أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - حسين محمود التلاوي - بين كنفاني وموريس... التوثيق الروائي والزيف الوثائقي!!















المزيد.....

بين كنفاني وموريس... التوثيق الروائي والزيف الوثائقي!!


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 4312 - 2013 / 12 / 21 - 23:25
المحور: القضية الفلسطينية
    


وقع اختياري للقراءة على الترجمة العربية لكتاب "مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين — الجزء الأول" تأليف الصحفي الصهيوني بيني موريس والصادرة كعدد نوفمبر من سلسلة عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت. وفي مصادفة قدرية، أثناء استراحتي من قراءة الكتاب، وقعت يدي على قصة "عائد إلى حيفا" للرائع الراحل غسان كنفاني!
بالفعل إنها مصادفة قدرية أن يقع اختياري للقراءة على كتاب يتناول مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بشكل توثيقي اعتمادًا على وثائق صهيونية وبريطانية، ثم أقرأ أثناء ذلك قصة تتناول معاناة لحظة التهجير واندلاع الحرب بقلم أحد شهود العيان يقف من نهر القضية الفلسطينية على الجانب المواجه لذلك الجانب الذي يقف عليه بيني موريس؛ وكأن القدر يهديني هذه الفرصة لكي أتأكد مما أنا متأكد منه وهو أن الصهاينة يكذبون، وإن كانوا يستندون إلى وثائق تحكي وقائع حقيقية!!
ومن جديد، لكي لا يكون الكلام مطلقًا دون أسانيد، سوف أتناول الرواية وكذلك الكتاب الذي لم أقرأ منه للآن إلا المقدمة التاريخية التي يستند فيها الكاتب إلى الوثائق والمستندات السرية التي تم الإفراج عنها. وسوف أتناول الرواية كعمل فني مع التركيز على الجزئية المتعلقة بتوثيق الأحداث الحقيقية روائيًّا، فيما سأركز في تناولي للكتاب على الواضح من تزييف في الواقع يقر به هو نفسه في ثنايا كتاباته.

العائد... ليته ما عاد؟!
تبدأ الرواية بوصف مشاعر سعيد س أثناء عودته إلى حيفا بعد العام 1967 ليرى فقط منزله الذي خرج منه إثر حرب 1948 والتي نبعت منها مأساة اللاجئين الفلسطينيين أسوأ مأساة إنسانية عرفها التاريخ المعاصر. كانت العودة نزولًا على رغبة زوجته صفية التي روادها الأمل في أنها ربما تعثر على ابنها الذي فقداه أثناء الحرب والمسمى خلدون. بعد ذلك ينتقل الكاتب ليصف مشاعر البطل أثناء اندلاع المواجهات بين المقاومة العربية وبين قوات العصابات الصهيونية. وأثناء وصف المشاعر يصف الوقائع الحقيقية التي جرت بقلم شاهد عيان على الجريمة التي ارتكبت في حق البشرية قبل أن تكون في حق الفلسطينيين.
فيشير كنفاني في هذا الوصف إلى إخبار البريطانيين للعصابات الصهيونية بموعد سحب القوات البريطانية لبدء الهجوم على القوات العربية قبل اكتمال الانسحاب بحيث تكون هناك مساندة من البريطانيين للعرب الذين كانوا يظنون أن المواجهة سوف تكون بعد اكتمال انسحاب البريطانيين من أرض فلسطين.
وينتقل كنفاني بعد ذلك ليوضح كيفية وصول الأسرة اليهودية إلى داره التي تركها أثناء فراره من حيفا، والكيفية التي استقر بها الصهاينة في الأرض الفلسطينية لتصبح "إسرائيل". ويصف شكل المنزل بعد دخول الصهاينة إليه، فيشير إلى بقاء صورة القدس معلقة على الحائط في إشارة إلى أنه مهما حاول الصهاينة التزييف والكذب والتزوير، فلن يستطيعوا محو الهوية الفلسطينية الراقدة في التراب الفلسطيني. كذلك يوضح أن طاقم المقاعد المكون من 5 قطع، قد فقدت منه قطعتان فيما أضيف البديل وهو قطع حديثة في ما يمكن اعتباره ربما إشارة إلى الجريمة التي ارتكبها الصهاينة بخلق مجتمع مسخ من خلال عدم قدرتهم على إقامة مجتمع كامل على أنقاض المجتمع الفلسطيني بعد هدمه؛ فلا يزال المكون الفلسطيني قائمًا وغالبًا، ولا يزال المكون الصهيوني شاذًا غريبًا دخيلًا على الروح الفلسطينية.
فيما بعد، تأتي المناظرة الكلامية بين خلدون الذي صار دوف بعد أن قامت الأسرة الصهيونية بتربيته ليصبح مقاتلًا في الجيش الصهيوني. تلك المناظرة الكلامية التي جاءت أشبه بالمحاضرات القيمية بما أدى ربما إلى الإخلال بالرمزية في القصة بأن وضحها تمامًا للقارئ فباتت كما قلنا أشبه بمحاضرة في الوطنية الفلسطينية. لكن هذه المناظرة أوضحت رؤية كنفاني للموقف العام بأنه جريمة صهيونية ارتكبت بمزاعم حماية اليهود من الاعتداءات النازية فارتكب اليهود جريمة مقاربة إن لم تكن أفظع، ويؤكد كنفاني هذا المعنى عندما تشير المرأة الصهيونية إلى الصدمة التي انتابتها عندما رأت مقاتلين من العصابات الصهيونية يلقون بأحد الأطفال الرضع الموتى في سيارة بكل وحشية وفظاظة، وقولها إنه لو كان يهوديا لما ألقوه هكذا، ثم يأتي تذكرها قتل النازيين لابن جيرانهم في بولندا التي أتت منها.
كذلك أوضحت المناظرة نقدًا للذات وهو أن البطل ذهب إلى حيفا للبكاء على الماضي، بينما يمنع ابنه خالد من الانضمام إلى صفوف المقاومة الفلسطينية التي يراها الجميع — بما فيهم سعيد نفسه — الأمل في استعادة الوطن. يقول كنفاني إن الفلسطينيين اكتفوا بالتحسر على ما فات دون أن يسعوا إلى أن يسلكوا الطريق الوحيد المتاحة لاسترداد كل شيء، وهو الطريق الممثل في المقاومة وحمل السلاح، وهو المبدأ الذي أكده في رواية "ما تبقى لكم" التي أكد فيها أن البندقية هي الطريق الوحيد لاستعادة فلسطين.
إذن، حملت رواية غسان كنفاني سردًا لوقائع ونقدا للذات وتقديم حل بما يعني أطروحة كاملة في رواية أقل من الثمانين صفحة بأي حال من الأحوال. لكنه التكثيف والحس الروائي والعين الصادقة التي نقلت ما حدث كما حدث؛ فقط دون زيادة ولا نقصان.

بيني موريس... التسويف!
نأتي إلى الصورة التي نقلها بيني موريس في كتابه لما حدث في حرب 1948 وخلفياتها. يحمل بيني موريس ما يسميه "الأعمال الإرهابية" التي قام بها العرب ضد اليهود، وكأن هذه الأعمال انبثقت من العدم ودون أدنى مبرر. فالكاتب يتجاهل عن عمد الانتهاكات التي قام بها الصهاينة ويصفها بـ"ردود الأفعال" على العمليات المسلحة العربية، ويحمل العرب مسئولية انهيار كل جهود التسوية.
إلا أنه هو نفسه لا يستطيع أن ينكر أن هناك انتهاكات حدثت من الصهاينة، ولكن بالإضافة إلى التزوير الحقيقي يأتي دور التسويف بالتقليل من الوقائع إذا كانت ليست معه فيقول في الصفحة 32 من الكتاب إلى "حالات الشغب والمذابح" التي قام بها العرب ضد اليهود في الفترة بين عامي 1920 و1921 وكذلك عام 1929 جاءت مدفوعة بخليط من المظالم "الملموسة أو المتصورة" ذات الطابع الديني والقومي. إذن، هو يعترف بوجود مظالم "ملموسة" ولكنه يتبنى سياسة التسويف فيقول إن هناك المظالم المتصورة!!
وفي جانب آخر من الكتاب يقول إن فكرة التهجير القسري للفلسطينيين كانت في الذهنية الصهيونية من قبل نزول الصهاينة إلى فلسطين، ولكن الحديث عنها كان ممنوعًا لعدم الرغبة في تنفير الرأي العام اليهودي وبعض القادة اليهود من ذوي الميول الاشتراكية من هذه الفكرة فيسحبون تأييدهم لمسألة نقل اليهود للإقامة في أرض فلسطين!! هل يريد الكاتب من العرب والفلسطينيين أن يصمتوا أمام فكرة ترحيلهم قسريًّا من أرضهم لمنحها لآخرين كما شاهدنا في قصة "عائد إلى حيفا"، التي صورت الوضع كما حدث دون زيادة أو نقصان؟
كذلك يطلق الكاتب على المقاومة الفلسطينية تعبير "المتمردين" في تكرار للمصطلح الأمريكي لوصف المقاومة العراقية ضد الأمريكيين الذين دخلوا البلاد احتلالًا وغزوًا. ويقول إن هناك جبهات رفض تشكلت بين الفلسطينيين لعمليات المقاومة، ولكنه يعود ويقر في صفحة 49 من الكتاب بأن هذه الجماعات التي تشكلت تحت مسمى "جماعات السلام" جاءت بجهود المخابرات البريطانية!! وكذلك جاءت بجهود فريق "المعارضة" الفلسطيني الذي كان يتلقى رشى من القيادات الصهيونية في فلسطين!! أي أنه يقول إنه كانت هناك معارضة للمقاومة الفلسطينية.
كذلك يطلق الاتهامات على الفريق الفلسطيني المؤيد للمقاومة وهو الغالبية العظمى والتي كان يتزعمها عائلة الحسيني؛ فيقول إنها راحت ترتكب الاغتيالات بحق المعارضين من عائلة النشاشيبي التي كانت مقربة من الدوائر الصهيونية، دون أن يقدم ولو دليلًا واحدًا على ذلك حتى من واقع الوثائق البريطانية أو الصهيونية التي يقول إنه يعتمد عليها في عمله "الوثائقي".
إنه التزوير والتزييف إذن كما دأب الصهاينة على الفعل منذ أن بدأت المأساة الفلسطينية. اتهامات بلا دليل، وتسويف لوقائع حقيقية واختلاق لوقائع لم تحدث بالقول إن الصهاينة لم يكونوا على علم بموعد الانسحاب البريطاني رغم أن العرب يقرون بأن الطرفين الصهيوني والعربي كانوا على علم بموعد الانسحاب. كذلك يعود فيقول إن البريطانيين لم يقدموا أدنى نوع من المساعدة للصهاينة في الحرب مع الإشارة إلى أن الكوادر الصهيونية التي قادت الحرب كانت قد تدربت على أيدي البريطانيين أثناء الحرب العالمية الثانية وأن كثيرًا من السلاح الذي وقع في يد العصابات الصهيونية جاء من السلاح البريطاني المسروق أو "المشترى" من البريطانيين!! وبعد هذا الشراء، تم منع السلاح للأطراف المتحاربة بقرار من الأم المتحدة، إلا أن تشيكوسلوفاكيا "لم تلتزم" بالقرار واستمرت على تصدير السلاح لـ... الصهاينة!! وفي النهاية يتكلم عن انتهاكات القانون الدولي التي مارسها العرب والفلسطينيين بحق اليهود القادمين للإقامة في "سلام" مع الفلسطينيين!!

هاتان روايتان للأحداث، واحدة توثق لما جرى بعين الروائي في رواية تخلو من التناقض في سردها للأحداث، وأخرى توثق لما هو قائم استنادا إلى وثائق إلا أن آفات التناقض والتعارض والتسويف ضربتها من كافة الاتجاهات. إلا أن هذا ليس بيت القصيد، فبيت القصيد هو أنه طالما كان بيد الصهاينة القوة على كل المستويات عسكريًا وماليًا وعلميًا وسياسيًا، سيكون من حقهم قراءة التاريخ وتأويله وفقا لما يحلو لهم، ويبقى العائد إلى حيفا في انتظار بندقية خالد لكي تعيده!



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيل النكسة وإحباطات الشباب... الحل العكاشي!!
- التاريخ... بين ابن خلدون وسان سيمون
- بعد حبس الفتيات وإقرار مسودة الدستور... الشارع هو الحل!!
- وسط البلد من جديد... حكايات المصريين
- إلى مصر مع التحية... هل عاد المد الثوري؟!
- أبو بلال... التغربية أو ربما الشتات... هل من فارق؟!
- محاكمة مرسي... مرسي فقط؟!
- موشح أيها الساقي... عن التصوف والإبداع وأشياء أخرى!!
- إنهم يفقروننا... فما الخلاص؟!
- شبرا وعبد الباسط وبرج الكنيسة... ومصر...!
- ملاحظات على فكر سان سيمون (3)... المجتمع المثالي
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (4) كيف أخفق رجال ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (3) الطبقة الوسطى. ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (2) كيف حُشِدَ الش ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (1) كيف حُشِدَ الش ...
- ملاحظات على فكر سان سيمون (2)... الدين والطبقة الاجتماعية
- ملاحظات على فكر سان سيمون (1)... التاريخ وتقدم المجتمعات
- مصر... في زمن الإرهاب
- مصر... بين ديكتاتورية اللحية وعسكرة الفساد
- الإنسان إذ يواجه ذاته... وقد ينتصر!


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - حسين محمود التلاوي - بين كنفاني وموريس... التوثيق الروائي والزيف الوثائقي!!