أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حسين محمود التلاوي - من الهيمنة إلى الفناء... الثقافة كعامل فناء وإفناء















المزيد.....

من الهيمنة إلى الفناء... الثقافة كعامل فناء وإفناء


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 4145 - 2013 / 7 / 6 - 17:05
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


قبل حوالي 19 عامًا، قرأت في كتاب مقرر الفلسفة في الثانوية العامة عبارة لفيلسوف — نسيت اسمه وأظن أنه فرنسي — يقول فيها إن الحضارة الغربية تحمل في طياتها بذور فنائها. هذه عبارة أراها دقيقة، ولكنني أعتقدأنه من المكن أن تعمم لتشمل كل شيء في حياتنا؛ فكل شيء — لا الحضارة الغربية فقط — يحمل في طياته بذور فنائه، وتنمو هذه البذور وتترعرع، إذا حاول هذا الشيء أن يهيمن على نظرائه؛ فعندها تتحول هذه البذور إلى أشجار سامقة تحطم الشيء الذي يحتويها في فعل تمردي يكسر الإحاطة والهيمنة، ويحيل الشيء إلى شظايا يستحيل جمعها مرة أخرى.
فعلى سبيل المثال، يقول الفيلسوف الفرنسي "جان بوديار" في كتابه "روح الإرهاب" — الذي صدرت ترجمته العربية للمفكر الكبير بدر الدين عرودكي في القاهرة ضمن سلسلة "الفكر" في دورة العام 2010 من مشروع "مكتبة الأسرة" — إن أحداث 11 سبتمبر تمثل رد فعل على محاولة الدولة الهيمنة على غيرها من الثقافات وإقصاء كل ما عداها، وهي المحاولة التي تجلت ذورتها في ما قاله المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما بنهاية التاريخ، وهي النظرية التي راجت في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي وتكريس الولايات المتحدة نفسها قطبا وحيدا في العالم ناشرةً العولمة بشكل تعسفي في سائر بقاع الأرض بغية تحطيم وإقصاء كل ما عداها من ثقافات واتجاهات.
لذا، يرى بوديار أن أحداث 11 سبتمبر جاءت تعبيرًا بالغ الشدة والعنف عن رفض الهيمنة، ويؤكد أن قوة أخرى كان من الممكن أن تبدي رد الفعل التدميري نفسه في حالة ما إذا كان الإسلام — بصفته الغطاء الذي ارتكبت أحداث 11 سبتمبر تحته — قد حاول الهيمنة وإقصاء ما عداه من ثقافات.

انتحار الثقافة
هل يمكننا أن نقول إذن إن الثقافات التي تحاول الهيمنة تنتحر؟! بكل اطمئنان يمكن في رأيي أن نقول ذلك، والسبب بسيط، وهو أن الثقافة التي تحاول الهيمنة تدرك أنها تبتلع ثقافات أخرى، وهذه الثقافات بعضها سهل الهضم، والبعض الآخر عسير، وهناك قلة مستحيلة الهضم. وهذه الفئة الأخيرة تتخذ ردود فعل تدميرية قد تتسبب في وفاة الثقافة المهيمنة بانفجار معوي أو ربما بالتسمم!! إذن، عندما تدرك الثقافة أنها بهيمنتها سوف تفنى، فهذا يعني أنها تنتحر، إن هي حاولت ممارسة الهيمنة رغم إدراكها هذا!
وقد تطول فترة الهيمنة أو تقصر، وهو الأمر الذي يتوقف على قوة الثقافات، وكذلك حسب قدرة الثقافات المدافعة عن هويتها على الصمود. فإن كانت الثقافة المهيمنة قوية، والثقافات الأخرى ضعيفة، طالت فترة الهيمنة، والعكس صحيح. أسوأ الأحوال نراها عندما تكون الثقافة المهيمنة قوية، والثقافات الأخرى قوية أيضًا!! وقتها من الممكن أن نرى صراعًا مدمرًا قدج يؤدي إلى فناء الجانبين. فهل نصل وقتها لعصر الفناء الثقافي؟! ربما يكون ذلك موضوع حديث آخر محوره "هل يمكن أن تعيش الإنسانية دون ثقافة؟!".
ولكن بعيدًا عن جزئية طول فترة الهيمنة وقصرها، يمكن القول إن الهيمنة تعني الفناء، بل ربما كذلك تعني الإفناء. لماذا؟! لأن الثقافة التي تهيمن تسحق الكثير من الثقافات الضعيفة؛ فتختفي تلك الثقافات من الوجود، وحتى بعد فناء الثقافة المهيمنة قد لا تستطيع هذه الثقافات النهوض من جديد؛ فتكون الثقافة المهيمنة بذلك قد أفنتها. ألا تعتبر الهيمنة بذلك عامل فناء وإفناء؟!
حقًا، كم أنت سيئة أيتها الهيمنة!!
بالفعل هي سيئة، ولكن الأسوأ هو ممارستها مع معرفة أضرارها بالذات والآخرين، مما يجعلنا نصف الفعل المهيمن بـ"الشر مع سبق الإصرار والترصد"!!

شيطنة الآخر... ألعاب تمهيدية!!
ربما يكون من الجيد أن نلقي نظرة على بعض الأدوات التي تستخدمها الثقافة الرامية إلى الهيمنة في طريقها نحو تحقيق هدفها. ومن بين هذه الأدوات "شيطنة الآخر"، وهي الأداة التي تمثل إجراء يأتي لتبرير الرغبة في الهيمنة. فبإسقاط الشر على الآخر، أصبح أنا ممثلًا لكل القيم الخيرة في الحياة، وبالتالي سوف يكون من المبرر أن أسعى لسحق الآخر "الشرير".
فإذا استمررنا مع الولايات المتحدة كنموذج على السعي نحو هيمنة ثقافة العولمة وتكريسها نمطًا ثقافيًا وحيدًا في العالم، لرأينا أنها أطلقت تعبير "محور الشر" على مجموعة من الدول من بينها كوريا الشمالية. وبغض النظر عما إذا كانت هذه الدول "شريرة" فعلًا أم لا، يبقى الشاهد في الأمر أنه لما كان الآخر المختلف معي في الهدف والمعارض لي شريرًا، فهذا يعني أنني رمز الخير في العالم، وأنني الملاك في مواجهة الشياطين، وبالتالي يتعين دعمي على الأقل!!
ينقلنا هذا إلى أسلوب آخر من أساليب الهيمنة وهو الاحتواء. لا يكون الاحتواء إلا في وجود القوة؛ فلو لم تكن الثقافة الراغبة في الهيمنة قوية، ما استطاعت أن تجبر الثقافات الأخرى على اتباعها والسير في فلكها تمهيدًا لاحتوائها، ثم... ابتلاعها.
تأتي الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن نموذجا بتعبير آخر ابتكرته وهو تعبير "الدول المارقة". هذا التعبير يشير إلى أن هناك طريقًا قويمًا مرقت هذه الدول عنه. ولما كانت الولايات المتحدة هي صاحبة التعبير، فهذا يعني أنها صاحبة الحق في تحديد من هو "القويم" ومن هو "المارق"!! وكذلك لما كانت هناك دول مارقة، فهذا يعني أن هناك دول "غير مارقة"، أو لنقل "قويمة". ولما كنا نرى هذه الدول "القويمة" توافق على التعبير الأمريكي، فهذا يعني أنها تابعة؛ أي في طريقها لأن تكون محتواة، وبعد ذلك مهيمَن عليها... إذن، هذه الدول "القويمة" الآن في مرحلة الافتراس!!

هل الحل في الخصوصية؟!
سيكون من الطبيعي أن نتساءل الآن: هل الحل في الخصوصية؟! أي أن حل مشكلات الصراع الثقافي هذه تكمن في أن تتحلى كل ثقافة بخصوصيتها كبديل عن محاولة فرص ثقافة لهيمنتها على الثقافات الأخرى؟!
في واقع الأمر، إن كانت العولمة تقتل الثقافات بانتهاك خصوصيتها، فالحفاظ على الخصوصية سوف يقتل الثقافات أيضًا!! كيف ذلك؟! عندما تتمترس كل ثقافة وراء قيمها الخاصة، وتعزل نفسها عن غيرها، سوف تموت هذه الثقافة، وهي نتيجة أكيدة لا مناص منها، ويمكن القول إنها سوف تتحقق بطريقتين. ما هما هاتان الطريقتان؟!
الطريقة الأولى تتمثل في أن الوقوف وراء القيم الخاصة وجعلها حائلًا بين الذات وبين الثقافات الأخرى سوف يؤدي إلى "اختناق" الثقافة تحت وطأة قيمها، لأن التمترس سوف يحرمها من الهواء الجديد النقي. وربما يؤدي هذا الحرمان إلى فترة من التعفن قبل الاختناق والموت النهائي. إذن، التمركز وراء القيم الخاصة يحول بين الثقافة وبين التمتع بهواء جديد يأتي من الخارج، والأمر هنا يشبه حرمان الزهور من الهواء، فلا تتنفس ولا يتم تلقيحها.
الطريقة الثانية التي تموت بها الثقافة إن هي تمترست وراء قيمها تعيدنا إلى فكرة الهيمنة. كيف؟! إذا تمركزت كل الثقافات الإنسانية وراء قيمها الخاصة، سوف يعني هذا سيادة فكرة "الخصوصية" في العالم، وضربها ما عداها من أفكار واتجاهات، مما يضع فكرة "الخصوصية" نفسها على طريق أن تصبح ثقافة مهيمنة في ذاتها. عندها، سوف تجد رد فعل تدميريًا على هذه الهيمنة، وبالتالي سوف تنفجر وتنتهي لصالح فكرة أخرى ربما تكون التلاقح الفكري. ولكن، أيًّا كان البديل فهو يعني أن ثقافة "الخصوصية" سوف تنتهي، وسوف تجد الثقافات نفسها كنتيجة لذلك مضطرة للتفاعل مع غيرها. عندئذ إذا لم تكن الثقافات على قدر من المرونة يكفي لامتصاص هذه الصدمة، سوف تموت وتفنى. إذن، التمركز وراء الخصوصية أمر لا يقل خطورة عن العولمة، ويؤدي إلى نتائج متشابهة. هكذا أرى الأمر.

ما الحل، إذن؟!
إذا كانت فكرة الثقافة المهيمنة غير فعالة، وكذلك فكرة التمترس وراء الخصوصية، فما الحل الذي يكفل للثقافات الإنسانية البقاء دون مخاوف من التعرض للهيمنة أو التعفن أو غيرها من الأمراض؟! هل الحل في صياغة ثقافة إنسانية تشمل كل ما هو إيجابي في الثقافات الإنسانية؟!
أخشى أن يكون ذلك غير قابل للتطبيق، وهذه ليست نظرة تشاؤمية، بل منطقية في رأيي لأن هناك سؤالًا أساسيًا ن الضروري الإجابة عنه قبل الشروع في صياغة مثل هذه القيم، والسؤال هو: ما المعيار؟! ما المعيار الذي سوف يتم وفقه تحديد ما هو إيجابي؟! هناك الكثير من المعوقات الأخرى أمام مثل هذا الاقتراح؟!
التعايش؟! ثبت بالتجربة صعوبة التعايش بين الثقافات رغم وجود ما يمكن تسميته "الوجدان الجمعي الإنساني"؛ فلم نر نموذجًا للتعايش بين كافة البشر. وحتى الأندلس في ظل الحكم الإسلامي والتي يُنْظَر إليها على أنها نموذج للتعايش كانت تمثل نموذجًا بين أهلها فقط، ولكن هل يمكن القول إن مملكة قشتالة كانت تتعايش سلميًا مع الأندلس في ظل الحكم الإسلامي!!؟
إذن، يبقى الحال على ما هو عليه من صراع ثقافي ومحاولات للهيمنة تعقبها محاولات للتصدي إلى أن تقوم الساعة. وحتى هذا التعبير تحتلف حوله الثقافات التي منها ما يرى أن هناك ساعة، ومنها ما لا يرى كذلك! وأنا أرى أن هناك ساعة، ولكنني لن أسعى للهيمنة على الآخرين برؤيتي، ولن أقلل مما يرونه، فهم بشر مثلي يتبعون فكرة. فكرة أنتجها العقل الإنساني أم نزلت من السماء؛ ليست هذا هو المهم، بل المهم أنها فكرة يتبناها المرء بعقله؛ ذلك العضو الرائع الذي قد يثمر فكرة في يوم ما تخيب ظني، وتُوجِد لنا تلك المظلة الثقافة الجامعة...
أقول ربما!!



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخلاقية في الفعل السياسي... الحالة المصرية والتشيّؤ!
- تأملات... في حاكم سقراط!!
- سفر الخروج... تأملات لا دينية!!
- لماذا يخاف الإخوان من (تمرد)؟!
- التعديل الوزاري المصري.... عندما يتجسد الفشل!!
- بين عمرو دياب وأم كلثوم... عن التأثير المصري نتحدث!
- حلوة بلادي...!! إفطار في الجمالية...!!
- بعد 9 أشهر... ألم يولد مشروع النهضة بعد؟!
- هل الإنسان -الحر- أسطورة؟؟!! الذات الإنسانية قيدا وقائدا
- القومية العربية... ألا تزال حية؟!
- الثقافة العربية الإسلامية... هل نحن أمام خطأ تعبيري؟!
- الخطايا... كيف تخسر الطبقة الوسطى صراع بقائها بالنيران الصدي ...
- الطبقة الوسطى... العميل السري لأنظمة القمع العربية!
- 3 أرغفة لكل مواطن... 3 عمارات لكل مالك!!
- ملاحظات خاطفة على الفكر الهيجلي
- إحسان عبد القدوس... لماذا الآن؟!
- هند والدكتور نعمان... والحالة المصرية عربيًا!
- الثورة المصرية... ثورة لم تكتمل
- الحكاية الأحوازية المنسية عربيا
- ماذا تبقى لكم؟!


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حسين محمود التلاوي - من الهيمنة إلى الفناء... الثقافة كعامل فناء وإفناء