أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين محمود التلاوي - موشح أيها الساقي... عن التصوف والإبداع وأشياء أخرى!!















المزيد.....

موشح أيها الساقي... عن التصوف والإبداع وأشياء أخرى!!


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 4250 - 2013 / 10 / 19 - 00:43
المحور: الادب والفن
    


حدث أن استمعت إلى موشح "أيها الساقي إليك المشتكى"، وهو موشح من أشعار ابن زهر الأندلسي، بصوت المطربة اللبنانية فاديا الحاج. في تقديري فإن هذا الموشح قد وصل إلى درجات عليا من الإبداع على كافة المستويات من حيث الكلمات والأداء والألحان وتوزيع اللحن. بالفعل كان ابن زهر الأندلسي عبقريًا، وربما هي العبقرية التي وسمت العديد من المفكرين والشعراء الأندلسيين، كما كانت الحاج مبدعة في الأداء الذي سانده لحن وتوزيع آلات قمة الأداء الموسيقي.
يثير هذا الموشح وأداء فاديا الحاج له العديد من الأفكار في نفس الإنسان سواء كانت هذه الأفكار على مستوى المضمون الصوفي للأشعار، أو على مستوى الإبداع الفني العربي، أو غير ذلك من الكثير من المستويات. وفيما يلي من أسطر، سأحاول بلورة هذه الأفكار قدر الإمكان فيما يشبه الخواطر التي تولدت وتدفقت من الاستماع إلى هذا الموشح.

ابن زهر... شكرًا على أزهارك!
كان ابن زهر الأندلسي طبيبًا ممتازًا، ولكنه في الواقع كان فيما يبدو طبيبًا للإنسان نفسًا وجسدًا؛ فيقال إن له كتابًا في الطب النفسي، إلى جانب الموشحات المختلفة التي من بينها موشح "أيها الساقي" الذي أثار سماعه الخواطر التي تجلت في هذا المقال. ولابن زهر قصة غريبة بعض الشيء، ولكن على غرابتها فهي تتشابه مع غيرها من قصص المبدعين الذين تعرضوا للوشاية بسبب إبداعهم وكفاءتهم؛ حيث تعرض للوشاية لدى الخليفة المنصور حاكم الأندلس بأن الحفيد أبا بكر بن زهر "يحوز كتبًا عن المنطق والفلسفة"، وهي التهمة التي تمت التبرئة منها.
هذه نبذة بسيطة مخلة عن حياته، ولكن الجانب الأبرز فيها هو أن ابن زهر كان من أعلم أهل عصره باللغة إلى جانب علمه الشرعي، وهو العلم الذي شهد به معاصروه. وهنا قد يتساءل البعض: كيف له أن يؤلف موشحًا صوفيًا بهذه الحرارة؟! في واقع الأمر، السؤال في ذاته يعبر عن قصور في التفكير يتمثل في القول بالتناقض بين التصوف والشريعة؛ فالتصوف في جزء منه هو محاولة للوصول إلى مستويات أعلى من العبادة، والارتقاء في العلاقة مع الله تعالى، الأمر الذي لا يتعارض مع أصل الشريعة الإسلامية.
وهذا الموشح جري على عادة التصوف في العشق الإلهي بالحديث عن الذات الإلهية بأسلوب الحديث عن المحبوب المتبتَّل في حبه، وكذلك باستخدام بعض التعبيرات بمعاني تختلف عن المعاني المتعارف عليها؛ فالساقي هو رب العزة (المتولى الأكبر المخصوصين من أوليائه والصالحين من عباده, وهو الله العالم بالمقادير ومصالح أحبائه، وفق تعبيرات القطب الصوفي أبي الحسن الشاذلي) االذي يسقي المقربين منه الشراب الممثل في (النور الساطع عن جمال المحبوب، كما عرفه الشاذلي) بينما الكأس هو (اللطف الموصل ذلك إلى أفواه القلوب وفق تعبيرات القطب نفسه). أما تعبير "وإن لم تسمع" فهو لا يعني قدحًا في الذات الإلهية كما فهم البعض، وإنما يعني عدم الاستجابة للدعوة في الدنيا.
إنه التصوف في أوضح صوره يأتي من أحد العالمين بالشريعة الإسلامية باعتراف أهل عصره وزمانه. فهل من مجادل بعد ذلك بأن التصوف في مجمله يتناقض مع الشريعة الإسلامية. لست هنا أرمي إلى الدفاع عن الصوفية في مواجهة منتقديها؛ فالصوفة أقدر على ذلك بكثير، ولكنني فقط أشير إلى خواطر تواردت إلى ذهني من سماع الموشح وقراءة ملامح من سيرة قائله.

إبداع فني ومقارنة صوفية
زاوية أخرى من زاويا الإبداع في هذا الموشح تتمثل في الصوت الساحر للمطربة اللبنانية فاديا الحاج، التي ألقت الموشح بإحساس أوصل للمستمع المضامين التي كان الشاعر يرمي إليها؛ فكأن بالمطربة كانت حاضرة ابن زهر، وهو ينشد الموشح سائلةً إياه عن شروحات له كي تبدع في الأداء!! وكذلك جاء اللحن وتوزيعه ليضيف إلى الجو الصوفي آفاقًا متنوعة.
بالفعل إنه موشح يدفع بالعقل الإنساني إلى آفاق بعيدة لا يدري العقل أنها موجودة، وربما لا يتمكن من وصفها عند الرجوع منها، بل ربما لا يدرك ماهيتها عندما يعود ويتأمل فيها. إنها آفاق التبتل والتدله والذوبان في المحبوب. فإذا أخذنا المعنى على إطلاقه، يمكننا القول إنه الذوبان في الهدف والمرمى. فليكن محبوبًا أو معبودًا أو أيًا ما يكون، ولكن يبقى أنه هدف يسعى المرء إليه، وعندما يصل، يتحقق الذوبان والاتحاد. ويتجلى التعبير عن الذوبان في مقطع "دميت عيناي من طول البكى، وبكى بعضي على بعضي معي".
فيما بعد، دخل محيي الدين بن عربي القطب الصوفي الأعظم في مقارنة مع هذا الموشح الذي نظمه ابن زهر الأندلسي بأن نظم موشحًا مطلعه "عندما لاح لعيني المتكا"، وهذا الموشح فكرته أكثر وضوحا من الزاوية الدينية؛ فهو يتكلم عن تجربة الحج والاقتراب من بيت الله الحرام والمشاعر التي تنتاب المرء في هذه اللحظات.
لكن في تقديري الشخصي، يأتي موشح ابن زهر أكثر فلسفة وعمقًا وربما وحضورًا وتأملًا، وهو الأمر الذي لا ينتقص من موشح ابن عربي شيئًا، ولكنها الأذواق!!

تساؤل... وشكر!
لست أريد أن أطفئ الحالة الشعورية التي يحملها المقال بعدد من الكلمات ربما البذيئة، ولكن ذلك يدخل في إطار لزومية ما يلزم. لست أدري كيف وصل العقل العربي من موشحات ابن زهر وغيره إلى ما نسمعه حاليًا من ابتذال؟! أي شيطان تلبس الذهنية العربية والإسلامية فقادها إلى ما يقال عنه إنه فن وأدب في هذه الأونة؟!
ولكي لا يقال إن هناك افتئاتًا على "الفنانين" و"المبدعين" في العصر الحديث يكفي أن نشير إلى ما يشيع حاليًا مما يطلق عليه "أغنية" يفتخر فيها المطرب بأنه عرقل من يكلمه دون أن يرى قدميه!! لست أدري أي فخر في هذا الأمر، ولكي أكون أكثر تحديدًا أنقل كلمات هذا المقطع من "الأغنية"، وهي الكلمات التي أكتبها وأنا في حالة من الاشمئزاز في الواقع، ولكنه كما سبق أن قلت "لزومية ما يلزم":
أديك مقلب حرامية
من غير ما تشوف رجليا!!
أي فخر في هذا؟؟! أي هوان وصلنا إليه بهذا؟! أي شيطان يتلبسنا لكي نتنغنى بهذه الكلمات؟! لكن في المبدأ والمنتهى نحن المسئولون؛ فهذه الكلمات صنيعة بيئة أسهمنا نحن فيها، وهي البيئة التي بالفعل لا خلاص منها إلا إذا حاولنا استعادة الأجواء التي أدت إلى النبوغ والبراعة والعبقرية التي اتسم بها الأندلسيون على سبيل المثال لا الحصر في التاريخ العربي والإسلامي. فهل نحن راغبون؟؟!!
ولكي لا يكون ختام الكلام بهذه التعبيرات الدونية، فضلت أن أنهي الحديث بما قد يعيدنا إلى الأجواء السابقة بأن أوجه الشكر للصوفية الذين بالفعل أثروا حياتنا بالعديد من المصطلحات والمضامين التي تعبر عن حالات من التوهج العقلي والذهني والقلبي التي ربما تعجز الألفاظ المعتادة عن وصفها أو التعبير عنها.
بالفعل، لقد أثرى الصوفية الذهن الإنساني بتعبيرات مثل "الفيض" و"الوصول" وغيرها من التعبيرات التي تشير بدقة إلى بعض الحالات الوجدانية التي ربما يستعصى على اللفظ المعتاد وصفها. فشكرًا للصوفية الذين فتحوا للذهن أبوابًا لينطلق فيها بعيدًا عن التمرغ في المادية بما يحقق الصفاء النفسي والسلامة البدنية إلى جانب ما هو أهم، وهو... الانطلاق الذهني... فانطلق أيها العقل ولا حرج!



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنهم يفقروننا... فما الخلاص؟!
- شبرا وعبد الباسط وبرج الكنيسة... ومصر...!
- ملاحظات على فكر سان سيمون (3)... المجتمع المثالي
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (4) كيف أخفق رجال ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (3) الطبقة الوسطى. ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (2) كيف حُشِدَ الش ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (1) كيف حُشِدَ الش ...
- ملاحظات على فكر سان سيمون (2)... الدين والطبقة الاجتماعية
- ملاحظات على فكر سان سيمون (1)... التاريخ وتقدم المجتمعات
- مصر... في زمن الإرهاب
- مصر... بين ديكتاتورية اللحية وعسكرة الفساد
- الإنسان إذ يواجه ذاته... وقد ينتصر!
- من الهيمنة إلى الفناء... الثقافة كعامل فناء وإفناء
- الأخلاقية في الفعل السياسي... الحالة المصرية والتشيّؤ!
- تأملات... في حاكم سقراط!!
- سفر الخروج... تأملات لا دينية!!
- لماذا يخاف الإخوان من (تمرد)؟!
- التعديل الوزاري المصري.... عندما يتجسد الفشل!!
- بين عمرو دياب وأم كلثوم... عن التأثير المصري نتحدث!
- حلوة بلادي...!! إفطار في الجمالية...!!


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين محمود التلاوي - موشح أيها الساقي... عن التصوف والإبداع وأشياء أخرى!!