أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين محمود التلاوي - الخطايا... كيف تخسر الطبقة الوسطى صراع بقائها بالنيران الصديقة؟!















المزيد.....

الخطايا... كيف تخسر الطبقة الوسطى صراع بقائها بالنيران الصديقة؟!


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 4036 - 2013 / 3 / 19 - 02:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


على الرغم من أن هناك الكثير من الظروف والعوامل الخارجية التي تتحكم في سلوكيات ومصير الفرد والجماعات، فهذا لا ينفي على الإطلاق مسئولية كل من الفرد والجماعة عن المصير الذي تئول إليه أوضاعهما. وينطبق هذا الكلام تمامًا على الطبقة الوسطى المصرية. كيف؟!
تتحمل هذه الطبقة المسئولية عن الوضع الحالي الذي وصلت إليه والذي يمكن أن نصفه بأوصاف مثل "المزري" و"الصعب" و"الخطر"، وغير ذلك من الألفاظ التي تشير إلى أن الطبقة الوسطى قد وصلت إلى حافة الهاوية، وأنها إما أن تكمل طريقها للقاع، أو تتشبث بالحافة لتعاود الصعود واحتلال المكانة التي تستحقها في المنظومة الاجتماعية المصرية. ولكن كيف حدث ما حدث؟!
في حديثنا التالي سنركز إن شاء الله على العوامل الداخلية التي أوقعت بالطبقة الوسطى في هذا المأزق التاريخي، الذي يصل بها كما قلنا إلى حد الفناء، والانقراض، وترك موقعها لطبقات أخرى غير مؤهلة للعب الدور المفترض أن تلعبه الطبقة الوسطى في المجتمع المصري. وهذا التناول سيكون استنادًا إلى ملاحظات على الواقع السياسي والاجتماعي المصري الحالي مع الاستناد إلى الخلفيات التاريخية، فيما يعتمد على الواقع التطبيقي، بعيدًا عن التأطير المنهجي.

الخطايا
قد يعتقد الكثيرون أن الطرح القائل باختفاء الطبقة الوسطى وانهيارها هو طرح روجه النظام السابق وأدواته الإعلامية في إطار سياساته لاحتواء هذه الطبقة وإلهائها وقتل أية إمكانية لانتفاضها ضده. إلا أن هناك مؤشرات توضح أن بعض المثقفين قد تبنوا هذا الطرح أيضًا، ويمكن القول إن الراحل الكبير أسامة أنور عكاشة قد تبنى هذا الطرح في مسلسله "عفاريت السيالة"، الذي عرض عام 2005. فبينما كان المسلسل يتناول الصراع بين الطبقات الدنيا وبين الطبقات الغنية بكافة تلوناته والتواءاته، تأتي شخصية حمادة سالم لتمثل الطبقة الوسطى بكونه الموظف الحكومي المثقف والذي يحاول التوفيق بين المتناقضات وبين الطبقات المختلفة في المجتمع، إلا أنه يقف عاجزا لضعف أدواته لافتقاده الثروة والنفوذ ووسائل الضغط على الأطراف المختلفة في الصراع.
لكن ما الذي أوصل الطبقة الوسطى لهذا الواقع المرير؟! في مسيرتها منذ نشأتها حتى الوقت الراهن، ارتكبت الطبقة الوسطى ولا تزال ترتكب الكثير من الأخطاء بل الخطايا، مما أوصلها إلى هذا المفترق التاريخي بين الاستمرار أو الانهيار. ولقد وصلت حدة هذا المأزق التاريخي إلى حد دفع الكثيرين — ومن بينهم بعض المثقفين — للقول إن الطبقة الوسطى قد انهارت تمامًا ولم تعد موجودة، مثلما هو مذكور في الأعلى.

إدارة بالوكالة!!
ذكرنا في حديث سابق عن الطبقة الوسطى أنها خلال الفترة التي تلت ثورة يوليو 1952، ارتكبت خطأ فادحًا بأن أوكلت عملية الإدارة السياسية للنخبة الحاكمة، وهي النخبة التي لم تكن أمينة على هذه الإدارة مما أفضى إلى هزيمة 1967، وما تلاها من انهيار المشروع القومي، وغير ذلك من التداعيات التي أدت في النهاية لسياسة الانفتاح الاقتصادي التي مثلت الضربة القاصمة للطبقة الوسطى، وأدت إلى تسارع منحنى هبوط الطبقة الوسطى.
فلماذا، إذن، منحت الطبقة الوسطى للنخبة الحاكمة هذه الوكالة؟! قامت الثورة على يد العسكريين الذين ينتمون تقليديًا إلى الطبقة الوسطى في عصر ما قبل الثورة، ولذلك شعروا أنهم هم الأولى بالحكم من غيرهم لأنهم من تحملوا عبء القيام بالثورة. ولم ينس العسكر طبقتهم الوسطى، وسعوا إلى تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية مما ساهم في تدعيم هذه الطبقة بالكثير من الروافد ومن بينها أبناء الطبقات الدنيا الذين تعلموا، أو التحقوا بالعمل في المصانع الوطنية، أو استفادوا بغيرها من المكتسبات الثورية.
ولكن مع ذلك، كان هناك الشعور العام بأن العسكر هم الأحق بالحكم طالما هم الذين فجروا الثورة، وأنهم أصحاب فضل على المجتمع مما جعل الطبقة الوسطى لا تشارك في الحكم، إما اعترافًا منها بالجميل أو عدم الرغبة في تحمل عبء الحكم، طالما كانت المكتسبات المعيشية والاجتماعية العامة تأتيها ممثلة في تلبية الاحتياجات المعيشية، والترفيه، والتثقيف، ونمو الذات الوطنية، وغيرها من المكتسبات التي حققتها الثورة بالفعل.
ترسخت ثقافة ابتعاد الطبقة الوسطى عن الحكم، واستمرت، ولكن الذي تغير هو هوية الحكام وسياساتهم. فلما جاء إلى الحكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بدأ سياسة الانفتاح الاقتصادي التي قضت على مكتسبات الطبقة الوسطى وألقت بشرائح كثيرة منها إلى الطبقات الدنيا، كما دفعت الكثير من أبناء شرائحها العليا إلى السعي للالتحاق بالطبقة العليا عن طريق أساليب بعضها غير مشروع، مما أفقد الطبقة الوسطى ثراءها وتنوعها.
إذن، هل يمكن القول إن الطبقة الوسطى تتحمل مسئولية وجود الأنظمة الديكتاتورية في مصر؟! الإجابة بنعم لن تكون منصفة، ولكن الحق يقال إنه يمكن تحميل الطبقة الوسطى جزءًا من المسئولية لعاملين أساسيين؛ أولهما المسئولية بالسكوت، والثاني المسئولية بعدم ممارسة الدور الأساسي لها وهو تطوير المجتمع وإصلاحه بما يحقق فائدة اجتماعية عامة وطبقية خاصة بها.

الانكفاء على الذات
أحدثت سياسة الانفتاح الاقتصادي التي شهدتها مصر في منتصف السبعينات حراكًا اجتماعيًا كبيرًا، لكنه حراك لا يمكن وصفه بالإيجابية أبدًا؛ ذلك لأنه لم يسهم في تقوية البنى الاجتماعية، بل تسبب في إحداث شروخ كثيرة في الجسم الاجتماعي المصري، وهي الشروخ التي كانت الطبقة الوسطى أكثر المتضررين منها. فماذا فعلت هذه الطبقة كرد فعل على هذه التطورات؟!
انشغلت الطبقة الوسطى في الكارثة التي ألمت بها، وهي تغير النظام السياسي وما صحبه ذلك من غير النظام الاقتصادي، الأمر الذي أدى إلى انقلاب حاد في الهرم الاجتماعي المصري، وأفرز بنى طبقية مختلفة لتلك التي ألفها المصريون لعقود. فبعد أن كانت تمثل قاعدة الهرم الاجتماعي المتينة التي يقف عليها الأداء التنموي، وتخاطَب بالمنجزات السياسية والمعيشية، وجدت نفسها في موقع تهميشي، بل يمكن القول إن بعض هذه الضربات التي تلقتها كان مقصودًا من أجل إفساح المجال أمام طبقات جديدة تدين بالولاء للتوجه السياسي الجديد في البلاد، وهو الانفتاح على المعسكر الغربي والانفتاح الاقتصادي وغير ذلك من سمات السبعينات.
هذا الإفراز الجديد دفعت الطبقة الوسطى ثمنه بشكل شبه كامل؛ لأن الطبقات المسحوقة كل ما عانته هو أنها ازدادت انسحاقا، ولم يتغير موقعها في الهرم الاجتماعي، بل إن بعضًا منها ترقى بفضل الالتحاق — بأية وسيلة كانت — بالقوى الاقتصادية الجديدة التي وجدت في مناخ الاقتصاد الحر وسطًا حيويًا ملائمًا لها. إذن، ما هو الخطأ الفادح الذي ارتكبته الطبقة الوسطى؟!
قلنا إن الطبقة الوسطى انشغلت بالكارثة، وهذا الانشغال هو الخطأ الكبير أدى إلى أن تتمرس الطبقة الوسطى حول نفسها وتسعى بكل قوة للحفاظ على ما تبقى من مكتسبات؛ وبالتالي ابتعدت بشكل كامل عن التفاعل مع الطبقات الأخرى في المجتمع بخاصة الطبقات الجديدة الصاعدة؛ فلم تحاول الطبقة الوسطى التفاهم مع هذه الطبقات الطفيلية الصاعدة، ولا حتى حاولت أن تتحاور معها، ناهيك عن أن تحاول احتواءها، على الرغم من أن هذه الإجراءات كانت ضرورية للغاية في القيام بالوظيفة الأساسية للطبقة وهي إصلاح المجتمع، وكذلك في صراع البقاء الذي تخوضه الطبقة ضد القوى المتنامية والتي تحاول إزاحتها عن موقعها لمصلحة طبقات طفيلية تخدم توجهات حكام مصر الجدد والتي لم تعد الطبقة الوسطى تخدمها.
عدم التفاعل لم يقتصر على معناه المحايد، ولكنه اتجه إلى المعنى السلبي وهو القطيعة مع هذه الطبقات الجديدة، والنأي بالنفس عنها، مما دعا هذه الطبقات إلى اتخاذ موقف أكثر عدائية من الطبقة الوسطى. وهنا نقول إن الموقف كان أكثر عدائية ولم نقل عدائيًّا؛ لأنه كان عدائيًّا من البداية؛ حيث كان الغرض الأساسي لحكام مصر الجدد — كما سبق أن قلنا — هو القضاء على الطبقة الوسطى، وهو ما جعل هذه الطبقات الجديدة تأتي إلى موقعها في الهرم الاجتماعي واضعة نصب أعينيها ضرب الطبقة الوسطى في مقتل، أو على الأقل ضربة تحيدها عن موقع الفعل والتأثير في المجتمع المصري.
وهناك الكثير من الأعمال الدرامية المصرية التي دعت إلى هذا التقريب وسعت إلى تحقيقه، وأذكر من بينها مسلسل برج الأكابر والذي عرض عام 1987، وتناول مشكلة التفاعل بين الطبقة الوسطى والطبقات الطفيلية الصاعدة؛ حيث تمثل الصراع بين أسرة المستشار علوي بركات الذي يمثل كل القيم الإيجابية التي تحملها الطبقة الوسطى، وبين أسرة المقاول فرج الطبيلي الذي يمثل كل القيم السلبية التي حملها الانفتاح الاقتصادي معه. اللافت في المسلسل كان كلمات تتر المقدمة والتي قالت:
تعالوا نتصارح مَرة مرة
دي حقيقة مهما تكون مُرّة
العيب ده مش جاي من برة
ده مننا وجوه في بيتنا
وكلنا عنه مسئول

في هذه الكلمات نجد الدعوة إلى المصارحة والتواصل بين الطبقات المختلفة في المجتمع، وهي الدعوة التي يفترض أن تأتي من الطبقة الوسطى باعتبارها الطبقة المتعلمة حاملة القيم. كذلك نجد في هذه الكلمات تحميل المسئولية لجميع الأطراف في المجتمع المصري المسئولية عن التدهور الذي يكاد يودي بـ"البيت" الذي يمثل مصر، وبالتالي يجب أن يتحاور الجميع للوصول إلى حل.
هذا الحوار مسئولية الطبقة الوسطى بالدرجة الأولى، وعدم حدوثه تتحمل مسئوليته الطبقة الوسطى، التي أبت وترفعت وانشغلت بكارثتها المرحلية، مغلبةً مسألة السعي إلى حل هذه الإشكاليات الجديدة على محاولة البحث عن جذور المشكلة وإيجاد حلول نهائية لها. انغمست الطبقة الوسطى في صراعات مرحلية، استطاعت القوى الحاكمة سياسيًّا واقتصاديًّا أن تحولها إلى صراعات دائمة لا تزال الطبقة الوسطى غارقة فيها مفسحةً المجال لطبقات أخرى طفيلية لأن تحتل محلها في المجتمع. هذه الطبقات الطفيلية بدأت في إيجاد نمط ثقافتها الخاص بها، والذي تضعه أمام النمط الثقافي الكلاسيكي للطبقة الوسطى، بل في بعض الأحيان سعت إلى فرضه على المجتمع عامةً باعتباره نمط الطبقة القادرة، بمنطق "البقاء للأقوى"، بالإضافة إلى التعامل مع الطبقة الوسطى انطلاقًا من مبدأ "ويل للمغلوب"، ولا نعفي الطبقة الوسطى من مسئوليتها عن الوقوف في موقع "المغلوب" والاستمرار فيه.

التشظي
من الخطايا الأخرى التي ارتكبتها الطبقة الوسطى هي أنها تركت نفسها تتشظى، وتتوزع بين الطبقات المختلفة؛ فالشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى هوت بشكل كبير إلى الطبقات الدنيا. وربما كانت معذورة في ذلك إلى حد ما بالنظر إلى أن هذا التراجع والانهيار جاء بسبب المستوى الاقتصادي بالدرجة الأولى. إلا أن هذه الشرائح للأسف الشديد تبنت القيم الثقافية للطبقات الدنيا، وبالتالي أصبحت جزءا من هذه الطبقات الدنيا، وهنا لا يمكن أن نعفي هذه الشرائح من الطبقة الوسطى من المسئولية.
الأمر نفسه ينطبق على الشرائح العليا من الطبقة الوسطى التي سارعت إلى اللحاق بالطبقات الجديدة، واستغلال ما لديها من قدرات مالية واجتماعية للابتعاد عن المركب الغارق للطبقة الوسطى، فكان الانتقال من الأحياء السكنية المميزة للطبقات الوسطى إلى الأحياء المميزة لأبناء الطبقات العليا والثرية، وهو ما ترافق مع إقامة علاقات المصاهرة والشراكة التجارية مع أسر الطبقات الجديدة مما رفع هذه الشرائح إلى مستوى الطبقات العليا، هذا إن جاز أن نطلق على هذه الطبقات الجديدة مسمى "العليا" من حيث تعبيرها عن القيم العليا في المجتمع.
ربما يشير البعض إلى هذا الحراك باعتباره نوعا من التفاعل الإيجابي المطلوب، والذي نلوم الطبقة الوسطى على أنها لم تفعله. يمكن الرد على ذلك بالقول إن هذا الحراك ليس إيجابيا، لأن التفاعل المطلوب كان يفترض فيه أن تحافظ الطبقات الوسطى على قيمها والارتقاء بالطبقات الدنيا إلى مستواها، واحتواء الطبقات العليا "الجديدة"، لكن ما حدث هو أن تفسخت الطبقة المتوسطة بين الدنيا وتلك المسماة الجديدة.
ويمكن تمثيل ما حدث من انهيار للشرائح الدنيا في الطبقة الوسطى إلى الطبقات الدنيا بالانتقال من وسط البلد إلى العتبة. فمن المعروف أن وسط البلد كان الملعب الرئيسي للتسوق لأبناء الطبقة الوسطى في الماضي، بينما مثل ميدان العتبة — حتى في الإعلام — المكان الذي يتسوق فيه أبناء الطبقات الدنيا والراغبين في بعض السلع نص الجيدة بأسعار زهيدة. ما حدث هو أن انتقل أبناء الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى من وسط البلد إلى ميدان العتبة. ويمكن القول إنه حتى الشرائح الوسطى انتقلت أيضًا إلى ميدان العتبة، ولكنها سرعان ما عادت إلى ملاعب متوسطة وهي المناطق السكنية التي تعيش فيها مثل حي شبرا وعين شمس، وذلك لأن هذه الشرائح لم تتحمل "ميدان العتبة" بكل ما يحمله هذا التعبير من دلالات، وفضلت اللجوء إلى حل وسط لا هو وسط البلد ولا هو ميدان العتبة.

التأسلم
تتحمل الطبقة الوسطى كذلك مسئولية انتشار التيارات المتشددة في التيار الإسلامي الوسطي. فعندما بدأت تيارات ما يسمى بـ"الإسلام الجهادي" — على الرغم من أن الإسلام في مضمونه واحد — في الانتشار داخل المجتمع المصري، راحت تسلك مسلك الطبقات الدنيا، وتنشر فيها تأويلات متشددة بل مغلوطة في الكثير من الأحيان عن الإسلام وفقه التعامل مع غير المسلمين، وبدأ ينتشر ما يُعرف بـ"التدين المظهري"؛ أي التدين الذي يأخذ من الإسلام المظاهر كالجلباب واللحية مع تربية إنسان مسلم يخلو من المضمون الحقيقي للدين الإسلامي.
انشغال الطبقة الوسطى بمعركتها الخاصة غيب عن الساحة المفهوم الوسطي للإسلام والذي يتضمن مفاهيم التسامح والتضامن الاجتماعي والتراحم، وهي المفاهيم التي غابت لمصلحة مفاهيم مثل "الاستحلال" و"الاغتراب" وغيرها من المفاهيم التي اجتزئت عن سياقها في الدين الإسلامي. ولا يزال المجتمع المصري يعاني للآن الآثار السلبية لهذا التغييب؛ حيث لا تزال الكثير من الطبقات تهتم بنقاب السيدات وإطلاق اللحية للرجال، دون أن تتبع أبسط التعاليم الإسلامية مثل الإفساح في المجالس في وسائل المواصلات، وهو الأمر الذي وصفه البعض بأنه "متلازمة الاغترار بطاعة الله"؛ أي يغتر المؤمن بطاعته لله تعالى فيشعر بالاستعلاء عن الآخرين.
هذه السلبيات وغيرها ما كانت لتحدث لو أن الطبقة الوسطى استمرت في لعب دورها كحارس أمين على قيم المجتمع المصري. ولكنها انشغلت — أو تم إلهاؤها في الواقع — في معركة السعي للحفاظ على المكتسبات التي تبقت من الميراث الناصري.

استمراء الأزمة؟!
هل وعقت الطبقة الوسطى في فخ استمراء الأزمة؟! أم أن الأزمة كانت أقوى منها بالفعل؟! في تقديري الشخصي أن الأمرين ساهما في إضعاف شوكة الطبقة الوسطى وابتعادها عن لعب دورها في التطوير المجتمعي. أعتقد أن هناك من أبناء الطبقة الوسطى من يرفض بذل المجهود من أجل تطوير المجتمع بداعي الانشغال في المأساة الذاتية.
كذلك فإن الأزمة كانت بالفعل قوية؛ لأنها تمثل محاولة تخريب ممنهجة للطبقة الوسطى يحمل رايتها النظام السياسي نفسه الذي — كما قلنا في السابق — يحاول أن يخلق طبقة جديدة تتفق مصالحها مع مصالحه، مع القضاء على الطبقة الوسطى التي ارتبطت بالعهد الناصري، وهو ما منع الطبقة الوسطى من أن تخرج من أزمتها الحالية، ناهيك عن قيامها بدورها الأساسي في حماية الميراث المجتمعي وتطويره.

هذه كانت أبرز الخطايا التي وقعت فيها الطبقة الوسطى، والتي أوصلتها لهذا المأزق التاريخي بالفعل. لماذا؟! لأنها في هذه المرة تواجه تهديدًا وجوديًّا؛ إذ أنه في ظل نظامي السادات ومبارك كان هناك أمل بالخلاص من الديكتاتورية، أما حاليًا فقد قامت ثورة يناير والمفترض أنا أطاحت بالنظام الطاغية، إلا أن الإشكالية الحقيقية أنها جاءت بنظام ربما لا يقل طغيانًا عن سابقه بل هو أخطر لأنه يحظى بالجاذبية الدينية، إلى جانب أنه أتى بالانتخاب الديمقراطي، مما يجعل أنصاره يتشدقون بفكرة أن الراغبين في تصحيح مسار الأداء السياسي لجماعة الإخوان المسلمين هم من المعارضين للديمقراطية والرافضين لنتائجها.
بالفعل ما كان لهذا العبث السياسي الحاصل في مصر أن يحدث، إن كانت الطبقة الوسطى قد قامت بدورها في ثورة يناير على أكمل وجه، لكنها نكصت، عندما رأت أن المكاسب التي توقعتها لم تتحقق فورًا! فنكصت على عقيبها وعادت تسعى لحماية ما تتمتع به، بل لجأت لمرشح النظام السابق الفريق أحمد شفيق كطوق نجاة لإعادة الوضع السابق! هل فقدت الطبقة الوسطى صبرها؟! نأمل ألا يكون كذلك، لأنها إن فقدت صبرها، فقدت مكانها في خريطة البنى الاجتماعية المصرية.

مصادر تم الاعتماد عليها في هذا الموضوع:
• الثقافة الجماهيرية والحداثة في مصر، لمؤلفه وولتر آرمبرست، من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب في عام 2012 ضمن مشروع "مكتبة الأسرة".
http://www.aleqt.com/2010/06/18/article_408185.html
http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:36069&q=
http://www.elalami.net/index.php?option=com_content&view=article&id=65&Itemid=68&showall=1



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبقة الوسطى... العميل السري لأنظمة القمع العربية!
- 3 أرغفة لكل مواطن... 3 عمارات لكل مالك!!
- ملاحظات خاطفة على الفكر الهيجلي
- إحسان عبد القدوس... لماذا الآن؟!
- هند والدكتور نعمان... والحالة المصرية عربيًا!
- الثورة المصرية... ثورة لم تكتمل
- الحكاية الأحوازية المنسية عربيا
- ماذا تبقى لكم؟!
- رؤى حول بعض نظريات تفسير نشأة المجتمع وتطوره
- -العالم الآخر الممكن- لم يعد ممكنا!
- المنتدى الاجتماعي العالمي في مهد الثورات العربية... بين اليس ...
- المرأة بين حضارات الشرق والغرب
- الإسلام... بين النقيضين!
- شموئيل عجنون... القلم الكاذب
- الترجمة لفظا وتاريخا وعِلْما
- أصناف العقل الإنساني (3)
- البطل
- رجال في الشمس... عندما يصبح الظل طريقا للاحتراق...!
- أصناف العقل الإنساني (2 )
- أصناف العقل الإنساني (1)


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين محمود التلاوي - الخطايا... كيف تخسر الطبقة الوسطى صراع بقائها بالنيران الصديقة؟!