أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين محمود التلاوي - العزلة سبيلًا للحرية... والحفاظ على الهوية!!















المزيد.....

العزلة سبيلًا للحرية... والحفاظ على الهوية!!


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 4360 - 2014 / 2 / 9 - 23:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يأتي مفهوم العزلة — والانعزال بالتبعية — كواحد من أكثر المفاهيم إثارة للجدل في الفكر الإنساني. وهذا الكلام لا ينطوي على قدر كبير من المبالغة، فهناك الكثير من الأحبار التي سالت في الحديث عن العزلة والانعزال والانقطاع سواءً كان ذلك بالسلب أم بالإيجاب، وتحمل الكتابات القادحة والمادحة الكثير من الأدلة والبراهين التي تدعم وجهة النظر التي تتبناها؛ مما يجعل من الصعب على الإنسان أن يحكم بقلب مطمئن على هذا المفهوم سواءً بالمدح أو بالقدح.
ولكن طبائع الأمور تشير إلى أن كل شيء في هذا الكون يحمل في طياته السلبي والإيجابي، وإذا نظرنا إلى الأمر من زاوية بعض الفقهاء المسلمين، لقلنا إن العزلة أو الانعزال حسنها حسن وقبيحها قبيح. فما الحسن في العزلة؟ وما القبيح؟ على المستوى الشخصي لا يمكنني أن أتصدى للإجابة عن هذين السؤالين، ولكنني سأحاول إلقاء الضوء على رؤى بعض المفكرين للعزلة إلى جانب بعض الأحداث التاريخية التي لعب فيها كل من العزلة والانقطاع دورًا كبيرًا في تصريف الأمور.

انقطاع الجرجاني
أتذكر أنني قرأت في منهج الفلسفة في الثانوية العامة — قبل عشرين عامًا أو يزيد — تعريفا للحرية صاغه المفكر الفارسي عبد القاهر الجرجاني يقول فيه إن الحرية هي "الابتعاد عن رق الكائنات، وقطع العلائق والأغيار"، مشيرا إلى أن الحرية على مراتب. لكن ما يعنينا في هذا التعريف — الذي يبدو من الجلي أنه صوفي المنشأ — مسألة الانقطاع. يقول الجرجاني إن أهل الحقيقة يرون في الانقطاع عن كل ما هو من دون الله سبيلًا للوصول إلى الحرية. إذن، يرى الصوفية أن الانقطاع هو السبيل للوصول إلى الحرية، والتي تتمثل في شكلها المطلق في العبودية الخالصة لله تعالى من دون الانقياد أو الانصياع لأي من الأمور الدنيوية.
بعيدا عن مناقشة هذه الفكرة الفلسفية التي لا ريب أن لها الكثير من المعارضين الذين يرون أن الحرية لا يمكنها أن تصل بالإنسان إلى العبودية أيا كان نوع هذه العبودية، فإن ما يهمنا هو جوهر الفكرة الذي يقول إن الانعزال يمكن أن يقود إلى أسمى أنواع الحرية والتحرر، وهو النوع الذي يصل بالإنسان إلى العبادة الخالصة للخالق؛ أي الهدف الأسمى لحياة أي إنسان من وجهة النظر الإسلامية.
هذا انعزال إيجابي، وهذه رؤية "تمدح" في مفهوم العزلة والانعزال، إن جاز التعبير، وهي رؤية صادرة عن اتجاه فلسفي لا يمكن التقليل من وزنه أو قيمته في الميراث الفلسفي الإنساني بشكل عام والإسلامي بشكل خاص. وبالتالي يمكننا أن نضع عنوانا رئيسيا لهذه الرؤية يقول "العزلة سبيلًا للحرية".

... وللحفاظ على الهوية كذلك
إذا انتقلنا إلى زاوية أخرى من زوايا الفعل الإنساني، لوصلنا إلى المجتمع اليهودي ومفهوم الجيتو. ويأتي لزامًا علينا — قبل أن نوضح الكيفية التي يخدم بها هذا الانتقال مرمانا في هذا المقال — أن نوضح مفهوم الجيتو، والدور الحيوي الذي لعبه في تاريخ المجتمعات اليهودية في مختلف أنحاء العالم وكذلك مختلف المراحل الزمنية.
تشير التعريفات العامة إلى أن مصطلح الجيتو يعني ذلك الجزء من المدينة الذي تعيش فيه جماعة عرقية بعينها، وقد تم الاصطلاح على إطلاقه على الأماكن التي يعيش فيها اليهود بخاصة في أوروبا، ولكن المصطلح اتسع ليطلق على الأماكن التي يعيش فيها اليهود في مختلف أنحاء العالم، والتي تسمى مثلا في العالم العربي خاصة في مصر بـ"حارة اليهود". وظهر أول جيتو في العالم في مدينة روما عام 1516، وكان السبب الرئيسي في نشأة هذه التجمعات اليهودية في أوروبا هو النظر إلى اليهود باعتبارهم غرباء لديانتهم المختلفة عن الديانة المسيحية الرئيسية في أوروبا. وتشير الدراسات إلى أن الأصل اللغوي لهذه الكلمة "جيتو" يعود إلى أصول إيطالية مثل كلمة gheto، والتي تعني مكب نفايات المعادن، الذي كان يقام في المناطق التي يعيش فيها اليهود.
عاش اليهود في هذه الأماكن بكل ترحاب؛ لأنهم نظروا إليها على أنها وسيلة للحفاظ على هويتهم المختلفة عن هوية المجتمع المحيط بهم، وما ساعد على تقبل هذه العزلة هو الاعتقاد السائد لدى اليهود بأنهم "شعب الله المختار"؛ الأمر الذي يعني ضرورة حماية هذا الشعب من "الأغيار" المحيطين به. ونرى هذه الفكرة تتمثل في إنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين؛ بحيث تكون هذه الإسرائيل هي الجيتو الأكبر لليهود في العالم، والذي يحفظ شعب الله المختار من كل الأقوام المتوحشة المحيطة بهم.
ومرة أخرى بعيدًا عن الاتفاق أو الاختلاف مع الفكرة، فإن اليهود اختاروا فكرة العزلة والانعزال من أجل الحفاظ على الهوية، وهو ما نجحوا فيه بامتياز؛ حيث حافظوا على لغتهم العبرية من الفناء، من خلال ابتكار لهجة اليديش التي تعتبر مزيجًا من اللغات الألمانية والفرنسية والإيطالية مع اللغة العبرية.
يمكن القول إن فُرِضَت العزلة على اليهود باعتبارهم مختلفين، ولكنهم استطاعوا أن يجعلوا من هذه العزلة أسلوب حياة استطاعوا من خلاله إنشاء مجتمع كبير لليهود يعيش حاليا على أرض فلسطين. وبالتالي، فإن العزلة قادت إلى الحفاظ على الهوية وإنشاء مجتمع متكامل وصل إلى مرحلة الدولة، وهو أمر لا يمكن التشكيك فيه على الرغم من الرفض الكامل لتداعياته على الأرض.

الهجرة
يأتي مفهوم الهجرة في الإسلام واحدًا من المفاهيم التي يمكن النظر إليها باعتبارها تمثل نوعا إيجابيا من الانقطاع أو العزلة. ويشير بعض المفكرين إلى أن الهجرة في الإسلام تنقسم إلى نوعين؛ الأول منهما هو الهجرة الظاهرة الحسية بالانتقال من ديار الكفر إلى ديار الإسلام، والثاني منهما هو الهجرة القلبية الباطنة الممثلة في هجر المعاصي والذنوب والآثام، والتي تعتبر الهجرة الحسية إحدى الوسائل لتحقيقها.
إذن، هذا المفهوم البسيط للهجرة يوضح أنها نوع من الانعزال عن شيء نظير الوصول إلى شيء آخر، وكذلك نوع من الانقطاع عن فعل معين لتحقيق فعل آخر. وقد طبق المسلمون هذا النوع من الانعزال والانقطاع مرتين في التاريخ الإسلامي، وكان المرة الأولى عندما هاجرت جماعة من المسلمين إلى بلاد الحبشة والتي تمت على مرحلتين فرارًا من بطش المشركين في مكة المكرمة واحتماءً بالنجاشي ملك الحبشة النصراني. أما الهجرة الثانية فكانت هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة لإقامة الدولة الإسلامية في صورتها الأولى، والتي كان الرسول عليه الصلاة والسلام فيها نبيا وحاكما.
في المرتين كان الانقطاع؛ الابتعاد عن عنصر نظير الوصول إلى عنصر آخر. وكانت الهجرة في المرة الثانية من أجل تحقيق الهدف الأسمى في تلك المرحلة من تاريخ الدعوة الإسلامية وهو إنشاء الدولة الإسلامية التي ينطوي المسلمون تحت لوائها، وهو ما تحقق بالفعل في النهاية.

هناك الكثير من الأمثلة التي يمكن الإشارة بها إلى فوائد العزلة والانعزال من التاريخ الإنساني سواءً الفكري أو السياسي؛ فهناك النموذج الأمريكي بعد الكساد العظيم في الثلاثينات، عندما انعزلت الولايات المتحدة عن العالم، وانكفأت على نفسها قبل أن تخرجها موقعة بيرل هاربور من قوقعتها لتجتاح العالم بكل وسائل القوة لديها من ناعمة وخشنة ومتوسطة النعومة كذلك!!
ليس هذا دعوة للعزلة ولا ترجيحا للرأي المادح على الرأي القادح، ولكنه محاولة لتأمل مسيرة العزلة والانعزال والانقطاع في التاريخ الإنساني. إذن، هي مجرد محاولة تأملية تهدف إلى إلقاء الضوء على هذه الممارسة الإنسانية التي قادت الإنسان في يوم ما إلى الحفاظ على هويته، ومرة أخرى دينه، بينما رآها البعض وسيلة لتحقيق الهدف الأسمى للإنسان في معتقدهم وهو عبادة الخالق، فيما أخذها آخرون باعتبارها وسيلة لبناء دولتهم لاجتياح العالم فيما بعد.
هل هناك من رؤى أخرى تتناول العزلة؟! من المؤكد أن هناك الكثير، ولكن المقام لا يتسع، كما أنه بالإمكان اعتباره هذا المقال "أنشودة للعزلة والانقطاع"!!
******



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يسقط حكم العسكر... ما حكم العسكر؟!
- المأزق الراهن... كيف صرنا إلى ما صرنا إليه؟!
- بين كنفاني وموريس... التوثيق الروائي والزيف الوثائقي!!
- جيل النكسة وإحباطات الشباب... الحل العكاشي!!
- التاريخ... بين ابن خلدون وسان سيمون
- بعد حبس الفتيات وإقرار مسودة الدستور... الشارع هو الحل!!
- وسط البلد من جديد... حكايات المصريين
- إلى مصر مع التحية... هل عاد المد الثوري؟!
- أبو بلال... التغربية أو ربما الشتات... هل من فارق؟!
- محاكمة مرسي... مرسي فقط؟!
- موشح أيها الساقي... عن التصوف والإبداع وأشياء أخرى!!
- إنهم يفقروننا... فما الخلاص؟!
- شبرا وعبد الباسط وبرج الكنيسة... ومصر...!
- ملاحظات على فكر سان سيمون (3)... المجتمع المثالي
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (4) كيف أخفق رجال ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (3) الطبقة الوسطى. ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (2) كيف حُشِدَ الش ...
- الوضع المصري... محاولة للفهم وربما الخلاص (1) كيف حُشِدَ الش ...
- ملاحظات على فكر سان سيمون (2)... الدين والطبقة الاجتماعية
- ملاحظات على فكر سان سيمون (1)... التاريخ وتقدم المجتمعات


المزيد.....




- فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
- ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
- بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
- طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
- وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب ...
- لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في ...
- لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ ...
- تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
- موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا ...
- معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين محمود التلاوي - العزلة سبيلًا للحرية... والحفاظ على الهوية!!