أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - مصر والعرب الآخرون وأوهام الديمقراطية















المزيد.....

مصر والعرب الآخرون وأوهام الديمقراطية


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 4168 - 2013 / 7 / 29 - 16:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لا بد أن الناس في بلادنا قد أحسوا بسعادة غامرة بعد أيام قليلة من قيام ذلك الشاب التونسي المعذب بإحراق نفسه بعد أن قامت شرطية حمقاء قد لا تكون حياتها أقل بؤساً بصفعه على الملأ. تدفقت الناس إلى الشوارع، وعاشت الناس في تونس وفي الوطن العربي حلماً وردياً لذيذاً. لقد جاءت الصحوة أخيراً وستحمل معها الديمقراطية، والتقدم، والرفاه. كنت أتابع المشهد بسرور يشوبه قلق جوهري. أين هي القوة الاشتراكية أو الشعبوية على الأقل التي ستلتقط طرف الخيط وتعبر بالجماهير إلى بر الأمان؟ ولما أدركت غياب تلك القوة أحسست بالكآبة على الفور، وأدركت أن إعادة إنتاج الواقع بصورة من الصور هي الخيار الوحيد الممكن، ذلك لأن الديمقراطية ليست على أجندة التاريخ في محيط النظام العالمي بالمعنى الذي تعطيه مدرسة النظام العالمي لكلمة المحيط.
بعد قليل تحرك المصريون بشكل لا مثيل له، وملأوا ميدان التحرير ومئات الساحات العامة. وفي زمن قياسي سقط حسني مبارك. كانت أصابع الجيش تشير إلى استباق ما. ومرة أخرى حدقت جيداً أبحث عن "الرافعة" التاريخية، وبحثت بالعدسات عن جموع تحرق العلم الإسرائيلي والأمريكي. ولكن هيهات، هيهات. كان المطلب الرئيس على ألسنة الناس هو المطلب الذي لا يمكن أن يتحقق: الديمقراطية الليبرالية. إن الأسئلة الخاطئة كما يقول ماركس تستدعي إجابات خاطئة. ومن هنا جاء طرح المسألة في سوريا من قبل بعض القوى حسنة النية بالجواب الذي نشاهد. غني عن البيان أن جزءاً مهماً من القوى يريد هذا النوع من الإجابة، وليس تعساً بالخراب الذي تتعرض له البلاد.
لكن لماذا هذا الإصرار من جانبنا على أن سؤال الديمقراطية سؤال خاطئ على الرغم من أن مفكرين بأهمية المفكر العربي صاحب كتاب "بيان ديمقراطي عربي" يعدونه عصب الأمر كله؟ يذهب عزمي بشارة وبرهان غليون وغيرهما من عمالقة الفكر العربي المعاصر إلى أن معضلة الواقع العربي الأساس هي غياب الديمقراطية. ويذهبون مذاهب شتى في تأويل أسباب هذا العيب العربي الخطير. ويفكرون بالطبع في اجتراح الحلول الإبداعية المختلفة، ولكن الإجابات التاريخية تأتي ساخرة جداً. حركة النهضة والإخوان المسلمون وجبهة النصرة هي التعبير عن ابتسامة التاريخ اللطيفة. ولكن الإخوان بالطبع لا يمثلون الجماهير كلها، كما أنهم لا يمتلكون أية فكرة عن إجابة السؤال على واقع البطالة والفقر المتفشيان في آلاف الأحياء الفقيرة في المدن و"غلابا" النجوع والأرياف. الإخوان لديهم جواب على مشاكل السفور والاختلاط وكيفية الحد منها. أما تأمين المشافي، والمدارس، والخبز والقطع مع الاستعمار العالمي فهي في واد آخر. ومن هنا جاء خطاب الإخوان في مصر ناعماً تجاه هذه القضايا جميعاً. وليس المكتوب الذي أرسل إلى بيرس من قبل الرئيس محمد مرسي رئيس أكبر دولة عربية إلا عنوان هذه النعومة مع القضايا الضخمة.
وإذن لا بد أن يغضب الناس، وقد غضبوا بالفعل ونزلوا للشوارع مرة أخرى. ثلاث سنوات من الحمل الذي لا يلد شيئاً لا لسبب إلا لأنه حمل كاذب. مرة أخرى سوف يرد التاريخ بابتسامة ساخرة على سؤال الديمقراطية، والجواب هذه المرة هو العودة لحكم العسكر. تفشل البرجوازية في أن تحكم الجمهور عبر خلق الهيمنة في نطاق المجتمع المدني فتوكل الجيش بالمهمة وتختبئ وراءه. ليس هذا اكتشافاً من بنات أفكارنا. هذه هي حالة البرجوازية الطرفية. هي برجوازية ضعيفة وغبية ولا قبل لها بالإبداع والاستقلال والقدرة على القطع مع الماضي الذي يميز البرجوازية في المركز. البرجوازية في المركز نمت في سياق تاريخي مختلف: ولدت من خلال الصناعة والعلم والاكتشاف. ووأدت الإقطاع بنقده اقتصادياً وثقافياً. بل علي أن أقول قامت بنقضه من الجذور، وولدت ديانة جديدة هي ديانة العقل وحرية الاقتصاد، وأثارت حركة مركبة عملاقة على امتداد القارة أنجبت آلاف المفكرين النقديين والنقضيين. البرجوازية في بلادنا ولدت قسراً على يد لمستعمر لتكون وكيلاً –لكي لا نقول عميلاً- لأعمال الرأسمال المركزي. فهي ولدت بدون مواهب ولا مخاض. ومن هنا فهي لا تتقن غير فن السرقة والاختلاس. طبعاً ليس لديها من الأدوات ما يمكنها من تحقيق الهيمنة الطبقية، ولذلك لا بد من العسكر ليستروا عوراتها ويأخذوا عمولتهم على الدور الذي يؤدونه.
هناك أغنية مصرية "هبلة" من الواضح أنها طبخت على عجل لتمجد الجيش، والأدوار التي يقوم بها عنوانها تسلم الأيادي، يشارك فيها نحو عشرة من "كبار" الفنانين. هذا الجزء الأكثر استنارة من الطبقة البرجوازية يستعين بالجيش العظيم الذي صنع النصر الأسطوري –في حرب العام 1973 ما غيرها- "والله كان ليهم معين" مثلما تقول الأغنية. ها نحن يا بدر لا رحنا ولا جئنا. نعيد إنتاج الخطاب القدري الغيبي إلى ما لانهاية، فلسنا في زمن مو ليير والموسوعيين وإنما في زمن المفكر القومي عزمي بشارة والفنانات سوما وهيفا وهبي. وبالطبع هناك خطاب إقليمي سقفه محاولة المحافظة على تجانس مكونات القطر الإقليمي من قبيل الأقباط والمسلمين. الأفق القومي لا محل له في هذا الخطاب، فالبرجوازية لم تعد تطمح إلى توحيد السوق القومي أبداً. هذا كله أصبح جزءاً من ماض بعيد يعود إلى أيام الأفغاني ورفاعة رافع الطهطاوي. بالطبع هناك كلام عام عن دور الجيش في الدفاع عن الوطن ملائم بدون شك للأطفال في المدارس الابتدائية. لكنه هنا لسخرية التاريخ يؤسس "نظرياً" لعودة الجيش إلى الحكم. ويأتي خطاب ذكوري أحمق يتباهى "بالراجل ابن الراجل" الذي وعد بأن لا يمد يده للمتظاهرين بسوء. بودنا بالطبع أن نفحص كيف سيرد هذا "الراجل" إذا حاصر المتظاهرون السفارة الإسرائيلية أو الأمريكية أو أي من سفارات المركز الاستعماري. ومن نافلة القول أن مصر أم الدنيا هي لازمة تتكرر مثل البسملة على الطعام بمناسبة وبدون مناسبة. ويأتي الكلام العاطفي المنبت الصلة بالواقع "لو أبعد عنك ثانية بموت" وبالطبع هذا تهريج عاطفي لا فائدة منه. ولا بد أن الفنانة تقضي أوقاتاً جميلة بين الوقت والآخر في عواصم أوروبا بالأموال التي تجنيها من جيوب الناس جراء البضاعة الهابطة التي تبيعها لجمهور بسيط و"غلبان" بالمعاني المختلفة. تأتي إشارات صريحة على شكل "ألف ميت مليون تحية للي رسموا لنا الطريق" وهي إشارة إلى بيان الجيش بعد الإطاحة بمرسي، ويختتم الفنان حكيم –يا لغرابة الاسم- بغمزة من طرف عينيه مع: "تحية للراجل الجريء" وتأتي صورة البطل عبد الفتاح السيسي الذي تكرر الأغنية بشكل غريب فكرة بطولته دون أن يتوافر للأسف أية مؤشرات واقعية تسند هذا الادعاء. حتى مبارك سيء الصيت كان "بطلاً" لأنه قاد سلاح الطيران في حرب "أكتوبر المجيدة" أما هذا المسكين الذي يرغب في أن يكون زعيماً في غفلة من التاريخ فليس في سيرته شيء خلا حصار غزة وقمع الناس في الشوارع والمعتقلات. تختتم الأغنية تقريباً بمقطع يقول: "يا الله نحط ايدينا في ايدينا، مين يقدر يعادينا بأمر الله؟" هذا هو حدود خطاب فن البرجوازية المصرية. طبعاً اللحن فرايحي وبسيط وخالي من التعقيد. ينسجم مع السذاجة التي تميز أداء هذه البرجوازية منذ ولادتها.
ليس النظام الديمقراطي إلا حالة خاصة من الهيمنة الطبقية التي تميز المجتمعات الرأسمالية الصناعية التي نمت بشكل تدريجي وتحقق فيها سيطرة طبقية تستند إلى الهيمنة الأيديولوجية وليس إلى سلطة العسكر. وهذه الحالة غير قابلة للتكرار على ما يبدو في بقاع أخرى من العالم. ومن هنا نرى إلى أن إمكان ولادة هذا النظام في بلادنا تستدعي تحقيق الإنجازات التي حققتها الرأسمالية في المركز. ولكن بما أن هذا غير ممكن بسبب علاقة التبعية البنيوية التي تربط الرأسمالية الطرفية بنظيرتها المركزية، فإن الخيار الوحيد أمام شعوب الجنوب والدول العربية منها هو الاشتراكية، أو على الأقل الدول الشعبوية مثل فنزويلا وإيران التي تقطع بدرجة أو بأخرى مع النظام الرأسمالي العالمي. وللأسف فإن أي كلام عن الديمقراطية في الواقع الراهن هو مجرد خطاب أماني لا مكان له في الواقع يمكن أن يسهل هيمنة الثقافة الغربية وأوهامها الأيديولوجية، ويبقي جهد الجماهير الشجاعة يرواح مكانه كما الحمل الكاذب، فنظل ننتظر الولادة إلى أجل غير مسمى، لكن الحمل الكاذب بالطبع لا يحتوي أجنة، ولا حتى أجنة ميتة.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على هامش -ملتقى الحوار الثقافي العربي الألماني- حول دور المث ...
- منتظر الزيدي يقول: أنا لا أردد تراتيل الهزيمة ولو مرت أمامي ...
- قصة الأزمة الرأسمالية الراهنة
- أشباح 1929 تخيم في فضاء الكونغرس أو: أهي آلام ولادة الجديد؟
- كيفية ابتياع الفياجرا أو حرية تدفق السلع في زمن العولمة
- أوباما: ظاهرة امبريالية جديدة؟
- خطاب بوش أمام الكنيست
- الجامعة العربية تترنح، لأنها دون جذور
- زيارة نجاد للعراق ووهم القنبلة النووية الايرانية
- الشعب الفلسطيني والشعب الفنزويلي
- سندي شيهان تكتشف أن أمريكا بلد الحزب واحد
- العرب بين التمركز والتذرر
- بين وندي وإدوارد سعيد
- صور من أمريكا - 3 - اليهود الأمريكان ودعم الحقوق الفلسطينية
- صور من أمريكا-2- موت الحصان البطل -باربارا-
- صور من أمريكا
- من إنتاج الإغاثة الزراعية
- اعتقال سعدات ومسرحة الحدث
- اليسار والانتخابات وعزلة النخب
- انفجار لندن


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
- الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي ...
- الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي ...
- حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو ...
- جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
- تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي ...
- الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني ...
- محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص ...
- نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه ...
- نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - مصر والعرب الآخرون وأوهام الديمقراطية