أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناجح شاهين - عداد الدفع المسبق، وخصخصة المياه، ووحشية رأس المال الفلسطيني















المزيد.....

عداد الدفع المسبق، وخصخصة المياه، ووحشية رأس المال الفلسطيني


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 4349 - 2014 / 1 / 29 - 10:39
المحور: القضية الفلسطينية
    



"الناس شركاء في ثلاثة: الماء، والكلأ والنار" حديث شريف

خلافاً للحديث الشريف المعروف، ليس الناس شركاء في الماء ولا الطاقة ولا الموارد الطبيعية الأساس. أو هذا على الأقل ما يعتقده البنك الدولي ومن يتبع نصائحه على كوكبنا الذي يعج بالبؤس والمعاناة على الرغم من الوفرة منقطعة النظير التي تحققت للبشرية بفضل التقدم المذهل في ميادين الإنتاج المختلفة. وفي فلسطين التي تنفرد بين البشر بدستور ينص على الالتزام بقدسية السوق، يتم ابتلاع وصفات البنك الدولي التعسة بدون تفكير في أهون الأحوال، أو مع سابق إصرار وروية في أسوئها.
لا يوجد بلد عربي واحد يطبق فكرة عداد الدفع المسبق فيما يخص تزويد المواطن بالمياه. ويوجد بلدان قليلة تفعل ذلك في مستوى الكون من قبيل بريطانيا وجنوب أفريقيا وبعض الولايات في دولة الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، فإن أسعار المياه في هذه البلدان أرخص بكثير مما هي عندنا، ولا بد أن ذلك أمر غير مفهوم بالنظر إلى أن مستوى الدخول في هذه البلدان هو عشرات أضعاف ما هو لدينا. ومهما يكن من أمر فإن فاتورة المياه عندهم قد لا تزيد بحال من الأحوال عن ثلاثة في المائة من متوسط الدخل. أما عندنا فهي تهدد جيوب متوسطي الدخول ناهيك عن الفقراء والحالات الاجتماعية وما اصطلح على تسميته بفضل لغة البنك الدولي بالفئات المهمشة.
لكن ما هي الفكرة الأساس من عداد الدفع المسبق؟ أولاً عداد الدفع المسبق هو الضمان لكي تتحول ضرورات الوجود والحياة ذاتها إلى سلعة قابلة للاستثمار من قبل رأس المال، وهي لذلك أساسية من أجل خصخصة قطاع المياه، وهذه العملية أي الخصخصة تقف على رأس أولويات السلطة الفسطينية في سياق خصخصة كل شيء وتسليعه بما في ذلك الوقود، والكهرباء، والماء بالذات. كأننا في مواجهة سلعة مثل السجائر أو الويسكي أو سيارة المرسيدس، من يمتلك الثمن يستطيع أن يتمتع بترف الحصول على السلعة، ومن لا يمتلك عليه أن يعاني عجزه عن ذلك. لكن صانع القرار الفلسطيني لا يدرك –أم تراه يدرك؟- أن تحويل الماء إلى سلعة معناه وضع حياة الإنسان ذاتها تحت رحمة قانون السوق الذي لا يرحم. ولن تقوم مؤسسة ربحية بتوزيع الماء مجاناً عاش من عاش ومات من مات، فالربح هو القيمة الوحيدة بالنسبة للاستثمار الرأسمالي، ولسنا نلوم المستثمر على ذلك، ولكننا نوجه اللوم بل الاتهام لمن يسمح وييسر ويشرع تحويل الماء وأساسيات الحياة إلى سلع للتداول في السوق، في الوقت الذي لا تفعل فيه ذلك مراكز الرأس مال العالمي ذاتها باستثناء بريطانيا مثلما أسلفنا أعلاه.
لكن الحق أحق أن يقال وأن يتبع. إن عداد الدفع المسبق يمكن أن يكون طريقة لضبط استهلاك المياه الشحيحة في بلاد تعاني أزمة مياه مثل فلسطين. ولا بد أن تشغيل هذا العداد سوف يقود إلى انخفاض استهلاك الماء إلى حد كبير. ولا بد أن ذلك مما يثلج قلب إسرائيل التي تهدر المياه كيفما اتفق إلى الحد الذي يجعل مواطنها يستهلك من الماء أكثر من المواطن الألماني الذي يتلقى ما يقرب من 2000 ملم من الأمطار سنوياً. ربما تنخفض نسبة استهلاك المياه في أوساط الفقراء إلى النصف، وربما أكثر. وهكذا نكون قد وفرنا المياه القليلة، لكن على حساب الحياة إن كان لحياة البسطاء من حساب. كأن مدارس الفقراء –بما فيها بعض المدارس الخاصة ذات الرسوم المنخفضة- لا تحفل بالأطفال الذين يعانون من أمراض النظافة وآفاتها من قبيل القمل والحكة الجلدية والجرب. ذلك لا يهم لأن المهم هو فاعلية النظام وإدارته بشكل مجد واقتصادي، وهذه أهم أولويات خبراء البنك الدولي الذين ينعون على الحكومات التي تدعم السلع الأساسية أنها تفسد اقتصاد البلاد وتفسد الفقراء على السواء بتدليلهم وتعويدهم على الكسل.
هل يعقل أن لا أستطيع الذهاب إلى الحمام أو أن أحلق ذقني في الصباح لأن بطاقة الدفع الذكية استهلكت الساعة الحادية عشرة ليلاً ونفذ الماء. ماذا أفعل؟ أليس هذا درباً من الانحطاط بالإنسان إلى مستويات يعجز عنها ظرف الزنازين بالذات. بالمناسبة حتى الزنازين في المتوسط العالمي تتمتع بخدمات من قبيل الماء والكهرباء على امتداد الساعة. يقول بعض الظرفاء في رام الله إن بعض الفيلات في الطيرة والمصيون قد ظلت بدون كهرباء لبعض الوقت خلال المنخفض العاصف الشهر الماضي لأن أصحابها لم يتمكنوا بسبب تعطل كل شيء من الحصول على بطاقات الكهرباء على الرغم من أنهم من الفئات الميسورة القادرة على شراء الخدمة وبالسعر الذي يحدده المزود. ماذا يفعل الفقراء في هذا السياق؟ هل يمكثون مرتين أو ثلاث مرات في الشهر بدون كهرباء لبعض الوقت؟ وهل سيتكرر هذا السيناريو مع "سلعة" الماء الأشد خطراً؟
ماذا يفعل المرء لو هب حريق في منزله أو بجوار منزله وخذله عداد الدفع المسبق؟ في إحدى المرات وقع حريق بسبب حرق الأعشاب بقرب منزل الجيران، ولم يكن أحد منهم في البيت وقد تمكن جار آخر بفضل خرطوم المياه الموصول مباشرة بالساعة وليس بخزان الماء من مكافحة النيران والحد من انتشارها مدة نصف ساعة إلى حين وصول سيارة المطافئ لتكمل المهمة. من البدهي أن عداد الدفع المسبق ما كان ليسمح لهذا الجار بإنقاذ الموقف على هذا النحو. هذه التفاصيل مهمة في حياة البشر، وإن كنا ندرك أن رأس المال وصانع القرار لا يهمه شيء من ذلك.
حتى في بريطانيا العجوز العظمى وصاحبة براءة اختراع خصخصة المياه حدث شيء من التراجع عن التطبيق الحرفي للفكرة بعد أن انتشرت الدوسنطاريا في بعض أحياء الفقراء على إثر تركيب عداد الدفع المسبق. أما في كوازولو في جنوب أفريقيا التعسة بالتخلص من التمييز العنصري ومجيء حكومة سوداء أجرأ من سلفها الأبيض على التلاعب بحياة العباد فقد أصيب قرابة 114000 من سكان المنطقة المعدمين بالكوليرا بعد استخدام العداد سيء السمعة مباشرة. وهذه عينات من المخاطر الصحية التي يمكن أن تترتب على وضع المصلحة الاقتصادية العمياء لرأس المال أو المصلحة المتصلة بتوفير المياه –لإرضاء البنك الدولي وإسرائيل- في المكان الأول، ووضع حياة الإنسان الفلسطيني في المكان الثاني.
وماذا عن الأخلاق العامة؟ ألا يقوم الناس في الأحياء الفقيرة بسرقة المياه بعضهم من بعض في الوقت الحالي؟ ما الذي سيحصل عندما تصبح الخدمة مدفوعة مسبقاً؟ سوف تصبح ظاهرة سرقة المياه إحدى العناوين الرئيسة للنزاعات والمشاكل لترفع نسبة العنف وتقدم سبباً آخر لتقويض السلام الاجتماعي. غريب بالفعل أن صانع القرار الفلسطيني لا يدرك هذه البدهية، إن سرقة المياه منتشرة بما يكفي في الوقت الحالي، وليس من داع لسد الطرق في وجه الناس الفقراء بحيث لا يظل أمامهم من طريق إلا سرقة المياه من خزان أحد الجيران المحظوظين. إن هذا للأسف سيؤدي إلى نشر السرقات على نطاق واسع، ولا نريد أن نصدق أن النخب التي تقود هذا المجتمع لا تأبه لسلامه وتضامنه على الرغم من الخطابة الواسعة ليل نهار حول تحرير الوطن وبنائه وإسعاد أفراد شعبه..الخ.
لا بد أن الحقد الاجتماعي الطبقي أمر عادي عندما يتصل الأمر بمن يستطيع شراء سيارة ب.م إكس فايف ومن لا يستطيع التنقل إلا بالمواصلات العامة، ولكن إحساس المواطن من الطبقات المسحوقة أنه لا يستطيع أن يشرب الماء بينما يذهب الماء إلى برك النخب بدون حساب هو إحساس مكثف بالقهر قد يقوض أركان السلام الاجتماعي من أساسه. والبنك الدولي للأسف لا يهمه هذه الأشياء، على الرغم أن التجربة قد بينت مرة تلو الأخرى أن تطبيق وصفاته يقود إلى عواقب وخيمة سياسياً واجتماعياً.
وأخيراً نستطيع أن نقول بثقة تامة إن خصخصة المياه ستؤدي إلى تعميق معاناة الفئات التي تسمى بالمهمشة. ونستطيع أن نتوقع على الفور أن نقص المياه في المنزل سوف يدفع ثمنه الأطفال والنساء أولاً، بينما يحتفظ رب الأسرة الرجل بحصة الأسد لنفسه. وليس سراً أن الأسر الفقيرة تضحي بالخبز والدواء في أحيان كثيرة لمصلحة علبة السجائر التي يدخنها الرجل مهما غلا ثمنها. هل يتفق هذا التوجه مع الخطابة الرنانة حول الجندر ودعم الطفولة؟ أليس هذا متناقضاً مع أقسام الجندر المفتوحة –بالتمويل الأوروبي- في كل وزارة من وزارات السلطة؟
يبدو لنا أن السلطة الفلسطينية لم تأخذ بعين الاعتبار المخاطر الشديدة المترتبة على هذا القرار الذي لم يدرس كفاية فيما يبدو في ظل الانسياق لمجاملة البنك الدولي وبعض شركات القطاع الخاص بما فيها الشركة التي تسوق العدادات مسبقة الدفع والتي يسيل لعابها على الأرباح المنتظرة من تشغيل مئات الآلاف من العدادات دون أن يعنيها في شيء التكلفة الاجتماعية الباهظة لمكاسبها. قال لي المهندس سمحان سمحان من منظمة الهيدروليجيين الفلسطينيين إنه مقتنع أن مشروع العداد المسبق لن ينفذ، لان عكس ذلك يتنافى مع الاخلاق الانسانية ومع ما تقوم به المؤسسات الوطنية من برامج و تدخلات ذات طابع انساني وتنموي تهدف لخدمة المهمشين بالدرجة الاولى، لكنه أضاف إنه يتوقع من القوى الحية كلها بما فيها من مجتمع مدني وأحزاب وأفراد في داخل السلطة ذاتها إضافة إلى جموع المواطنين أن يصطفوا جميعاً ليعبروا عن رفضهم لهذا المشروع الخطير. ولا بد أن ما قاله سمحان هو أضعف الإيمان، إذ أن مرور مثل هذا الحدث بسلام لا بد أن يقود إلى تغول رأس المال المحلي وانفلاته النهائي من أي عقال.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب رئيس الوزراء الكندي أمام الكنيست
- الهنود الفلسطينيون
- عزمي بشارة وألعابه الأيديولوجية
- خطة فرنسية لمساعدة المنظمات الأهلية الفلسطينية في تحرير فلسط ...
- انتصرت روسيا وإيران، أما سوريا فلا
- مصر والعرب الآخرون وأوهام الديمقراطية
- على هامش -ملتقى الحوار الثقافي العربي الألماني- حول دور المث ...
- منتظر الزيدي يقول: أنا لا أردد تراتيل الهزيمة ولو مرت أمامي ...
- قصة الأزمة الرأسمالية الراهنة
- أشباح 1929 تخيم في فضاء الكونغرس أو: أهي آلام ولادة الجديد؟
- كيفية ابتياع الفياجرا أو حرية تدفق السلع في زمن العولمة
- أوباما: ظاهرة امبريالية جديدة؟
- خطاب بوش أمام الكنيست
- الجامعة العربية تترنح، لأنها دون جذور
- زيارة نجاد للعراق ووهم القنبلة النووية الايرانية
- الشعب الفلسطيني والشعب الفنزويلي
- سندي شيهان تكتشف أن أمريكا بلد الحزب واحد
- العرب بين التمركز والتذرر
- بين وندي وإدوارد سعيد
- صور من أمريكا - 3 - اليهود الأمريكان ودعم الحقوق الفلسطينية


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناجح شاهين - عداد الدفع المسبق، وخصخصة المياه، ووحشية رأس المال الفلسطيني