أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - الزمن المفقود














المزيد.....

الزمن المفقود


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 4350 - 2014 / 1 / 30 - 10:23
المحور: الادب والفن
    


الزمن المفقود


حاذروا أمنياتكم فقد تتحقق! قالها لي أحد الأصدقاء قبل سنوات، ولم أفهم كنه وأهميّة نصيحته سوى الآن. تمنّيت أن أتخلص من أثر الزمن وتأثيره المقيت، وتوالي الليل والنهار الأبديّ. تمنّيت التخلّص من مفهوم الأمس واليوم والغد والتعامل مع الزمن المضارع دون غيره. هكذا وجدت نفسي ذات يوم على متن نجم ساقط في الاتجاه المعاكس إلى الأعلى، وقد يكون متوجّهًا إلى الأسفل، هذا يعتمد بشكلٍ أساسيّ على حدّة الزاوية التي ينظر منها المراقب، وسرعان ما هبط بي النجم بسلام على كوكب الأرض الموازي لكوكبنا. نفس الشخوص والمشاكل والدول والحدود والصراعات، مع فارق واحد فقط، اختفى عامل الزمن نهائيًا فوق كوكب الأرض الموازي هذا، لا زمن سوى الحاضر الممتدّ.

كان عليّ أن أتعلّم قاموسًا جديدًا بالكامل، عليّ أن أتخلّص من "كان وسيكون". لكن، كيف يكون لي هذا والمصطلحات الزمنية تلاحق ذاكرتي في هذا الزمن الممتدّ. هنا لا وقت، لا ليل ونهار، لا ربيع ولا خريف. ينظر الرجل إلينا ويقول أموت! ينقلب على ظهره وتنتهي الحكاية، موته سيرة مستمرة ودفنه يستغرق لحظات دارجة. سألت أحد أصدقائه "متى مات؟" أجاب "صاحبي يرافق الموت". سألته ماذا أفطرت وهل عاشرت امرأة يومًا ما؟ أشار إلى الثلاجة وقال طعام كثير، كُلْ ما تشاء، ثمّ أشار إلى الشارع وهمس مبتسمًا، "نساء وعشق، امتلك منهنّ قدر ما تشاء". أهذا هو العشق الذي عرفناه قبل أن نحذف عامل الزمن! وماذا عن سعاد التي حرقت قلبي يومًا ما وما تزال تحرقه، كلّما التقت أعيننا مصادفة في حفل زفاف، حتّى بعد مرور عقدين على النظرة الأولى؟

بدأت أتمرّد وأستخدم عبارات قاسية ومسيئة بعد أن شعرت بعبثية المكان الذي تمنّيته من كلّ قلبي في الزمن الممتدّ المتسلسل. صحت في وجه رجل المرور مؤكّدًا له بأنّني قد سرقت بيته قبل أيام، وضربت ابنه الوحيد قبل أسبوع. قال ببلاهة "أنت تسرق وتضرب؟". قلت بل فعلت كلّ هذا في الزمن المفقود لديكم يا عديمي النخوة والذاكرة. أدرك الشرطيّ بأنّه يواجه حالة طارئة وشاذّة، وأبرق على الفور لرجال الأمن واستخبارات الزمن الممتدّ. فحصوني وعاينوا كلّ ما هو ظاهر وخفيّ في جسدي، لكنّهم عجزوا عن سبر ذاكرتي، ولم يكن هناك بدّ من إعلان عجزهم عن معالجتي، تركوا لي الخيار بأن أوافق على إجراء عمليّة جراحيّة لاستئصال الزمن الماضي نهائيًا من وعيي، أو نفيي إلى صحارى الزمن. سألتهم بدوري عن جدوى الزمن الممتدّ، وكيف لا تنتهي الحروب والصراعات في هذا المكان الغريب؟ قالوا بأنّ الحروب تفريغٌ للطاقات الكامنة والمشاعر السلبية، ومناسبة لاختصار الأعداد المتنامية للبشر. وماذا عن سعاد؟ تبادل رجال الأمن والأطباء والخبراء النظرات وقال أحدهم "لا تعليق".

كبّلوني وقادوني إلى زنزانة زمنية ممتدّة مؤقّتة، أبقوني في السجن المنفرد خوفًا من تلويث عقول الآخرين، شتمتهم صائحًا "يلعن أمسكم وغدكم يا حقراء!". أصابهم الخوف وحقنوني بالمسكّنات لأصمت. بعد أيام، كنت أجلس في قمرة منفردة على متن نجم متأجّج، برمجوا النجم وعدّلوا مساره لإعادتي إلى صحارى الزمن. عُدتُ أخيرًا إلى كوكبي المحبوب، ولن أتمنّى الخلاص من عامل الزمن بعد الآن، لكنّي بادرت بالبحث عن بدائل عن سعاد. لا أدري لماذا أعجبتني العبارة التي سمعتها من أحد مواطني الزمن المفقود، "نساء وعشق، امتلك منهنّ قدر ما تشاء". باختصار، بلا حبّ بلا بطيخ، وداعًا يا سعاد.



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا أبله - هي تملك ثديين كبيرين
- أزمة الإنتماء لدى المثقف العربي
- ذاكرة متلبّسة بالدهشة
- الكيلومتر الثلاثون
- سارقو الحيوات
- لا مبرّر
- قطارٌ آبق
- المطارُ المغدور
- ساقا المتوفّى طويلة – أتسمحين بنشرهما؟
- حوارٌ بنّاءٌ موثّقٌ بأعيرةٍ ناريّة
- ذاكرة معطوبة
- الخطاب ما قبل الأخير
- البصطار
- يوم قُتلت كارولينا
- الشاعرة البلغارية المعاصرة سيلفيا تشوليفا
- بوحٌ في أعلى السلّم
- الشاعر البلغاري داتشو غوسبودينوف
- غرغرينا
- خيري حمدان ونصيرة تختوخ ونصّ مشترك - هواجس خريفية
- ألا ترى بأنّ صلاحيتهنّ قد استنفذت - مانويل فيلاس


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - الزمن المفقود