أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - حسين محمود التلاوي - أبو بلال... التغربية أو ربما الشتات... هل من فارق؟!















المزيد.....

أبو بلال... التغربية أو ربما الشتات... هل من فارق؟!


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 4277 - 2013 / 11 / 16 - 12:22
المحور: القضية الفلسطينية
    


لست أدري من صاحب الذهن الألمعي الذي أدخل في قواميس أنظمتنا العربية أن كلمة "الفلسطيني" تأتي مرادفًا للبؤس! لكنه والحق يقال يستحق التحية والتقدير؛ فقد غرس هذا المعنى في قواميس الأنظمة العربية، التي تكفلت بكل براعة بأن تجعله من مجرد مرادف إلى جذر أساسي من جذور الكلمات في اللغة؛ فبات تعبير "الفلسطيني" له هو نفسه العديد من المرادفات مثل "الشتات" و"التغريبة" و"البؤس"، وهذا التعبير الأخير فضل التراجع عن كونه مفردة أساسية ليصبح مجرد معنى من معاني تعبير "الفلسطيني"؛ إذ وجد "البؤس" أن "الفلسطيني" يمثل تعبيرًا أقوى في المعاني التي يحملها!
ولكن إحقاقًا للحق، فإن المعاملة تختلف بعض الشيء بين الدول العربية، إلا أنها تتشابه في جزئية واحدة، وهي أن الفلسطيني يتحمل أعباء أية خلافات عربية. أتكلم هنا عن الفلسطيني العادي الذي يريد أن يعيش مثل أي مواطن في أية دولة عربية سواء كان في مصر أو الجزائر أو اليمن أو العراق؛ مواطن يريد أن يذهب إلى العمل، ويعود ليجد أسرته في انتظاره، ويذهب معها في نزهة أسبوعية في الأماكن التي شهدت مرح طفولته. هل هذا كثير؟!

هل من فارق؟!
حدث أن ذهبت الأسبوع الماضي إلى المجمع. هذا التعبير مألوف للغاية لدى غالبية أو كل المصريين؛ فمن منا لم تكن له معاملة حكومية في مجمع المصالح الحكومية المعروف اصطلاحًا بـ"مجمع التحرير" نسبة إلى ميدان التحرير قلب العاصمة المصرية القاهرة؟ ذهبت إلى هناك لاستكمال إجراءات حصولي على الجنسية المصرية؛ حيث أنني لأم مصرية وأب فلسطيني، وأقيم في هذا البلد طيلة حياتي. وهناك قابلت الكثير من الفلسطينيين ممن هم على شاكلتي، من الذين ذهبوا إما للبدء في إجراءات الحصول على الجنسية أو لاستكمال الشق التنفيذي بالحصول على وثائق المواطنة الكاملة مثلما كان الحال معي.
كانوا خليطًا حقيقيًا؛ فقد كان منهم من لا تستطيع تفرقته عن المصريين المواطنين، وهؤلاء كانوا متنوعين بين ساكني المناطق الشعبية أو المتحدرين من الطبقة الوسطى أو من الطبقات العليا في المجتمع. كذلك كان هناك من يبدو فلسطينيًّا فعلَا بعيدًا عن اللهجة المصرية بل الطابع المصري ككل (من احتك بالمصريين يدرك ماذا يعني تعبير "الطابع المصري"، وأنه ليس مجرد حذلقة أو تفاخر مغرور من المصريين).
ومن بين هؤلاء كان أبو بلال...
منذ اللحظة الأولى التي رأيته فيها، شعرت أنه يؤكد الصورة التي ارتسمت في ذهني منذ طفولتي وأنا أرى "مشاوير" والدي لدى مصلحة الجوازات وأقسام الشرطة؛ تلك الصورة التي تشرح للإنسانية ما تعنيه كلمة "التغريبة" أو ربما "الشتات". لكن... هل من فارق؟! لست أدري في الواقع، ولكن ربما التغريبة تتحول في مرحلة ما من مراحلها إلى شتات.
وكان أبو بلال نموذجًا.
في البداية، رأيت يده تمتد من خلف ظهري إلى الموظفة الجالسة خلف الشباك لتنهي إجراءات تنفيذ اكتساب الجنسية، وسمعت صوتًا يقول: "كنت قد أعطيتني موعدًا اليوم لاستكمال إجراءات تنفيذ الجنسية". قالها بصوت واهن وباللهجة الفلسطينية التي تربيت على سماعها من والدي (قبل أن تتسلل إليها التعبيرات اليمنية من واقع إقامته هناك منذ أمد بعيد لتضاف إلى التعبيرات المصرية التي تشربها من واقع طول إقامته في مصر قبل أن تبدأ التغريبة الحقيقية بسبب السياسة والمال!!).
كان يرتدي ملابس تشبه تلك التي اعتدت أن أرى والدي يرتديها وهو قادم في الإجازات الصيفية؛ ملابس نظيفة وأنيقة، ولكنها ليست فاخرة؛ سترة حلة زرقاء (وكانت أحيانا سوداء) على قميص أبيض أو رمادي اللون، وسروال (إما أسود لو كانت السترة زرقاء، أو من لون آخر إن كانت السترة سوداء). في تقديري، لن تكون هناك مبالغة إن تحدثنا عن "الزي الموحد" للاجئين الفلسطينيين خاصة العاملين منهم في سلك التدريس في الدول النفطية.
عاونته الموظفة بإخلاص على إنجاز المعاملة، وصبرت كثيرًا على عدم استيعابه لبعض الإجراءات أو نسيانه لبعض الأوراق المطلوبة.

السلطات!!
كان "أبو بلال" قد أتى لاستكمال إجراءات تنفيذ الجنسية لولده "بلال"؛ فطلبت منه الموظفة بعض الأوراق المطلوبة في حالة عدم وجود الشخص مقدم الطلب. كانت الطريقة التي سارع بها إلى تقديم الأوراق المطلوبة للموظفة كانت مؤلمة فعلًا! قدر من التلهف والاستعداد والجاهزية يشير إلى معاناة طويلة مع الروتين الحكومي سواء في مصر أ وفي البلد التي كان يعمل بها قبل الاستقرار في البلاد؛ قدر من السعادة بالاستعداد بكافة الأوراق المطلوبة لا يخرج إلا من شخص يعرف مذاق معاناة استخراج الأوراق الرسمية، ولا يريد أن تكون أوراقه ناقصة بما يجعله يعود في يوم آخر لـ"استكمال الأوراق".
في مرحلة من المراحل، طلبت منه الموظفة استكمال بعض البيانات، وكانت كل أماكن الانتظار مشغولة؛ والشباك مزدحم بالمتعاملين الراغبين في إنجاز مصالحهم. لم يكن هناك مكان خالٍ، فما كان منه إلا أن افترش الأرض بجوار الشباك وراح يسند الورق إلى الحائط ليكمل البيانات.
كانت جلسته احترافية؛ ربما اعتادها من فرط الجلوس في المطارات في انتظار سماح "السلطات" له بالدخول. أذكر أن والدي مُنِعَ من الدخول للبلاد مرتين، كانت من بينهم مرة بعد أن وصل إلى مطار القاهرة الدولي، والمرة الثانية لم يتم منحه أصلًا تأشيرة دخول للبلاد. في المرتين لم يكن السبب من عند والدي، ولكنها السياسة. كان السبب هو اختلاف مواقف "القادة" الفلسطينيين مع مواقف "القادة" العرب، وبسبب هذا الخلاف، صدر القرار من "الجهات السيادية" المصرية بـ"منع دخول الفلسطينيين"... هكذا صدر القرار... ولا مشكلة في وجود أسرة تنتظر هؤلاء "الفلسطينيين" ليمضوا معهم ساعات قليلة. إنها "الجهات السيادية"... شبح السلطات الذي يطارد "اللاجئين الفلسطيين".
ولكن إحقاقًا للحق، كانت "السلطات" المصرية أرحم كثيرًا من غيرها من "السلطات" في العديد من البلدان العربية؛ فلم يوجد في مصر على سبيل المثال مخيمات للاجئين الفلسطينيين، كما يعيش الفلسطينيون في كثير من الأحوال مثلهم مثل المصريين. يرى البعض أن هذا "انتقام" السلطات المصرية من الفلسطينيين بأن تجعلهم يعيشون "عيشة المصريين"!!!

ما لي والساسة؟!
من المؤكد أن هذا السؤال انطلق على لسان العديد من الفلسطينيين الذين واجهوا العنت في استكمال إجراءاتهم في مختلف أنحاء البلاد العربية، ومن المؤكد أيضًا أن الإجابة جاءت على لسان الموظفين المسئولين بالكلمة التالية "التعليمات". وما بين السؤال والإجابة تطول التغريبة الفلسطينية، ويطول الشتات... ويزداد!!
قد يقول قائل إن القادة الفلسطينيين هم السبب في معاناة المواطنين الفلسطينيين (هل هناك حقًا ما يسمى "المواطن الفلسطيني"؟ لنستخدم التعبير كنوع من المجاز). حسنًا، ربما يكون هذا على قدر من الصواب، وهذا القدر يجعلنا نعيد صياغة العبارة لتصبح: القادة الفلسطينيون مسئولون عن جزء من معاناة المواطنين الفلسطينيين، والتكملة المناسبة للعبارة هي أن الأنظمة العربية المتعاقبة مسئولة عن الجزء الأكبر من معاناة الفلسطينيين؛ لأنهم تبنوا القضية الفلسطينية ولكنهم تخلوا عن الفلسطينيين. كيف ذلك؟!
لقد تبنت الأنظمة العربية القضية الفلسطينية لتصبح الدرع الواقي من أية مطالب جماهيرية بالإصلاح؛ لأن المبرر جاهز للتصدي لهذه المطالب باعتبارها محاولة من القوى "الاستعمارية" و"الإمبريالية" لضرب صمود هذه الأنظمة العربية في مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب للأراضي العربية ويبرز النظام الصدامي في العراق والنظام البعثي في سوريا كأبرز نموذجين على هذه الأنظمة؛ فالنظام الصدامي حسب أن الطريق إلى القدس يمر عبر الكويت، كما أن النظام البعثي في سوريا لم يطلق رصاصة واحدة لتحرير أرضه المحتلة في الجولان، وإنما سعى إلى استغلال القضية الفلسطينية في حربه ضد الأنظمة العربية المنافسة على "زعامة" القومية العربية باستقطاب بعض المنظمات الفلسطينية التي سقطت في فخ الاستقطاب.
ولكن، ما ذنب المواطن الفلسطيني العادي في كل هذه الأمور؟! لماذا يمنع من دخول بلد يعيش فيه أولاده؟! ولماذا يتفرق شمل أسرته لأنه يعمل في بلد لا يسمح بدراسة الطلاب الفلسطينيين في جامعاته؟! ولماذا؟! ولماذا؟! والكثير من الأسئلة التي يحملها الوجدان الجمعي الفلسطيني موجها إصبع الاتهام إلى الأنظمة العربية والقادة الفلسطينيين لا فارق بين الجانبين!
أما آن للبسمة أن ترتسم على شفاه الفلسطينيين بعد عذاب التغريبة والشتات؟! هل يمكن أن يطمح بلال في أن يمضي أطفاله العطلة الأسبوعية في القدس الشريف؟! كلها أحلام، ولكنها تصطدم في النهاية بعائق الأوراق والسلطات والجوازات... لتستمر التغريبة، ويستمر الشتات!



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاكمة مرسي... مرسي فقط؟!
- موشح أيها الساقي... عن التصوف والإبداع وأشياء أخرى!!
- إنهم يفقروننا... فما الخلاص؟!
- شبرا وعبد الباسط وبرج الكنيسة... ومصر...!
- ملاحظات على فكر سان سيمون (3)... المجتمع المثالي
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (4) كيف أخفق رجال ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (3) الطبقة الوسطى. ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (2) كيف حُشِدَ الش ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (1) كيف حُشِدَ الش ...
- ملاحظات على فكر سان سيمون (2)... الدين والطبقة الاجتماعية
- ملاحظات على فكر سان سيمون (1)... التاريخ وتقدم المجتمعات
- مصر... في زمن الإرهاب
- مصر... بين ديكتاتورية اللحية وعسكرة الفساد
- الإنسان إذ يواجه ذاته... وقد ينتصر!
- من الهيمنة إلى الفناء... الثقافة كعامل فناء وإفناء
- الأخلاقية في الفعل السياسي... الحالة المصرية والتشيّؤ!
- تأملات... في حاكم سقراط!!
- سفر الخروج... تأملات لا دينية!!
- لماذا يخاف الإخوان من (تمرد)؟!
- التعديل الوزاري المصري.... عندما يتجسد الفشل!!


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - حسين محمود التلاوي - أبو بلال... التغربية أو ربما الشتات... هل من فارق؟!