أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين محمود التلاوي - -العالم الآخر الممكن- لم يعد ممكنا!















المزيد.....

-العالم الآخر الممكن- لم يعد ممكنا!


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 3865 - 2012 / 9 / 29 - 22:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان من الممكن أن يتم الاكتفاء بالعنوان في التعبير عن موقفي الخاص بمسألة ما إذا كانت أطروحة "عالم آخر ممكن" لا تزال قائمة؛ وبالتالي لا يعود للمقالة أية قيمة، لأن الرأي الأساسي قد قيل في العنوان. إلا أنه من الواجب على الإنسان أن يوضح مبررات أي رأي يطرحه وذلك منعا لإساءة تفسير الرأي.
وفي الأسطر التالية، سوف نحاول إلقاء الضوء على أطروحة "عالم آخر ممكن"، والمبررات المختلفة للرأي القائل إن هذه الأطروحة لم تعد سارية المفعول، على الأقل إلى حين.

خلفيات الأطروحة
انطلقت هذه الأطروحة "عالم آخر ممكن" كرد فعل على تغول الرأسمالية في العالم، وتدخلها حتى في الطريقة التي يتعلم بها الأطفال في المدارس. وكان من الممكن السكوت على هذا التغول لو أنه كان ذا نتائج إيجابية للأغلب الأعم من سكان الكرة الأرضية. إلا أن الواقع يشير إلى أن الرأسمالية أضحت القطار الذي تقوده أقلية، بينما الأغلبية تتوزع ما بين العمال الذين يلقون الفحم لتشغيل القاطرة، وبين الفحم نفسه!
من هذه المنطلق، جاءت مقولة "عالم آخر ممكن" لكي تواجه هذا التغول الرأسمالي، وتحاول إعادة صياغة الخريطة العامة للكرة الأرضية بما يحقق العدالة الاجتماعية بين شعوب العالم ويقضي على الاستغلال الذي يمثل الممارسة الرئيسية للرأسمالية والوقود الأساسي للحراك الرأسمالي في العالم.
وجاء تأسيس المنتدى الاجتماعي العالمي عام 2001 في مدينة بورتو آليجري في البرازيل ردا على المنتدى الاقتصادي العالمي، المعروف بـ"منتدى دافوس" نسبة إلى مدينة دافوس السويسرية التي شهدت تأسيس المنتدى، والذي يمثل رمز الرأسمالية وسطوتها في عالم اليوم لدرجة تجعلني أطلق عليه تعبير "مجلس إدارة العالم" نظرا إلى أنه المنتدى الذي يتم فيه تحديد الأطر الاقتصادية— وبالتالي السياسية — التي سوف يسير عليها العالم مما يجعل الأمم المتحدة وجمعيتها العامة تنزويان خجلا بالقرارات غير الملزمة التي تصدر من هذه المؤسسة الدولية التي ولت أيامها، إن كانت قد شهدت أياما من الأصل!
وبتأسيس المنتدى الاجتماعي العالمي، وجدت أطروحة "عالم آخر ممكن" ظهيرا تطبيقيا لها، ممثلا في الاجتماعات التي يعقدها المنتدى والحراك المناهض للرأسمالية الذي تسبب فيه تأسيس المنتدى.

هل لا يزال ممكنا؟!
كل ما سبق على المستوى النظري — بل التطبيقي أيضا — جيد للغاية، ولكنه لم يجب عن السؤال الكبير: هل لا تزال أطروحة "عالم آخر ممكن" ممكنة؟!
إذا أردنا إجابة أمينة صادقة، فهي من وجهة نظري لا. لم تعد هذه الأطروحة ممكنة التطبيق. ولتخفيف اللغة القاطعة للكلام، يمكن القول إنها لم تعد ممكنة إلى حين، ولكن لكي نكون في منتهى الدقة هذا الحين بعيد للغاية. وبالتالي، يصبح الرأي النهائي أن هذه المقولة على المستوى القريب والمتوسط والبعيد ليست ممكنة. ولكن على المستوى البعيد للغاية هناك إمكانية محدودة لقيامها. والمبررات؟!
هناك الكثير من المبررات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بل إنسانيا أيضا، ولعل المقام هنا يضيق عن ذكر الكثير من هذه المبررات إلا أنني سأحاول في إيجاز ذكر ما أرى أنه المبررات الأهم لأن هذه الأطروحة لم تعد قابلة للتحقيق.

المبررات الاقتصادية
لقد وصل قطار الرأسمالية إلى مستوى من السرعة وكبر الحجم ما يجعل أية محاولة لإيقافه ستنتهي بسقوطه بمن عليه من الركاب وتدمير كل الأشياء المحيطة به. ولما كان قطار الرأسمالية يحمل بين جنباته غالبية — إن لم يكن كل — شعوب الأرض، فقد باتت محاولة إيقافه كفيلة بتدمير الاقتصاد العالمي كله، وإدخال الشعوب في حالة من الاقتتال الداخلي على لقمة العيش نتيجة لارتباك المنظومات الاقتصادية في كل بلدان العالم، التي تطبق بشكل أو بآخر الفكر الرأسمالي.
ألا من سبيل لتهدئة السرعة؟! تهدئة السرعة تتطلب كوابح، ولما كانت الكوابح هذه تعني إيجاد منظومة بديلة للرأسمالية تبدأ في أن تحل محلها بشكل تدريجي حتى تتلاشى الرأسمالية من العالم، أو على الأقل تتوقف عن حالة التوغل هذه. فهل هذه المنظومة البديلة جاهزة للتطبيق؟
إن نظرة على الواقع العالمي حاليا تجعلنا نقول بكل وضوح: كلا. لماذا هذه الإجابة المتشائمة؟! في البداية هذا ليس تشاؤما، ولكنه واقعية؛ فالمنظومة الشيوعية برهنت على فشل على المستوى السياسي والاقتصادي بل القيمي في بعض الأحيان لعجزها عن تطبيق قيمها الخاصة ناهيك عن استيعاب قيم المنظومات الأخرى. وفي انهيار الاتحاد السوفيتي وفي تبني الصين لسياسة الانفتاح الاقتصادي وكذلك هبوب رياح الرأسمالية الخفيفة على كوبا، في كل ذلك ما يشير إلى أن المنظومة الشيوعية ولت إلى الأبد، أو على الأقل دخلت في حالة من الكمون والسبات لن تتمكن من القيام منه في المدى المنظور. وحتى إن قامت، فسوف تكون في حاجة إلى الوقت لفرد العضلات وتحريك الدماء الجامدة جراء الرقاد. وعندها، سيكون قطار الرأسمالية قد اكتسب المزيد من الأرض.
أما النظرية الاقتصادية للإسلام، فعلى الرغم من كمالها الإلهي إلا أن تطبيقها دنيوي، ويخضع للعديد من التأويلات والتفسيرات. إلى جانب أن فكرة الإسلام في حد ذاتها لا تلقى قبولا في المناخ العالمي الحالي، بسبب الاتهامات التي تكال إلى الدين الحنيف زورا وبهتانا بالإرهاب. وبالتالي، سيكون من العسير على المدى المنظور جعل الجانب الاقتصادي في الإسلام حاكما للمنظومة الاقتصادية العالمية. حقا هناك بوادر ميل للاقتصاد الإسلامي ممثلا في البنوك الإسلامية أو إطلاق خدمات مصرفية إسلامية في بعض البنوك العالمية في العالم الغربي كما أن بعض اقتصادات الدول الإسلامية تدخل في اقتصادات الدول الأسرع نموا في العالم، إلا أن كلها خطوات لا تكفي لإطلاق قطار اقتصادي إسلامي يحل محل القطار الرأسمالي السريع. إلا أن الأيام قد تأتي بما لا نعرفه، إذا قام جهد إسلامي منسق للتعريف بالدين الحنيف، بما يزيل العائق الرئيسي أمام تبني شعوب العالم للمنظومات المتنوعة في الإسلام اقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا. وأعني بالعائق الرئيسي تهمة الإرهاب والعنصرية.

المبررات السياسية
تنطلق المبررات السياسية لانتهاء أطروحة "عالم آخر ممكن" — ولو مرحليا — من أن رياح الديمقراطية بدأت تهب على مختلف أنحاء العالم في العقدين الأخيرين. ولما كانت الديمقراطية ترتبط بشكل كبير بإلغاء سيطرة الدولة على الممارسة السياسية عن طريق التعددية الحزبية الحقيقية بدلا من نظام الحزب الواحد، فإن ذلك يتبعه بشكل أساسي أن تلغي الدولة سيطرتها على الاقتصاد بحيث تتماشى الحرية السياسية مع نظيرتها الاقتصادية.
المؤسف في هذا السياق أن النظم الاشتراكية والشيوعية عجزت عن إيجاد تطبيق سياسي للنظريات التي تنطلق منها بحيث تكفل الحرية الفردية والسياسية مع ضمان السيطرة على قطاعات من الاقتصاد بما يحقق العدالة الاجتماعية. ربما يوجد ذلك في التطبيق السياسي للإسلام، ولكن للأسف للاعتبارات السابقة نجد أن العملاق الإسلامي لا يزال حبيس قمقم ممارسات معتنقيه واتهامات معارضيه!
ولكي لا يكون الكلام مطلقا على عواهنه من دون دليل، تكفي الإشارة إلى واقع المنطقة العربية في ظل ثورات الربيع العربي. فهذه الدول قامت بها ثورات طالبت بالعدالة الاجتماعية مع الحرية في الوقت نفسه؛ فشعار ثورة مصر "عيش... حرية.. عدالة اجتماعية". لكن التطبيق لم يكن على قدر المطالب. فإذا استمررنا مع الحالة المصرية، سنجد أن الحرية السياسية باتت في مستوى أعلى كثيرا للغاية من السابق. ولكن على الجانب الخاص بمطالب العدالة الاجتماعية، نجد أن الكثير من القوى السياسية تستند في عملها السياسي إلى شخصيات من عالم المال والأعمال. فعلى سبيل المثال، جماعة الإخوان المسلمين تقوم على أكتاف النائب الأول للمرشد خيرت الشاطر وهو أحد كبار رجال الأعمال في مصر، بينما حزب المصريين الأحرار يستند إلى دعم نجيب ساويرس الوجه المالي المعروف عالميا لا محليا فقط. وكذلك نجد أن حزب الوفد العريق لم يستعد بريقه، إلا عندما صعد السيد البدوي رجل الأعمال لسدة رئاسته.
كما أن هناك الكثير من التحفظات لدى جماعة الإخوان المسلمين — التي تتولى الحكم حاليا ممثلة في شخص الرئيس محمد مرسي — على مبدأ الضرائب التصاعدية، إلى جانب أن الجماعة بدأت سياستها الاقتصادية بمبدأ الاقتراض من صندوق النقد الدولي. وإلى جانب التناقض المبدئي لفكرة الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية مع فكرة العدالة الاجتماعية بسبب الشروط المجحفة لهذه المؤسسات من أجل سداد القروض، فإن المبررات التي ساقتها الجماعة لتسويغ القرض كان من بينها "اكتساب ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية العالمية"، على أساس أن موافقة الصندوق على إقراض مصر تعني ثقته في أن اقتصادها سيكون قادرا على الوفاء بالقرض، مما يجعل المستثمرين يثقون بدورهم في الاقتصاد المصري ويتدفقون على البلاد. أي أن الاعتماد الرئيسي في الفترة القادمة سيكون على المستثمرين الأجانب بعيدا عن الرأسمالية الوطنية ناهيك عن استعادة الدولة لدورها في القيام بالمشروعات الرئيسية التي توفر فرص العمل.

ما سبق هذا هو غيض من فيض يمكن به تبرير قولنا إن أطروحة "العالم الرائع الجديد" لم تعد ممكنة التحقيق في الفترة الحالية على الأقل. وفي تقديري أن صحوة كبيرة في اقتصادات دول العالم الإسلامي مع التخلص من تيارات الإسلام السياسي النفعية وبدء التأسيس لمرجعية اقتصادية إسلامية حقيقية كفيل بإيجاد البديل الحقيقي عن الرأسمالية الراهنة. ولكن هذه المرجعية — في تقديري الشخصي — لن تلغي كل الفوارق الطبقية، ليس لمشكلة في المرجعية، ولكن لمشكلة في التطبيق. فعلى الرغم من كون المرجعية إلهية، فالتطبيق بشري. وما نعانيه الآن في كوكب الأرض يرجع إلى التخطيط والتطبيق البشريين!



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنتدى الاجتماعي العالمي في مهد الثورات العربية... بين اليس ...
- المرأة بين حضارات الشرق والغرب
- الإسلام... بين النقيضين!
- شموئيل عجنون... القلم الكاذب
- الترجمة لفظا وتاريخا وعِلْما
- أصناف العقل الإنساني (3)
- البطل
- رجال في الشمس... عندما يصبح الظل طريقا للاحتراق...!
- أصناف العقل الإنساني (2 )
- أصناف العقل الإنساني (1)
- المسألة القومية لدى التيارات الفكرية المختلفة... نظرة رصدية
- نوبل للآداب.. أم لأشياء أخرى؟؟!
- ‎25 يناير... هل هو ثورة؟!!
- صفية مختار في «وسال على فمها الشيكولاتة» عندما تسيل الأفكار ...


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين محمود التلاوي - -العالم الآخر الممكن- لم يعد ممكنا!