هذه الفترة. كذلك هناك "اضطرابات سياسية" ولكن ليست ناجمة فقط عن الأعمال الإرهابية المسلحة ولكن أيضًا ناجمة عن الأعمال الإرهابية السياسية التي تقوم بها السلطات المصرية حاليًا بحق الكثير من المعارضين.
ما سبق من خاطرة تتعلق باستمرار غلق محطتي مترو "السادات" و"الجيزة" تشير إلى الاختلاف العميق في تأويل الأحداث الجارية في مصر، وهو الاختلاف الطبيعي، والمفترض أن يتم استغلاله لتسوية الأمور، ولكن للأسف الشديد تم استغلاله بدلًا من ذلك في تعميق الانقسام الذي بدأ بالفعل منذ مرحلة ما بعد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك الذي تنحى في 11 فبراير 2011 بعد 18 يوما من الثورة التي تفجرت في 25 يناير من العام نفسه.

ما الحل؟! بل ما المشكلة؟!
قلت إن الوضع القائم هو أزمة سياسية بامتياز، ولكن تداعياتها ضربت أركانًا أساسية في المجتمع المصري؛ أركانًا على درجة من الأساسية يمكن معها أن يؤدي تزعزعها في لحظة ما — نأمل من الله ألا تأتي — إلى انهيار قسم كبير في المجتمع المصري. فهل هناك من يرغب في ذلك؟
الإجابة للأسف، نعم. هناك من يرغب في ذلك؛ هناك من يرغب في الإطاحة بالمجتمع المصري وإغراقه في حالة من "الفوضى المحكومة" التي لا تؤدي إلى انهياره الكامل، ولكن إلى إضعافه بحيث يظل راكعًا؛ فلا يسقط بشكل كامل مما يحدث فراغًا تملؤه قوى غير مرغوبة، ولا ينتصب فيحتل مكانًا غير مرغوب.
في رأيي أن المشكلة الحالية في مصر عبارة عن سوء تقدير من جميع الأطراف لما يعرف بـ"الصالح العام"؛ فكافة الأطراف على الساحة السياسية المصرية تلعب من أجل مصلحتها محاولة تسويق هذه المصلحة على أنها المصلحة العامة في المبتدأ والمنتهى، وهو الأمر غير الدقيق للأسف الشديد؛ فالمصلحة الحقيقية تقتضي تنازل كل طرف عن جزء من مصلحته من أجل تحقيق المصلحة العامة، وهو ما يعني أن الحل الأساسي يكمن في الحوار.
ولكن الأمور في مصر لا تسير بهذه البساطة؛ فهناك العديد من العراقيل أبرزها تحديد ما إذا كان النظام الحاكم في مصر حاليًا يوجه ضرباته إلى التيار الإسلامي في إطار حرب عالمية على الإسلام أو يوجهها باعتبار التيار الإسلامي معارضًا يُخْشى منه أم باعتبار التيار الإسلامي عدوا للوطن بالفعل. كذلك هناك إشكالية علاقة التيار الإسلامي بغيره من التنظيمات المسلحة والتشارك الحاصل في الأوعية المصرفية بين الأموال الموجهة لتمويل الجهاديين والمسلحين والإرهابيين وبين الأموال التي يستثمرها الإخوان المسلمون. إشكاليتان مثل هاتين يمكن أن تأخذا الكثير من عمر هذا الوطن حتى يتم العثور على حل لهما. وإلى هذا الحين، سوف ينسكب المزيد من الدماء على الأرض التي يفترض أن تروى بماء التضامن لتنمو شجرة الوطن يتشارك الجميع ثمارها. ليست هذه صورة مثالية، ولكنها ما ينبغي أن يبنى عليه العقلاء مجتمعهم!!

شبرا....
لا تزال الجدران تحمل صورة الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي مرشحًا لرئاسة الجمهورية مبشرة بمشروع النهضة حلًا لمشاكل الوطن. لكن الأمور تغيرت كثيرًا على الأرض؛ فقبل أن يكمل مرسي عامه الأول رئيسًا للجمهورية كأول رئيس منتخب بعد ثورة يناير، خرج أهالي شبرا في مظاهرات تدعو الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع للتدخل لإقالة مرسي بسبب سوء إدارته للبلاد، وهو ما حدث بالفعل في الثالث من يوليو الماضي.
فما الذي تغير؟!
لا يمكن لأحد أن ينكر أن الوضع المعيشي لعب دورًا كبيرًا في أن يقف أهالي شبرا ضد مرسي، وكذلك الوضع الطائفي. فغالبية أهل شبرا من التجار مسلمين ومسيحيين إلى جانب أنها منطقة تمركز للمسيحيين في مصر. وبالتالي، كان من السهل أن يحتشد أهالي الحي في غالبيتهم ضد مرسي؛ لأنهم كتجار تضرروا من تردي الأداء الاقتصادي الحكومي، وكمسيحيين في غالبيتهم لم يروا من الإخوان المسلمين ما يطمئن خواطرهم إزاء التيار الإسلامي بعد أحداث التسعينات الدامية.
حقًا لا تزال الجدران تحمل صور مرسي، لكن بجوارها برزت صور أخرى لبطل المرحلة... صور السيسي... حرب الصور تتسارع امتدادًا لحرب الشوارع بين الأنصار, وهي الحرب التي لا يرى ضوء في نهاية نفقها.
ما الحل؟!
إنه الحوار... لكي يعود المسلمون إلى الإصغاء لصوت جرس الكنيسة، والمسيحيون إلى مفتتح سورة الروم، ويبقى المسجد والكنيسة متعانقين.



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات على فكر سان سيمون (3)... المجتمع المثالي
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (4) كيف أخفق رجال ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (3) الطبقة الوسطى. ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (2) كيف حُشِدَ الش ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (1) كيف حُشِدَ الش ...
- ملاحظات على فكر سان سيمون (2)... الدين والطبقة الاجتماعية
- ملاحظات على فكر سان سيمون (1)... التاريخ وتقدم المجتمعات
- مصر... في زمن الإرهاب
- مصر... بين ديكتاتورية اللحية وعسكرة الفساد
- الإنسان إذ يواجه ذاته... وقد ينتصر!
- من الهيمنة إلى الفناء... الثقافة كعامل فناء وإفناء
- الأخلاقية في الفعل السياسي... الحالة المصرية والتشيّؤ!
- تأملات... في حاكم سقراط!!
- سفر الخروج... تأملات لا دينية!!
- لماذا يخاف الإخوان من (تمرد)؟!
- التعديل الوزاري المصري.... عندما يتجسد الفشل!!
- بين عمرو دياب وأم كلثوم... عن التأثير المصري نتحدث!
- حلوة بلادي...!! إفطار في الجمالية...!!
- بعد 9 أشهر... ألم يولد مشروع النهضة بعد؟!
- هل الإنسان -الحر- أسطورة؟؟!! الذات الإنسانية قيدا وقائدا


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حسين محمود التلاوي - شبرا وعبد الباسط وبرج الكنيسة... ومصر...!